معاناة المرأة في زمن موسى - 4
إذلال فرعون للنساء في زمن موسى عليه السلام
جعل الله المرأة سكنًا للرَّجل، وجعل الله الرَّجل سندًا للمرأة، تحتمي به من كل المخاوف، وتشعر بالأمن فِي كنفه، ولذلك تحب المرأة أن ترمي برأسها على صدر الرَّجل لتشعر بهذه الطمأنينة، وتحب أن ترى من الرَّجل قوَّته فِي الدفاع عنها وحمايتها.
كما أنَّها تحب أن تشعر بغَيرته عليها، بل قد تستثيره عمدًا لترى أثر هذه الغَيرة على وجهه، وفي تصرفاته، لأن هذه الغَيرة دليل على محبته لها، وفيها تظهر حمايته لها، والذبُّ عنها. فالمرأة عِرضُه الذي يحميه، ويخاف عليه من كل ما يؤذيه، أو يجرحه.
والرَّجل وقت الغَيرة فِي قمة الغضب، وشدة غليان قلبه على ما يحدث لزوجه.
والمرأة فِي قمة السَّعادة لما ترى من غَيرته، وإن كانت تخفِي سعادتها فلا يظهر لها أثر على وجهها الذي يمثل الخوف، فإن قلبها يمتلئ فرحًا بما ترى.
هذه السعادة التي تشعر بها المرأة فِي حال غيرة زوجها عليها، فقدتها المرأة فِي زمن موسى بسبب ظلم فرعون وإذلاله لزوجها.
وهذا هو النوع الرابع من العذاب الذي تمر به المرأة فِي زمن فرعون، وهو إذلال زوجها وإهانته وكسره، بما وضع فرعون من قوانين عليهم تهينهم، وتربيهم على الذُّل والخنوع وفقدان الرجولة، فلا يملك هذا الرَّجل أن يدافع عن زوجته، ولا عن مولودها، بل هو مستسلم لقرار فرعون بقتل الذكور من بني إسرائيل، فلا يحرك ساكنًا من أجله، ولا يدافع عن عرضه، ولا يرد عنها أيَّ نوع من أنواع العذاب الذي تسلَّط به فرعون على نساء بني إسرائيل.
ولم يقف الأمر عند هذا الحدِّ، بل إنَّ فرعون استخدم رجال بني إسرائيل فِي الأعمال الشاقة مع إذلالهم وتعذيبهم، حتى أصبحت شخصية غالب رجال بني إسرائيل فِي ذلك الزمان شخصية ضعيفة أمام طغيان فرعون وهامان وجنودهما.
و«هامان» ((هو اليد العاملة لفرعون، فيما يشاء. وقد يكون وزيرًا لفرعون، أو مستشارًا له، أو كبير جنده. وهو الذي دعاه فرعون إلى أن يبنى له صرحًا يطلع منه إلى إله موسى)). (التفسير القرآني للقرآن 10/ 310)
وهذه عادة الطغاة فِي الأرض، صناعة شخصيات ومناصب تعينهم على الطغيان. وهذا ما فعله فرعون، فجعل هامان وزيرًا له يُنفِّذ أوامره، ويبطش بالنَّاس.
وعادة ما يزيد طغيان أمثال هؤلاء الذين هم أعوان الظلمة لشعورهم أنَّ لهم سندًا يستمدون قوتهم منه، ويبطشون باسمه، وإن لم يأمرهم. ولو علم لن يخذلهم لأنه يريد البطش بالنَّاس ويعجبه ذلك.
فاجتمع على نساء بني إسرائيل بطش فرعون وهامان، من جهة، وضعف شخصية رجالهنَّ من جهة أخرى، فلا حماية لهنَّ، ولا صيانة لعرضهنَّ، ولا رحمة لمواليدهنَّ.
وهذا التعذيب والإذلال بأنواعه المختلفة كان قبل ولادة موسى عليه السلام.
فجاءت البشارة من الله لبني إسرائيل قبل ولادة موسى عليه السلام برفع الظلم عنهم، وإذلال عدوهم، فقال عَزَّ وَجَلَّ مبينًا قدره فِي إنهاء هذه المعاناة التي كانت تمرُّ بها المرأة: ﴿طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 1-6]
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: ((ومعنى الكلامِ: إن فرعونَ علا فِي الأرضِ، وجعَل أهلَها من بني إسرائيلَ فِرَقًا، يَسْتَضْعِفُ طائفةً منهم، ونحن نُرِيدُ أن نَمُنَّ على الذين استَضْعَفهم فرعونُ فِي الأرضِ من بنى إسرائيلَ، ونَجْعَلَهم أئمةً)). (تفسير الطبري 18/ 152)
وقال القشيري رحمه الله: ((نريد أن نمنَّ على المستضعفين بالخلاص من أيديهم، وأن نجعلهم أئمة، بهم يهتدى الخلق، ومنهم يتعلم النَّاس سلوك طريق الصدق، ونبارك فِي أعمارهم، فيصيرون وارثين لأعمار من يناويهم، وتصير إليهم مساكنهم ومنازلهم فهم هداة وأعلام، وسادة وقادة بهم يُقتدى وبنورهم يُهتدى، ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ نزيل عنهم الخوف، ونرزقهم البسطة والاقتدار، ونمدُّ لهم فِي الأجل. ونُري فرعون وهامان وقومهما ما كانوا يحذرون من زوال ملكهم على أيديهم وأنَّ الحقَّ يُعطى وإن كان عند الخلق أنّه يُبطي)). (لطائف الإشارات 3/ 54)
إذلال فرعون للنساء في زمن موسى عليه السلام
جعل الله المرأة سكنًا للرَّجل، وجعل الله الرَّجل سندًا للمرأة، تحتمي به من كل المخاوف، وتشعر بالأمن فِي كنفه، ولذلك تحب المرأة أن ترمي برأسها على صدر الرَّجل لتشعر بهذه الطمأنينة، وتحب أن ترى من الرَّجل قوَّته فِي الدفاع عنها وحمايتها.
كما أنَّها تحب أن تشعر بغَيرته عليها، بل قد تستثيره عمدًا لترى أثر هذه الغَيرة على وجهه، وفي تصرفاته، لأن هذه الغَيرة دليل على محبته لها، وفيها تظهر حمايته لها، والذبُّ عنها. فالمرأة عِرضُه الذي يحميه، ويخاف عليه من كل ما يؤذيه، أو يجرحه.
والرَّجل وقت الغَيرة فِي قمة الغضب، وشدة غليان قلبه على ما يحدث لزوجه.
والمرأة فِي قمة السَّعادة لما ترى من غَيرته، وإن كانت تخفِي سعادتها فلا يظهر لها أثر على وجهها الذي يمثل الخوف، فإن قلبها يمتلئ فرحًا بما ترى.
هذه السعادة التي تشعر بها المرأة فِي حال غيرة زوجها عليها، فقدتها المرأة فِي زمن موسى بسبب ظلم فرعون وإذلاله لزوجها.
وهذا هو النوع الرابع من العذاب الذي تمر به المرأة فِي زمن فرعون، وهو إذلال زوجها وإهانته وكسره، بما وضع فرعون من قوانين عليهم تهينهم، وتربيهم على الذُّل والخنوع وفقدان الرجولة، فلا يملك هذا الرَّجل أن يدافع عن زوجته، ولا عن مولودها، بل هو مستسلم لقرار فرعون بقتل الذكور من بني إسرائيل، فلا يحرك ساكنًا من أجله، ولا يدافع عن عرضه، ولا يرد عنها أيَّ نوع من أنواع العذاب الذي تسلَّط به فرعون على نساء بني إسرائيل.
ولم يقف الأمر عند هذا الحدِّ، بل إنَّ فرعون استخدم رجال بني إسرائيل فِي الأعمال الشاقة مع إذلالهم وتعذيبهم، حتى أصبحت شخصية غالب رجال بني إسرائيل فِي ذلك الزمان شخصية ضعيفة أمام طغيان فرعون وهامان وجنودهما.
و«هامان» ((هو اليد العاملة لفرعون، فيما يشاء. وقد يكون وزيرًا لفرعون، أو مستشارًا له، أو كبير جنده. وهو الذي دعاه فرعون إلى أن يبنى له صرحًا يطلع منه إلى إله موسى)). (التفسير القرآني للقرآن 10/ 310)
وهذه عادة الطغاة فِي الأرض، صناعة شخصيات ومناصب تعينهم على الطغيان. وهذا ما فعله فرعون، فجعل هامان وزيرًا له يُنفِّذ أوامره، ويبطش بالنَّاس.
وعادة ما يزيد طغيان أمثال هؤلاء الذين هم أعوان الظلمة لشعورهم أنَّ لهم سندًا يستمدون قوتهم منه، ويبطشون باسمه، وإن لم يأمرهم. ولو علم لن يخذلهم لأنه يريد البطش بالنَّاس ويعجبه ذلك.
فاجتمع على نساء بني إسرائيل بطش فرعون وهامان، من جهة، وضعف شخصية رجالهنَّ من جهة أخرى، فلا حماية لهنَّ، ولا صيانة لعرضهنَّ، ولا رحمة لمواليدهنَّ.
وهذا التعذيب والإذلال بأنواعه المختلفة كان قبل ولادة موسى عليه السلام.
فجاءت البشارة من الله لبني إسرائيل قبل ولادة موسى عليه السلام برفع الظلم عنهم، وإذلال عدوهم، فقال عَزَّ وَجَلَّ مبينًا قدره فِي إنهاء هذه المعاناة التي كانت تمرُّ بها المرأة: ﴿طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 1-6]
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: ((ومعنى الكلامِ: إن فرعونَ علا فِي الأرضِ، وجعَل أهلَها من بني إسرائيلَ فِرَقًا، يَسْتَضْعِفُ طائفةً منهم، ونحن نُرِيدُ أن نَمُنَّ على الذين استَضْعَفهم فرعونُ فِي الأرضِ من بنى إسرائيلَ، ونَجْعَلَهم أئمةً)). (تفسير الطبري 18/ 152)
وقال القشيري رحمه الله: ((نريد أن نمنَّ على المستضعفين بالخلاص من أيديهم، وأن نجعلهم أئمة، بهم يهتدى الخلق، ومنهم يتعلم النَّاس سلوك طريق الصدق، ونبارك فِي أعمارهم، فيصيرون وارثين لأعمار من يناويهم، وتصير إليهم مساكنهم ومنازلهم فهم هداة وأعلام، وسادة وقادة بهم يُقتدى وبنورهم يُهتدى، ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ نزيل عنهم الخوف، ونرزقهم البسطة والاقتدار، ونمدُّ لهم فِي الأجل. ونُري فرعون وهامان وقومهما ما كانوا يحذرون من زوال ملكهم على أيديهم وأنَّ الحقَّ يُعطى وإن كان عند الخلق أنّه يُبطي)). (لطائف الإشارات 3/ 54)
وقال ابن كثير رحمه الله: ((وقوله تعالى: ﴿يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ﴾ يعني بني إسرائيل، وكانوا فِي ذلك الوقت خيار أهل زمانهم، هذا وقد سلط عليهم هذا الملك الجبَّار العتيد يستعملهم فِي أخس الأعمال، ويكدهم ليلًا ونهارًا فِي أشغاله وأشغال رعيته، ويقتل مع هذا أبناءهم ويستحيي نساءهم، إهانة لهم واحتقارًا وخوفًا من أن يوجد منهم الغلام الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته منه أن يوجد منهم غلام يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه)).
وقال أيضًا: ((أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع قدرة الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري ولا يغلب، بل نفذ حكمه وجرى قلمه فِي القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده وقتلت بسببه ألوفًا من الولدان، إنَّما منشؤه ومرباه على فراشك وفِي دارك، وغذاؤه من طعامك وأنت تربيه وتدلـله وتتفداه، وحتفُك وهلاكُك وهلاكُ جنودِك على يديه، لتعلم أن ربَّ السموات العلا هو القاهر الغالب العظيم القوي العزيز الشديد المحال، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن)). (تفسير ابن كثير 6/ 198)
ومثل هذه البشارة التي نالها بنو إسرائيل، بشرنا الله بها فِي قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55]
قال ابن كثير رحمه: ((هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنَّه سيجعل أُمَّته خلفاء الأرض، أي أئمة النَّاس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد. وليُبدِّلنَّهم من بعد خوفهم من النَّاس أمنًا وحُكمًا فيهم)). (تفسير ابن كثير 6/ 70)
فأبشري أختي الكريمة بنصر الله، ورفع معاناتك وتبديلها مهما كان الطغيان، ومهما فعل الطواغيت، فأمر الله نافذ بعلوِّ هذا الدين، ونصرة أهله، جعلنا الله ممن ينصرون دينه.
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
4 رمضان 1446هـ
وقال أيضًا: ((أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع قدرة الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري ولا يغلب، بل نفذ حكمه وجرى قلمه فِي القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده وقتلت بسببه ألوفًا من الولدان، إنَّما منشؤه ومرباه على فراشك وفِي دارك، وغذاؤه من طعامك وأنت تربيه وتدلـله وتتفداه، وحتفُك وهلاكُك وهلاكُ جنودِك على يديه، لتعلم أن ربَّ السموات العلا هو القاهر الغالب العظيم القوي العزيز الشديد المحال، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن)). (تفسير ابن كثير 6/ 198)
ومثل هذه البشارة التي نالها بنو إسرائيل، بشرنا الله بها فِي قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55]
قال ابن كثير رحمه: ((هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنَّه سيجعل أُمَّته خلفاء الأرض، أي أئمة النَّاس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد. وليُبدِّلنَّهم من بعد خوفهم من النَّاس أمنًا وحُكمًا فيهم)). (تفسير ابن كثير 6/ 70)
فأبشري أختي الكريمة بنصر الله، ورفع معاناتك وتبديلها مهما كان الطغيان، ومهما فعل الطواغيت، فأمر الله نافذ بعلوِّ هذا الدين، ونصرة أهله، جعلنا الله ممن ينصرون دينه.
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
4 رمضان 1446هـ
معاناة المرأة في زمن موسى - 6
أرضعيه وألقيه ولا تخافي ولا تحزني وأبشري
بداية انفراج معاناة أُمِّ مُوسَى كانت بالوحي الذي أوحاه الله عزَّ وجلَّ لها بقوله: (أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص: 7].
واشتمل هذا الوحي على أمرين، ونهيين، وبشارتين.
أمرها بإرضاعه ليتعوَّد على لبنها، وكانت هذه الخطوة الأولى في حماية طفلها من عدوِّ الله فرعون وجنوده، فامتثلت لأمر الله.
ولكن لماذا ترضعه إذا كانت ستلقيه في اليمِّ؟
مِثلُ هذه الأسئلة لا تصدر مِن أهلِ الإيمان بالله إذا جاءهم الأمر مِنَ الله أو مِن رسوله، لأنَّ أهل الإيمان يعلمون يقينًا أنَّ ما أمر الله به لابدَّ فيه من حكمة ظهرت لهم أو لم تظهر.
وهنا تتجلَّى حقيقة إيمان المرأة أمام الأمر والنَّهي الشرعي، أتمتثل أو تتعذَّر بالسؤال عن الحكمة قبل أن تمتثل؟!
مَن علَّقت استجابتها لأمر ربِّهَا على معرفةِ الحكمة، أو القناعة بالحُكم، فهذه لم تُعظِّم ربَّها، ولم تؤمن بأنَّ الله عليمٌ، حكيمٌ، خبيرٌ، سبحانه وتعالى.
أمَّا أُمُّ مُوسَى فقد امتثلت لأمر ربِّها فأرضعت مُوسَى عليه السَّلام. قال الطَّاهر بِن عَاشُور رَحِمَهُ الله: (وَإِنَّمَا أَمَرَهَا اللَّهُ بِإِرْضَاعِهِ لِتَقْوَى بُنْيَتُهُ بِلِبَانِ أُمِّهِ؛ فَإِنَّهُ أَسْعَدُ بِالطِّفْلِ فِي أَوَّلِ عُمُرِهِ مِنْ لِبَانِ غَيْرِهَا، وَلِيَكُونَ لَهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ الْأَخِيرَةِ قَبْلَ إِلْقَائِهِ فِي الْيَمِّ قُوتٌ يَشُدُّ بُنْيَتَهُ فِيمَا بَيْنَ قَذْفِهِ فِي الْيَمِّ وَبَيْنَ الْتِقَاطِ آلِ فِرْعَوْنَ إِيَّاهُ وَإِيصَالِهِ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ وَابْتِغَاءِ الْمَرَاضِعِ وَدَلَالَةِ أُخْتِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى أُمِّهِ إِلَى أَنْ أُحْضِرَتْ لِإِرْضَاعِهِ فَأُرْجِعَ إِلَيْهَا بَعْدَ أَنْ فَارَقَهَا بَعْضَ يَوْمٍ). (التحرير والتنوير 20/ 73)
أمَّا كم بقيت ترضعه، أو متى جاءها الخوف من عدوِّ الله فرعون؟ كلُّ هذا لا يعلمه إلَّا الله، وليس لنا علمٌ بذلك.
قال ابن جَرِيرٍ الطَّبَرِي رَحِمَهُ الله: (وَأَوْلَى قَوْلٍ قِيلَ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَ أُمّ مُوسَى أَنْ تُرْضِعَهُ، فَإِذَا خَافَتْ عَلَيْهِ مِنْ عَدُوِّ اللَّهِ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ أَنْ تُلْقِيَهُ فِي الْيَمِّ. وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ خَافَتْهُمْ عَلَيْهِ بَعْدَ أَشْهُرٍ مِنْ وِلَادِهَا إِيَّاهُ؛ وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ، فَقَدْ فَعَلَتْ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا فِيهِ، وَلَا خَبَرَ قَامَتْ بِهِ حُجَّةٌ، وَلَا فِطْرَةَ فِي الْعَقْلِ لِبَيَانِ أَيِّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَيٍّ، فَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ). (جامع البيان 18/ 157)
فكان من وحي الله لها أن ترضعه، فإذا خافت عليه قذفته في اليمِّ، وهذه هي الطَّريقة الوحيدة التي أمامها لإنقاذه من زبانية فرعون.
قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص: 7]
وقال تعالى: (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) [طه: 39]
والأمر الإلهي الذي أوحاه الله إلى أُمِّ مُوسَى هو القذف في التابوت، ثم القذف في اليم؛ والقذف هو الرمي بشدة، فلماذا أمرها بقذفه بشدَّة مع أنه طفلٌ رضيع؟!
قال أَبُو زُهرَة رَحِمَهُ الله: (وإن فِي قوله: (أَنِ اقْذِفِيه فِي التَّابُوتِ) أي كان مما أوحى به الأمر بقذفه، والقذف هو الإلقاء، كما قال تعالى (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْب)، ولا شكَّ أنَّ التَّعبير بالقذف يفيد معنى الشدَّة فِي الإلقاء، وذلك للمعاناة النَّفسيَّة التي كانت تعتلج فِي قلب الأمِّ الرؤومِ، فكان التَّردد الشديد، ثم انتهى التَّردد بالإلقاء، وكأنَّها تقذف قطعة منها فِي تابوت مغلق لَا تدري بالحسِّ ما الله فاعلٌ بِهِ.
ألقته فِي التَّابوت بمعاناة نفسيَّةٍ، ثم ألقت التَّابوت الذي فيه مُوسَى قطعة نفسها فِي اليمِّ وهي فِي ألمٍ مريرٍ. والضمير فِي قوله تعالى: (اقذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) يعود عَلَى موسى بلا ريب وأمَّا فِي قوله: (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ) يحتمل أن يكون لموسى وأن يكون للتَّابوت، وفِي كلتا الحالين هي تقذفه وقلبها معلَّق به، والأوضح أن يكون لموسى، لقوله تعالى: (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) العداوة ليست للتابوت، وإنَّما هي لشخص الرسول الكليم.
أرضعيه وألقيه ولا تخافي ولا تحزني وأبشري
بداية انفراج معاناة أُمِّ مُوسَى كانت بالوحي الذي أوحاه الله عزَّ وجلَّ لها بقوله: (أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص: 7].
واشتمل هذا الوحي على أمرين، ونهيين، وبشارتين.
أمرها بإرضاعه ليتعوَّد على لبنها، وكانت هذه الخطوة الأولى في حماية طفلها من عدوِّ الله فرعون وجنوده، فامتثلت لأمر الله.
ولكن لماذا ترضعه إذا كانت ستلقيه في اليمِّ؟
مِثلُ هذه الأسئلة لا تصدر مِن أهلِ الإيمان بالله إذا جاءهم الأمر مِنَ الله أو مِن رسوله، لأنَّ أهل الإيمان يعلمون يقينًا أنَّ ما أمر الله به لابدَّ فيه من حكمة ظهرت لهم أو لم تظهر.
وهنا تتجلَّى حقيقة إيمان المرأة أمام الأمر والنَّهي الشرعي، أتمتثل أو تتعذَّر بالسؤال عن الحكمة قبل أن تمتثل؟!
مَن علَّقت استجابتها لأمر ربِّهَا على معرفةِ الحكمة، أو القناعة بالحُكم، فهذه لم تُعظِّم ربَّها، ولم تؤمن بأنَّ الله عليمٌ، حكيمٌ، خبيرٌ، سبحانه وتعالى.
أمَّا أُمُّ مُوسَى فقد امتثلت لأمر ربِّها فأرضعت مُوسَى عليه السَّلام. قال الطَّاهر بِن عَاشُور رَحِمَهُ الله: (وَإِنَّمَا أَمَرَهَا اللَّهُ بِإِرْضَاعِهِ لِتَقْوَى بُنْيَتُهُ بِلِبَانِ أُمِّهِ؛ فَإِنَّهُ أَسْعَدُ بِالطِّفْلِ فِي أَوَّلِ عُمُرِهِ مِنْ لِبَانِ غَيْرِهَا، وَلِيَكُونَ لَهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ الْأَخِيرَةِ قَبْلَ إِلْقَائِهِ فِي الْيَمِّ قُوتٌ يَشُدُّ بُنْيَتَهُ فِيمَا بَيْنَ قَذْفِهِ فِي الْيَمِّ وَبَيْنَ الْتِقَاطِ آلِ فِرْعَوْنَ إِيَّاهُ وَإِيصَالِهِ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ وَابْتِغَاءِ الْمَرَاضِعِ وَدَلَالَةِ أُخْتِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى أُمِّهِ إِلَى أَنْ أُحْضِرَتْ لِإِرْضَاعِهِ فَأُرْجِعَ إِلَيْهَا بَعْدَ أَنْ فَارَقَهَا بَعْضَ يَوْمٍ). (التحرير والتنوير 20/ 73)
أمَّا كم بقيت ترضعه، أو متى جاءها الخوف من عدوِّ الله فرعون؟ كلُّ هذا لا يعلمه إلَّا الله، وليس لنا علمٌ بذلك.
قال ابن جَرِيرٍ الطَّبَرِي رَحِمَهُ الله: (وَأَوْلَى قَوْلٍ قِيلَ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَ أُمّ مُوسَى أَنْ تُرْضِعَهُ، فَإِذَا خَافَتْ عَلَيْهِ مِنْ عَدُوِّ اللَّهِ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ أَنْ تُلْقِيَهُ فِي الْيَمِّ. وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ خَافَتْهُمْ عَلَيْهِ بَعْدَ أَشْهُرٍ مِنْ وِلَادِهَا إِيَّاهُ؛ وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ، فَقَدْ فَعَلَتْ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا فِيهِ، وَلَا خَبَرَ قَامَتْ بِهِ حُجَّةٌ، وَلَا فِطْرَةَ فِي الْعَقْلِ لِبَيَانِ أَيِّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَيٍّ، فَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ). (جامع البيان 18/ 157)
فكان من وحي الله لها أن ترضعه، فإذا خافت عليه قذفته في اليمِّ، وهذه هي الطَّريقة الوحيدة التي أمامها لإنقاذه من زبانية فرعون.
قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص: 7]
وقال تعالى: (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) [طه: 39]
والأمر الإلهي الذي أوحاه الله إلى أُمِّ مُوسَى هو القذف في التابوت، ثم القذف في اليم؛ والقذف هو الرمي بشدة، فلماذا أمرها بقذفه بشدَّة مع أنه طفلٌ رضيع؟!
قال أَبُو زُهرَة رَحِمَهُ الله: (وإن فِي قوله: (أَنِ اقْذِفِيه فِي التَّابُوتِ) أي كان مما أوحى به الأمر بقذفه، والقذف هو الإلقاء، كما قال تعالى (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْب)، ولا شكَّ أنَّ التَّعبير بالقذف يفيد معنى الشدَّة فِي الإلقاء، وذلك للمعاناة النَّفسيَّة التي كانت تعتلج فِي قلب الأمِّ الرؤومِ، فكان التَّردد الشديد، ثم انتهى التَّردد بالإلقاء، وكأنَّها تقذف قطعة منها فِي تابوت مغلق لَا تدري بالحسِّ ما الله فاعلٌ بِهِ.
ألقته فِي التَّابوت بمعاناة نفسيَّةٍ، ثم ألقت التَّابوت الذي فيه مُوسَى قطعة نفسها فِي اليمِّ وهي فِي ألمٍ مريرٍ. والضمير فِي قوله تعالى: (اقذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) يعود عَلَى موسى بلا ريب وأمَّا فِي قوله: (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ) يحتمل أن يكون لموسى وأن يكون للتَّابوت، وفِي كلتا الحالين هي تقذفه وقلبها معلَّق به، والأوضح أن يكون لموسى، لقوله تعالى: (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) العداوة ليست للتابوت، وإنَّما هي لشخص الرسول الكليم.
ويلاحظ أنَّ العطف كله بالفاء التي تفيد التَّرتيب والتَّعقيب من غير تراخ زمني؛ ذلك لأنَّ الأُمَّ الرؤوم تريد المسارعة بنجاة ولدها الحبيب من الذبح، والإلقاء هو السبيل الوحيد أمامها، والله سبحانه وتعالى الذي ألهمها بإلهامه الذي هو وحي، ينقذه قبل أن يموت جوعًا أو تتقاذفه الرياح، يعجل سبحانه وتعالى بالنجاة فألقاه فِي الساحل). (زهرة التفاسير 9/ 4723)
وهناك فرقٌ بين طريقة قذف أُمِّ مُوسَى لموسى في اليمِّ، وإلقاء اليمِّ لموسى على الساحل. قال أَبُو زُهرَة رَحِمَهُ الله: (وقد عبَّر عن وجوده عَلَى الساحل بالإلقاء دون القذف؛ لأنَّ القذف يكون من أعَلَى لأسفل ولأن الإلقاء لم يكن بمعاناة من الأُمِّ، بل كان برحمة من الله تعالى). (زهرة التفاسير 9/ 4724)
وهنا بدأت المرحلة الثَّالثة من المعاناة؛ وهي فقد أُمِّ مُوسَى لرضيعها.
موسى عليه السلام، ذلك الطفل الرضيع ملقى في تابوت في اليمِّ، واليمُّ يجري بالتابوت بعيدًا عن عين أُمِّ مُوسَى، ثمَّ يتَّجه به بأمر الله إلى قصر الطاغية فرعون؛ وقصر فرعون يطل على النهر، فرآه الحرس فانتشلوه من النَّهر وأحضروه أمام فرعون وامرأته.
والقرار المتوقع هو قتله، لأنَّ الحال في تلك السنة هو قتل كلِّ مولود ذكر يولد لبني إسرائيل.
فهل استطاع فرعون قتله؟
وكيف صرف الله عن موسى القتل؟
وكيف كان حال أُمِّ مُوسَى وقد فقدت التابوت الذي فيه رضيعها؛ موسى عليه السلام؟
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
6 رمضان 1446هـ
وهناك فرقٌ بين طريقة قذف أُمِّ مُوسَى لموسى في اليمِّ، وإلقاء اليمِّ لموسى على الساحل. قال أَبُو زُهرَة رَحِمَهُ الله: (وقد عبَّر عن وجوده عَلَى الساحل بالإلقاء دون القذف؛ لأنَّ القذف يكون من أعَلَى لأسفل ولأن الإلقاء لم يكن بمعاناة من الأُمِّ، بل كان برحمة من الله تعالى). (زهرة التفاسير 9/ 4724)
وهنا بدأت المرحلة الثَّالثة من المعاناة؛ وهي فقد أُمِّ مُوسَى لرضيعها.
موسى عليه السلام، ذلك الطفل الرضيع ملقى في تابوت في اليمِّ، واليمُّ يجري بالتابوت بعيدًا عن عين أُمِّ مُوسَى، ثمَّ يتَّجه به بأمر الله إلى قصر الطاغية فرعون؛ وقصر فرعون يطل على النهر، فرآه الحرس فانتشلوه من النَّهر وأحضروه أمام فرعون وامرأته.
والقرار المتوقع هو قتله، لأنَّ الحال في تلك السنة هو قتل كلِّ مولود ذكر يولد لبني إسرائيل.
فهل استطاع فرعون قتله؟
وكيف صرف الله عن موسى القتل؟
وكيف كان حال أُمِّ مُوسَى وقد فقدت التابوت الذي فيه رضيعها؛ موسى عليه السلام؟
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
6 رمضان 1446هـ
معاناة المرأة في زمن موسى - 7
تعلُّق قلب امرأة فرعون بالطفل الرضيع
تحرَّك التابوت في اليمِّ وفيه قطعة من قلب أُمِّ موسى، وسار به اليمُّ إلى قصر فرعون، وهناك انتشله الحرس وجاؤوا به إلى فرعون، وكانت امرأته حاضرة، فلما رأته ألقى الله في قلبها حُبَّه، فقالت: (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) [القصص: 9]
قال ابنُ كَثِير رَحِمَهُ الله: (وقوله تعالى: (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) الآية، يَعْنِي أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا رَآهُ هَمَّ بِقَتْلِهِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فشرعت امرأته آسية بنت مزاحم تخاصم عَنْهُ وَتَذُبُّ دُونَهُ وَتُحَبِّبُهُ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَقَالَتْ: (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) فقال فرعون: أَمَّا لَكِ فَنَعَمْ، وَأَمَّا لِي فَلَا، فَكَانَ كذلك، وهداها الله بسببه وَأَهْلَكَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ). (تفسير ابن كثير 6/ 200)
وقال الطَّاهرُ بن عَاشُور رَحِمَهُ الله: (يَدُلُّ الْكَلَامُ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ انْتَشَلُوهُ جَعَلُوهُ بَيْنَ أَيْدِي فِرْعَوْنَ وَامْرَأَتِهِ، فَرَقَّتْ لَهُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَصَرَفَتْ فِرْعَوْنَ عَنْ قَتْلِهِ، بَعْدَ أَنْ هَمَّ بِهِ، لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الطِّفْلَ لَيْسَ مِنْ أَبْنَاءِ الْقِبْطِ؛ بِلَوْنِ جَلْوَتِهِ وَمَلَامِحِ وَجْهِهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَمَلَهُ النَّيْلُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ لِظُهُورِهِ أَنَّهُ لَمْ يَطُلْ مَكْثُ تَابُوتِهِ فِي الْمَاءِ وَلَا اضْطِرَابُهُ بِكَثْرَةِ التَّنَقُّلِ، فَعَلِمَ أَنَّ وَقْعَهُ فِي التَّابُوتِ لِقَصْدِ إِنْجَائِهِ مِنَ الذَّبْحِ. وَكَانَ ذَلِكَ وَقْتَ انْتِشَالِهِ مِنَ الْمَاءِ وَإِخْرَاجِهِ مِنَ التَّابُوتِ. وَكَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ امْرَأَةً مُلْهَمَةً لِلْخَيْرِ وَقَدَّرَ اللَّهُ نَجَاةَ مُوسَى بِسَبَبِهَا). (التحرير والتنوير 20/ 77)
لقد واجهت امرأة فرعون زوجها فرعون بكلمة قوية تنهاه عن قتل الطفل فقالت: (لَا تَقْتُلُوهُ) وهذا نهي صريح لفرعون بألَّا يقتل الطفل الرضيع ولو لم يرغب أن يكون قُرَّة عين له.
ومثل هذا الأسلوب عادة لا يقبله الرجل من امرأته، فكيف إذا كان الزوج هو فرعون الذي تكبَّر في الأرض وطغى؟!
فكان المتوقَّع منه في تلك اللحظة بحسب ما عُرف عنه من الطغيان أن يُوبِّخ أو يُؤدِّب امرأته على تَجرُّئها في الكلام معه بصيغة الأمر والنهي، وأن يقتل الطفل عنادًا لها، ولكنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ ألهم امرأة فرعون فقالت مباشرة بعد قولها: (لَا تَقْتُلُوهُ): (عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا)، مسوِّغةً له سبب طلبها بمنع قتله.
قال الطَّاهر بن عَاشُور رَحِمَهُ الله: (وَيَتَضَمَّنُ قَوْلُهَا: (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) إِزَالَةَ مَا خَامَرَ نَفْسَ فِرْعَوْنَ مِنْ خَشْيَةِ فَسَادِ مُلْكِهِ عَلَى يَدِ فَتًى إِسْرَائِيلِيٍّ بِأَنَّ هَذَا الطِّفْلَ لَا يَكُونُ هُوَ الْمَخُوفَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْضَمَّ فِي أَهْلِهِمْ وَسَيَكُونُ رَبِيَّهُمْ فَإِنَّهُ يُرْجَى مِنْهُ نَفْعُهُمْ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ كَالْوَلَدِ. فَأَقْنَعَتْ فِرْعَوْنَ بِقِيَاسٍ عَلَى الْأَحْوَالِ الْمُجَرَّبَةِ فِي عَلَاقَةِ التَّرْبِيَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ وَالتَّبَنِّي وَالْإِحْسَانِ، وَإِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي بِالشَّرِّ. وَلِذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَهُ الِاعْتِرَاضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)؛ أَيْ وَفِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ لَا يَعْلَمُونَ خَفِيَّ إِرَادَةِ اللَّهِ مِنَ الِانْتِقَامِ مِنْ أُمَّةِ الْقِبْطِ بِسَبَبِ مُوسَى). (التحرير والتنوير 20/ 79)
وتصرُّفُ امرأة فرعون يدلُّ على مدى الخوف من فرعون الذي استسهل قتلَ الأطفال، ولم يرحم أُمَّهاتهم، ولم يُراعِ حرمة نساء بني إسرائيل، فلا غرابة أن تخاف منه امرأتُه!
وقد رأينا أمثال فرعون من طواغيت زماننا من سار على نهج فرعون في قتل الأطفال والنساء والشيوخ، واستباح أعراض النساء، وفعل بالناس الأفاعيل من أنواع التعذيب في السجون وغيرها، كلُّ هذا من أجل الحفاظ على ملكه وسلطانه، ولكن الله جعل لنا العبرة في إزالة بعضهم في حياتنا، لنعلم علم اليقين أنَّ وعد الله حقٌّ، وأن الظلم لن يدوم، وما سورية عنا ببعيد!
وقد رأينا في واقع الحياة، أن المتغطرس على الناس خارج بيته يُسلِّط الله عليه امرأته داخل البيت، وإن كانت هذه ليست قاعدة عامة.
وقد يكون هذا من باب: الجزاء من جنس العمل، فكما أنه متسلِّط على الناس، يُسلِّط الله عليه من يذِلُّه في بيته.
تعلُّق قلب امرأة فرعون بالطفل الرضيع
تحرَّك التابوت في اليمِّ وفيه قطعة من قلب أُمِّ موسى، وسار به اليمُّ إلى قصر فرعون، وهناك انتشله الحرس وجاؤوا به إلى فرعون، وكانت امرأته حاضرة، فلما رأته ألقى الله في قلبها حُبَّه، فقالت: (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) [القصص: 9]
قال ابنُ كَثِير رَحِمَهُ الله: (وقوله تعالى: (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) الآية، يَعْنِي أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا رَآهُ هَمَّ بِقَتْلِهِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فشرعت امرأته آسية بنت مزاحم تخاصم عَنْهُ وَتَذُبُّ دُونَهُ وَتُحَبِّبُهُ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَقَالَتْ: (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) فقال فرعون: أَمَّا لَكِ فَنَعَمْ، وَأَمَّا لِي فَلَا، فَكَانَ كذلك، وهداها الله بسببه وَأَهْلَكَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ). (تفسير ابن كثير 6/ 200)
وقال الطَّاهرُ بن عَاشُور رَحِمَهُ الله: (يَدُلُّ الْكَلَامُ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ انْتَشَلُوهُ جَعَلُوهُ بَيْنَ أَيْدِي فِرْعَوْنَ وَامْرَأَتِهِ، فَرَقَّتْ لَهُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَصَرَفَتْ فِرْعَوْنَ عَنْ قَتْلِهِ، بَعْدَ أَنْ هَمَّ بِهِ، لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الطِّفْلَ لَيْسَ مِنْ أَبْنَاءِ الْقِبْطِ؛ بِلَوْنِ جَلْوَتِهِ وَمَلَامِحِ وَجْهِهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَمَلَهُ النَّيْلُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ لِظُهُورِهِ أَنَّهُ لَمْ يَطُلْ مَكْثُ تَابُوتِهِ فِي الْمَاءِ وَلَا اضْطِرَابُهُ بِكَثْرَةِ التَّنَقُّلِ، فَعَلِمَ أَنَّ وَقْعَهُ فِي التَّابُوتِ لِقَصْدِ إِنْجَائِهِ مِنَ الذَّبْحِ. وَكَانَ ذَلِكَ وَقْتَ انْتِشَالِهِ مِنَ الْمَاءِ وَإِخْرَاجِهِ مِنَ التَّابُوتِ. وَكَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ امْرَأَةً مُلْهَمَةً لِلْخَيْرِ وَقَدَّرَ اللَّهُ نَجَاةَ مُوسَى بِسَبَبِهَا). (التحرير والتنوير 20/ 77)
لقد واجهت امرأة فرعون زوجها فرعون بكلمة قوية تنهاه عن قتل الطفل فقالت: (لَا تَقْتُلُوهُ) وهذا نهي صريح لفرعون بألَّا يقتل الطفل الرضيع ولو لم يرغب أن يكون قُرَّة عين له.
ومثل هذا الأسلوب عادة لا يقبله الرجل من امرأته، فكيف إذا كان الزوج هو فرعون الذي تكبَّر في الأرض وطغى؟!
فكان المتوقَّع منه في تلك اللحظة بحسب ما عُرف عنه من الطغيان أن يُوبِّخ أو يُؤدِّب امرأته على تَجرُّئها في الكلام معه بصيغة الأمر والنهي، وأن يقتل الطفل عنادًا لها، ولكنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ ألهم امرأة فرعون فقالت مباشرة بعد قولها: (لَا تَقْتُلُوهُ): (عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا)، مسوِّغةً له سبب طلبها بمنع قتله.
قال الطَّاهر بن عَاشُور رَحِمَهُ الله: (وَيَتَضَمَّنُ قَوْلُهَا: (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) إِزَالَةَ مَا خَامَرَ نَفْسَ فِرْعَوْنَ مِنْ خَشْيَةِ فَسَادِ مُلْكِهِ عَلَى يَدِ فَتًى إِسْرَائِيلِيٍّ بِأَنَّ هَذَا الطِّفْلَ لَا يَكُونُ هُوَ الْمَخُوفَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْضَمَّ فِي أَهْلِهِمْ وَسَيَكُونُ رَبِيَّهُمْ فَإِنَّهُ يُرْجَى مِنْهُ نَفْعُهُمْ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ كَالْوَلَدِ. فَأَقْنَعَتْ فِرْعَوْنَ بِقِيَاسٍ عَلَى الْأَحْوَالِ الْمُجَرَّبَةِ فِي عَلَاقَةِ التَّرْبِيَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ وَالتَّبَنِّي وَالْإِحْسَانِ، وَإِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي بِالشَّرِّ. وَلِذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَهُ الِاعْتِرَاضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)؛ أَيْ وَفِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ لَا يَعْلَمُونَ خَفِيَّ إِرَادَةِ اللَّهِ مِنَ الِانْتِقَامِ مِنْ أُمَّةِ الْقِبْطِ بِسَبَبِ مُوسَى). (التحرير والتنوير 20/ 79)
وتصرُّفُ امرأة فرعون يدلُّ على مدى الخوف من فرعون الذي استسهل قتلَ الأطفال، ولم يرحم أُمَّهاتهم، ولم يُراعِ حرمة نساء بني إسرائيل، فلا غرابة أن تخاف منه امرأتُه!
وقد رأينا أمثال فرعون من طواغيت زماننا من سار على نهج فرعون في قتل الأطفال والنساء والشيوخ، واستباح أعراض النساء، وفعل بالناس الأفاعيل من أنواع التعذيب في السجون وغيرها، كلُّ هذا من أجل الحفاظ على ملكه وسلطانه، ولكن الله جعل لنا العبرة في إزالة بعضهم في حياتنا، لنعلم علم اليقين أنَّ وعد الله حقٌّ، وأن الظلم لن يدوم، وما سورية عنا ببعيد!
وقد رأينا في واقع الحياة، أن المتغطرس على الناس خارج بيته يُسلِّط الله عليه امرأته داخل البيت، وإن كانت هذه ليست قاعدة عامة.
وقد يكون هذا من باب: الجزاء من جنس العمل، فكما أنه متسلِّط على الناس، يُسلِّط الله عليه من يذِلُّه في بيته.
وهذا التسلُّط من المرأة على زوجها لا يصدر إلا من امرأة لم تلتزم بتعاليم هذا الدين العظيم. فهو ظالم سلَّط الله عليه ظالمًا مثله، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأن
عام: 129]
أما المرأة الصالحة فإنها لا تفعل ذلك، ولو ظلمها زوجها، لأنها تتعامل مع الله، وتريد ما عند الله من الثواب، فلا تقابل السيئة بمثلها، امتثالًا لقوله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت: 34-35].
فالتصرُّفات السيئة من الزوج تُدفع بأعمالٍ حسنة من الزَّوجة، حتى تنقلب العداوة إلى مودة.
ولعل من الأمور العظيمة التي لو فعلتها الزوجة فهي من أهل الجنة، ما جاء ذكره في حديث النبي والذي قال فيه: (أَلا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ، الْوَلُودُ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بَيْدَ زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ وَاللهِ لا أَذُوقُ غُمْضًا حَتَّى تَرْضَى). (رواه النسائي في الكبرى)
وهذا الخُلُق لا تفعله مَن في نفسها شيءٌ من الكِبْر.
وهكذا صرف الله فرعون عن قتل موسى وجعل امرأته سببًا في ذلك، فدخل موسى عليه السلام قصر فرعون الذي ينتظره منذ سنوات ليقتله، وأدخله الله في قلب امرأة فرعون من أول نظرة نظرت إليه، وهي من مِنَنِ الله على موسى كما قال الله تعالى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) [طه: 39].
فموسى عليه السلام في قصر فرعون وفي قلب امرأة فرعون في آن واحد، فماذا سيفعل فرعون ليصرف عن نفسه أمر الله الذي قضاه في سابق علمه: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص: 5 - 6]؟
لم تنته مِنَّة الله على موسى، ولم تنته معاناة أُمِّ موسى من فقدها لرضيعها، وإن كانت هذه خطوة ثانية في الفرج من الذي تعانيه أُمُّ موسى، ولكنها لم تعلم بها.
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
7 رمضان 1446هـ
عام: 129]
أما المرأة الصالحة فإنها لا تفعل ذلك، ولو ظلمها زوجها، لأنها تتعامل مع الله، وتريد ما عند الله من الثواب، فلا تقابل السيئة بمثلها، امتثالًا لقوله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت: 34-35].
فالتصرُّفات السيئة من الزوج تُدفع بأعمالٍ حسنة من الزَّوجة، حتى تنقلب العداوة إلى مودة.
ولعل من الأمور العظيمة التي لو فعلتها الزوجة فهي من أهل الجنة، ما جاء ذكره في حديث النبي والذي قال فيه: (أَلا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ، الْوَلُودُ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بَيْدَ زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ وَاللهِ لا أَذُوقُ غُمْضًا حَتَّى تَرْضَى). (رواه النسائي في الكبرى)
وهذا الخُلُق لا تفعله مَن في نفسها شيءٌ من الكِبْر.
وهكذا صرف الله فرعون عن قتل موسى وجعل امرأته سببًا في ذلك، فدخل موسى عليه السلام قصر فرعون الذي ينتظره منذ سنوات ليقتله، وأدخله الله في قلب امرأة فرعون من أول نظرة نظرت إليه، وهي من مِنَنِ الله على موسى كما قال الله تعالى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) [طه: 39].
فموسى عليه السلام في قصر فرعون وفي قلب امرأة فرعون في آن واحد، فماذا سيفعل فرعون ليصرف عن نفسه أمر الله الذي قضاه في سابق علمه: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص: 5 - 6]؟
لم تنته مِنَّة الله على موسى، ولم تنته معاناة أُمِّ موسى من فقدها لرضيعها، وإن كانت هذه خطوة ثانية في الفرج من الذي تعانيه أُمُّ موسى، ولكنها لم تعلم بها.
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
7 رمضان 1446هـ
معاناة المرأة في زمن موسى - 8
المعاناة الثالثة لأُمِّ موسى
في اللحظة التي كان الحوار يدور بين فرعون وامرأته في موضوع قتل موسى، كانت أُمُّ موسى في شدَّة معاناتها من فقدها لرضيعها، حتى وصف الله حالها بقوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [القصص: 10]، أصبح فؤادها فارغًا لا عقل فيه يُفكِّر، أو يُدبِّر الأمر، من شدَّة هول الصدمة عليها بفقدها لطفلها، بل كادت أن تفضح نفسها وتُعلن عن فقدها لطفلها في اليمِّ، لولا لطف الله بها.
قال ابنُ كَثِير رَحِمَهُ الله: (يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ فُؤَادِ أُمِّ مُوسَى حِينَ ذَهَبَ وَلَدُهَا فِي الْبَحْرِ إِنَّهُ أَصْبَحَ فَارِغًا، أَيْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنيَا إِلَّا مِنْ مُوسَى، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ. (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أَيْ إِنْ كَادَتْ مِنْ شَدَّةِ وَجْدِهَا وَحُزْنِهَا وَأَسَفِهَا لَتُظْهِرُ أَنَّهُ ذَهَبَ لَهَا وَلَدٌ، وَتُخْبِرُ بِحَالِهَا لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ ثَبَّتَهَا وَصَبَّرَهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلَى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)). (تفسير ابن كثير 6/ 201)
وقال السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ الله: (ولما فقدت موسى أُمُّه، حزنت حزنًا شديدًا، وأصبح فؤادها فارغًا من القلق الذي أزعجها، عَلَى مقتضى الحالة البشرية، مع أن الله تعالى نهاها عن الحزن والخوف، ووعدها بردِّه. (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أي: بما فِي قلبها (لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) فثبَّتناها، فصبرت، ولم تُبدِ به. (لِتَكُونَ) بذلك الصبر والثبات (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)؛ فإن العبد إذا أصابته مصيبة فصبر وثبت، ازداد بذلك إيمانه، ودل ذلك عَلَى أن استمرار الجزع مع العبد، دليلٌ عَلَى ضعف إيمانه). (تفسير السعدي 613)
من الطبيعي أن يصاب الإنسان بالحزن عند المصيبة، ولكن أن يستمرَّ معه الحزنُ، أو يتصرَّف بخلاف الشرع، فهذا أمرٌ مذموم، ومخالفٌ للصبر الذي أمرنا الله به.
قال تعالى: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 156-157]
ولما رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم امرأة تبكي عند قبرٍ أمرها بالصبر، فعن أَنَسِ بنِ مالِكٍ رضي الله عنه قالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فقالَ: (اتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي). قالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي. وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَها: إِنَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم . فَأَتَتْ بابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فقالَت: لَمْ أَعْرِفْكَ. فقالَ: (إِنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى). (رواه البخاري)
فالحزن مما يُبتلى به المسلم، ولكن عليه أن يتعامل معه بما أمر الله عَزَّ وَجَـلَّ، وقد فقد النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم عليه السلام، فعلَّمنا عليه الصلاة والسلام كيف نتعامل مع مثل هذه المصائب فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! فَقَالَ: (يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ)، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلا نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهيمُ لَمَحْزُونُونَ). (رواه البخاري)
وهذا هو المطلوب منكِ أختي الكريمة عند المصيبة، أن يقف أمر الحزن عند القلب ولا يتعداه عــــــلى اللسان بالبكاء والعـويل فيتحـوَّل الحُــزن إلى نياحة، فتقعين في كبيرة مــن الكبائر، قال عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم (اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ). (رواه مسلم)
المعاناة الثالثة لأُمِّ موسى
في اللحظة التي كان الحوار يدور بين فرعون وامرأته في موضوع قتل موسى، كانت أُمُّ موسى في شدَّة معاناتها من فقدها لرضيعها، حتى وصف الله حالها بقوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [القصص: 10]، أصبح فؤادها فارغًا لا عقل فيه يُفكِّر، أو يُدبِّر الأمر، من شدَّة هول الصدمة عليها بفقدها لطفلها، بل كادت أن تفضح نفسها وتُعلن عن فقدها لطفلها في اليمِّ، لولا لطف الله بها.
قال ابنُ كَثِير رَحِمَهُ الله: (يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ فُؤَادِ أُمِّ مُوسَى حِينَ ذَهَبَ وَلَدُهَا فِي الْبَحْرِ إِنَّهُ أَصْبَحَ فَارِغًا، أَيْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنيَا إِلَّا مِنْ مُوسَى، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ. (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أَيْ إِنْ كَادَتْ مِنْ شَدَّةِ وَجْدِهَا وَحُزْنِهَا وَأَسَفِهَا لَتُظْهِرُ أَنَّهُ ذَهَبَ لَهَا وَلَدٌ، وَتُخْبِرُ بِحَالِهَا لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ ثَبَّتَهَا وَصَبَّرَهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلَى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)). (تفسير ابن كثير 6/ 201)
وقال السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ الله: (ولما فقدت موسى أُمُّه، حزنت حزنًا شديدًا، وأصبح فؤادها فارغًا من القلق الذي أزعجها، عَلَى مقتضى الحالة البشرية، مع أن الله تعالى نهاها عن الحزن والخوف، ووعدها بردِّه. (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أي: بما فِي قلبها (لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) فثبَّتناها، فصبرت، ولم تُبدِ به. (لِتَكُونَ) بذلك الصبر والثبات (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)؛ فإن العبد إذا أصابته مصيبة فصبر وثبت، ازداد بذلك إيمانه، ودل ذلك عَلَى أن استمرار الجزع مع العبد، دليلٌ عَلَى ضعف إيمانه). (تفسير السعدي 613)
من الطبيعي أن يصاب الإنسان بالحزن عند المصيبة، ولكن أن يستمرَّ معه الحزنُ، أو يتصرَّف بخلاف الشرع، فهذا أمرٌ مذموم، ومخالفٌ للصبر الذي أمرنا الله به.
قال تعالى: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 156-157]
ولما رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم امرأة تبكي عند قبرٍ أمرها بالصبر، فعن أَنَسِ بنِ مالِكٍ رضي الله عنه قالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فقالَ: (اتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي). قالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي. وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَها: إِنَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم . فَأَتَتْ بابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فقالَت: لَمْ أَعْرِفْكَ. فقالَ: (إِنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى). (رواه البخاري)
فالحزن مما يُبتلى به المسلم، ولكن عليه أن يتعامل معه بما أمر الله عَزَّ وَجَـلَّ، وقد فقد النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم عليه السلام، فعلَّمنا عليه الصلاة والسلام كيف نتعامل مع مثل هذه المصائب فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! فَقَالَ: (يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ)، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلا نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهيمُ لَمَحْزُونُونَ). (رواه البخاري)
وهذا هو المطلوب منكِ أختي الكريمة عند المصيبة، أن يقف أمر الحزن عند القلب ولا يتعداه عــــــلى اللسان بالبكاء والعـويل فيتحـوَّل الحُــزن إلى نياحة، فتقعين في كبيرة مــن الكبائر، قال عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم (اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ). (رواه مسلم)
وقَالَ صلى الله عليه وسلم : (النِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّ النَّائِحَةَ إِنْ لَمْ تَتُبْ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ فَإِنَّهَا تُ
بْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهَا سَرَابِيلُ مِنْ قَطِرَانٍ، ثُمَّ يُعْلَى عَلَيْهَا بِدِرْعٍ مِنْ لَهَبِ النَّارِ). (رواه ابن ماجه)
وما حدث لأُمِّ موسى من الحُزن والخوف على طفلها الرضيع كاد أن يخرج عن الحدِّ المشروع، لولا لطفُ الله بها وربطه على قلبها، قال تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
قال الطاهر بن عاشور رَحِمَهُ الله: (وَالرَّبْطُ عَلَى الْقَلْبِ: تَوْثِيقُهُ عَنْ أَنْ يَضْعُفَ كَمَا يُشَدُّ الْعُضْوُ الْوَهِنُ، أَيْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا بِخَلْقِ الصَّبْرِ فِيهِ). (التحرير والتنوير 20/ 82)
وقال ابن أبي زمنين رحمه الله: (الرَّبْطُ عَلَى الْقَلْبِ: إِلْهَامُ الصَّبْرِ وَتَشْدِيدُهُ وَتَقْوِيَتُهُ). (تفسير القرآن العزيز 3/ 318)
وقال ابن حيان الأندلسي رحمه الله: (والربط الشدُّ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ فَاسْتُعِيرَ مِنْهَا لِمَا حَصَلَ فِي الْقَلْبِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ بَعْدَ التَّزَلْزُلِ). (البحر المحيط 5/ 283)
فالربط على القلب نعمة من الله يؤتيها من يشاء من عباده المؤمنين، وأكثر ما يحتاجها المؤمن وقت الشدَّة، وعند إقامة الحقِّ في زمن الباطل، وفي مواجهة أهل الباطل والطغاة أمثال فرعون ومن تشبَّه به.
ففي غزوة بدر ذكر الله مِنَّتَهُ على الصحابة فقال: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) [الأنفال: 11]
والفتية في قصة أصحاب الكهف، قال الله عنهم في مواجهتهم لقومهم: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) [الكهف: 13-15].
وأُمُّ موسى احتاجت إلى هذه النعمة فمَنَّ الله عليها بها، لتصبر في مواجهة طغيان فرعون وقتله للأطفال.
وإذا ربط الله على قلب المؤمن، ثبت، وصبر، وأحسن تدبير الأمر.
وهذا ما وقع لأُمِّ موسى.
فكيف تصرفت في هذه المعاناة الثالثة التي مرت بها؟
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
8 رمضان 1446هـ
بْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهَا سَرَابِيلُ مِنْ قَطِرَانٍ، ثُمَّ يُعْلَى عَلَيْهَا بِدِرْعٍ مِنْ لَهَبِ النَّارِ). (رواه ابن ماجه)
وما حدث لأُمِّ موسى من الحُزن والخوف على طفلها الرضيع كاد أن يخرج عن الحدِّ المشروع، لولا لطفُ الله بها وربطه على قلبها، قال تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
قال الطاهر بن عاشور رَحِمَهُ الله: (وَالرَّبْطُ عَلَى الْقَلْبِ: تَوْثِيقُهُ عَنْ أَنْ يَضْعُفَ كَمَا يُشَدُّ الْعُضْوُ الْوَهِنُ، أَيْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا بِخَلْقِ الصَّبْرِ فِيهِ). (التحرير والتنوير 20/ 82)
وقال ابن أبي زمنين رحمه الله: (الرَّبْطُ عَلَى الْقَلْبِ: إِلْهَامُ الصَّبْرِ وَتَشْدِيدُهُ وَتَقْوِيَتُهُ). (تفسير القرآن العزيز 3/ 318)
وقال ابن حيان الأندلسي رحمه الله: (والربط الشدُّ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ فَاسْتُعِيرَ مِنْهَا لِمَا حَصَلَ فِي الْقَلْبِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ بَعْدَ التَّزَلْزُلِ). (البحر المحيط 5/ 283)
فالربط على القلب نعمة من الله يؤتيها من يشاء من عباده المؤمنين، وأكثر ما يحتاجها المؤمن وقت الشدَّة، وعند إقامة الحقِّ في زمن الباطل، وفي مواجهة أهل الباطل والطغاة أمثال فرعون ومن تشبَّه به.
ففي غزوة بدر ذكر الله مِنَّتَهُ على الصحابة فقال: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) [الأنفال: 11]
والفتية في قصة أصحاب الكهف، قال الله عنهم في مواجهتهم لقومهم: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) [الكهف: 13-15].
وأُمُّ موسى احتاجت إلى هذه النعمة فمَنَّ الله عليها بها، لتصبر في مواجهة طغيان فرعون وقتله للأطفال.
وإذا ربط الله على قلب المؤمن، ثبت، وصبر، وأحسن تدبير الأمر.
وهذا ما وقع لأُمِّ موسى.
فكيف تصرفت في هذه المعاناة الثالثة التي مرت بها؟
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
8 رمضان 1446هـ
Forwarded from محمد سعد الأزهري
لا حول ولا قوة إلا بالله، مات المعلم والمربي والشيخ والأب شيخنا الحويني.
✍محمد سعد الأزهري
✍محمد سعد الأزهري
Forwarded from الدكتور هيثم طلعت (Mahmoud Zain)
لا نقول إلا ما يرضي ربنا
غفر الله للشيخ أبي إسحاق الحويني وجمعنا به على خير
اللهم تقبل عبدك وأكرمه
اللهم إنه ضيفك أكرم ضيافته
اللهم اجمعه بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا
غفر الله للشيخ أبي إسحاق الحويني وجمعنا به على خير
اللهم تقبل عبدك وأكرمه
اللهم إنه ضيفك أكرم ضيافته
اللهم اجمعه بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا
Forwarded from قناة حسين عبد الرّازق (لبثّ الدروس المُباشرة)
لا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا
إنا لله وإنا إليه راجعون
اللهم تقبل عبدك أبا إسحاق الحويني في الصالحين
وارفعه درجات
واجعل ما تعلمناه منه أجراً عظيما باقيا
وما عند الله خيرٌ للأبرار
اللهم اجُرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها
********
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ ، وَأَوْسِعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ
إنا لله وإنا إليه راجعون
اللهم تقبل عبدك أبا إسحاق الحويني في الصالحين
وارفعه درجات
واجعل ما تعلمناه منه أجراً عظيما باقيا
وما عند الله خيرٌ للأبرار
اللهم اجُرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها
********
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ ، وَأَوْسِعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ
✨
عشر سنوات من الملازمة
كلنا كان يجري خلف فضيلة الشيخ المحدث أبي إسحاق الحويني -حفظه الله- لينهل من علمه، دون أن يكون له هدف آخر
وسرعان ما تبدل هذا الهدف لديّ عندما التقيت الشيخ وهو بجسد نحيل وساق مبتورة ويدين ملأتهما الجروح والضمادات، خارجًا من جلسة الغسيل الكلوي دام فيها لأربع ساعات، وهو صائم في رمضان لم يفطر!
فقلت له: ياشيخنا اصبر واحتسب، فإن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه
فرد عليّ بتلقائية شديدة وقناعة تامة:
"ابتلاء ايه يا بني! كيف بك لو رأيت المرضى في المستشفيات؟! أنا في نعيم والحمد لله"
حينئذ تحول هدفي من تلقي علمه فقط إلى الاقتداء به في عبادته لله سبحانه وتعالى
وها أنا ذا أقولها بملئ فمي
إن ما عند أبي أسحاق الحويني أكبر من العلم
فعلمه يستطيع أي أحد تحصيله من كتبه
أما ما تكتسبه من ملازمتك له فهو أمر آخر
وهذا ما جعله قدوة يُحتذى بها وكان سببًا في غرس حبه في قلوب الجميع (الموافقين له والمخالفين)
رأيت وتعلمت منه معنى العبودية
وكيف تكون عبدًا لله على الحقيقة
بل ورأيته يتلذذ بعبوديته لله تعالى
ورأيت فيه تسليمًا تامًا لكل ابتلاء قدره الله عليه
ولا أنسى أبدًا يوم أن كنت أزوره في المستشفى وقد أجهده المرض
فقلت له: اصبر يا سيدنا، ربنا يؤجرك
قال لي: لو صح أن أقول (أنني مضيت لله على بياض أن يفعل بي ما شاء) فقد فعلت، فأنا عبد له وهو سيدي، يفعل بي ما يشاء، ويأخذ مني ما يريد
أراه يجلس بالاربع ساعات على جهاز الغسيل الكلوي، وساقه مبتوره وجسده ملئ بالجروح، ويعالج من القلب والكبد، وقد ابتلاه الله في كل جسده، ورغم ذلك لا يترك صلاة الجماعة قط، إلا حين يشتد عليه المرض
تخيل رجل ينتهى من جلسة الغسيل ثم يذهب إلى بيته ويأخذ كرسيه المتحرك يقوده بنفسه ليذهب إلى المسجد ليلحق بالجماعة
رأيت في فضيلة الشيخ الحويني رجلا شديد الحب لله ورسوله وصحابته وأمهات المؤمنين
شديد الاتباع لهم
شديد الزهد، لا تشغله الدنيا ولا يهتم بمظاهرها إطلاقًا
عايشت شيخنا في مرضه هذا مدمنا للعلم بحق!
ولست أبالغ في كلمة مدمن، ولكنها الحقيقة
فلا يقطعه عن الكتاب اي عارض إلا المرض الشديد
ويفرح بالكتب الجديدة فرح الرجل بمولود جديد
عايشت رجلا سليم الصدر لإخوانه
لا يغضب لنفسه قط، بل يغضب لله فقط
أذكر أني ذكرت له شخصًا يقع فيه
وقلت له: يا سيدنا لمَ لمْ ترد عليه؟
فقال لي: لست أول من أحسن ولا آخر من أسئ إليه
ثم إن اخونا هذا فريد في منطقته، والله ينفع به الناس
فإن تكلمت في خطئه فمن يسد مكانه ويقوم مقامه؟!
رأيت شيخًا لم تشغله كم المصنفات، بل ما يشغله جودة ما يصنف
وأنا أُشهد الله أنه لو اتبع الشيخ الحويني في مؤلفاته طريقة الجمع دون التحرير لأخرج كل أسبوع كتابًا ضخمًا
ولكنه أخذ على نفسه أن يكون مُحرِرًا للعلم
لذا، فمصنفاته عظيمة عزيزة، وهي بمثابة مراجع لخواص طلبة العلم، لا حظ للعوام فيها
وقد قال شيخنا حفظه الله: [لساني للعوام وقلمي للخواص]
وقد صدق..
ختامًا..
أقول إن ما عند أبي إسحاق من عبودية لله وايمان بالقدر يفوق ما عنده من العلم
[هذا رجل عرف الله في الرخاء وهرول إليه في الشدة]
أسال الله عز وجل أن يحفظه ويرعاه ويخلد ذكره بالخير
✍ أحمد علي النجار.
#الدعاء_للحويني
#الحويني
عشر سنوات من الملازمة
كلنا كان يجري خلف فضيلة الشيخ المحدث أبي إسحاق الحويني -حفظه الله- لينهل من علمه، دون أن يكون له هدف آخر
وسرعان ما تبدل هذا الهدف لديّ عندما التقيت الشيخ وهو بجسد نحيل وساق مبتورة ويدين ملأتهما الجروح والضمادات، خارجًا من جلسة الغسيل الكلوي دام فيها لأربع ساعات، وهو صائم في رمضان لم يفطر!
فقلت له: ياشيخنا اصبر واحتسب، فإن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه
فرد عليّ بتلقائية شديدة وقناعة تامة:
"ابتلاء ايه يا بني! كيف بك لو رأيت المرضى في المستشفيات؟! أنا في نعيم والحمد لله"
حينئذ تحول هدفي من تلقي علمه فقط إلى الاقتداء به في عبادته لله سبحانه وتعالى
وها أنا ذا أقولها بملئ فمي
إن ما عند أبي أسحاق الحويني أكبر من العلم
فعلمه يستطيع أي أحد تحصيله من كتبه
أما ما تكتسبه من ملازمتك له فهو أمر آخر
وهذا ما جعله قدوة يُحتذى بها وكان سببًا في غرس حبه في قلوب الجميع (الموافقين له والمخالفين)
رأيت وتعلمت منه معنى العبودية
وكيف تكون عبدًا لله على الحقيقة
بل ورأيته يتلذذ بعبوديته لله تعالى
ورأيت فيه تسليمًا تامًا لكل ابتلاء قدره الله عليه
ولا أنسى أبدًا يوم أن كنت أزوره في المستشفى وقد أجهده المرض
فقلت له: اصبر يا سيدنا، ربنا يؤجرك
قال لي: لو صح أن أقول (أنني مضيت لله على بياض أن يفعل بي ما شاء) فقد فعلت، فأنا عبد له وهو سيدي، يفعل بي ما يشاء، ويأخذ مني ما يريد
أراه يجلس بالاربع ساعات على جهاز الغسيل الكلوي، وساقه مبتوره وجسده ملئ بالجروح، ويعالج من القلب والكبد، وقد ابتلاه الله في كل جسده، ورغم ذلك لا يترك صلاة الجماعة قط، إلا حين يشتد عليه المرض
تخيل رجل ينتهى من جلسة الغسيل ثم يذهب إلى بيته ويأخذ كرسيه المتحرك يقوده بنفسه ليذهب إلى المسجد ليلحق بالجماعة
رأيت في فضيلة الشيخ الحويني رجلا شديد الحب لله ورسوله وصحابته وأمهات المؤمنين
شديد الاتباع لهم
شديد الزهد، لا تشغله الدنيا ولا يهتم بمظاهرها إطلاقًا
عايشت شيخنا في مرضه هذا مدمنا للعلم بحق!
ولست أبالغ في كلمة مدمن، ولكنها الحقيقة
فلا يقطعه عن الكتاب اي عارض إلا المرض الشديد
ويفرح بالكتب الجديدة فرح الرجل بمولود جديد
عايشت رجلا سليم الصدر لإخوانه
لا يغضب لنفسه قط، بل يغضب لله فقط
أذكر أني ذكرت له شخصًا يقع فيه
وقلت له: يا سيدنا لمَ لمْ ترد عليه؟
فقال لي: لست أول من أحسن ولا آخر من أسئ إليه
ثم إن اخونا هذا فريد في منطقته، والله ينفع به الناس
فإن تكلمت في خطئه فمن يسد مكانه ويقوم مقامه؟!
رأيت شيخًا لم تشغله كم المصنفات، بل ما يشغله جودة ما يصنف
وأنا أُشهد الله أنه لو اتبع الشيخ الحويني في مؤلفاته طريقة الجمع دون التحرير لأخرج كل أسبوع كتابًا ضخمًا
ولكنه أخذ على نفسه أن يكون مُحرِرًا للعلم
لذا، فمصنفاته عظيمة عزيزة، وهي بمثابة مراجع لخواص طلبة العلم، لا حظ للعوام فيها
وقد قال شيخنا حفظه الله: [لساني للعوام وقلمي للخواص]
وقد صدق..
ختامًا..
أقول إن ما عند أبي إسحاق من عبودية لله وايمان بالقدر يفوق ما عنده من العلم
[هذا رجل عرف الله في الرخاء وهرول إليه في الشدة]
أسال الله عز وجل أن يحفظه ويرعاه ويخلد ذكره بالخير
✍ أحمد علي النجار.
#الدعاء_للحويني
#الحويني