سًيًدِتّيً
3.56K subscribers
8.97K photos
366 videos
82 files
1.09K links
قناة سيدتي كل ما يهم المرأة
كل مايهم المرأة العصرية والفتاة العربية .
@Sayidati
Download Telegram
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (11)
عمرة عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بعد الحج

تأثُّر أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا باختلاف نُسُكِها عن نُسُك أُمَّهات المؤمنين:
لَمَّا نفر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من منى بعد رمي الجمرات نزل بالمحصب؛ وهو مكان بين منى والمسجد الحرام، وصلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وفي المساء حاورت أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا النبيَّ صلى الله عليه وسلم في موضوع نُسكها، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! يَرْجِعُ نِسَاؤُكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ؟. فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ)). فَأَبَتْ. وقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ. يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيَرْجِعُ النَّاسُ بِأَجْرَيْنِ وَأَرْجِعُ بِأَجْرٍ؟. يَا رَسُولَ اللَّهِ! يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ؟. يَا رَسُولَ اللَّهِ! يَرْجِعُ أَصْحَابُكَ بِأَجْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَلَمْ أَزِدْ عَلَى الْحَجِّ؟. أَتَرْجِعُ نِسَاؤُكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ لَيْسَ مَعَهَا عُمْرَةٌ؟.
((فَلَمَّا أَلَحَّتْ أَعْمَرَهَا تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا)). (مجموع الفتاوى 26/42) ((فَوَجَدَتْ فِي نَفْسِهَا أَنْ يَرْجِعَ صَوَاحِبَاتُهَا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مُسْتَقِلَّيْنِ، فَإِنّهُنَّ كُنَّ مُتَمَتّعَاتٍ، وَلَمْ يَحِضْنَ، وَلَمْ يَقْرِنَّ، وَتَرْجِعُ هِيَ بِعُمْرَةٍ فِي ضِمْنِ حَجَّتِهَا، فَأَمَرَ أَخَاهَا أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهَا)). (زاد المعاد 2/86)

وهذا الفعل من أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا يُبيِّن لنا طبيعة المرأة من عِدَّة جوانب؛ فالمرأة تُلِحُّ في الطلب وتُكرِّره حتى تحصل على الموافقة من وليِّها أو زوجها، فلا يتضجَّر الرجال من ذلك، ولا يطالبوها بضدِّ طبيعتها. والمرأة تتأثَّر بتفوُّق مثيلاتها عليها، فكيف إذا كنَّ شريكاتها في زوجها، فهي لا تريد أن يسبقها أو يتميَّز عنها غيرها من الزوجات.

تطييب النبيِّ صلى الله عليه وسلم لخاطر أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا:
وكان النبي صلى الله عليه وسلم حسن العشرة لأهله، فلما قالت له أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا ما قالت عن العمرة، وافقها على مرادها، قال جابر رضي الله عنه: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا سَهْلًا، إِذَا هَوِيَتِ الشَّيْءَ تَابَعَهَا عَلَيْهِ.
وهكذا ينبغي أن يكون الرجل مع نسائه من أهل بيته من الزوجات والبنات والأخوات؛ سهلاً يتابع أهله في مُرادهم ما لم يكن إثمًا، وهذا من حُسن العشرة مع النساء.
وهذا الخُلق مطلوب في كلِّ وقت في التعامل مع المرأة، ولكنه مطلوب في السفر أكثر، حتى لا تجتمع على المرأة مشقَّة السفر مع شدَّة الرجل.

عمرة التنعيم:
ثمَّ دَعَا النبي صلى الله عليه وسلم عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ وقال له: ((اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا، ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا، فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي)). وإنما أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه بالخروج من الحرم؛ لأن ((المعتمر المكي لا بد له من الخروج إلى الحِلِّ ثم يُحرم منه)). (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 12/234) ولأن ((العمرة زيارة، وإنما يُزار الحرم من خارجه، كما يُزار المَزور في بيته من غير بيته، وتلك سنة الله في عباده المعتمرين)). (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 12/234)
ثمَّ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: ((اذْهَبِي وَلْيُرْدِفْكِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ)).(( إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ)). ((وَالتَّنْعِيمُ أَدْنَى الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ، فَهُوَ أَقْرَبُ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ، وَالْمُعْتَمِرُ مِنْ مَكَّةَ يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ)). (مجموع الفتاوى 26/44)

وهذا الأمر من النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا كان له سبب؛ وهو أنها قدمت مكة معتمرة، فحاضت، ولم تطهر إلا في أيام منى، فلم تعتمر عمرة مفردة، فطلبت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز لها الاعتمار من التنعيم.
وهذا - يا أختي الحاجَّة! - لكلِّ امرأة قدمت مكة ثم حاضت قبل أن تنسك مناسك العمرة، ثم أدركها الحجُّ وهي محرمة، أن تتوقف عن أعمال العمرة وتلبي بالحجِّ، ثم إذا قضت حجَّها-إن شاءت أن تأتي بعمرة- اعتمرت من التنعيم، أما ما يفعله الحجاج اليوم أنهم بعد الحجِّ يُكرِّرون لأنفسهم العمرة رجالًا ونساءً، ((فَهَذَا لَمْ يُعْرَفْ عَلَى عَهْدِ السَّلَفِ، وَلَا نَقَلَ أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الَّذِينَ حَجُّوا مَعَهُ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ إلَّا عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ قَدِمَتْ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَتَدَعَ الْعُمْرَةَ)). (مجموع الفتاوى 26/41)

ولذلك كانت تُعبِّر أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا عن هذه العمرة بألفاظ تدلُّ على أنها مكان عمرتها التي لم تكتمل، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَلَمَّا قَضَيْتُ الْحَجَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ فَأَعْمَرَنِي مِنْ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي نَسَكْتُ.
وقالت أيضًا: فَبَعَثَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي أَدْرَكَنِي الْحَجُّ وَلَمْ أَحْلِلْ مِنْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ.
وقالت أيضًا: فَخَرَجْتُ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي. بل قال لها النبي صلى الله عليه وسلم صراحة: ((هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ)).

مشقَّة الحجِّ والعمرة:
مناسك الحجِّ لابد فيها من التعب، وهذا التعب لا ينفكُّ عن هذه العبادة، وقد حاول البعض اليوم تحويل الحجِّ إلى رحلة سياحية بغير تعب، فجرَّدوا الحجَّ من معانيه، ولم يستطيعوا أن يُحافظوا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فأتوا بحجٍّ غير الذي فعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم، خالٍ من المشاعر والروحانية، فخسروا كثيرًا من المعاني العظيمة في هذا المنسك العظيم.
لقد كان من تربية النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أن بَيَّن لها أن أجر النُّسك له ارتباط بالنفقة والمشقة النابعة من أدائه، فقال: ((وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبكِ)). ((أي أجرك في هذا بقدر تعبك وسعيك في العمرة، أو نفقتك في ذلك)). (إكمال المعلم بفوائد مسلم 4/249)

والمشقة هنا ليست مقصودة لذاتها، وإنما هي من مقتضيات أداء المناسك، وهي ملازمة له، فهذه التي تُؤجَر عليها الحاجَّة، وهذه قاعدة عامة في كلِّ العبادات التي ترتبط بأدائها مشقة لا تنفك عنها، فإن الأجر فيها على قدر المشقة.

إِنِّي أَنْتَظِرُكُمَا هَاهُنَا:
أحداث السيرة النبوية المتعلِّقة ببيت النبوة تدلُّ دلالة واضحة على عظم مكانة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا أحدها. فإن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا أمر عبدالرحمن أن يأخذ أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا إلى التنعيم لتعتمر، أخبرهما أنه لن يتحرك حتى يصلا إليه، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم ومن معه في قافلة الحجِّ التي أتت من المدينة على أهبَّة الاستعداد للعودة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالانتظار حتى تفرغ أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا من عمرتها، ثم ينطلقون إلى المدينة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: ((فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا)). وقال لأخيها عبدالرحمن: ((اخْرُجْ بِأُخْتِكَ من الْحَرَمِ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ لِتَطُفْ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا، فَإِنِّي أَنْتَظِرُكُمَا هَاهُنَا)).

وليست هذه هي المرة الأولى التي يحبس النبي صلى الله عليه وسلم الناس في سفر من أجل أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، بل حدث ذلك في سفر آخر عندما فقدت العقد، وحبس الناس ليبحث عنه، ونزلت آية التيمُّم، فعُدَّت تلك من بركات آل أبي بكر على الناس. ولعل هذه أيضًا من بركات آل بكر على الناس؛ في بيان مشروعية ذلك لمن كان في مثل حالتها. والله أعلم.
نكمل غدًا إن شاء الله.

وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (12 - الأخيرة)
هذه ثمَّ ظهور الحصر

في طريق عمرة التنعيم:
استجاب عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه لما أمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم به، فأردف أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على بعير له، وانطلق بها إلى التنعيم. والإرداف أن يجعلها خلفه على البعير، وهذا يجوز مع المحارم بشرط ألا ((يضغط الإرداف الأجسامَ بعضها إلى بعض)). (إكمال المعلم بفوائد مسلم 4/253)
وأُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا في ذلك الوقت كانت صغيرة السن، عمرها تقريبا سبعة عشر سنة، تقول عن نفسها رضي الله عنها: فَإِنِّي لأَذْكُرُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ أَنْعَسُ فَيُصِيبُ وَجْهِي مُؤْخِرَةَ الرَّحْلِ. ولا غرابة في نعاسها، فإن الوقت الذي تحركت فيه لأداء العمرة كان بالليل، وهو وقت النوم والراحة على عادة الناس في كل زمان، وهي علَّلت أيضًا بأنها صغيرة السنِّ.

ومع أن الوقت متأخِّرٌ من الليل، وفي زمن لم تكن فيه الأضواء منتشرة، وأُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تسير مع أخيها لوحدهما، والجو حارٌّ، إلا أن غيرة الصحابي الجليل عبدالرحمن بن أبي بكر عليها كانت كبيرة، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَجَعَلْتُ أَرْفَعُ خِمَارِي أَحْسُرُهُ عَنْ عُنُقِي، فَيَضْرِبُ رِجْلِي بِعِلَّةِ الرَّاحِلَةِ. قُلْتُ لَهُ: وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟!. ((وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَضْرِبُ رِجْلَهَا بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ حِينَ تَكْشِفُ خِمَارَهَا عَنْ عُنُقِهَا، غَيْرَةً عَلَيْهَا، فَتَقُولُ لَهُ هِيَ: وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟! أَيْ نَحْنُ فِي خَلَاءٍ لَيْسَ هُنَا أَجْنَبِيٌّ أَسْتَتِرُ مِنْهُ)). (شرح النووي على مسلم 8/157)

فهذه غيرة الصحابي على محارمه في الصحراء وفي الليل وليس هناك أحد، فكيف بحال بعض الرجال اليوم الذين يرضون لنسائهم وبناتهم ومحارمهم أن يكشفن عن أجسادهنَّ أمام أعين الناس جميعًا؟!
فانتبهي أختي الحاجَّة إلى غيرة وليِّك أو زوجك في الحجِّ، فلا تفعلي أمورًا تثير الغيرة عنده، ولو كانت جائزة، فالغيرة عند الرجل محمدة يُشكر عليها، وهي علامة على رجولته، كما أنه ينبغي لكِ أن تحتملي ما يصدر منه من غضب أو رَفعِ صوتٍ بسبب الغيرة عليكِ.

وأدَّت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا العمرة من التنعيم:
ولما وصلت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا إلى التنعيم، أهلَّت بالعمرة لوحدها، ولم يهلَّ أخوها عبدالرحمن، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: حَتَّى جِئْنَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ جَزَاءً بِعُمْرَةِ النَّاسِ الَّتِي اعْتَمَرُوا، ثُمَّ طُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثم ((قَصَّرَتْ)) من شعرها، لتنتهي عمرتها بذلك، وتحلَّ بعد إحرامها، وترجع إلى حبيبها وهي طيبة النفس قد حقَّقت رغبتها.
وهذه العمرة إنما وقعت من أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بعد انتهاء أعمال الحجِّ كلِّها، وانتهت أيام التشريق، كما أخبرتنا أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بذلك فقالت: فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: ((هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ)).
ولما انتهت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا من مناسك عمرتها، رجعت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقد كان واعدها وحدَّد لها المكان بقوله: ((ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا)).

وهذا المكان الذي أشار إليه هو الْمُحَصَّبُ، وهو بأعلى مكة، قَالَتْ أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: ثُمَّ خَرَجَتُ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الآخِرِ حَتَّى نَزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنَزَلْنَا مَعَهُ، فَدَعَا عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: ((اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا، ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا، فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي)). فَانْتَظَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ. تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْحَصْبَةِ.
وكان وقت رجوع أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا من العمرة آخر الليل وقت السحر، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرٍ فَقَالَ: ((هَلْ فَرَغْتُمْ؟)). فَقُلْتُ: نَعَمْ.
لقد انتظرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بغير ضَجَر، ولمَّا وصلت كانت العبارة الجميلة، ((هَلْ فَرَغْتُمْ؟))، لم يقل: تأخرتم، ولم يبد ضجرًا من ذهابها للعمرة، بل أبدى حُبًّا ظاهرًا لها، بل زادها صلى الله عليه وسلم من جميل أخلاقه وحُسن معاشرته أن قال لها: ((هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ)).
تطييبًا لخاطرها، وتطمينًا لنفسها، لأنها إنما طلبت العمرة لتساوي من اعتمر من نسائه وأصحابه، فطمأنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: ((هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ)). ((أي: عوض عمرتك الفائتة)). (التوضيح شرح الجامع الصحيح 11/200)

مخالفة أفعال الجاهلية:
كان أهل الجاهلية يُحرِّمون العمرة بعد الحجِّ حتى ينسلخَ ذو الحجَّة والمحرَّم، ويجيزونها في صفر، وجاءت عمرة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بعد انقضاء الحج مباشرة في شهر ذي الحجَّة، فعلل ابن عباس موافقة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بقوله: وَاللَّهِ مَا أَعْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَة فِي ذِي الْحِجَّةِ إِلَّا لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ أَمْرَ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا عَفَا الْوَبَرْ وَبَرَأَ الدَّبَرْ وَدَخَلَ صَفَرْ فَقَدْ حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ، فَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، فَمَا أَعْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ إِلا لِيَنْقُضَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ.

أم سلمة رضي الله عنها تطوف الوداع وقت الفجر:
فلما اطمأنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على وصول أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا وأدائها للعمرة، ((آذَنَ بِالرَّحِيلِ))، وكان وقت وصول أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا هو وقت السحر، كما أخبرت بذلك:(( ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرٍ فَأَذَّنَ فِي أَصْحَابِهِ بِالرَّحِيلِ، فَارْتَحَلَ، فَمَرَّ بِالْبَيْتِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ، فَطَافَ بِهِ حِينَ خَرَجَ، ثُمَّ انْصَرَفَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ. فأخَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم طوافه بالبيت إلى آخر لحظة قبل خروجه، فطاف قبل صلاة الفجر. كما أخبرتنا أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بقولها: فَطَافَ بِهِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ. وأدركت النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر وهو في المسجد الحرام، فصلَّى بهم الفجر، ثم انطلق إلى المدينة.
ولم يتيسَّر لأُمِّ المؤمنين أُمِّ سلمة رضي الله عنها من الطواف بالبيت للوداع لما وصلوا قبل الفجر، بسبب مرضها، وكان الفجر قد أذَّن، فشكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها: ((إِذَا أُقِيمَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ)). ((طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ)). تقول أُمُّ سلمة: فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقْرَأُ بِـ (الطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ).

وهذه حالة أخرى - أختي الحاجَّة - قد تُبتلى بها المرأة، وهي أن تمرض في آخر أيام الحجِّ، فلا تستطيع أن تطوف للوداع، فأجاز لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن تطوف راكبة، كأن تطوف اليوم على الكراسي المتحرِّكة.
وفي توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لأُمِّ المؤمنين أُمِّ سلمة في أن تطوف والناس يصلُّون، وأن تطوف من ورائهم، فوائد للمرأة، منها: أن المرأة لا تختلط بالرجال أثناء الطواف، وأن تختار وقت انشغال الرجال عنها، مثل أن تطوف وهم يصلُّون. وكل هذا لإبعاد المرأة عن الاختلاط والاقتراب جسديًّا من الرجال. هذا وهي أُمُّ المؤمنين، وفي أطهر بقعة، وفي عبادة عظيمة، ومع ذلك تُؤمر بالابتعاد عن الرجال، فماذا نقول عن الأعمال المختلطة والتي تقضي فيها المرأة من الوقت أكثر مما تقضيه في بيتها مع زوجها وأولادها؟!

عمرة في رمضان كحجَّة معي:
كلنا نتمنى لو كنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حجِّته، ننهل من هديه ونتشرَّف بصحبته، ولكن الله قدَّر لنا أن نكون في زمان آخر؛ ليبلونا ويختبرنا في مدى صدقنا في اتِّباع نبيِّنا. ومن رحمة الله عزَّ وجلَّ بنا أن جعل لنا بابًا يمكن أن ننال منه أجر حجَّة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كنا في زمان غير زمان النبيِّ صلى الله عليه وسلم، من خلال عمرة تقع في شهر رمضان.
لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع التقى بأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ، وقال لها: ((مَا مَنَعَكِ مِنَ الْحَجِّ؟)). قَالَتْ: أَبُو فُلانٍ - تَعْنِي زَوْجَهَا - كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ، حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا. قَالَ: "فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً، أَوْ حَجَّةً مَعِي)). أي: لك أجر وثواب الحجِّ معي، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
وهذه الحادثة وقعت مع أكثر من امرأة في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقد وقعت كذلك مع أُمِّ معقل؛ تقول أُمُّ مَعْقَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَمَّا حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ فَجَعَلَهُ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّه، وَأَصَابَنَا مَرَضٌ، وَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ جِئْتُهُ، فَقَالَ: "يَا أُمَّ مَعْقِلٍ! مَا مَنَعَكِ أَنْ تَخْرُجِي مَعَنَا؟". قَالَتْ: لَقَدْ تَهَيَّأْنَا فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ، وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ هُوَ الَّذِي نَحُجُّ عَلَيْهِ فَأَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ: ((فَهَلا خَرَجْتِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَمَّا إِذْ فَاتَتْكِ هَذِهِ الْحَجَّةُ مَعَنَا فَاعْتَمِرِي فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّهَا كَحَجَّةٍ)).
فمن استطاعت منكنَّ - أيَّتها الأخوات - أن تعتمر في رمضان، فلا تُفرِّط فيها، لما فيها من الأجر العظيم.

هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ:
في حجَّة الوداع أخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم معه كلَّ زوجاته إلى الحجِّ، لِيؤدين فريضة الإسلام عليهنَّ؛ ركن الحج، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام. وبعد أن انتهت مناسك الحجِّ قال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته: ((هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ)). وقال: ((إِنَّمَا هِيَ هَذِهِ الْحَجَّةُ ثُمَّ الْزَمْنَ ظُهُورَ الْحُصْرِ )) ((فِي الْبُيُوتِ)). فَكُنَّ كُلُّهُنَّ يَحْجُجْنَ إِلَّا زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، وَسَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ، وَكَانَتَا تَقُولَانِ: وَاللهِ لَا تُحَرِّكُنَا دَابَّةٌ بَعْدَ أَنْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقد فهمت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا من هذه الحديث أنه لا يجب عليهنَّ الحجُّ بعد هذه الحجَّة، ولم تفهم المنع من الحجِّ مطلقًا بعد هذه الحجَّة، ولذلك قال العلماء: ((وَالْعُذْر عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا تَأَوَّلَتِ الْحَدِيث الْمَذْكُور - كَمَا تَأَوَّلَهُ غَيْرُهَا مِنْ صَوَاحِبَاتهَا - عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ أَنَّهُ لا يَجِب عَلَيْهِنَّ غَيْر تِلْكَ الْحَجَّة, وَتَأَيَّدَ ذَلِكَ عِنْدهَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " لَكُنَّ أَفْضَل الْجِهَاد الْحَجّ وَالْعُمْرَة ")). (فتح الباري 4/74) والله أعلم. قال ابن حجر في الفتح 4 / 125: اختلف في ضبط (لكن)، فالأكثر بضم الكاف خطاب للنسوة، قال القابس: وهو الذي تميل إليه نفسي وفي رواية الحموى (لكن) بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها بلفظ الاستدراك، والأُولى أكثر فائدة لأنه يشتمل على إثبات فضل الحج وعلى جواب سؤالها عن الجهاد.

وهذه خاتمة قِصَّة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، وبقيَّة زوجات النبيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّهات المؤمنين في حجَّة الوداع، وما صاحب ذلك من مواقف لنساء الصحابة رضوان الله تعالى عليهنَّ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد

قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (12 - الأخيرة)
هذه ثمَّ ظهور الحصر

في طريق عمرة التنعيم:
استجاب عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه لما أمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم به، فأردف أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على بعير له، وانطلق بها إلى التنعيم. والإرداف أن يجعلها خلفه على البعير، وهذا يجوز مع المحارم بشرط ألا ((يضغط الإرداف الأجسامَ بعضها إلى بعض)). (إكمال المعلم بفوائد مسلم 4/253)
وأُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا في ذلك الوقت كانت صغيرة السن، عمرها تقريبا سبعة عشر سنة، تقول عن نفسها رضي الله عنها: فَإِنِّي لأَذْكُرُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ أَنْعَسُ فَيُصِيبُ وَجْهِي مُؤْخِرَةَ الرَّحْلِ. ولا غرابة في نعاسها، فإن الوقت الذي تحركت فيه لأداء العمرة كان بالليل، وهو وقت النوم والراحة على عادة الناس في كل زمان، وهي علَّلت أيضًا بأنها صغيرة السنِّ.

ومع أن الوقت متأخِّرٌ من الليل، وفي زمن لم تكن فيه الأضواء منتشرة، وأُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تسير مع أخيها لوحدهما، والجو حارٌّ، إلا أن غيرة الصحابي الجليل عبدالرحمن بن أبي بكر عليها كانت كبيرة، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَجَعَلْتُ أَرْفَعُ خِمَارِي أَحْسُرُهُ عَنْ عُنُقِي، فَيَضْرِبُ رِجْلِي بِعِلَّةِ الرَّاحِلَةِ. قُلْتُ لَهُ: وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟!. ((وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَضْرِبُ رِجْلَهَا بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ حِينَ تَكْشِفُ خِمَارَهَا عَنْ عُنُقِهَا، غَيْرَةً عَلَيْهَا، فَتَقُولُ لَهُ هِيَ: وَهَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟! أَيْ نَحْنُ فِي خَلَاءٍ لَيْسَ هُنَا أَجْنَبِيٌّ أَسْتَتِرُ مِنْهُ)). (شرح النووي على مسلم 8/157)
فهذه غيرة الصحابي على محارمه في الصحراء وفي الليل وليس هناك أحد، فكيف بحال بعض الرجال اليوم الذين يرضون لنسائهم وبناتهم ومحارمهم أن يكشفن عن أجسادهنَّ أمام أعين الناس جميعًا؟!
فانتبهي أختي الحاجَّة إلى غيرة وليِّك أو زوجك في الحجِّ، فلا تفعلي أمورًا تثير الغيرة عنده، ولو كانت جائزة، فالغيرة عند الرجل محمدة يُشكر عليها، وهي علامة على رجولته، كما أنه ينبغي لكِ أن تحتملي ما يصدر منه من غضب أو رَفعِ صوتٍ بسبب الغيرة عليكِ.

وأدَّت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا العمرة من التنعيم:
ولما وصلت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا إلى التنعيم، أهلَّت بالعمرة لوحدها، ولم يهلَّ أخوها عبدالرحمن، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: حَتَّى جِئْنَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ جَزَاءً بِعُمْرَةِ النَّاسِ الَّتِي اعْتَمَرُوا، ثُمَّ طُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثم ((قَصَّرَتْ)) من شعرها، لتنتهي عمرتها بذلك، وتحلَّ بعد إحرامها، وترجع إلى حبيبها وهي طيبة النفس قد حقَّقت رغبتها.
وهذه العمرة إنما وقعت من أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بعد انتهاء أعمال الحجِّ كلِّها، وانتهت أيام التشريق، كما أخبرتنا أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بذلك فقالت: فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: ((هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ)).
ولما انتهت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا من مناسك عمرتها، رجعت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقد كان واعدها وحدَّد لها المكان بقوله: ((ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا)).

وهذا المكان الذي أشار إليه هو الْمُحَصَّبُ، وهو بأعلى مكة، قَالَتْ أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: ثُمَّ خَرَجَتُ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الآخِرِ حَتَّى نَزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنَزَلْنَا مَعَهُ، فَدَعَا عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: ((اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا، ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا، فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي)). فَانْتَظَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ. تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْحَصْبَةِ.
وكان وقت رجوع أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا من العمرة آخر الليل وقت السحر، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرٍ فَقَالَ: ((هَلْ فَرَغْتُمْ؟)). فَقُلْتُ: نَعَمْ.
لقد انتظرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بغير ضَجَر، ولمَّا وصلت كانت العبارة الجميلة، ((هَلْ فَرَغْتُمْ؟))، لم يقل: تأخرتم، ولم يبد ضجرًا من ذهابها للعمرة، بل أبدى حُبًّا ظاهرًا لها، بل زادها صلى الله عليه وسلم من جميل أخلاقه وحُسن معاشرته أن قال لها: ((هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ)). تطييبًا لخاطرها، وتطمينًا لنفسها، لأنها إنما طلبت العمرة لتساوي من اعتمر من نسائه وأصحابه، فطمأنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: ((هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ)). ((أي: عوض عمرتك الفائتة)). (التوضيح شرح الجامع الصحيح 11/200)

مخالفة أفعال الجاهلية:
كان أهل الجاهلية يُحرِّمون العمرة بعد الحجِّ حتى ينسلخَ ذو الحجَّة والمحرَّم، ويجيزونها في صفر، وجاءت عمرة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بعد انقضاء الحج مباشرة في شهر ذي الحجَّة، فعلل ابن عباس موافقة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بقوله: وَاللَّهِ مَا أَعْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَة فِي ذِي الْحِجَّةِ إِلَّا لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ أَمْرَ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا عَفَا الْوَبَرْ وَبَرَأَ الدَّبَرْ وَدَخَلَ صَفَرْ فَقَدْ حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ، فَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، فَمَا أَعْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ إِلا لِيَنْقُضَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ.

أم سلمة رضي الله عنها تطوف الوداع وقت الفجر:
فلما اطمأنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على وصول أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا وأدائها للعمرة، ((آذَنَ بِالرَّحِيلِ))، وكان وقت وصول أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا هو وقت السحر، كما أخبرت بذلك:(( ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرٍ فَأَذَّنَ فِي أَصْحَابِهِ بِالرَّحِيلِ، فَارْتَحَلَ، فَمَرَّ بِالْبَيْتِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ، فَطَافَ بِهِ حِينَ خَرَجَ، ثُمَّ انْصَرَفَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ.
فأخَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم طوافه بالبيت إلى آخر لحظة قبل خروجه، فطاف قبل صلاة الفجر. كما أخبرتنا أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بقولها: فَطَافَ بِهِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ. وأدركت النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر وهو في المسجد الحرام، فصلَّى بهم الفجر، ثم انطلق إلى المدينة.
ولم يتيسَّر لأُمِّ المؤمنين أُمِّ سلمة رضي الله عنها من الطواف بالبيت للوداع لما وصلوا قبل الفجر، بسبب مرضها، وكان الفجر قد أذَّن، فشكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها: ((إِذَا أُقِيمَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ)). ((طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ)). تقول أُمُّ سلمة: فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقْرَأُ بِـ (الطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ).

وهذه حالة أخرى - أختي الحاجَّة - قد تُبتلى بها المرأة، وهي أن تمرض في آخر أيام الحجِّ، فلا تستطيع أن تطوف للوداع، فأجاز لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن تطوف راكبة، كأن تطوف اليوم على الكراسي المتحرِّكة.
وفي توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لأُمِّ المؤمنين أُمِّ سلمة في أن تطوف والناس يصلُّون، وأن تطوف من ورائهم، فوائد للمرأة، منها: أن المرأة لا تختلط بالرجال أثناء الطواف، وأن تختار وقت انشغال الرجال عنها، مثل أن تطوف وهم يصلُّون. وكل هذا لإبعاد المرأة عن الاختلاط والاقتراب جسديًّا من الرجال. هذا وهي أُمُّ المؤمنين، وفي أطهر بقعة، وفي عبادة عظيمة، ومع ذلك تُؤمر بالابتعاد عن الرجال، فماذا نقول عن الأعمال المختلطة والتي تقضي فيها المرأة من الوقت أكثر مما تقضيه في بيتها مع زوجها وأولادها؟!

عمرة في رمضان كحجَّة معي:
كلنا نتمنى لو كنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حجِّته، ننهل من هديه ونتشرَّف بصحبته، ولكن الله قدَّر لنا أن نكون في زمان آخر؛ ليبلونا ويختبرنا في مدى صدقنا في اتِّباع نبيِّنا. ومن رحمة الله عزَّ وجلَّ بنا أن جعل لنا بابًا يمكن أن ننال منه أجر حجَّة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كنا في زمان غير زمان النبيِّ صلى الله عليه وسلم، من خلال عمرة تقع في شهر رمضان.
لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع التقى بأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ، وقال لها: ((مَا مَنَعَكِ مِنَ الْحَجِّ؟)). قَالَتْ: أَبُو فُلانٍ - تَعْنِي زَوْجَهَا - كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ، حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا. قَالَ: "فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً، أَوْ حَجَّةً مَعِي)). أي: لك أجر وثواب الحجِّ معي، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
وهذه الحادثة وقعت مع أكثر من امرأة في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقد وقعت كذلك مع أُمِّ معقل؛ تقول أُمُّ مَعْقَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَمَّا حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ فَجَعَلَهُ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّه، وَأَصَابَنَا مَرَضٌ، وَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ جِئْتُهُ، فَقَالَ: "يَا أُمَّ مَعْقِلٍ! مَا مَنَعَكِ أَنْ تَخْرُجِي مَعَنَا؟". قَالَتْ: لَقَدْ تَهَيَّأْنَا فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ، وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ هُوَ الَّذِي نَحُجُّ عَلَيْهِ فَأَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ: ((فَهَلا خَرَجْتِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَمَّا إِذْ فَاتَتْكِ هَذِهِ الْحَجَّةُ مَعَنَا فَاعْتَمِرِي فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّهَا كَحَجَّةٍ)).
فمن استطاعت منكنَّ - أيَّتها الأخوات - أن تعتمر في رمضان، فلا تُفرِّط فيها، لما فيها من الأجر العظيم.

هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ:
في حجَّة الوداع أخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم معه كلَّ زوجاته إلى الحجِّ، لِيؤدين فريضة الإسلام عليهنَّ؛ ركن الحج، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام. وبعد أن انتهت مناسك الحجِّ قال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته: ((هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ)). وقال: ((إِنَّمَا هِيَ هَذِهِ الْحَجَّةُ ثُمَّ الْزَمْنَ ظُهُورَ الْحُصْرِ )) ((فِي الْبُيُوتِ)). فَكُنَّ كُلُّهُنَّ يَحْجُجْنَ إِلَّا زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، وَسَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ، وَكَانَتَا تَقُولَانِ: وَاللهِ لَا تُحَرِّكُنَا دَابَّةٌ بَعْدَ أَنْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقد فهمت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا من هذه الحديث أنه لا يجب عليهنَّ الحجُّ بعد هذه الحجَّة، ولم تفهم المنع من الحجِّ مطلقًا بعد هذه الحجَّة، ولذلك قال العلماء: ((وَالْعُذْر عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا تَأَوَّلَتِ الْحَدِيث الْمَذْكُور - كَمَا تَأَوَّلَهُ غَيْرُهَا مِنْ صَوَاحِبَاتهَا - عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ أَنَّهُ لا يَجِب عَلَيْهِنَّ غَيْر تِلْكَ الْحَجَّة, وَتَأَيَّدَ ذَلِكَ عِنْدهَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " لَكُنَّ أَفْضَل الْجِهَاد الْحَجّ وَالْعُمْرَة ")). (فتح الباري 4/74) والله أعلم. قال ابن حجر في الفتح 4 / 125: اختلف في ضبط (لكن)، فالأكثر بضم الكاف خطاب للنسوة، قال القابس: وهو الذي تميل إليه نفسي وفي رواية الحموى (لكن) بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها بلفظ الاستدراك، والأُولى أكثر فائدة لأنه يشتمل على إثبات فضل الحج وعلى جواب سؤالها عن الجهاد.

وهذه خاتمة قِصَّة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، وبقيَّة زوجات النبيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّهات المؤمنين في حجَّة الوداع، وما صاحب ذلك من مواقف لنساء الصحابة رضوان الله تعالى عليهنَّ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
Forwarded from وهم النسوية. (مشاعل آل عايش)
جوليا كريستيفا: قلق الأنثويّ وسياسات الكتابة
- بقلم محمد بكاي‎

جوليا كريستيفا...فيلسوفة طلائعيّة:

في أيامنا هذه، تتمتّع الفيلسوفة والمحللة النفسانية جوليا كريستيفا بجمهور عريض من المتابعين لمحاضراتها وندواتها في شتّى أصقاع العالم؛ من المجر إلى فرنسا مروراً بالصين وأمريكا والقدس. هذه المواطنة البلغارية التي هاجرت إلى فرنسا، وهي شابّة يافعة انفتحت سريعا على التيارات الفكرية والأدبية الفرنسية آنذاك مثل البنيوية والوجودية والظاهراتية والماركسية، وتأقلمت مع السّجالات والتحولات الفلسفية في العلوم الإنسانية والاجتماعية والسياسية التي ميّزت الأجواء الفرنسية المحتقنة في فترة الستينيات. تمثل أطروحات جوليا كريستيفا التي تتقاطع مع سيميائية رولان بارث وتفكيكية جاك دريدا وتأثّرها الواسع الامتداد بجاك لاكان ومقولاته في التحليل النفسي، رؤيةً عميقة ومعقّدة للهوية والقلق الأنثوي، كما تُعدّ سياساتها في الكتابة عن رهانات الذات وتـمثلاتها عبر الفنّ واللغة بالغة الصعوبة والصّرامة ولا يمكن حسمها بشكل طيّع وليّن.

مرّت كريستيفا في تنظيراتها الفكرية والاجتماعية والثقافية والنقدية متقاطعة مع مختلف هذه التخصصات، وهي من أصناف الـمثقفين الذين اكتسبُوا أجيالاً من المعجبين، أمثال فيلسوف التّفكيك الرّاحل جاك دريدا أو الـمفكرة الأمريكية في ميدان النسوية جوديث بتلر. ويبدو من الصعب جدّا أن نفهم كتاباتها. وفي هذا الصدد، تعلّل كريستيفا موقفها بشأن أساليب الكتابة التي تمارسها، بأن الوضوح والصورية أو الـمنطق المباشر ليست قيمة ذات رواج كبير تصلح لمعالجة مجتمع ما بعد حداثي فائق التعقيد من حيث التصورات والمفاهيم والرؤى المركبّة لـعالم يزداد اختلافا واغتراباً، ولا يمكن ترجمة تلك الانشغالات إلاَّ بلغة معقدّة وحاسمة تختلف عن "لسان الأب" الذي يمثّل السلطة والنفوذ والـمنطق والنّسق الاجتماعي والديني الصّارم.

لهذا تشقّ كريستيفا طرائق جديدة في التفكير: نضالية وثورية للتأصيل لـمواضيع اللغة والهوية والثقافة والمرأة والسياسة. ولم يمنعها توجُّهها العلماني، ونزعتها الإلحادية، عن سعيها إلى القيم الدينية والأخلاقية في المسيحية أو اليهودية، وانتقائها لنصوص صوفية مغمورة مثل نصوص تيريز دافيلا (في كتابها الصادر عن منشورات فايار 2008)، مسقطة عليها نظرات ما بعد حداثية تستند إلى الإجراءات التفكيكية والسيميائية والتحليلــ-نفسية لإدراك متغيرات عالـمنا، وقضاياه الحاسمة برؤى جديدة وفهم مختلف وأكثر فطنة.

حملت كريستيفا حمّى السؤال الأنثوي طيلة مسيرتها الفكرية الحافلة كمتخصصة في اللسانيات والسيميائيات إلى ناقدة أدبية فذّة تُجنّد أدوات التحليل النفسي وإجراءات التناص في مقاربة الخطاب الإبداعي، وُصولاً إلى شيوع اسمها في العالم كمنظّرة بارزة في النظرية النسوية، وذلك عبر أسئلتها الـملحة التي طرحتها حول الهوية الأنثوية وابتكار خطاب يفكّك ما انتهت إليه مثيلاتها سابقا، وعلى رأسهن سيمون دي بوفوار. كريستيفا في أشكلتها لمبحث النسوية لا تلهث وراء إجابات محددة وواضحة للأنثى والأنثوي بقدر ما تحاول تفجير الطبيعة النسوية، وهو ما يُمثّل مقاومة للصّنم الفكري الغربي الذي يُهيمن عليه الخطاب الذّكوري.

في نقد الحركة النسوية وإعادة تأسيسها:

ألهمت جوليا كريستيفا بدراساتها حول النقد النسوي في حقبة الثمانينات والتسعينات شريحة كبيرة من المهتمين بالنقد الثقافي وقضايا الـمرأة والاختلاف الجنسي، لا سيما في البقاع الإسكندنافية والدول الأنجلوساكسونية. وتجلّت إرهاصات كريستيفا -في بداياتها اللسانية والتحليل-ــنفسية- بالتنظير لعملية التدليل عبر كتابها الـموسوم: "سيميوتيك (Semeiotike): بحوث في السيماناليز" (1969)، ما مكّنها من التقديم للجسد والاختلاف الجنسي في مجال القراءة وتأويل النصوص الأدبية، وكذلك تطوير القضايا النسوية على وجه التحديد، مثل تـمثيل الـمرأة والأنوثة.

وتدعو كريستيفا في إصدارات أخرى مثل "الشّمس السّوداء" (1987) و"غرباء على أنفسنا" (1988) و"الثّورة الحميمية" (1997) وثلاثيتها "العبقرية الأنثوية" (بين 1999 و2003) إلى إعادة النظر في الجانب الـملتبس والـمتناقض في ذواتنا وكينوناتنا، بين أجسامنا ومشاعرنا، داخل طيّات هذا الاختلاف الـمفصلي؛ حيث يعيش النّاس غرباء عن أنفسهم، عن مشاعرهم وأجسادهم، وذلك لحرصهم في الكلام والحديث والثقافة على لغة الاستهلاك والعرض. وهذا ما يبرّر - عند فيلسوفتنا - الدّعوةَ إلى الكتابة بشكل غامض ومجازي، معقّد وغير مفهوم. وهو ما أثار انتقادات جمّة موجّهة للمعجم التركيبي عند كريستيفا أو غيرها من المنظرين والفلاسفة ما بعد الحداثيين في فرنسا، آخذين في الحسبان هذا اللّغو الـمبهم والـمعقّد ضرباً من التّشدُّد الفِكريّ، أو وسيلة لـمنع الآخرين من الانضمام إلى هذه الفئة الـمثقّفة بشكل مـحدّد.
Forwarded from وهم النسوية. (مشاعل آل عايش)
في مجال كتابتها عن الفلسفة النسوية، يظلّ عدم الوضوح وعدم إمكانية الوصول إلى إجابات حاسمة وصارمة بشأن الوضع الأنثوي، صعب المنال، محيّرا وملتبسا. وقد طوّرت كريستيفا بؤر الاهتمام بالحركة النسوية عبر نقد بعض أطروحات سابقاتها، مبرزة نقاط ضعفها خاصة تلك المتصلة بالأمومة وعاطفتها. وهي تنتمي بذلك إلى الرعيل الثاني من الحركة النسوية في فرنسا الذي قادته سيمون دي بوفوار، حيث تم الجمع بين تحرير المرأة ومصادرة الأمومة والحطّ من قيمتها وإخراجها من دوائر الإشكاليات النسوية. فالأمومة تُعدّ من قبل التيار النسوي عقبة في طريق تحقيق الذات التي تصبو إلى المساواة الاجتماعية. لكن كريستيفا تنبّه بحذر وشغف إلى هذه الحلقة المفرغة من حلقات البحث عن الذات النسوية وإشكالاتها، لتشيد بدور الأمومة معادية النسوة اللواتي يعزلن المرأة عن جزء من طبيعتها وحساسيتها وهشاشتها.

لذلك تدعو كريستيفا مجمع النساء إلى "الولادة أو الكتابة"؛ وذلك ليبقى الاتصال والتّواصل دائما مع ذاتها الهشّة الخصبة والخلاّقة. وعندما تُطرح إشكالات وتساؤلات حول ماهية المرأة في المنابر الثقافية، تتوجّس كريستيفا من تحديد مفهوم للمرأة، من زجرها داخل حدود واسعة أو ضيّقة الـمفاهيم تُحدثُ شروخا على صلابة الـموضوع، وتكتفي كريستيفا بإجابة: "الـمرأة؟ لا أعرف ما الـمرأة!" بإطباق الصمت والغور في دهاليز الـمعنى الدفين لفرادة الذات النسوية وإعادة الاهتمام بتلوّنات أهوائها، وتشكّلات هيكلتها، وكشف حقائقها، والتمتع بجغرافيتها الرغائبية والغرائبية.

خاتـمة:

يُـمكننا وسم فكر جوليا كريستيفا بأنه ثورة مستدامة، لوضع الحياة دائما تحت علامات الاستفهام أو أمام تصدّع القناعات وقلق الـمعتقدات وتحدّي الرّهانات، وهي الوسيلة -الوحيدة في حاضرنا- التي لم تغلق أبوابها ونوافذها، حفاظاً على مستقبل أكثر انفتاحاً وتقبّلاً للاختلاف. من خلال التعمق أكثر في حياة الفرد، وسبر أغواره الدّاخلية الدفينة اللاّوعية، وبحث تجلياتها الفنية والصوفية والإتيقية. وهو ما تكرّسه كريستيفا داخل تصنيفاتها الجادّة في السنوات الأخيرة.

مصادر ومراجع الـمقال:

Julia Kristeva, Semeiotikê. Recherches pour une sémanalyse, Seuil, France, 1969

Julia Kristeva, Soleil noir. Dépression et mélancolie, Gallimard, France, 1987.

Julia Kristeva, Étrangers à nous-mêmes, Fayard, France, 1988

Julia Kristeva, La Révolte intime, Fayard, France, 1997.

Julia Kristeva, Seule, une femme, Éditions de l'Aube, France, 2007.
🔴 ننصح كل من يريد تعلم اللغة الإنجليزية من الصفر بهذا التطبيق الأكثر من رائع 🆎
▫️لتحميل التطبيق 👇
https://t.co/A3hr6GoEdJ

إن أردت أن تســــعد لا تقـف عنـد 🌸👇
https://t.me/httpjdk/27777

السعادة هو أن يكون ‏هدفك وصول❤️👇
t.me/Aljana1234/63693
•الـزَّوَاجُ أَيُّـهَا الْإِخْـوَةُ لَيْـسَ انْبِهَارًا!!

الزَّوَاجُ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ مُعَامَلَةٌ دَائِمَةٌ ،

الْإِنْسَانُ فِي بَيْتِهِ يَتَخَلَّى مِمّا يَكُونُ مُتَلَبِّسًا بِهِ خَارِجَ بَيْتِهِ ،

يَحْتَكُّ بِإِنْسَانَةٍ تُطَالِبُهُ بِمَطَالِبٍ، وَيُطَالِبُهَا بِمَطَالِبَ،ٍ
يَعِيشَانِ مَعًا فَتْرَةً طَوِيلَةً ،

وَهَذَا الْأَمْرُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَهُ قَائِمًا صَحِيحًا مُسْتَمِرًا مُتَجَدِّدًا، تَتُدْفِقُ فِيهِ دِمَاءُ الْحُبِّ وَالسَّعَادَةِ إِلَّا الدِّينُ مَعَ حُسْنِ الْخَلْقِ

كُلُ شَيْءٍ أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ يَذْبُـلُ بِالِاحْتِكَاكِ وَالْمُعَاشَرَةِ إِلَّا التَّدَيُّنُ وَحُسْنُ الْخَلْقِ يَبْقَى قَائِمًا نَضِـرًا يُجَدِّدُ لِأَصْحَابِهِ الْخَيْرَ وَالسَّعَادَةَ .

📙الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الرُّحَيْلِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ /مِنْ مُحَاضَـرَةِ حُقُــوقِ الزَّوجَيْنِ
من أوجب واجبات الأمهات اليوم

👈🏻 تربية بناتهن على الإيمان
👈🏻والحياء والحشمة،
👈🏻على أساسيات العقيدة والقرآن والسنة،
👈🏻والسير والقدوات من نساء السلف،
👈🏻على حب البيت وإدارته وحسن تدبيره،
👈🏻على الطبخ كـ فن لإسعاد القلوب،
👈🏻 على الاقتصاد وحسن التصرف والجود بالموجود،
👈🏻 على صناعة مملكة عطاء لفتاة
تُعد لتكون ملكة.



📌إن حرص الأمهات على تنشئة ابنة
تحرص على حجابها وصلاتها وأخلاقها

وتترفع عن الاختلاط والتحدث للأولاد
منذ سن مبكرة، قبيل البلوغ، يسهل على هذه
الفتاة كثيرا الاستقامة، ويحببها فيما يحفظ
أنوثتها، ولابد من أن يرافق ذلك مساحة
تتعلم فيها الابنة كيف تكون دفئا في البيت
وتعتني بجمالها وهواياتها.



📌حين نربي الفتاة على الإسلام تنعم ببركاته،
ولا يجب أبدا أن تعيش تحت ضغط أن تضمن
مستقبلها وتعمل وتجلب المال وغيره
مما اعتاده الناس في زماننا، بل يجب
إعدادها لتكون معظمة التوكل على ربها
تعلم أن خلفها أسرة تفديها، لتكون صاحبة
همة وقدوة كأمة لله مؤمنة، تسابق على
ما يرضي الله لا ما يغضبه.



📌وفي زماننا بالذات من أولى الأولويات
في التربية تعليم الأطفال الاعتزاز بالإسلام،

فكل ما في الإسلام من شعائر وقيم نعتز بها
ونظهرها بفخر، وكل ما يناقض الإسلام،
نحتقره ونترفع عنه، وتلك معاني الاستعلاء
بالإيمان تزرع مبكرا في القلوب، وهذا يعني
أن يكسب الطفل مناعة، فيميز الخطأ
وينكره بهمة.



📌لذلك الفتاة التي تلقت تربية إيمانية جليلة،
حين ترى المتبرجة تنزعج من منظرها وتنكره
عقيدة ومروءة، ولا يجذبها أبدا تقليدها،
لأنها تعرف كيف تقيم المشاهد حين تربطها
بطاعة الله، هذه بحد ذاتها مناعة ضد أمراض
النسوية تتصدى لها المؤمنة الأبية مبكرا.
والانهزامية تحارب بالاستعلاء بالإيمان



📌أيتها الأم إن أكبر إنجازاتك
أن تربي أمة لله تقية وفية وقدوة،
تمثل الإسلام أحسن تمثيل،


👈🏻 تصونها المهج وتدعو لها القلوب المؤمنة
وإن باعدت المسافات، لأن المؤمنة اليوم
حين تتربى على الإيمان وتحيا بالإيمان
👈🏻 هي نصر عظيم وحجة على القوم الكافرين.

فالله الله في تربية
👈🏻على خطى السلف فهي الفلاح
.