سًيًدِتّيً
3.55K subscribers
8.97K photos
366 videos
82 files
1.1K links
قناة سيدتي كل ما يهم المرأة
كل مايهم المرأة العصرية والفتاة العربية .
@Sayidati
Download Telegram
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (9)
أُمُّنا عائشة نموذج الثبات إلى الممات

كان من منهج الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - أنهم إذا كانوا على فعل خير من الطاعات المستحبة في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ مات وهم يفعلونه، أنهم لا يغيرونه حتى يلقوا الله عزَّ وجلَّ.

وسبب ذلك أنهم كانوا يلتزمون تحقيق حديث: ((وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ)). ويخافون كذلك أن يكونوا ممن غيَّر وبدَّل بعده صلى الله عليه وسلم، على الرغم من أنها طاعة مستحبة. ومن أشهر من ثبت عنه ذلك عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، فلمَّا كبر وضعف قال: لأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، لَكِنِّي فَارَقْتُهُ عَلَى أَمْرٍ أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ.
هذه المنهجية تجعلنا نفهم قول أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ.
فقد استمرت على ترك الأخذ بالرخصة في الدفع من مزدلفة قبل الفجر، لأنها لم تفعل ذلك في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لذلك قال الْقَاسِمُ بنُ محمد بن أبي بكر: وَكَانَتْ عَائِشَة لاَ تُفِيضُ إِلَّا مَعَ الإِمَامِ. وأصرح من ذلك ما قاله أبو الزبير في روايته لحديث جابر رضي الله عنه قال: فَكَانَتْ عَائِشَة إِذَا حَجَّتْ صَنَعَتْ كَمَا صَنَعَتْ مَعَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
ويُستفاد من ذلك أختي الحاجَّة، أن المرأة إذا فعلت الخير تحرص على المداومة عليه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

متى طهرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا؟:
وفي صبيحة يوم النَّحر، وبعد أن وقف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من أُمَّهات المؤمنين بالمشعر الحرام، انطلق إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى. ولما بلغوا رحالهم في منى وبعد أن رموا الجمرة، طَهُرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا من حيضها، فتَطَهَّرت استعدادًا للذهاب إلى مكة لطواف الإفاضة.
تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى، فَطَهَرْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ. فطهرُها من الحيض كان بمنى، واغتسالها كذلك كان بمنى، كما قالت رضي الله عنها: فَخَرَجْتُ فِي حَجَّتِي حَتَّى نَزَلْنَا مِنًى، فَتَطَهَّرْتُ ثُمَّ طُفْنَا بِالْبَيْتِ.
وهذا يعني أن مُدَّة حيضة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا كانت سبعة أيام، بدأت يوم السبت، ضحى، وطهرت يوم السبت ضحى، لأن يوم النحر كان يوم السبت.

رعاية المرأة لزوجها في الحجِّ:
يوم النحر هو يوم الحجِّ الأكبر، وهو يوم العيد، وفيه أكثر أعمال الحجِّ.
وبعد أن رمى نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة وحلق شعره، استعدَّ للذهاب إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، فخلع ملابس الإحرام، ولبس ثيابه، وتطيَّب للطواف.
ونالت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا شرف رعاية نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في الحجِّ في مواطنَ كثيرةٍ، وكان ممَّا فعلته أن طيَّبته بيدها قبل أن يذهب لطواف الإفاضة، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ، وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا.
وقد صرَّحت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بأن هذا كان بعد رميه لجمرة العقبة وقبل طوافه للإفاضة، فقالت: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ بَعْدَمَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.
وهذه العناية بهندام النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعطره كانت بمنى، كما كانت بذي الحليفة، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: طَيَّبْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي لِحُرْمِهِ، وَطَيَّبْتُهُ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ.

ولم تقتصر أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على هذين الوقتين، بل كانت كلَّما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزور البيت أيام منى، طيبته بيدها رضي الله عنها، قالت: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ، قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ، وَحِينَ يُرِيدُ أَنْ يَزُورَ الْبَيْتَ.
وكان من حرصها على العناية بعطر النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنها رضي الله عنها تتخيَّر له أطيبَ الطِّيب، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِأَطْيَبِ الطِّيبِ عِنْدَ حُرْمِهِ وَحِلِّهِ.
وكان المسك في زمانهم من أطيب الطيب، لذلك كانت تحرص عليه، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ.
هذه الرعاية من أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لم تكن لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان عندها وفي يومها، بل كانت هذه الرعاية حرصًا من عائشة على خدمة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في كلِّ وقت وحين، هذا الحرص نابع من شدَّة محبَّتها له صلى الله عليه وسلم، ولا غرابة بعد ذلك عندما نعلم أن أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا هي أحبُّ زوجاته إليه صلى الله عليه وسلم.
وممَّا يدل على أن هذه الرعاية غير مرتبطة بيومها، أن تعطيرها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة كان ليلة الأحد، وتعطيرها للنبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر كان نهار السبت، فلو كان يوم عائشة يوم السبت ليلة الأحد بذي الحليفة، فلا يمكن أن يأتيها الدور إلا بعد تسعة أيام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان وقتها عنده تسع زوجات، فسيكون يومها بناء على ذلك يوم الإثنين ليلة الثلاثاء ثالث أيام العيد. وأصرح من ذلك الرواية التي تدل على أنها تطيبه كلما أراد أن يزور البيت، وهذا لا يمكن أن يكون كله في يومها.

وفي هذا تنبيه لكِ أختي الحاجَّة بأن ترعي زوجك كما كانت تفعل أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، في الحجِّ وفي غير الحجِّ، فتعتني بهندامه وطيبه وكلِّ ما يتعلق به، بحسب وسعك وطاقتك، ولا تتعذري بالسفر وتعب الحجِّ، فأُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لم تتعذَّر بذلك.
نكمل غدًا إن شاء الله.

وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
فإن حاولت فاسقةٌ مستهترةٌ ساقطةٌ أن تَتجلبَب بجلبابِ الحياءِ وتُواري عَن الأعينِ بارتداءِ شعار العَفاف ورمزِ الصيّانةِ وتَستر عن الناس آفاتها وفجورها بمظهر الحصانِ الرَّزان فما ذنب الحجاب إذًا؟

[الحجاب في الإسلام والمُؤامَرات التي تُحَاكُ ضِدهُ لِتَحريرِ المرأةِ مِن سِترها وَطهَارتها وَعفَافِها، يوسف الحاج أحمد،  ص١٢٦]
إنّ الناظر إلى حال نساء زمانِنَا يتفطَّر قلبُه ألمًا وحسرةً، وتَدمع عينهُ حزنًا وقهرًا، فلقد أصبحَ حِجَابُهنَّ زينةً، وسِترهنَّ تفسُّحٌ وعُريٌّ وإغراء -إلا من رحم ربي- متتبِّعات في ذلك خريطة الطريقِ التي رسمها أعداؤنا مِن الشَّرق والغربِ.
فهل عَرفنَا في الإسلام عباءةً مطرّزة ضيّقةً ترسمُ جسدًا؟ وهل سمعنا بطرحةٍ مُزركشةٍ؟ أم هل رأينا في تاريخ الإسلام غطاء وجهٍ شفّافٍ؟! أم رأينا بُرقعَ وجهٍ تظهر منه عينان مكحلتان جميلتَان فاتِنتان.

[الحجاب في الإسلام والمُؤامَرات التي تُحَاكُ ضِدهُ لِتَحريرِ المرأةِ مِن سِترها وَطهَارتها وَعفَافِها، يوسف الحاج أحمد،  ص٢٢]
واعلمي يا ابنتي أنَّ أعظم وأقوى سِلاح استَخْدَمُوهُ في حَربِهْم هذه هو (المرأةُ المسلمة) فدَعُوها إلى السّفور والتَّبرج ليفتِنوا بها شبابَ الإسلام ويَصْرفُوا قُلُوبَهُم عن الإسلام إليها لتخلُو بعدها مِن الإيمانِ وحبِّ الرَّحمن، إلى حبِّ شهواتِ الدُّنيا الفانيةِ والتعلّق بجمالها الزَّائفِ، وبذلك تخورُ العزائمُ، وتضْعُفُ الهممُ، ويَجبُنُ الشُّجعانُ، وهذا بالتأكيد ما حصل...
وإذا أردت الدليل، فانظري إلى فتيات المسلمين في الطرقاتِ والحدائق العامّة والمدارس والجامعات.

[الحجاب في الإسلام والمُؤامَرات التي تُحَاكُ ضِدهُ لِتَحريرِ المرأةِ مِن سِترها وَطهَارتها وَعفَافِها، يوسف الحاج أحمد،  ص٢٢]
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (10)
خوف المرأة من الحيض في الحجِّ

أكثر ما تخاف المرأة من الحيض في الحجِّ أن يأتيها قبل طواف الإفاضة، فيؤخِّرها عن الطواف، ويحبس وليَّها معها، لذلك نجد المرأة حريصة على سرعة الوصول إلى البيت الحرام لطواف الإفاضة، هذا الحرص أحيانًا قد يتسبَّب في نزول الحيض عليها قبل وقته بسبب التوتُّر أو الإرهاق. لذلك ننصح المرأة بالهدوء في الحجِّ وترك الاستعجال؛ خشية أن تخطئ في تقدير حركتها فيزداد عليها التعب ويأتيها الحيض قبل وقته.
ولعلَّ هذا الخوف من نزول الحيض هو الذي يدفع بالمرأة للضغط على وليِّها في عدم المبيت بالمزدلفة، والدفع منها حتى قبل منتصف الليل لتطوف طواف الإفاضة.

وهذا من أخطاء المرأة في الحجِّ، فالحجُّ مشقَّة بلا شكٍّ، وأكثر ما تكون المشقَّة في يوم عرفة ويوم النَّحر؛ فيوم عرفةَ تقضيه المرأة الحاجَّة من الصباح في حركة وذِكر وقراءة قرآن إلى الظهر، ثمَّ تتفرَّغ للدعاء إلى المغرب، ثمَّ تتحرَّك إلى المزدلفة، فلو لم تقف قليلاً في المزدلفة لترتاح ثمَّ تنطلق لإتمام بقية المناسك، فإنها تُرهق نفسها وتُتعبها، مما قد يُسبِّب لها ما لا تريده من نزول الحيض عليها قبل أوانه.

إننا نستطيع أن نقدِّم للمرأة من أنواع الخدمة ما يريح بدنها ويُخفِّف من مشقَّة حجِّها عليها، لكننا لا نستطيع أن نُزيل خوفَها من نزول الحيض عليها قبل طواف الإفاضة، لأنه أمرٌ فطريٌّ، بل ينتقل هذا الخوف لكلِّ من له ارتباط بالمرأة من أَخواتها وصديقاتها اللاتي معها، بل ينتقل إلى وليِّها كذلك إذا كان ممن يعرف أحوالها. وهذا ما حصل لأُمَّهات المؤمنين في الحجِّ، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: كُنَّا نَتَخَوَّفُ أَنْ تَحِيضَ صَفِيَّةُ قَبْلَ أَنْ تُفِيضَ.

طواف أمهات المؤمنين يوم النَّحر:
وبعد أن طهرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا وتطهَّرت من حيضها، انطلقت إلى البيت الحرام لتطوف به طواف الإفاضة، وكان هذا أول طواف لها في حجَّة الوداع. تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ.
وخرجت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا مع جميع أُمَّهات المؤمنين لطواف الإفاضة، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ.
وكانت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا قريبة من النبيِّ صلى الله عليه وسلم جدًّا، تخبره بأحوالها، وتستشيره فيما يمرُّ بها، ولذلك، لما طهرت أخبرته، فأمرها أن تطوف بالبيت، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ طَهَرْتُ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْتُ.
ولم تقتصر على الطواف بالبيت عندما ذهبت إلى مكة ولكنها طافت وسعت كذلك، كما جاء في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: حَتَّى إِذَا طَهَرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.

وحاضت أم المؤمنين صفية رضي الله عنها في أيام منى:
وممَّن نزل عليها الحيض من أُمَّهات المؤمنين في حجَّة الوداع غير أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، صفية رضي الله عنها، تخبر أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَاضَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
ومن رحمة الله بأُمِّنا صفية رضي الله عنها أن حيضتها نزلت عليها بعد أن طافت طواف الإفاضة، فتذكُر أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَاضَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَعْدَمَا أَفَاضَتْ.
ولم تقصد أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أن صفية قد حاضت بعد الطواف مباشرة في يوم العيد، وإنما قصدت أنها حاضت وقد طافت طواف الإفاضة، لأن الحديث عن احتمال نزول الحيض على أُمِّ المؤمنين صفية قد دار بين أُمَّهات المؤمنين قبل طواف الإفاضة، ولذلك كنَّ يتخوَّفن أن تحيض قبل الإفاضة، تقول أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: كُنَّا نَتَخَوَّفُ أَنْ تَحِيضَ صَفِيَّةُ قَبْلَ أَنْ تُفِيضَ. لذلك عبَّرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بقولها: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ.

أما متى حاضت بالضبط، فقد ذكرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ حَاضَتْ فِي أَيَّامِ مِنًى. وأيام منى تطلق على يوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده، وهي أيام التشريق.
وبينت لنا أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أن ذلك وقع ليلة النَّفر من منى، وهي ليلة الرابع عشر من ذي الحجة، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ.
فهذه أختي الحاجَّة الحالة الثانية من نزول الحيض على المرأة في الحجِّ، وهي أن تحيض أيام منى بعد أن تكون قد طافت طواف الإفاضة.
وفي هذا تنبيهٌ للأخوات في الحجِّ بألاَّ يؤخرن طواف الإفاضة عن يوم النحر- إن استطعن إلى ذلك سبيلاً، خاصة إذا كان وقت حيضها قريبًا- خشية أن تحيض قبل أن تطوف للإفاضة.

نحر النبي صلى الله عليه وسلم عن نسائه بقرة:
في يوم العيد ذبح رسولُ صلى الله عليه وسلم عن نسائه بقرةً واحدة، كما أخبر بذلك جابرُ بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: نَحَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ نِسَائِهِ بَقَرَةً فِي حَجَّتِهِ.
وصرَّحت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أنها بقرة واحدة فقط، فقالت: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً وَاحِدَةً، بل أكدت على ذلك بنفيها أن تكون أكثر من واحدة، فقالت: مَا ذُبِحَ عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَّا بَقَرَةٌ.
وهذه البقرة كانت عن هدي التمتُّع عمَّن اعتمر من نساء النبي صلى الله عليه وسلم، كما ذكر أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «ذَبَحَ عَمَّنِ اعْتَمَرَ مِنْ نِسَائِهِ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ.

الاستعداد للخروج من منى:
لما كانت ليلة النَّفر من منى، وهي آخر ليلة من أيام التشريق، حاضت أُمُّ المؤمنين صفية، تقول أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ. وكان قد استقرَّ عند أُمَّهات المؤمنين أن الحائض لا تطوف بالبيت حتى تطهر، وخاصَّة بعد حادثة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، وكان قد بقي عليهنَّ طوافُ الوداع، فأيقنت أُمُّنا صفية رضي الله عنها أنها لن تستطيع الطواف بالبيت حتى تطهر، فَقَالَتْ: مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ. أي: مانعتكم من السفر والخروج من مكة حتى أطهر. وهذا قالته بحسب علمها أن طواف الوداع واجب على الحاجِّ.
وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعاشر زوجاته قبل أن يتحرك من منى، وكان عند أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، فلما أراد الخروج من عندها والتوجه إلى خباء صفية لمعاشرتها أخبرته أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أنها قد حاضت، تقول أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهَا حَائِضٌ. فغضب النبيُّ صلى الله عليه وسلم وظنَّ أنها لم تطف للإفاضة، فَقَالَ: ((عَقْرَى حَلْقَى، مَا أُرَاهَا إِلاَّ حَابِسَتَنَا)). لكن أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا استدركت سريعًا وقالت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ.
ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من خباء أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، إِذَا صَفِيَّةُ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً، فَقَالَ لَهَا: ((عَقْرَى أَوْ حَلْقَى إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا، أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟))، قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: ((فَانْفِرِي إِذًا)).
ومعنى هذه الكلمة: (عقرى حلقى) كما بيَّن الحافظ ابن حجر (ت:852هـ) رحمه الله فقال: ((قَوْلُهُ عَقْرَى حَلْقَى بِالْفَتْحِ فِيهِمَا ثُمَّ السُّكُونِ وَبِالْقَصْرِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ فِي الرِّوَايَةِ، وَيَجُوزُ فِي اللُّغَةِ التَّنْوِينُ، وَصَوَّبَهُ أَبُو عُبَيْدٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ بِالْعَقْرِ وَالْحَلْقِ، كَمَا يُقَالُ سَقْيًا وَرَعْيًا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي يُدْعَى بِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ نَعْتٌ لَا دُعَاءٌ. ثُمَّ مَعْنَى عَقْرَى عَقَرَهَا اللَّهُ أَيْ جَرَحَهَا، وَقِيلَ: جَعَلَهَا عَاقِرًا لَا تَلِدُ، وَقِيلَ: عَقَرَ قَوْمَهَا. وَمَعْنَى حَلْقَى حَلَقَ شَعْرَهَا، وَهُوَ زِينَةُ الْمَرْأَةِ، أَوْ أَصَابَهَا وَجَعٌ فِي حَلْقِهَا، أَوْ حَلْقِ قَوْمِهَا بِشُؤْمِهَا، أَيْ أَهْلَكَهُمْ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهَا كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْيَهُودُ لِلْحَائِضِ. فَهَذَا أَصْلُ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، ثُمَّ اتَّسَعَ الْعَرَبُ فِي قَوْلِهِمَا بِغَيْرِ إِرَادَةِ حَقِيقَتِهِمَا، كَمَا قَالُوا: قَاتَلَهُ اللَّهُ، وَتَرِبَتْ يَدَاهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ)). (فتح الباري 3/589)
والذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يغضب من أُمِّنا صفية رضي الله عنها، هو تصورُّه صلى الله عليه وسلم أنها لم تطف الإفاضة، ولو كان الأمر كذلك لبقي النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرها حتى تطهر وتطوف ثمَّ يتحرَّك للمسير إلى المدينة، وفي هذا حرجٌ وتأخيرٌ على عموم الصحابة الذين كانوا معه في قافلة الحجِّ من المدينة.
وفي هذا يا أختي الحاجَّة من الدروس والعبر والفوائد ما يعود عليك بالنفع في دينك ودنياك، فتأملي رغبة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في معاشرة أهله قبل التحرُّك إلى المدينة، وقد يحدث لك إن كنت في حجِّك مع زوجك أن يرغب في معاشرتك قبل التحرك للعودة، فلا تمانعي بحجَّة الاستعداد للسفر.
وأن عليك أن تنتبهي لتصرُّفاتك في الحجِّ، فلا تتسبَّبي في إيذاء الحجيج بصورة أو بأخرى، وخاصَّة ما يتعلَّق بمواقيت الحركة، فغالبًا ما نرى أن سبب تأخُّر حركة سيارات الحجَّاج هي المرأة، مما يلحق الضرر والضجر بالحجيج. وهذا قد يغضب الزوج ويدعو عليك بمثل هذا الدعاء وغيره، فلا تتسبَّبي على نفسك بما يضرُّك.
وعلى الحاجَّة كذلك التنبُّه لأمر الحيض، فلا تخفي أمر حيضتها عن محرمها ووليِّها في السفر، ثم تفاجئه بالخبر في آخر الوقت، فيصعب عليه التصرُّف، وتُوقعه في حرج، فيغضب عليها.

الفرق بين معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لصفية لما حاضت ومعاملة عائشة:
قد تتساءل الأخت الحاجَّة عن الفرق بين موقف النبي صلى الله عليه وسلم من أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لما حاضت (بسرِف)، وبين موقفه صلى الله عليه وسلم من أُمِّنا صفية رضي الله عنها لمَّا حاضت بمنى؟
فيجيب ابن حجر (ت:852هـ) رحمه الله على ذلك فيقول: ((اخْتَلَفَ الْكَلَامُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَامِ، فَعَائِشَة دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَبْكِي أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَهَا مِنَ النُّسُكِ، فَسَلَّاهَا بِذَلِكَ، وَصَفِيَّةُ أَرَادَ مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ فَأَبْدَتِ الْمَانِعَ، فَنَاسَبَ كُلًّا مِنْهُمَا مَا خَاطَبَهَا بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ)). (فتح الباري 3/589)
وهذا الكلام قاله ابن حجر رحمه الله ردًّا على من قال بأن سبب الفرق في المعاملة هو ميله لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أكثر من أمِّنا صفية رضي الله عنها، وهذا الكلام غير صحيح، فإن أخلاق النُّبوَّة تأبى ذلك.

ويمكن أن يضاف كذلك إلى أن نزول الحيض على أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لم يؤثِّر على مسيرة الناس في أداء النسك أو غيره، بخلاف نزول الحيض على أمنا صفية رضي الله عنها، فإنه كان سيؤثر على مسيرة الناس وتحركهم من مكة لو أنها لم تطف للإفاضة.
وربما يضاف كذلك: أنه ظن أن تكون صفية رضي الله عنها لم تبادر إلى أداء طواف الإفاضة مع علمها باقتراب وقت حيضها؛ فيكون منها نوع تقصير يستدعي لومها، بخلاف ما حصل مع عائشة رضي الله عنها؛ فلم يكن هناك نسك يتطلب طهرها لتفعله غير الإحرام وهذا لا يلزم منه الطهر.

ليس على الحائض طواف وداع:
لما تيقَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن أنَّ أُمَّنا صفية رضي الله عنها قد طافت طواف الإفاضة قبل أن تحيض، أمرها أن تنفرَ مع الناس وتدعَ طواف الوداع، فقال لها صلى الله عليه وسلم: ((لا بَأْسَ انْفِرِي)).
وفي أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها أن تنفر ((دليل أنه لا يلزم الحائض طواف الوداع، ولا الصبر حتى تطهر، وعليه كافة الفقهاء)). (إكمال المعلم بفوائد مسلم 4/240)
فيا أختي الحاجَّة، لو نزل عليك الحيض في أيام منى وقد طفت للإفاضة قبلها، فأنت في حلٍّ من طواف الوداع. لذلك عليك أن تحرصي على طواف الإفاضة في يوم العيد، ولا تُؤخريه فيعتريك ما يشقُّ عليك وعلى ولِيِّك في السفر.

نكمل غدًا إن شاء الله.

وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (11)
عمرة عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بعد الحج

تأثُّر أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا باختلاف نُسُكِها عن نُسُك أُمَّهات المؤمنين:
لَمَّا نفر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من منى بعد رمي الجمرات نزل بالمحصب؛ وهو مكان بين منى والمسجد الحرام، وصلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وفي المساء حاورت أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا النبيَّ صلى الله عليه وسلم في موضوع نُسكها، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! يَرْجِعُ نِسَاؤُكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ؟. فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ)). فَأَبَتْ. وقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ. يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيَرْجِعُ النَّاسُ بِأَجْرَيْنِ وَأَرْجِعُ بِأَجْرٍ؟. يَا رَسُولَ اللَّهِ! يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ؟. يَا رَسُولَ اللَّهِ! يَرْجِعُ أَصْحَابُكَ بِأَجْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَلَمْ أَزِدْ عَلَى الْحَجِّ؟. أَتَرْجِعُ نِسَاؤُكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ لَيْسَ مَعَهَا عُمْرَةٌ؟.
((فَلَمَّا أَلَحَّتْ أَعْمَرَهَا تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا)). (مجموع الفتاوى 26/42) ((فَوَجَدَتْ فِي نَفْسِهَا أَنْ يَرْجِعَ صَوَاحِبَاتُهَا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مُسْتَقِلَّيْنِ، فَإِنّهُنَّ كُنَّ مُتَمَتّعَاتٍ، وَلَمْ يَحِضْنَ، وَلَمْ يَقْرِنَّ، وَتَرْجِعُ هِيَ بِعُمْرَةٍ فِي ضِمْنِ حَجَّتِهَا، فَأَمَرَ أَخَاهَا أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهَا)). (زاد المعاد 2/86)

وهذا الفعل من أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا يُبيِّن لنا طبيعة المرأة من عِدَّة جوانب؛ فالمرأة تُلِحُّ في الطلب وتُكرِّره حتى تحصل على الموافقة من وليِّها أو زوجها، فلا يتضجَّر الرجال من ذلك، ولا يطالبوها بضدِّ طبيعتها. والمرأة تتأثَّر بتفوُّق مثيلاتها عليها، فكيف إذا كنَّ شريكاتها في زوجها، فهي لا تريد أن يسبقها أو يتميَّز عنها غيرها من الزوجات.

تطييب النبيِّ صلى الله عليه وسلم لخاطر أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا:
وكان النبي صلى الله عليه وسلم حسن العشرة لأهله، فلما قالت له أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا ما قالت عن العمرة، وافقها على مرادها، قال جابر رضي الله عنه: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا سَهْلًا، إِذَا هَوِيَتِ الشَّيْءَ تَابَعَهَا عَلَيْهِ.
وهكذا ينبغي أن يكون الرجل مع نسائه من أهل بيته من الزوجات والبنات والأخوات؛ سهلاً يتابع أهله في مُرادهم ما لم يكن إثمًا، وهذا من حُسن العشرة مع النساء.
وهذا الخُلق مطلوب في كلِّ وقت في التعامل مع المرأة، ولكنه مطلوب في السفر أكثر، حتى لا تجتمع على المرأة مشقَّة السفر مع شدَّة الرجل.

عمرة التنعيم:
ثمَّ دَعَا النبي صلى الله عليه وسلم عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ وقال له: ((اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا، ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا، فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي)). وإنما أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه بالخروج من الحرم؛ لأن ((المعتمر المكي لا بد له من الخروج إلى الحِلِّ ثم يُحرم منه)). (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 12/234) ولأن ((العمرة زيارة، وإنما يُزار الحرم من خارجه، كما يُزار المَزور في بيته من غير بيته، وتلك سنة الله في عباده المعتمرين)). (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 12/234)
ثمَّ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: ((اذْهَبِي وَلْيُرْدِفْكِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ)).(( إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ)). ((وَالتَّنْعِيمُ أَدْنَى الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ، فَهُوَ أَقْرَبُ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ، وَالْمُعْتَمِرُ مِنْ مَكَّةَ يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ)). (مجموع الفتاوى 26/44)

وهذا الأمر من النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا كان له سبب؛ وهو أنها قدمت مكة معتمرة، فحاضت، ولم تطهر إلا في أيام منى، فلم تعتمر عمرة مفردة، فطلبت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز لها الاعتمار من التنعيم.
وهذا - يا أختي الحاجَّة! - لكلِّ امرأة قدمت مكة ثم حاضت قبل أن تنسك مناسك العمرة، ثم أدركها الحجُّ وهي محرمة، أن تتوقف عن أعمال العمرة وتلبي بالحجِّ، ثم إذا قضت حجَّها-إن شاءت أن تأتي بعمرة- اعتمرت من التنعيم، أما ما يفعله الحجاج اليوم أنهم بعد الحجِّ يُكرِّرون لأنفسهم العمرة رجالًا ونساءً، ((فَهَذَا لَمْ يُعْرَفْ عَلَى عَهْدِ السَّلَفِ، وَلَا نَقَلَ أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الَّذِينَ حَجُّوا مَعَهُ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ إلَّا عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ قَدِمَتْ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَتَدَعَ الْعُمْرَةَ)). (مجموع الفتاوى 26/41)

ولذلك كانت تُعبِّر أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا عن هذه العمرة بألفاظ تدلُّ على أنها مكان عمرتها التي لم تكتمل، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَلَمَّا قَضَيْتُ الْحَجَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ فَأَعْمَرَنِي مِنْ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي نَسَكْتُ.
وقالت أيضًا: فَبَعَثَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي أَدْرَكَنِي الْحَجُّ وَلَمْ أَحْلِلْ مِنْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ.
وقالت أيضًا: فَخَرَجْتُ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي. بل قال لها النبي صلى الله عليه وسلم صراحة: ((هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ)).

مشقَّة الحجِّ والعمرة:
مناسك الحجِّ لابد فيها من التعب، وهذا التعب لا ينفكُّ عن هذه العبادة، وقد حاول البعض اليوم تحويل الحجِّ إلى رحلة سياحية بغير تعب، فجرَّدوا الحجَّ من معانيه، ولم يستطيعوا أن يُحافظوا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فأتوا بحجٍّ غير الذي فعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم، خالٍ من المشاعر والروحانية، فخسروا كثيرًا من المعاني العظيمة في هذا المنسك العظيم.
لقد كان من تربية النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أن بَيَّن لها أن أجر النُّسك له ارتباط بالنفقة والمشقة النابعة من أدائه، فقال: ((وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبكِ)). ((أي أجرك في هذا بقدر تعبك وسعيك في العمرة، أو نفقتك في ذلك)). (إكمال المعلم بفوائد مسلم 4/249)

والمشقة هنا ليست مقصودة لذاتها، وإنما هي من مقتضيات أداء المناسك، وهي ملازمة له، فهذه التي تُؤجَر عليها الحاجَّة، وهذه قاعدة عامة في كلِّ العبادات التي ترتبط بأدائها مشقة لا تنفك عنها، فإن الأجر فيها على قدر المشقة.

إِنِّي أَنْتَظِرُكُمَا هَاهُنَا:
أحداث السيرة النبوية المتعلِّقة ببيت النبوة تدلُّ دلالة واضحة على عظم مكانة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا أحدها. فإن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا أمر عبدالرحمن أن يأخذ أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا إلى التنعيم لتعتمر، أخبرهما أنه لن يتحرك حتى يصلا إليه، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم ومن معه في قافلة الحجِّ التي أتت من المدينة على أهبَّة الاستعداد للعودة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالانتظار حتى تفرغ أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا من عمرتها، ثم ينطلقون إلى المدينة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: ((فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا)). وقال لأخيها عبدالرحمن: ((اخْرُجْ بِأُخْتِكَ من الْحَرَمِ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ لِتَطُفْ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا، فَإِنِّي أَنْتَظِرُكُمَا هَاهُنَا)).

وليست هذه هي المرة الأولى التي يحبس النبي صلى الله عليه وسلم الناس في سفر من أجل أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، بل حدث ذلك في سفر آخر عندما فقدت العقد، وحبس الناس ليبحث عنه، ونزلت آية التيمُّم، فعُدَّت تلك من بركات آل أبي بكر على الناس. ولعل هذه أيضًا من بركات آل بكر على الناس؛ في بيان مشروعية ذلك لمن كان في مثل حالتها. والله أعلم.
نكمل غدًا إن شاء الله.

وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (12 - الأخيرة)
هذه ثمَّ ظهور الحصر

في طريق عمرة التنعيم:
استجاب عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه لما أمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم به، فأردف أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على بعير له، وانطلق بها إلى التنعيم. والإرداف أن يجعلها خلفه على البعير، وهذا يجوز مع المحارم بشرط ألا ((يضغط الإرداف الأجسامَ بعضها إلى بعض)). (إكمال المعلم بفوائد مسلم 4/253)
وأُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا في ذلك الوقت كانت صغيرة السن، عمرها تقريبا سبعة عشر سنة، تقول عن نفسها رضي الله عنها: فَإِنِّي لأَذْكُرُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ أَنْعَسُ فَيُصِيبُ وَجْهِي مُؤْخِرَةَ الرَّحْلِ. ولا غرابة في نعاسها، فإن الوقت الذي تحركت فيه لأداء العمرة كان بالليل، وهو وقت النوم والراحة على عادة الناس في كل زمان، وهي علَّلت أيضًا بأنها صغيرة السنِّ.

ومع أن الوقت متأخِّرٌ من الليل، وفي زمن لم تكن فيه الأضواء منتشرة، وأُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تسير مع أخيها لوحدهما، والجو حارٌّ، إلا أن غيرة الصحابي الجليل عبدالرحمن بن أبي بكر عليها كانت كبيرة، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَجَعَلْتُ أَرْفَعُ خِمَارِي أَحْسُرُهُ عَنْ عُنُقِي، فَيَضْرِبُ رِجْلِي بِعِلَّةِ الرَّاحِلَةِ. قُلْتُ لَهُ: وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟!. ((وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَضْرِبُ رِجْلَهَا بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ حِينَ تَكْشِفُ خِمَارَهَا عَنْ عُنُقِهَا، غَيْرَةً عَلَيْهَا، فَتَقُولُ لَهُ هِيَ: وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟! أَيْ نَحْنُ فِي خَلَاءٍ لَيْسَ هُنَا أَجْنَبِيٌّ أَسْتَتِرُ مِنْهُ)). (شرح النووي على مسلم 8/157)

فهذه غيرة الصحابي على محارمه في الصحراء وفي الليل وليس هناك أحد، فكيف بحال بعض الرجال اليوم الذين يرضون لنسائهم وبناتهم ومحارمهم أن يكشفن عن أجسادهنَّ أمام أعين الناس جميعًا؟!
فانتبهي أختي الحاجَّة إلى غيرة وليِّك أو زوجك في الحجِّ، فلا تفعلي أمورًا تثير الغيرة عنده، ولو كانت جائزة، فالغيرة عند الرجل محمدة يُشكر عليها، وهي علامة على رجولته، كما أنه ينبغي لكِ أن تحتملي ما يصدر منه من غضب أو رَفعِ صوتٍ بسبب الغيرة عليكِ.

وأدَّت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا العمرة من التنعيم:
ولما وصلت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا إلى التنعيم، أهلَّت بالعمرة لوحدها، ولم يهلَّ أخوها عبدالرحمن، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: حَتَّى جِئْنَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ جَزَاءً بِعُمْرَةِ النَّاسِ الَّتِي اعْتَمَرُوا، ثُمَّ طُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثم ((قَصَّرَتْ)) من شعرها، لتنتهي عمرتها بذلك، وتحلَّ بعد إحرامها، وترجع إلى حبيبها وهي طيبة النفس قد حقَّقت رغبتها.
وهذه العمرة إنما وقعت من أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بعد انتهاء أعمال الحجِّ كلِّها، وانتهت أيام التشريق، كما أخبرتنا أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بذلك فقالت: فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: ((هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ)).
ولما انتهت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا من مناسك عمرتها، رجعت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقد كان واعدها وحدَّد لها المكان بقوله: ((ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا)).

وهذا المكان الذي أشار إليه هو الْمُحَصَّبُ، وهو بأعلى مكة، قَالَتْ أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: ثُمَّ خَرَجَتُ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الآخِرِ حَتَّى نَزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنَزَلْنَا مَعَهُ، فَدَعَا عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: ((اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا، ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا، فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي)). فَانْتَظَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ. تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْحَصْبَةِ.
وكان وقت رجوع أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا من العمرة آخر الليل وقت السحر، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرٍ فَقَالَ: ((هَلْ فَرَغْتُمْ؟)). فَقُلْتُ: نَعَمْ.
لقد انتظرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بغير ضَجَر، ولمَّا وصلت كانت العبارة الجميلة، ((هَلْ فَرَغْتُمْ؟))، لم يقل: تأخرتم، ولم يبد ضجرًا من ذهابها للعمرة، بل أبدى حُبًّا ظاهرًا لها، بل زادها صلى الله عليه وسلم من جميل أخلاقه وحُسن معاشرته أن قال لها: ((هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ)).
تطييبًا لخاطرها، وتطمينًا لنفسها، لأنها إنما طلبت العمرة لتساوي من اعتمر من نسائه وأصحابه، فطمأنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: ((هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ)). ((أي: عوض عمرتك الفائتة)). (التوضيح شرح الجامع الصحيح 11/200)

مخالفة أفعال الجاهلية:
كان أهل الجاهلية يُحرِّمون العمرة بعد الحجِّ حتى ينسلخَ ذو الحجَّة والمحرَّم، ويجيزونها في صفر، وجاءت عمرة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بعد انقضاء الحج مباشرة في شهر ذي الحجَّة، فعلل ابن عباس موافقة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بقوله: وَاللَّهِ مَا أَعْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَة فِي ذِي الْحِجَّةِ إِلَّا لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ أَمْرَ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا عَفَا الْوَبَرْ وَبَرَأَ الدَّبَرْ وَدَخَلَ صَفَرْ فَقَدْ حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ، فَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، فَمَا أَعْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ إِلا لِيَنْقُضَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ.

أم سلمة رضي الله عنها تطوف الوداع وقت الفجر:
فلما اطمأنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على وصول أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا وأدائها للعمرة، ((آذَنَ بِالرَّحِيلِ))، وكان وقت وصول أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا هو وقت السحر، كما أخبرت بذلك:(( ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرٍ فَأَذَّنَ فِي أَصْحَابِهِ بِالرَّحِيلِ، فَارْتَحَلَ، فَمَرَّ بِالْبَيْتِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ، فَطَافَ بِهِ حِينَ خَرَجَ، ثُمَّ انْصَرَفَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ. فأخَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم طوافه بالبيت إلى آخر لحظة قبل خروجه، فطاف قبل صلاة الفجر. كما أخبرتنا أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بقولها: فَطَافَ بِهِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ. وأدركت النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر وهو في المسجد الحرام، فصلَّى بهم الفجر، ثم انطلق إلى المدينة.
ولم يتيسَّر لأُمِّ المؤمنين أُمِّ سلمة رضي الله عنها من الطواف بالبيت للوداع لما وصلوا قبل الفجر، بسبب مرضها، وكان الفجر قد أذَّن، فشكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها: ((إِذَا أُقِيمَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ)). ((طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ)). تقول أُمُّ سلمة: فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقْرَأُ بِـ (الطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ).

وهذه حالة أخرى - أختي الحاجَّة - قد تُبتلى بها المرأة، وهي أن تمرض في آخر أيام الحجِّ، فلا تستطيع أن تطوف للوداع، فأجاز لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن تطوف راكبة، كأن تطوف اليوم على الكراسي المتحرِّكة.
وفي توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لأُمِّ المؤمنين أُمِّ سلمة في أن تطوف والناس يصلُّون، وأن تطوف من ورائهم، فوائد للمرأة، منها: أن المرأة لا تختلط بالرجال أثناء الطواف، وأن تختار وقت انشغال الرجال عنها، مثل أن تطوف وهم يصلُّون. وكل هذا لإبعاد المرأة عن الاختلاط والاقتراب جسديًّا من الرجال. هذا وهي أُمُّ المؤمنين، وفي أطهر بقعة، وفي عبادة عظيمة، ومع ذلك تُؤمر بالابتعاد عن الرجال، فماذا نقول عن الأعمال المختلطة والتي تقضي فيها المرأة من الوقت أكثر مما تقضيه في بيتها مع زوجها وأولادها؟!

عمرة في رمضان كحجَّة معي:
كلنا نتمنى لو كنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حجِّته، ننهل من هديه ونتشرَّف بصحبته، ولكن الله قدَّر لنا أن نكون في زمان آخر؛ ليبلونا ويختبرنا في مدى صدقنا في اتِّباع نبيِّنا. ومن رحمة الله عزَّ وجلَّ بنا أن جعل لنا بابًا يمكن أن ننال منه أجر حجَّة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كنا في زمان غير زمان النبيِّ صلى الله عليه وسلم، من خلال عمرة تقع في شهر رمضان.
لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع التقى بأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ، وقال لها: ((مَا مَنَعَكِ مِنَ الْحَجِّ؟)). قَالَتْ: أَبُو فُلانٍ - تَعْنِي زَوْجَهَا - كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ، حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا. قَالَ: "فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً، أَوْ حَجَّةً مَعِي)). أي: لك أجر وثواب الحجِّ معي، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
وهذه الحادثة وقعت مع أكثر من امرأة في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقد وقعت كذلك مع أُمِّ معقل؛ تقول أُمُّ مَعْقَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَمَّا حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ فَجَعَلَهُ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّه، وَأَصَابَنَا مَرَضٌ، وَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ جِئْتُهُ، فَقَالَ: "يَا أُمَّ مَعْقِلٍ! مَا مَنَعَكِ أَنْ تَخْرُجِي مَعَنَا؟". قَالَتْ: لَقَدْ تَهَيَّأْنَا فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ، وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ هُوَ الَّذِي نَحُجُّ عَلَيْهِ فَأَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ: ((فَهَلا خَرَجْتِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَمَّا إِذْ فَاتَتْكِ هَذِهِ الْحَجَّةُ مَعَنَا فَاعْتَمِرِي فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّهَا كَحَجَّةٍ)).
فمن استطاعت منكنَّ - أيَّتها الأخوات - أن تعتمر في رمضان، فلا تُفرِّط فيها، لما فيها من الأجر العظيم.

هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ:
في حجَّة الوداع أخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم معه كلَّ زوجاته إلى الحجِّ، لِيؤدين فريضة الإسلام عليهنَّ؛ ركن الحج، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام. وبعد أن انتهت مناسك الحجِّ قال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته: ((هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ)). وقال: ((إِنَّمَا هِيَ هَذِهِ الْحَجَّةُ ثُمَّ الْزَمْنَ ظُهُورَ الْحُصْرِ )) ((فِي الْبُيُوتِ)). فَكُنَّ كُلُّهُنَّ يَحْجُجْنَ إِلَّا زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، وَسَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ، وَكَانَتَا تَقُولَانِ: وَاللهِ لَا تُحَرِّكُنَا دَابَّةٌ بَعْدَ أَنْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقد فهمت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا من هذه الحديث أنه لا يجب عليهنَّ الحجُّ بعد هذه الحجَّة، ولم تفهم المنع من الحجِّ مطلقًا بعد هذه الحجَّة، ولذلك قال العلماء: ((وَالْعُذْر عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا تَأَوَّلَتِ الْحَدِيث الْمَذْكُور - كَمَا تَأَوَّلَهُ غَيْرُهَا مِنْ صَوَاحِبَاتهَا - عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ أَنَّهُ لا يَجِب عَلَيْهِنَّ غَيْر تِلْكَ الْحَجَّة, وَتَأَيَّدَ ذَلِكَ عِنْدهَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " لَكُنَّ أَفْضَل الْجِهَاد الْحَجّ وَالْعُمْرَة ")). (فتح الباري 4/74) والله أعلم. قال ابن حجر في الفتح 4 / 125: اختلف في ضبط (لكن)، فالأكثر بضم الكاف خطاب للنسوة، قال القابس: وهو الذي تميل إليه نفسي وفي رواية الحموى (لكن) بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها بلفظ الاستدراك، والأُولى أكثر فائدة لأنه يشتمل على إثبات فضل الحج وعلى جواب سؤالها عن الجهاد.

وهذه خاتمة قِصَّة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، وبقيَّة زوجات النبيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّهات المؤمنين في حجَّة الوداع، وما صاحب ذلك من مواقف لنساء الصحابة رضوان الله تعالى عليهنَّ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد

قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (12 - الأخيرة)
هذه ثمَّ ظهور الحصر

في طريق عمرة التنعيم:
استجاب عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه لما أمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم به، فأردف أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على بعير له، وانطلق بها إلى التنعيم. والإرداف أن يجعلها خلفه على البعير، وهذا يجوز مع المحارم بشرط ألا ((يضغط الإرداف الأجسامَ بعضها إلى بعض)). (إكمال المعلم بفوائد مسلم 4/253)
وأُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا في ذلك الوقت كانت صغيرة السن، عمرها تقريبا سبعة عشر سنة، تقول عن نفسها رضي الله عنها: فَإِنِّي لأَذْكُرُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ أَنْعَسُ فَيُصِيبُ وَجْهِي مُؤْخِرَةَ الرَّحْلِ. ولا غرابة في نعاسها، فإن الوقت الذي تحركت فيه لأداء العمرة كان بالليل، وهو وقت النوم والراحة على عادة الناس في كل زمان، وهي علَّلت أيضًا بأنها صغيرة السنِّ.

ومع أن الوقت متأخِّرٌ من الليل، وفي زمن لم تكن فيه الأضواء منتشرة، وأُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تسير مع أخيها لوحدهما، والجو حارٌّ، إلا أن غيرة الصحابي الجليل عبدالرحمن بن أبي بكر عليها كانت كبيرة، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَجَعَلْتُ أَرْفَعُ خِمَارِي أَحْسُرُهُ عَنْ عُنُقِي، فَيَضْرِبُ رِجْلِي بِعِلَّةِ الرَّاحِلَةِ. قُلْتُ لَهُ: وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟!. ((وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَضْرِبُ رِجْلَهَا بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ حِينَ تَكْشِفُ خِمَارَهَا عَنْ عُنُقِهَا، غَيْرَةً عَلَيْهَا، فَتَقُولُ لَهُ هِيَ: وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟! أَيْ نَحْنُ فِي خَلَاءٍ لَيْسَ هُنَا أَجْنَبِيٌّ أَسْتَتِرُ مِنْهُ)). (شرح النووي على مسلم 8/157)