سًيًدِتّيً
3.54K subscribers
8.97K photos
366 videos
82 files
1.1K links
قناة سيدتي كل ما يهم المرأة
كل مايهم المرأة العصرية والفتاة العربية .
@Sayidati
Download Telegram
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (8)
بكاء أُمِّنا عائشة قبل يوم عرفة

ولمَّا كان يوم التروية أهلَّ الناس بالحجِّ، وانطلقوا إلى منى، وانتظرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا طوال فترة حيضها لعلَّها أن تطهر قبل يوم عرفة، ولكنها لم تطهر، فبكت مرَّة ثانية، فدخل عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فشكت إليه وضعَها.
قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكِ؟» قَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ، وَلَمْ أَحْلِلْ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَى الْحَجِّ الْآنَ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ» فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتِ الْمَوَاقِفَ، حَتَّى إِذَا طَهَرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
فهذا البكاء الثاني غير البكاء الأول، فالبكاء الأول كان بسبب نزول الحيض عليها قبل أداء العمرة، والبكاء الثاني كان بسبب دخول الحجِّ ولم تطهر.
وفي هذا تنبيه للأزواج ولأولياء المرأة بأن يراعوا نفسية المرأة إذا حاضت في الحجِّ أو في غيره، وأن يسعوا في حل الإشكال الذي يواجهها بسبب الحيض.

كيف تتصرَّف من لم تطهر قبل عرفة؟:
استمر انتظار أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا حتى ليلة عرفة، ولم تستعجل فتترك عمرتها من أول النهار من يوم التروية، بل انتظرت حتى ضاق الوقت، قَالَتْ أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَلَمَّا دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي كُنْتُ أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِحَجَّتِي؟ قَالَ: ((انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَمْسِكِي عَنْ الْعُمْرَةِ، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ)). فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل للإحرام، وتُهلَّ بالحجِّ، وتدع العمرة. أي تترك أفعال العمرة من طواف وسعي، وتهلَّ بالحجِّ.
والجميل في سيرة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أنها بمجرَّد ما تسمع الأمر من نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم تسارع إلى تطبيقه من غير جِدال، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أُهْلِلْ إِلاَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وَأَمْتَشِطَ وَأُهِلَّ بِحَجٍّ، وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ.
وهذه سيرة أُمَّهات المؤمنين جميعًا، وسيرة الصحابة والصحابيات، أنهم يستجيبون لأمر الله ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يتفلَّتون من أداء المناسك ويبحثون عن الرُّخَص، بل كانت أعينهم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ينظرون ماذا يفعل فيفعلون مثله.
وفي هذا تنبيهٌ لك أختي الحاجَّة أن يكون شعارُك في الحجِّ قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني مناسككم))، لعلكِ لا تحجِّين بعد حجَّتكِ هذه، فتكون هذه الحجَّة هي حجَّتكِ الوحيدة، وهي الحجَّة المبرورة.

افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ:
(افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) هذا توجيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لمَّا حاضت في الحجِّ. فمُنعت الحائض من الطواف بالبيت حال إحرامها، ولم تُمنع من شهود بقية المشاعر، بل أُمرت أن تفعل كما يفعل الحاجُّ، ((وَأَعْمَالُ الْحَجِّ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرٍ وَتَلْبِيَةٍ وَدُعَاءٍ، وَلَمْ تُمْنَعِ الْحَائِضُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ)) (فتح الباري 1/407). والذكر يشمل قراءة القرآن، وهي من أعمال الحاج.
فلم تمنع المرأة المحرمة الحائض من قراءة القرآن ولا من التلبية ولا من التهليل ولا من الدعاء ولا من غيره إلا الطواف بالبيت.
فلا تَحرمي أختي الحاجَّة نفسك من قراءة القرآن بحجَّة أنك حائض، لا في الحجِّ، ولا في رمضان، ولا في غيره، بل أكثري من قراءة القرآن والذِّكر، واغتنمي الأوقات والأيام الفاضلة، وامتثلي لأمر ربِّك بترك الصلاة والصيام والطواف بالبيت في حال الحيض.

تصرف حكيم من أُمِّنا ميمونة رضي الله عنها:
في يوم عرفة وبعد أن صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر، اتجه إلى الصخرات وجعلها بينه وبين القبلة، ووقف على ناقته يدعو طويلًا، وهذا الوقوف الطويل جعل الناس يشكُّون هل كان النبي صلى الله عليه وسلم صائمًا أو لا؟ فما كان من أُمِّنا ميمونة رضي الله عنها إلَّا أن ((أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِحِلابٍ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ)). وتقصد بالحلاب اللبن المحلوب، أو الإناء الذي يوضع فيه اللبن.
وهذا التصرف وقع منها ومن أُختها أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ كما روت هي بنفسها: أَنَّ نَاسًا اخْتَلَفُوا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ. ولعلها حادثة واحدة وقعت بحضرتهما جميعًا.
وفي هذا التصرُّف دليل على فطنتهما في استكشاف ((الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللطيفة اللائقة بالحال؛ لأن ذلك كان في يوم حرٍّ بعد الظهيرة)).
وسبب اختلاف الناس في صوم النبي صلى الله عليه وسلم أو إفطاره في يوم عرفة، ما سبق عندهم من علم تعلموه من النبي صلى الله عليه وسلم في فضل صيام يوم عرفة، وأنه يُكفِّر سنتين، فشكُّوا أهذا للحاج أيضًا، أم لا؟ وسبب هذا الشكِّ أنهم لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم يأكل أو يشرب من بعد صلاة الظهر وإلى منتصف العصر، فقطعت أُمُّنا ميمونة الشكَّ، وتوصَّلت للحكم بطريقة لطيفة، فأرسلت إليه القدح فيه اللبن، فلما شربه علم الناس أنه لم يكن صائمًا.
وهكذا أُختي الحاجَّة، تستطيعين أن تستجلبي الحكم الشرعي وتقطعي الجدل الدائر في الحجِّ أو غيره بطريقة جميلة توصل الحكم الشرعي لمن حولك، وتبعث الطمأنينة في قلوبهم، ولا تُثير حفيظتهم. ولا تعدم المرأة الصادقة من طريقة توصل بها الحقَّ للناس. فقد تكون سؤالاً يُوجَّه للعالم، أو كتابًا يُوزَّع، أو غير ذلك من الوسائل.

المبيت بمزدلفة واستئذان سودة بالدفع ليلاً:
انقضى يوم عرفة، وغربت الشمس، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أُمَّهات المؤمنين إلى المزدلفة، ولما وصل إلى المزدلفة صلى المغرب والعشاء، غير أن أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لم تُصلّ معهم لأنها لم تطهر بعد.
وفي ثلث الليل الأخير، وبعد أن غاب القمر، دفع النبي صلى الله عليه وسلم بالضعفة من أهل بيته إلى منًى، منهم أُمُّ سَلمة، وأُمُّ حبيبة، من أُمَّهات المؤمنين رضي الله عنهنَّ، فطلبت أُمُّ المؤمنين سودةُ أن تدفع معهم، فأذن لها رضي الله عنها، قَالَتْ أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: نَزَلْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَوْدَةُ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَهُ وَقَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً بَطِيئَةً، فَأَذِنَ لَهَا، فَدَفَعَتْ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَأَقَمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا نَحْنُ ثُمَّ دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ، فَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ.

وتقديم الضعفة بالسير إلى منى في الثلث الأخير من الليل هدفه وصلوهم (قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ)، فالمراد التخفيف عليهم من الزحام فيَصِلون قبل الناس إلى منًى ثم يُصَلُّون الفجر، وبعدها يتوجهون إلى جمرة العقبة الكبرى لرميها. كما قَالَتْ أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ، فَأُصَلِّي الصُّبْحَ بِمِنًى، فَأَرْمِي الْجَمْرَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسُ. فَقِيلَ لِعَائِشَة: فَكَانَتْ سَوْدَةُ اسْتَأْذَنَتْهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، إِنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةً ثَقِيلَةً ثَبِطَةً، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَذِنَ لَهَا. فَصَلَّتِ الْفَجْرَ بِمِنًى، وَرَمَتْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسُ.
وهذا الهدف يتحقَّق وينتفع الضعفة به إذا التزم الحجاج السير على هدي النبي صلى الله عليه وسلم بالمبيت في المزدلفة، واقتصار الخروج منها ليلاً على الضعفة، أما ما يفعله الحجاج اليوم من عدم الالتزام بالمبيت في مزدلفة، والاقتصار على الصلاة فيها، وجمع الحصى ثم الدفع منها مباشرة، فهذا إخلال بتطبيق الهدي النبوي في الحجِّ، والذي أكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)). فيزدحم الناس في الخروج، وفي الوصول إلى منى، وفي رمي الجمرة، هذا الازدحام يجعلنا نفكر قبل أن ندفع بالضعفة هل سيكون الدفع بهم ليلاً أشق من مبيتهم؟ وهل فعلاً سيتحقَّق التخفيف عليهم بهذا الدفع؟

ومن واقع التجربة على مدى ست وثلاثين حجَّة متتالية، وجدنا أن ما يفعله الناس اليوم من مخالفة السنة بالمبيت أضر بالضعفة، وأصبح الخروج بهم من مزدلفة ليلًا أشق عليهم من المبيت، بسبب هذا الزحام من قبل الحجاج.
وتقديم الضعفة قبل حطمة الناس وازدحامهم رخصة باقية يُراد منها التخفيف، وليست واجبة على كل امرأة أن تخرج أو كل ضعيف.

نكمل غدًا إن شاء الله.

وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (9)
أُمُّنا عائشة نموذج الثبات إلى الممات

كان من منهج الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - أنهم إذا كانوا على فعل خير من الطاعات المستحبة في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ مات وهم يفعلونه، أنهم لا يغيرونه حتى يلقوا الله عزَّ وجلَّ.

وسبب ذلك أنهم كانوا يلتزمون تحقيق حديث: ((وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ)). ويخافون كذلك أن يكونوا ممن غيَّر وبدَّل بعده صلى الله عليه وسلم، على الرغم من أنها طاعة مستحبة. ومن أشهر من ثبت عنه ذلك عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، فلمَّا كبر وضعف قال: لأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، لَكِنِّي فَارَقْتُهُ عَلَى أَمْرٍ أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ.
هذه المنهجية تجعلنا نفهم قول أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ.
فقد استمرت على ترك الأخذ بالرخصة في الدفع من مزدلفة قبل الفجر، لأنها لم تفعل ذلك في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لذلك قال الْقَاسِمُ بنُ محمد بن أبي بكر: وَكَانَتْ عَائِشَة لاَ تُفِيضُ إِلَّا مَعَ الإِمَامِ. وأصرح من ذلك ما قاله أبو الزبير في روايته لحديث جابر رضي الله عنه قال: فَكَانَتْ عَائِشَة إِذَا حَجَّتْ صَنَعَتْ كَمَا صَنَعَتْ مَعَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
ويُستفاد من ذلك أختي الحاجَّة، أن المرأة إذا فعلت الخير تحرص على المداومة عليه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

متى طهرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا؟:
وفي صبيحة يوم النَّحر، وبعد أن وقف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من أُمَّهات المؤمنين بالمشعر الحرام، انطلق إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى. ولما بلغوا رحالهم في منى وبعد أن رموا الجمرة، طَهُرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا من حيضها، فتَطَهَّرت استعدادًا للذهاب إلى مكة لطواف الإفاضة.
تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى، فَطَهَرْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ. فطهرُها من الحيض كان بمنى، واغتسالها كذلك كان بمنى، كما قالت رضي الله عنها: فَخَرَجْتُ فِي حَجَّتِي حَتَّى نَزَلْنَا مِنًى، فَتَطَهَّرْتُ ثُمَّ طُفْنَا بِالْبَيْتِ.
وهذا يعني أن مُدَّة حيضة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا كانت سبعة أيام، بدأت يوم السبت، ضحى، وطهرت يوم السبت ضحى، لأن يوم النحر كان يوم السبت.

رعاية المرأة لزوجها في الحجِّ:
يوم النحر هو يوم الحجِّ الأكبر، وهو يوم العيد، وفيه أكثر أعمال الحجِّ.
وبعد أن رمى نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة وحلق شعره، استعدَّ للذهاب إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، فخلع ملابس الإحرام، ولبس ثيابه، وتطيَّب للطواف.
ونالت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا شرف رعاية نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في الحجِّ في مواطنَ كثيرةٍ، وكان ممَّا فعلته أن طيَّبته بيدها قبل أن يذهب لطواف الإفاضة، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ، وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا.
وقد صرَّحت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بأن هذا كان بعد رميه لجمرة العقبة وقبل طوافه للإفاضة، فقالت: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ بَعْدَمَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.
وهذه العناية بهندام النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعطره كانت بمنى، كما كانت بذي الحليفة، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: طَيَّبْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي لِحُرْمِهِ، وَطَيَّبْتُهُ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ.

ولم تقتصر أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على هذين الوقتين، بل كانت كلَّما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزور البيت أيام منى، طيبته بيدها رضي الله عنها، قالت: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ، قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ، وَحِينَ يُرِيدُ أَنْ يَزُورَ الْبَيْتَ.
وكان من حرصها على العناية بعطر النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنها رضي الله عنها تتخيَّر له أطيبَ الطِّيب، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِأَطْيَبِ الطِّيبِ عِنْدَ حُرْمِهِ وَحِلِّهِ.
وكان المسك في زمانهم من أطيب الطيب، لذلك كانت تحرص عليه، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ.
هذه الرعاية من أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لم تكن لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان عندها وفي يومها، بل كانت هذه الرعاية حرصًا من عائشة على خدمة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في كلِّ وقت وحين، هذا الحرص نابع من شدَّة محبَّتها له صلى الله عليه وسلم، ولا غرابة بعد ذلك عندما نعلم أن أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا هي أحبُّ زوجاته إليه صلى الله عليه وسلم.
وممَّا يدل على أن هذه الرعاية غير مرتبطة بيومها، أن تعطيرها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة كان ليلة الأحد، وتعطيرها للنبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر كان نهار السبت، فلو كان يوم عائشة يوم السبت ليلة الأحد بذي الحليفة، فلا يمكن أن يأتيها الدور إلا بعد تسعة أيام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان وقتها عنده تسع زوجات، فسيكون يومها بناء على ذلك يوم الإثنين ليلة الثلاثاء ثالث أيام العيد. وأصرح من ذلك الرواية التي تدل على أنها تطيبه كلما أراد أن يزور البيت، وهذا لا يمكن أن يكون كله في يومها.

وفي هذا تنبيه لكِ أختي الحاجَّة بأن ترعي زوجك كما كانت تفعل أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، في الحجِّ وفي غير الحجِّ، فتعتني بهندامه وطيبه وكلِّ ما يتعلق به، بحسب وسعك وطاقتك، ولا تتعذري بالسفر وتعب الحجِّ، فأُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لم تتعذَّر بذلك.
نكمل غدًا إن شاء الله.

وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
فإن حاولت فاسقةٌ مستهترةٌ ساقطةٌ أن تَتجلبَب بجلبابِ الحياءِ وتُواري عَن الأعينِ بارتداءِ شعار العَفاف ورمزِ الصيّانةِ وتَستر عن الناس آفاتها وفجورها بمظهر الحصانِ الرَّزان فما ذنب الحجاب إذًا؟

[الحجاب في الإسلام والمُؤامَرات التي تُحَاكُ ضِدهُ لِتَحريرِ المرأةِ مِن سِترها وَطهَارتها وَعفَافِها، يوسف الحاج أحمد،  ص١٢٦]
إنّ الناظر إلى حال نساء زمانِنَا يتفطَّر قلبُه ألمًا وحسرةً، وتَدمع عينهُ حزنًا وقهرًا، فلقد أصبحَ حِجَابُهنَّ زينةً، وسِترهنَّ تفسُّحٌ وعُريٌّ وإغراء -إلا من رحم ربي- متتبِّعات في ذلك خريطة الطريقِ التي رسمها أعداؤنا مِن الشَّرق والغربِ.
فهل عَرفنَا في الإسلام عباءةً مطرّزة ضيّقةً ترسمُ جسدًا؟ وهل سمعنا بطرحةٍ مُزركشةٍ؟ أم هل رأينا في تاريخ الإسلام غطاء وجهٍ شفّافٍ؟! أم رأينا بُرقعَ وجهٍ تظهر منه عينان مكحلتان جميلتَان فاتِنتان.

[الحجاب في الإسلام والمُؤامَرات التي تُحَاكُ ضِدهُ لِتَحريرِ المرأةِ مِن سِترها وَطهَارتها وَعفَافِها، يوسف الحاج أحمد،  ص٢٢]
واعلمي يا ابنتي أنَّ أعظم وأقوى سِلاح استَخْدَمُوهُ في حَربِهْم هذه هو (المرأةُ المسلمة) فدَعُوها إلى السّفور والتَّبرج ليفتِنوا بها شبابَ الإسلام ويَصْرفُوا قُلُوبَهُم عن الإسلام إليها لتخلُو بعدها مِن الإيمانِ وحبِّ الرَّحمن، إلى حبِّ شهواتِ الدُّنيا الفانيةِ والتعلّق بجمالها الزَّائفِ، وبذلك تخورُ العزائمُ، وتضْعُفُ الهممُ، ويَجبُنُ الشُّجعانُ، وهذا بالتأكيد ما حصل...
وإذا أردت الدليل، فانظري إلى فتيات المسلمين في الطرقاتِ والحدائق العامّة والمدارس والجامعات.

[الحجاب في الإسلام والمُؤامَرات التي تُحَاكُ ضِدهُ لِتَحريرِ المرأةِ مِن سِترها وَطهَارتها وَعفَافِها، يوسف الحاج أحمد،  ص٢٢]
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (10)
خوف المرأة من الحيض في الحجِّ

أكثر ما تخاف المرأة من الحيض في الحجِّ أن يأتيها قبل طواف الإفاضة، فيؤخِّرها عن الطواف، ويحبس وليَّها معها، لذلك نجد المرأة حريصة على سرعة الوصول إلى البيت الحرام لطواف الإفاضة، هذا الحرص أحيانًا قد يتسبَّب في نزول الحيض عليها قبل وقته بسبب التوتُّر أو الإرهاق. لذلك ننصح المرأة بالهدوء في الحجِّ وترك الاستعجال؛ خشية أن تخطئ في تقدير حركتها فيزداد عليها التعب ويأتيها الحيض قبل وقته.
ولعلَّ هذا الخوف من نزول الحيض هو الذي يدفع بالمرأة للضغط على وليِّها في عدم المبيت بالمزدلفة، والدفع منها حتى قبل منتصف الليل لتطوف طواف الإفاضة.

وهذا من أخطاء المرأة في الحجِّ، فالحجُّ مشقَّة بلا شكٍّ، وأكثر ما تكون المشقَّة في يوم عرفة ويوم النَّحر؛ فيوم عرفةَ تقضيه المرأة الحاجَّة من الصباح في حركة وذِكر وقراءة قرآن إلى الظهر، ثمَّ تتفرَّغ للدعاء إلى المغرب، ثمَّ تتحرَّك إلى المزدلفة، فلو لم تقف قليلاً في المزدلفة لترتاح ثمَّ تنطلق لإتمام بقية المناسك، فإنها تُرهق نفسها وتُتعبها، مما قد يُسبِّب لها ما لا تريده من نزول الحيض عليها قبل أوانه.

إننا نستطيع أن نقدِّم للمرأة من أنواع الخدمة ما يريح بدنها ويُخفِّف من مشقَّة حجِّها عليها، لكننا لا نستطيع أن نُزيل خوفَها من نزول الحيض عليها قبل طواف الإفاضة، لأنه أمرٌ فطريٌّ، بل ينتقل هذا الخوف لكلِّ من له ارتباط بالمرأة من أَخواتها وصديقاتها اللاتي معها، بل ينتقل إلى وليِّها كذلك إذا كان ممن يعرف أحوالها. وهذا ما حصل لأُمَّهات المؤمنين في الحجِّ، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: كُنَّا نَتَخَوَّفُ أَنْ تَحِيضَ صَفِيَّةُ قَبْلَ أَنْ تُفِيضَ.

طواف أمهات المؤمنين يوم النَّحر:
وبعد أن طهرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا وتطهَّرت من حيضها، انطلقت إلى البيت الحرام لتطوف به طواف الإفاضة، وكان هذا أول طواف لها في حجَّة الوداع. تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ.
وخرجت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا مع جميع أُمَّهات المؤمنين لطواف الإفاضة، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ.
وكانت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا قريبة من النبيِّ صلى الله عليه وسلم جدًّا، تخبره بأحوالها، وتستشيره فيما يمرُّ بها، ولذلك، لما طهرت أخبرته، فأمرها أن تطوف بالبيت، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ طَهَرْتُ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْتُ.
ولم تقتصر على الطواف بالبيت عندما ذهبت إلى مكة ولكنها طافت وسعت كذلك، كما جاء في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: حَتَّى إِذَا طَهَرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.

وحاضت أم المؤمنين صفية رضي الله عنها في أيام منى:
وممَّن نزل عليها الحيض من أُمَّهات المؤمنين في حجَّة الوداع غير أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، صفية رضي الله عنها، تخبر أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَاضَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
ومن رحمة الله بأُمِّنا صفية رضي الله عنها أن حيضتها نزلت عليها بعد أن طافت طواف الإفاضة، فتذكُر أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَاضَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَعْدَمَا أَفَاضَتْ.
ولم تقصد أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أن صفية قد حاضت بعد الطواف مباشرة في يوم العيد، وإنما قصدت أنها حاضت وقد طافت طواف الإفاضة، لأن الحديث عن احتمال نزول الحيض على أُمِّ المؤمنين صفية قد دار بين أُمَّهات المؤمنين قبل طواف الإفاضة، ولذلك كنَّ يتخوَّفن أن تحيض قبل الإفاضة، تقول أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: كُنَّا نَتَخَوَّفُ أَنْ تَحِيضَ صَفِيَّةُ قَبْلَ أَنْ تُفِيضَ. لذلك عبَّرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بقولها: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ.

أما متى حاضت بالضبط، فقد ذكرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ حَاضَتْ فِي أَيَّامِ مِنًى. وأيام منى تطلق على يوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده، وهي أيام التشريق.
وبينت لنا أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أن ذلك وقع ليلة النَّفر من منى، وهي ليلة الرابع عشر من ذي الحجة، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ.
فهذه أختي الحاجَّة الحالة الثانية من نزول الحيض على المرأة في الحجِّ، وهي أن تحيض أيام منى بعد أن تكون قد طافت طواف الإفاضة.
وفي هذا تنبيهٌ للأخوات في الحجِّ بألاَّ يؤخرن طواف الإفاضة عن يوم النحر- إن استطعن إلى ذلك سبيلاً، خاصة إذا كان وقت حيضها قريبًا- خشية أن تحيض قبل أن تطوف للإفاضة.

نحر النبي صلى الله عليه وسلم عن نسائه بقرة:
في يوم العيد ذبح رسولُ صلى الله عليه وسلم عن نسائه بقرةً واحدة، كما أخبر بذلك جابرُ بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: نَحَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ نِسَائِهِ بَقَرَةً فِي حَجَّتِهِ.
وصرَّحت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أنها بقرة واحدة فقط، فقالت: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً وَاحِدَةً، بل أكدت على ذلك بنفيها أن تكون أكثر من واحدة، فقالت: مَا ذُبِحَ عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَّا بَقَرَةٌ.
وهذه البقرة كانت عن هدي التمتُّع عمَّن اعتمر من نساء النبي صلى الله عليه وسلم، كما ذكر أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «ذَبَحَ عَمَّنِ اعْتَمَرَ مِنْ نِسَائِهِ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ.

الاستعداد للخروج من منى:
لما كانت ليلة النَّفر من منى، وهي آخر ليلة من أيام التشريق، حاضت أُمُّ المؤمنين صفية، تقول أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ. وكان قد استقرَّ عند أُمَّهات المؤمنين أن الحائض لا تطوف بالبيت حتى تطهر، وخاصَّة بعد حادثة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، وكان قد بقي عليهنَّ طوافُ الوداع، فأيقنت أُمُّنا صفية رضي الله عنها أنها لن تستطيع الطواف بالبيت حتى تطهر، فَقَالَتْ: مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ. أي: مانعتكم من السفر والخروج من مكة حتى أطهر. وهذا قالته بحسب علمها أن طواف الوداع واجب على الحاجِّ.
وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعاشر زوجاته قبل أن يتحرك من منى، وكان عند أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، فلما أراد الخروج من عندها والتوجه إلى خباء صفية لمعاشرتها أخبرته أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أنها قد حاضت، تقول أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهَا حَائِضٌ. فغضب النبيُّ صلى الله عليه وسلم وظنَّ أنها لم تطف للإفاضة، فَقَالَ: ((عَقْرَى حَلْقَى، مَا أُرَاهَا إِلاَّ حَابِسَتَنَا)). لكن أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا استدركت سريعًا وقالت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ.
ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من خباء أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، إِذَا صَفِيَّةُ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً، فَقَالَ لَهَا: ((عَقْرَى أَوْ حَلْقَى إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا، أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟))، قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: ((فَانْفِرِي إِذًا)).
ومعنى هذه الكلمة: (عقرى حلقى) كما بيَّن الحافظ ابن حجر (ت:852هـ) رحمه الله فقال: ((قَوْلُهُ عَقْرَى حَلْقَى بِالْفَتْحِ فِيهِمَا ثُمَّ السُّكُونِ وَبِالْقَصْرِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ فِي الرِّوَايَةِ، وَيَجُوزُ فِي اللُّغَةِ التَّنْوِينُ، وَصَوَّبَهُ أَبُو عُبَيْدٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ بِالْعَقْرِ وَالْحَلْقِ، كَمَا يُقَالُ سَقْيًا وَرَعْيًا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي يُدْعَى بِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ نَعْتٌ لَا دُعَاءٌ. ثُمَّ مَعْنَى عَقْرَى عَقَرَهَا اللَّهُ أَيْ جَرَحَهَا، وَقِيلَ: جَعَلَهَا عَاقِرًا لَا تَلِدُ، وَقِيلَ: عَقَرَ قَوْمَهَا. وَمَعْنَى حَلْقَى حَلَقَ شَعْرَهَا، وَهُوَ زِينَةُ الْمَرْأَةِ، أَوْ أَصَابَهَا وَجَعٌ فِي حَلْقِهَا، أَوْ حَلْقِ قَوْمِهَا بِشُؤْمِهَا، أَيْ أَهْلَكَهُمْ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهَا كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْيَهُودُ لِلْحَائِضِ. فَهَذَا أَصْلُ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، ثُمَّ اتَّسَعَ الْعَرَبُ فِي قَوْلِهِمَا بِغَيْرِ إِرَادَةِ حَقِيقَتِهِمَا، كَمَا قَالُوا: قَاتَلَهُ اللَّهُ، وَتَرِبَتْ يَدَاهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ)). (فتح الباري 3/589)
والذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يغضب من أُمِّنا صفية رضي الله عنها، هو تصورُّه صلى الله عليه وسلم أنها لم تطف الإفاضة، ولو كان الأمر كذلك لبقي النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرها حتى تطهر وتطوف ثمَّ يتحرَّك للمسير إلى المدينة، وفي هذا حرجٌ وتأخيرٌ على عموم الصحابة الذين كانوا معه في قافلة الحجِّ من المدينة.
وفي هذا يا أختي الحاجَّة من الدروس والعبر والفوائد ما يعود عليك بالنفع في دينك ودنياك، فتأملي رغبة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في معاشرة أهله قبل التحرُّك إلى المدينة، وقد يحدث لك إن كنت في حجِّك مع زوجك أن يرغب في معاشرتك قبل التحرك للعودة، فلا تمانعي بحجَّة الاستعداد للسفر.
وأن عليك أن تنتبهي لتصرُّفاتك في الحجِّ، فلا تتسبَّبي في إيذاء الحجيج بصورة أو بأخرى، وخاصَّة ما يتعلَّق بمواقيت الحركة، فغالبًا ما نرى أن سبب تأخُّر حركة سيارات الحجَّاج هي المرأة، مما يلحق الضرر والضجر بالحجيج. وهذا قد يغضب الزوج ويدعو عليك بمثل هذا الدعاء وغيره، فلا تتسبَّبي على نفسك بما يضرُّك.
وعلى الحاجَّة كذلك التنبُّه لأمر الحيض، فلا تخفي أمر حيضتها عن محرمها ووليِّها في السفر، ثم تفاجئه بالخبر في آخر الوقت، فيصعب عليه التصرُّف، وتُوقعه في حرج، فيغضب عليها.

الفرق بين معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لصفية لما حاضت ومعاملة عائشة:
قد تتساءل الأخت الحاجَّة عن الفرق بين موقف النبي صلى الله عليه وسلم من أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لما حاضت (بسرِف)، وبين موقفه صلى الله عليه وسلم من أُمِّنا صفية رضي الله عنها لمَّا حاضت بمنى؟
فيجيب ابن حجر (ت:852هـ) رحمه الله على ذلك فيقول: ((اخْتَلَفَ الْكَلَامُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَامِ، فَعَائِشَة دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَبْكِي أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَهَا مِنَ النُّسُكِ، فَسَلَّاهَا بِذَلِكَ، وَصَفِيَّةُ أَرَادَ مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ فَأَبْدَتِ الْمَانِعَ، فَنَاسَبَ كُلًّا مِنْهُمَا مَا خَاطَبَهَا بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ)). (فتح الباري 3/589)
وهذا الكلام قاله ابن حجر رحمه الله ردًّا على من قال بأن سبب الفرق في المعاملة هو ميله لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أكثر من أمِّنا صفية رضي الله عنها، وهذا الكلام غير صحيح، فإن أخلاق النُّبوَّة تأبى ذلك.

ويمكن أن يضاف كذلك إلى أن نزول الحيض على أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لم يؤثِّر على مسيرة الناس في أداء النسك أو غيره، بخلاف نزول الحيض على أمنا صفية رضي الله عنها، فإنه كان سيؤثر على مسيرة الناس وتحركهم من مكة لو أنها لم تطف للإفاضة.
وربما يضاف كذلك: أنه ظن أن تكون صفية رضي الله عنها لم تبادر إلى أداء طواف الإفاضة مع علمها باقتراب وقت حيضها؛ فيكون منها نوع تقصير يستدعي لومها، بخلاف ما حصل مع عائشة رضي الله عنها؛ فلم يكن هناك نسك يتطلب طهرها لتفعله غير الإحرام وهذا لا يلزم منه الطهر.

ليس على الحائض طواف وداع:
لما تيقَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن أنَّ أُمَّنا صفية رضي الله عنها قد طافت طواف الإفاضة قبل أن تحيض، أمرها أن تنفرَ مع الناس وتدعَ طواف الوداع، فقال لها صلى الله عليه وسلم: ((لا بَأْسَ انْفِرِي)).
وفي أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها أن تنفر ((دليل أنه لا يلزم الحائض طواف الوداع، ولا الصبر حتى تطهر، وعليه كافة الفقهاء)). (إكمال المعلم بفوائد مسلم 4/240)
فيا أختي الحاجَّة، لو نزل عليك الحيض في أيام منى وقد طفت للإفاضة قبلها، فأنت في حلٍّ من طواف الوداع. لذلك عليك أن تحرصي على طواف الإفاضة في يوم العيد، ولا تُؤخريه فيعتريك ما يشقُّ عليك وعلى ولِيِّك في السفر.

نكمل غدًا إن شاء الله.

وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (11)
عمرة عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بعد الحج

تأثُّر أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا باختلاف نُسُكِها عن نُسُك أُمَّهات المؤمنين:
لَمَّا نفر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من منى بعد رمي الجمرات نزل بالمحصب؛ وهو مكان بين منى والمسجد الحرام، وصلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وفي المساء حاورت أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا النبيَّ صلى الله عليه وسلم في موضوع نُسكها، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! يَرْجِعُ نِسَاؤُكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ؟. فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ)). فَأَبَتْ. وقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ. يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيَرْجِعُ النَّاسُ بِأَجْرَيْنِ وَأَرْجِعُ بِأَجْرٍ؟. يَا رَسُولَ اللَّهِ! يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ؟. يَا رَسُولَ اللَّهِ! يَرْجِعُ أَصْحَابُكَ بِأَجْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَلَمْ أَزِدْ عَلَى الْحَجِّ؟. أَتَرْجِعُ نِسَاؤُكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ لَيْسَ مَعَهَا عُمْرَةٌ؟.
((فَلَمَّا أَلَحَّتْ أَعْمَرَهَا تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا)). (مجموع الفتاوى 26/42) ((فَوَجَدَتْ فِي نَفْسِهَا أَنْ يَرْجِعَ صَوَاحِبَاتُهَا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مُسْتَقِلَّيْنِ، فَإِنّهُنَّ كُنَّ مُتَمَتّعَاتٍ، وَلَمْ يَحِضْنَ، وَلَمْ يَقْرِنَّ، وَتَرْجِعُ هِيَ بِعُمْرَةٍ فِي ضِمْنِ حَجَّتِهَا، فَأَمَرَ أَخَاهَا أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهَا)). (زاد المعاد 2/86)

وهذا الفعل من أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا يُبيِّن لنا طبيعة المرأة من عِدَّة جوانب؛ فالمرأة تُلِحُّ في الطلب وتُكرِّره حتى تحصل على الموافقة من وليِّها أو زوجها، فلا يتضجَّر الرجال من ذلك، ولا يطالبوها بضدِّ طبيعتها. والمرأة تتأثَّر بتفوُّق مثيلاتها عليها، فكيف إذا كنَّ شريكاتها في زوجها، فهي لا تريد أن يسبقها أو يتميَّز عنها غيرها من الزوجات.

تطييب النبيِّ صلى الله عليه وسلم لخاطر أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا:
وكان النبي صلى الله عليه وسلم حسن العشرة لأهله، فلما قالت له أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا ما قالت عن العمرة، وافقها على مرادها، قال جابر رضي الله عنه: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا سَهْلًا، إِذَا هَوِيَتِ الشَّيْءَ تَابَعَهَا عَلَيْهِ.
وهكذا ينبغي أن يكون الرجل مع نسائه من أهل بيته من الزوجات والبنات والأخوات؛ سهلاً يتابع أهله في مُرادهم ما لم يكن إثمًا، وهذا من حُسن العشرة مع النساء.
وهذا الخُلق مطلوب في كلِّ وقت في التعامل مع المرأة، ولكنه مطلوب في السفر أكثر، حتى لا تجتمع على المرأة مشقَّة السفر مع شدَّة الرجل.

عمرة التنعيم:
ثمَّ دَعَا النبي صلى الله عليه وسلم عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ وقال له: ((اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا، ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا، فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي)). وإنما أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه بالخروج من الحرم؛ لأن ((المعتمر المكي لا بد له من الخروج إلى الحِلِّ ثم يُحرم منه)). (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 12/234) ولأن ((العمرة زيارة، وإنما يُزار الحرم من خارجه، كما يُزار المَزور في بيته من غير بيته، وتلك سنة الله في عباده المعتمرين)). (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 12/234)
ثمَّ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: ((اذْهَبِي وَلْيُرْدِفْكِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ)).(( إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ)). ((وَالتَّنْعِيمُ أَدْنَى الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ، فَهُوَ أَقْرَبُ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ، وَالْمُعْتَمِرُ مِنْ مَكَّةَ يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ)). (مجموع الفتاوى 26/44)

وهذا الأمر من النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا كان له سبب؛ وهو أنها قدمت مكة معتمرة، فحاضت، ولم تطهر إلا في أيام منى، فلم تعتمر عمرة مفردة، فطلبت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز لها الاعتمار من التنعيم.