الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل الثاني عشر
.
فرحت أم منتظر أشد الفرح عندما أخبرها زوجها بموافقة ولدهما على الزواج وفرحت أكثر عندما عرفت أن ولدها قد اختار من اختارتها هي أيضاً ، أسرعت نحو الهاتف وأدارت رقم منزل ملاذ .. أخذت منها موعداً لزيارتها بعد أن سألتها عن أخبارها وأخبار الوالد .
وفي الساعة السادسة عصراً كانت أم منتظر قد وصلت منزل ملاذ ، استقبلتها فتاتنا استقبالاً حاراً فلقد مضت عدّة شهور على اللقاء الأخير .
قالت ملاذ بصوت متأثر :
ـ ما كنتُ أظنكِ تنسيني هكذا يا خالتي فبعد لقاءنا الأخير في منزلنا لم تتصلي بي إلاّ مرة واحدة بالهاتف !
ـ لكِ كل الحق يا ملاذ لكني كنتُ أنتظر أن تتصلي أنتِ بخالتك فإن وقتكِ أوسع من وقتي بكثير .
ـ آه يا خالة .. كم أتمنى أن أزوركم أو أتصل بكم لكن ...
ثم أطلقت ملاذ حسرة طويلة تذكرت من خلالها موقف والدها تجاه هذه العائلة ! فهل تخبر أم منتظر عن ذلك الموقف ؟ طبعاً لا ! فضّلت السكوت ..
ـ لا أعرف فعلاً يا ملاذ كيف تتحملين هذه الوحدة !؟
ـ هل تصدّقين يا خالتي لو قلتُ لكِ أن ربّي صار بالنسبة لي هو السلوة الوحيدة في حياتي ..
ـ ونِعمَ بالله .
ـ صحيح إنني ما أن فتحتُ عيني في هذه الحياة حتى فقدتُ أقرب إنسانة لي وهي ( أمي ) فلم أعرف حينها سوى أبي الذي أبعدني عن كل انسان سواه .. بل حتى أهلهُ وأهل أمي لم يحاول أن يعرفني عليهم ! لكن رغم كل هذا أشعر الآن أن ( الله ) هو أهلي وكل قرابتي !
دمعت عينا المرأة وهي تسمع هذه الفتاة تتكلم بهذا الكلام الكبير والمؤثر، قالت أم منتظر وهي تحاول الدخول في الموضوع :
ـ لقد جئت اليوم لأمرٍ خاص يا عزيزتي ..
ـ خاص !
ـ جئتُ لأرى رأيك في ابني منتظر !
ـ منتظر ؟!!
كانت ملاذ رغم كل ما تمر بهِ من قسوة الأيام تحاول جاهدةً أن تتناسى ذلك الإسم ! نعم فمنذ أن رأت إن أباها لا يطيق سماع هذا الإسم وهي تحاول بما تملك من قوة أن لا تذكرهُ أمامه .
قالت أم منتظر مبتسمة :
ـ ما بكِ يا ملاذ ! لماذا شرد ذهنكِ هكذا .. ؟ ما رأيكِ بأبني كزوج ... ؟
ـ زوج !
ـ لقد جئت اليوم خاطبةً إياكِ لولدي .. فماذا تقولين ؟
ـ لكن يا خالتي .. لماذا أنا بالذات ؟ أخشى أن يكون هذا قراركِ أنتِ ...
ـ صدّقيني يا عزيزتي ، إنهُ هو من أرسلني ..
كانت الدهشة والارتباك باديتان على فتاتنا ! نعم كانت تتمنى أن ترتبط بهذا الشاب منذ أول مرة رأتهُ فيها ، لكن بعد مرور الأيام صارت تشعر إنها لا تستحق هذا الإنسان .. لما يملكهُ من صفاء الروح وطهارة السريرة ..
قطع تفكيرها مرة أخرى صوت أم منتظر وهي تقول :
ـ أعرف بماذا تفكرين الآن ، لكن يا ملاذ لقد تغيرت الأمور كثيراً وصرت أنتِ اختيار منتظر الوحيد .
شعرت ملاذ بالسعادة والنشوة لسماعها تلك الكلمات لكنها تذكرت شيئاً ما ! قالت بألم :
ـ آه يا خالتي لو كان الأمر بيدي!
ـ لا عليك يا ملاذ .. إن أمر أبيكِ سهل إن شاء الله .
صمتت ملاذ وهي تتخيل ملامح والدها عند سماع الخبر !
قامت أم منتظر وهي تدعو الله أن يتمم الأمر على خير وان يجمع شمل ابنها بهذه الفتاة ، أما ملاذ فما كان منها إلاّ أن دعت الله أن يفعل ما فيه رضاهُ سبحانه وما فيه صلاح أمرها وأمر ذلك الشاب .
.
#يتبع
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل الثاني عشر
.
فرحت أم منتظر أشد الفرح عندما أخبرها زوجها بموافقة ولدهما على الزواج وفرحت أكثر عندما عرفت أن ولدها قد اختار من اختارتها هي أيضاً ، أسرعت نحو الهاتف وأدارت رقم منزل ملاذ .. أخذت منها موعداً لزيارتها بعد أن سألتها عن أخبارها وأخبار الوالد .
وفي الساعة السادسة عصراً كانت أم منتظر قد وصلت منزل ملاذ ، استقبلتها فتاتنا استقبالاً حاراً فلقد مضت عدّة شهور على اللقاء الأخير .
قالت ملاذ بصوت متأثر :
ـ ما كنتُ أظنكِ تنسيني هكذا يا خالتي فبعد لقاءنا الأخير في منزلنا لم تتصلي بي إلاّ مرة واحدة بالهاتف !
ـ لكِ كل الحق يا ملاذ لكني كنتُ أنتظر أن تتصلي أنتِ بخالتك فإن وقتكِ أوسع من وقتي بكثير .
ـ آه يا خالة .. كم أتمنى أن أزوركم أو أتصل بكم لكن ...
ثم أطلقت ملاذ حسرة طويلة تذكرت من خلالها موقف والدها تجاه هذه العائلة ! فهل تخبر أم منتظر عن ذلك الموقف ؟ طبعاً لا ! فضّلت السكوت ..
ـ لا أعرف فعلاً يا ملاذ كيف تتحملين هذه الوحدة !؟
ـ هل تصدّقين يا خالتي لو قلتُ لكِ أن ربّي صار بالنسبة لي هو السلوة الوحيدة في حياتي ..
ـ ونِعمَ بالله .
ـ صحيح إنني ما أن فتحتُ عيني في هذه الحياة حتى فقدتُ أقرب إنسانة لي وهي ( أمي ) فلم أعرف حينها سوى أبي الذي أبعدني عن كل انسان سواه .. بل حتى أهلهُ وأهل أمي لم يحاول أن يعرفني عليهم ! لكن رغم كل هذا أشعر الآن أن ( الله ) هو أهلي وكل قرابتي !
دمعت عينا المرأة وهي تسمع هذه الفتاة تتكلم بهذا الكلام الكبير والمؤثر، قالت أم منتظر وهي تحاول الدخول في الموضوع :
ـ لقد جئت اليوم لأمرٍ خاص يا عزيزتي ..
ـ خاص !
ـ جئتُ لأرى رأيك في ابني منتظر !
ـ منتظر ؟!!
كانت ملاذ رغم كل ما تمر بهِ من قسوة الأيام تحاول جاهدةً أن تتناسى ذلك الإسم ! نعم فمنذ أن رأت إن أباها لا يطيق سماع هذا الإسم وهي تحاول بما تملك من قوة أن لا تذكرهُ أمامه .
قالت أم منتظر مبتسمة :
ـ ما بكِ يا ملاذ ! لماذا شرد ذهنكِ هكذا .. ؟ ما رأيكِ بأبني كزوج ... ؟
ـ زوج !
ـ لقد جئت اليوم خاطبةً إياكِ لولدي .. فماذا تقولين ؟
ـ لكن يا خالتي .. لماذا أنا بالذات ؟ أخشى أن يكون هذا قراركِ أنتِ ...
ـ صدّقيني يا عزيزتي ، إنهُ هو من أرسلني ..
كانت الدهشة والارتباك باديتان على فتاتنا ! نعم كانت تتمنى أن ترتبط بهذا الشاب منذ أول مرة رأتهُ فيها ، لكن بعد مرور الأيام صارت تشعر إنها لا تستحق هذا الإنسان .. لما يملكهُ من صفاء الروح وطهارة السريرة ..
قطع تفكيرها مرة أخرى صوت أم منتظر وهي تقول :
ـ أعرف بماذا تفكرين الآن ، لكن يا ملاذ لقد تغيرت الأمور كثيراً وصرت أنتِ اختيار منتظر الوحيد .
شعرت ملاذ بالسعادة والنشوة لسماعها تلك الكلمات لكنها تذكرت شيئاً ما ! قالت بألم :
ـ آه يا خالتي لو كان الأمر بيدي!
ـ لا عليك يا ملاذ .. إن أمر أبيكِ سهل إن شاء الله .
صمتت ملاذ وهي تتخيل ملامح والدها عند سماع الخبر !
قامت أم منتظر وهي تدعو الله أن يتمم الأمر على خير وان يجمع شمل ابنها بهذه الفتاة ، أما ملاذ فما كان منها إلاّ أن دعت الله أن يفعل ما فيه رضاهُ سبحانه وما فيه صلاح أمرها وأمر ذلك الشاب .
.
#يتبع
#الإيمان_والحب
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل الثالث عشر
.
وفي اليوم التالي من رؤية أم منتظر لملاذ قام زوجها بزيارة صاحبهِ في منزله وهناك دار بينهما هذا الحديث :
ـ أنت تعرف يا صاحبي قدرك في قلبي ..
ـ أشكرك يا كريم .
ـ الشكر لله يا أبا ملاذ ، وكُلّي أمل اليوم أن أأخذ موافقتك على أمرٍ ما .
ـ خير إن شاء الله ؟
ـ أتشرف أنا وابني وكل عائلتي أن يحصل القرب بيننا أكثر من خلال طلب يد ابنتك ملاذ لأبني منتظر .
صمت حامد وقد أحمرّت عيناه من الغيظ ، لم يتحمل هذا الكلام قام واقفاً على قدميه محاولاً إنهاء الحديث .. مدَّ يدهُ إلى صاحبه قائلاً :
ـ سأفكر بالموضوع !
تفاجأ أبو منتظر من هذا التصرف الغريب فقام ومدَّ يدهُ هو الآخر قائلاً بألم :
ـ المدّة مفتوحة أمامك ، إن كنت تريد السؤال عنّا وعن أخلاقنا وسُمعتنا يمكنك ذلك إلى أن تحصل الموافقة إن شاء الله أنا أنتظر الرد ، في أمان الله .
شعر أبو ملاذ بالخجل من سوء تصرفه .. لكن لماذا هو يفعل ذلك ؟ لماذا يُجازي هذه العائلة بهذا الجزاء السيء !؟ ألم يقفوا معهُ في تلك الأيام الصعبة ؟ ألم ينقذوا حياة ابنته الوحيدة ؟ إذاً لماذا يُسيء التصرف معهم هكذا في حين إنهم يريدون التقرب منه ليس إلاّ !
أسئلة كثيرة كان صوت الضمير يطرحها على حامد ولكن يأتي صوت الشيطان ليقول له : إنهم يريدون اختطاف ابنتك الوحيدة .. إنهم أداروا دماغها وغسلوه وجعلوها تُشعرك بعدم تربيتها تربيةً صحيحة وبأنك مقصر معها ! إنهم ...إنهم ... إنهم
صاح وقد وضع يدهُ على رأسه :
ـ لن أسمح لهم بذلك أبداً ! ليس لدي غيرها ، ليتهم لم يساعدوني ، ليتهم جعلوها تموت قبل أن أراها تبيعني هكذا ... ! كيف سأفارقها ؟ كيف سيكون البيت من دونها ... كيف ..كيف ؟؟
كان والدها يشعر بأنها ملكهُ وحدهُ ولا يمكن أن تكون لرجلٍ آخر .. لقد ربّاها وكان سعيه كلّه لأجلها .. اشترى لها أجمل الملابس وأجلسها أمام أحدث الأجهزة وأرقاها ، فلم تضجر يوماً أو تلومه أو تعتب عليه ، أما الآن فلقد تركت كل شيء .. تركت الملابس الفاخرة والأجهزة المتنوعة ، تركت تلك الحياة وصارت تعيش حياةً أخرى .. بسببهم هم ! وسيجعلونها تتركهُ هو الآخر! يا للفاجعة .. يا للهول ! ظل الشيطان يوسوس له طوال تلك الليلة ، كان أبو ملاذ ناسياً أن الروح تحتاج إلى غذاء كما أن الجسد يحتاج إلى غذاء ..
لقد نسى أن يُغذّي روح فتاته ويُربّي نفسها .. كان يظن أنهُ بتغذيتها
أحسن الغذاء وبترفيهها بتلك الأدوات الحديثة وبلبسها أفضل وأرقى الملابس فأنهُ ربّاها ! لم يعرف إن التربية هي تربية النفس والروح لا تربية الأعضاء والجسد.
وفي الصباح كان حامد قد قرر أن لا يذهب إلى العمل لهذا اليوم لأنه يشعر بالتعب والإرهاق .. سألته ملاذ عن السبب فلم يُكلمها وأدار بوجههِ عنها .
إتجه نحو التلفاز وشغّل ذلك الجهاز وجلس يستمع لـ ( أغاني الصباح ) !
تعجبت ملاذ من تصرفهِ هذا فهو لا يعرف من ذلك الجهاز غير ( نشرة الأخبار ) !!
تركتهُ وذهبت إلى غرفتها ، لكن صوت الغناء بدأ يرتفع شيئاً فشيئاً ، شعرت بشعور غريب ! إنها قشعريرة تسري في جميع بدنها ! لقد تركت سماع الأغاني منذ شهور منذ أبلغها منتظر بأنها ( حرام ) وهي اليوم ولأول مرة بعد تلك الفترة تطرق مسامعها تلك الكلمات الشيطانية .. أحست بأنها تريد التقيء !
تساءلت مع نفسها : هل من المعقول إنني صرتُ أكره سماع الأغاني إلى هذه الدرجة ؟ أنا التي لم يكن شيء يُلهيني عنها ، أغدو اليوم كارهةً لها !!
صارت تحمدُ الله على هذه النعمة ، وهي تتذكر ما كان يقوله منتظر لها بهذا الخصوص : إنك ستكرهين الغناء يا ملاذ عندما تمنعين نفسك عن الاستماع إليها لفترةٍ ما ، لأن النفس كالطفل الصغير عندما تعودّينها على شيء ستعتاد عليه وستنقاد لكِ ولو بعد جهادٍ طويل ! وكما يقول الشاعر :
النفس كالطفل ِ إن تتركه شبّ على حبِّ الرضاع وان تفطمه ينفطمُ !
وها هي نفسها اليوم تنقاد لإرادتها القوية وقد صارت تكره سماع تلك الكلمات .. إنها نعمة عظيمة .
لم تتحمل ملاذ سماع صوت ذلك المطرب رغم إنهُ كان المفضّل لديها ! فتحت باب غرفتها واتجهت حيث يجلس والدها ، حاولت التكلم معه لكن ما من فائدة .. اتجهت نحو التلفاز فخفضت صوته ثم قالت له :
ـ استميحك عذراً يا أبتي .. لكني أريد أن أكلمك وهذهِ الأغاني تجعلك لا تسمع صوتي ..
ـ ما الذي تريدينه أيتها الفتاة الوقِحة ؟!
ـ أبي أرجوك فقط أسمعني لحظات .. إن هناك فرق كبير بين الدار التي تسكنها الملائكة والدار التي ترتادها الشياطين!
فلقد جاء عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) : ((إن الدار التي يُسمع فيها الغناء لا يُستجاب فيها الدعاء ولا تدخلُها الملائكة )) .
بعد هذه الكلمات التي كانت تخرج من قلبها الصادق قام والدها من مكانه بحركةٍ سريعة مدَّ يدهُ ليضربها .. كانت صفعة قوية جعلتها تسقط أرضاً ثم قام بركلها بقدمه ، وهو يصرخ
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل الثالث عشر
.
وفي اليوم التالي من رؤية أم منتظر لملاذ قام زوجها بزيارة صاحبهِ في منزله وهناك دار بينهما هذا الحديث :
ـ أنت تعرف يا صاحبي قدرك في قلبي ..
ـ أشكرك يا كريم .
ـ الشكر لله يا أبا ملاذ ، وكُلّي أمل اليوم أن أأخذ موافقتك على أمرٍ ما .
ـ خير إن شاء الله ؟
ـ أتشرف أنا وابني وكل عائلتي أن يحصل القرب بيننا أكثر من خلال طلب يد ابنتك ملاذ لأبني منتظر .
صمت حامد وقد أحمرّت عيناه من الغيظ ، لم يتحمل هذا الكلام قام واقفاً على قدميه محاولاً إنهاء الحديث .. مدَّ يدهُ إلى صاحبه قائلاً :
ـ سأفكر بالموضوع !
تفاجأ أبو منتظر من هذا التصرف الغريب فقام ومدَّ يدهُ هو الآخر قائلاً بألم :
ـ المدّة مفتوحة أمامك ، إن كنت تريد السؤال عنّا وعن أخلاقنا وسُمعتنا يمكنك ذلك إلى أن تحصل الموافقة إن شاء الله أنا أنتظر الرد ، في أمان الله .
شعر أبو ملاذ بالخجل من سوء تصرفه .. لكن لماذا هو يفعل ذلك ؟ لماذا يُجازي هذه العائلة بهذا الجزاء السيء !؟ ألم يقفوا معهُ في تلك الأيام الصعبة ؟ ألم ينقذوا حياة ابنته الوحيدة ؟ إذاً لماذا يُسيء التصرف معهم هكذا في حين إنهم يريدون التقرب منه ليس إلاّ !
أسئلة كثيرة كان صوت الضمير يطرحها على حامد ولكن يأتي صوت الشيطان ليقول له : إنهم يريدون اختطاف ابنتك الوحيدة .. إنهم أداروا دماغها وغسلوه وجعلوها تُشعرك بعدم تربيتها تربيةً صحيحة وبأنك مقصر معها ! إنهم ...إنهم ... إنهم
صاح وقد وضع يدهُ على رأسه :
ـ لن أسمح لهم بذلك أبداً ! ليس لدي غيرها ، ليتهم لم يساعدوني ، ليتهم جعلوها تموت قبل أن أراها تبيعني هكذا ... ! كيف سأفارقها ؟ كيف سيكون البيت من دونها ... كيف ..كيف ؟؟
كان والدها يشعر بأنها ملكهُ وحدهُ ولا يمكن أن تكون لرجلٍ آخر .. لقد ربّاها وكان سعيه كلّه لأجلها .. اشترى لها أجمل الملابس وأجلسها أمام أحدث الأجهزة وأرقاها ، فلم تضجر يوماً أو تلومه أو تعتب عليه ، أما الآن فلقد تركت كل شيء .. تركت الملابس الفاخرة والأجهزة المتنوعة ، تركت تلك الحياة وصارت تعيش حياةً أخرى .. بسببهم هم ! وسيجعلونها تتركهُ هو الآخر! يا للفاجعة .. يا للهول ! ظل الشيطان يوسوس له طوال تلك الليلة ، كان أبو ملاذ ناسياً أن الروح تحتاج إلى غذاء كما أن الجسد يحتاج إلى غذاء ..
لقد نسى أن يُغذّي روح فتاته ويُربّي نفسها .. كان يظن أنهُ بتغذيتها
أحسن الغذاء وبترفيهها بتلك الأدوات الحديثة وبلبسها أفضل وأرقى الملابس فأنهُ ربّاها ! لم يعرف إن التربية هي تربية النفس والروح لا تربية الأعضاء والجسد.
وفي الصباح كان حامد قد قرر أن لا يذهب إلى العمل لهذا اليوم لأنه يشعر بالتعب والإرهاق .. سألته ملاذ عن السبب فلم يُكلمها وأدار بوجههِ عنها .
إتجه نحو التلفاز وشغّل ذلك الجهاز وجلس يستمع لـ ( أغاني الصباح ) !
تعجبت ملاذ من تصرفهِ هذا فهو لا يعرف من ذلك الجهاز غير ( نشرة الأخبار ) !!
تركتهُ وذهبت إلى غرفتها ، لكن صوت الغناء بدأ يرتفع شيئاً فشيئاً ، شعرت بشعور غريب ! إنها قشعريرة تسري في جميع بدنها ! لقد تركت سماع الأغاني منذ شهور منذ أبلغها منتظر بأنها ( حرام ) وهي اليوم ولأول مرة بعد تلك الفترة تطرق مسامعها تلك الكلمات الشيطانية .. أحست بأنها تريد التقيء !
تساءلت مع نفسها : هل من المعقول إنني صرتُ أكره سماع الأغاني إلى هذه الدرجة ؟ أنا التي لم يكن شيء يُلهيني عنها ، أغدو اليوم كارهةً لها !!
صارت تحمدُ الله على هذه النعمة ، وهي تتذكر ما كان يقوله منتظر لها بهذا الخصوص : إنك ستكرهين الغناء يا ملاذ عندما تمنعين نفسك عن الاستماع إليها لفترةٍ ما ، لأن النفس كالطفل الصغير عندما تعودّينها على شيء ستعتاد عليه وستنقاد لكِ ولو بعد جهادٍ طويل ! وكما يقول الشاعر :
النفس كالطفل ِ إن تتركه شبّ على حبِّ الرضاع وان تفطمه ينفطمُ !
وها هي نفسها اليوم تنقاد لإرادتها القوية وقد صارت تكره سماع تلك الكلمات .. إنها نعمة عظيمة .
لم تتحمل ملاذ سماع صوت ذلك المطرب رغم إنهُ كان المفضّل لديها ! فتحت باب غرفتها واتجهت حيث يجلس والدها ، حاولت التكلم معه لكن ما من فائدة .. اتجهت نحو التلفاز فخفضت صوته ثم قالت له :
ـ استميحك عذراً يا أبتي .. لكني أريد أن أكلمك وهذهِ الأغاني تجعلك لا تسمع صوتي ..
ـ ما الذي تريدينه أيتها الفتاة الوقِحة ؟!
ـ أبي أرجوك فقط أسمعني لحظات .. إن هناك فرق كبير بين الدار التي تسكنها الملائكة والدار التي ترتادها الشياطين!
فلقد جاء عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) : ((إن الدار التي يُسمع فيها الغناء لا يُستجاب فيها الدعاء ولا تدخلُها الملائكة )) .
بعد هذه الكلمات التي كانت تخرج من قلبها الصادق قام والدها من مكانه بحركةٍ سريعة مدَّ يدهُ ليضربها .. كانت صفعة قوية جعلتها تسقط أرضاً ثم قام بركلها بقدمه ، وهو يصرخ
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل الرابع عشر
.
ها هي الأيام والأشهر تمضي ، كانت أم منتظر تطل على ابنها صباح كل يوم ... تحدّثهُ وتشد من عزيمته فوضعه كان متوتراً بعض الشيء ... إلى الآن هو بدون عمل ! وهي مازالت تلح في مسألة زواجه لكن الرياح كانت لا تأتي بما تشتهي السفن !
وفي أحد الأيام دخل والد منتظر وهو في غاية الفرح وما أن جلس قليلاً ليستريح حتى زفَّ لعائلته خبر حصول منتظر على عمل في أحد أكبر المصانع في بلادهم ..
ولم يمضِ شهر واحد على عملهِ في ذلك المصنع حتى تقاضى منتظر راتباً مع مكافأة مجزية من مدير المصنع لما رأى على منتظر من سيماء التقوى والصلاح والإخلاص في العمل .
جاء منتظر إلى أمه في ذلك اليوم وقد لاحت ملامح السرور على وجههِ ..
استقبلته كالعادة بوجهها الباسم ...
ـ ساعدك الله يا بُني ..
ـ وساعدكِ يا أماه ، هل أتى أبي من العمل ؟
ـ لماذا تسأل عنه ، أنت تعرف إنهُ يأتي بعد مجيئك بساعة تقريباً ! هل هناك أمر ما يا عزيزي ؟
ـ نعم هناك !
ـ خير إن شاء الله ؟
ـ أريدهُ أن يذهب يوم غد ليقابل أبا ملاذ ، ويخبره إنني حصلت على عمل بل واستلمت المرتب الشهري وهو أعلى مرتب بالنسبة لباقي الموظفين .
أذعن أبو منتظر لطلب ولده وعاود زيارة صاحبه ولم تكن إجابته هذه المرة تختلف عن المرة السابقة !!
خرج أبو منتظر من منزل صاحبه وقد قرر أن لا يعاود طلب يد تلك الفتاة لابنهِ بعد هذه المرة أبداً .
.
#يتبع
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل الرابع عشر
.
ها هي الأيام والأشهر تمضي ، كانت أم منتظر تطل على ابنها صباح كل يوم ... تحدّثهُ وتشد من عزيمته فوضعه كان متوتراً بعض الشيء ... إلى الآن هو بدون عمل ! وهي مازالت تلح في مسألة زواجه لكن الرياح كانت لا تأتي بما تشتهي السفن !
وفي أحد الأيام دخل والد منتظر وهو في غاية الفرح وما أن جلس قليلاً ليستريح حتى زفَّ لعائلته خبر حصول منتظر على عمل في أحد أكبر المصانع في بلادهم ..
ولم يمضِ شهر واحد على عملهِ في ذلك المصنع حتى تقاضى منتظر راتباً مع مكافأة مجزية من مدير المصنع لما رأى على منتظر من سيماء التقوى والصلاح والإخلاص في العمل .
جاء منتظر إلى أمه في ذلك اليوم وقد لاحت ملامح السرور على وجههِ ..
استقبلته كالعادة بوجهها الباسم ...
ـ ساعدك الله يا بُني ..
ـ وساعدكِ يا أماه ، هل أتى أبي من العمل ؟
ـ لماذا تسأل عنه ، أنت تعرف إنهُ يأتي بعد مجيئك بساعة تقريباً ! هل هناك أمر ما يا عزيزي ؟
ـ نعم هناك !
ـ خير إن شاء الله ؟
ـ أريدهُ أن يذهب يوم غد ليقابل أبا ملاذ ، ويخبره إنني حصلت على عمل بل واستلمت المرتب الشهري وهو أعلى مرتب بالنسبة لباقي الموظفين .
أذعن أبو منتظر لطلب ولده وعاود زيارة صاحبه ولم تكن إجابته هذه المرة تختلف عن المرة السابقة !!
خرج أبو منتظر من منزل صاحبه وقد قرر أن لا يعاود طلب يد تلك الفتاة لابنهِ بعد هذه المرة أبداً .
.
#يتبع
#الإيمان_والحب
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل الخامس عشر
.
جلس منتظر يُقلّب صفحات ذلك الكتاب الذي أهدتهُ إياه أمه في عيد ميلاده وقد مضى على تلك الحادثة سنة ونصف تقريباً ، فكّر مع نفسه قائلاً : لا أعرف إن كانت أمي مازالت تريدني أن أتزوج أم إنها غيّرت رأيها بعد كل هذه الفترة ؟!
قطع كلامه مع نفسهِ صوتٌ نتج عن طرق باب غرفته ، إنتبه كمن ينهض من النوم مرعوباً !
صاح : من ؟ من الطارق ؟
أجابه صوت والدهُ : أنا يا منتظر ، عندي خبر سعيد !
قال منتظر بلهفة بعد أن فتح الباب : خير إن شاء الله ؟
ـ كل الخير يا ولدي .. لقد قرر عمك فارس العودة إلى أرض الوطن بعد كل هذه السنين !
تهللت أسارير منتظر وهو يسمع هذا الخبر ، صاح وهو لا يصدق ما يسمع :
ـ ماذا عمي فارس ! هل تمزح يا أبي ...
ـ لا صدّقني يا بُني إنها الحقيقة ، لقد انتهيت من مهاتفته توّاً وقد
أكّد لي هذا الخبر .
كان فارس من أعز الأصدقاء لكريم وحامد .. إذ كانوا يشكلون ( الثلاثي الوفي ) بعلاقتهم الحميمة تلك .
أتصل أبو منتظر بصاحبه ليخبره بمجيء ثالثهم والذي فصلته الغربة عنهما ، رفع الهاتف ابو ملاذ وتبادل السلام مع أبي منتظر محاولين تناسي أحداث الخطبة وما تبعها من كسر قلوب وجرح مشاعر ... قال أبو منتظر بصوته الشجي الحنين :
ـ هل تعرف يا أبا ملاذ إن فارس سيرجع عن قريب ؟
ـ من ؟ فارس ! يا الله ! يا الله ! إنه لخبرٌ سعيد .
ـ نعم يا حامد سيرجع فارس وسيرجع لمّ الشمل كما كنا من قبل إن شاء الله .
وهنا حاول أبو ملاذ أن يُنهي المكالمة بأي طريقة كانت بعد أن تخيل ان العلاقة سترجع بينه وبين عائلة أبو منتظر !!
أقفل الهاتف وحاول أن لا يفكر إلاّ برؤية ذلك الصديق الحبيب فارس .
لقد كان فارس محبوباً لدى الجميع كباراً وصغاراً ، حيث كان يتمتع بشخصية قوية ولطيفة في الوقت ذاته ، سافر إلى الخارج ليكمل دراسة الماجستير والدكتوراه في العلوم الإسلامية وكان يمتلك قدرة كبيرة على الخطابة ونظم الشعر وكتابة المقالات الأدبية ، لذلك ما إن أكمل دراسته وأخذ شهادة الدكتوراه حتى صار أستاذاً للعلوم الإسلامية في إحدى الجامعات العربية في بلاد الغرب ورئيس تحرير لمجلة تعنى بالشباب ومشاكلهم .
جاء ذلك اليوم الذي أخبرهم فارس بموعده وهو يوم عودته لأرض الوطن مرةً أخرى .. لكنه لم يقل لهم أين يمكن أن يستقبلوه ! وفي أي وقت بالضبط !
لذلك كان كل من أبي منتظر وأبي ملاذ قد هيّأا منزليهما لاستقبال ذلك الضيف العزيز وهما في حالة من الإنتظار والترقب .
وفي تمام الساعة العاشرة صباحاً كان فارس يقف على أرض الوطن بعد فراق دام أكثر من ثمان سنوات وما ان لمست قدماه تلك الأرض حتى سجد لله شاكراً وأخذ يشمّ ويُقبّل ترابها وهو يردّد والدموع قد غسلت وجهه :
ـ ما أجمل العودة إليك يا وطني ! وما أطيب نسيم هوائك ...
اتجه إلى منزل أحد أقاربه في تلك البلدة ومن هناك أتصل بأبي منتظر ...
ودار بينهما هذا الحديث :
ـ السلامُ عليك يا أبا منتظر ..
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
ـ ألم تعرفني !؟
ـ عذراً .. لم أسمع صوتك من قبل !
ـ هل يمكن ذلك ؟ لكني اتصلت بك قبل ثلاثة أيام ... هل نسيت صوتي يا كريم !
ـ هل من المعقول إنك ... إنك ... فارس !
ـ ولِم لا يا كريم ؟
ـ ولكن صوتك تغيرّ عن كل مرة تكلمني فيها !
ـ السبب بسيط .. فكل مرة أُحدّثك والمسافات بيننا آلاف الكيلومترات
فيصلك صوتي ضعيفاً ومتقطعاً ، أما اليوم فأنا أُحدثك من داخل الوطن الحبيب !
ـ ماذا ؟ هل وصلت ! ولكن متى ؟ لماذا لم تأتِ إلى المنزل مباشرةً يا رجل !
ـ بصراحة لقد خفت أن أتجه إلى منزلك فيزعل أبو ملاذ أو أتجه إلى منزله فتزعل أنت ! وحلاً لهذه المشكلة فأنا الآن في بيت خالتي أم سالم .. وأطلب منكما أن تأتيا حالاً لأني بأشد الشوق لرؤيتكما .
ـ ثوانٍ ونكون عندك أيها الحبيب ، سأتصل بحامد حالاً ..
ـ لا ... لا يا صديقي ، سأتصل أنا به وأخبرهُ بما أخبرتك ، فلا تتأخر عليّ يا صاحبي ولا تنسى أن تجلب معك جميع أفراد عائلتك فإني بأشد الشوق إليهم .
وبعد ربع ساعة تقريباً كان أبو منتظر مع ولدهِ منتظر عند باب منزل أم سالم ...
طرق ابو منتظر الباب بيدين ترتجفان ، فتح الباب شاب في مقتبل العمر ، سلمّ عليه الاثنان وأدخلهما إلى داخل المنزل ، وفي غرفة الجلوس كان فارس قد جلس وإلتف حوله كل من خالته وأبناؤها ، وما أن دخل أبو منتظر حتى وقف فارس وقد تغيرت ملامحه .. فتح ذراعيه لاستقبال صاحبه وقد خنقتهُ العبرة .. رمى أبو منتظر بنفسهِ على صاحبه وهو يبكي كالأم الثكلى !
كان كل منهما قد وضع رأسه على كتف صاحبهِ وأخذا ينحبان دون أن يتكلما بكلمةٍ واحدة !
كانت لغة الدموع أقوى من لغة الكلمات .. بكى جميع من في الغرفة لحرارة الموقف ثم إلتفتَ فارس إلى الشاب القادم مع صاحبه ..
قال وهو يمسح دموعه ويمد يده نحو ذلك الشاب :
-هل أنت منتظر ؟!
رمى منتظر هو الآخر بنفسهِ نحو فارس وهو يردد بصوتٍ شجي حزين :
ـ نعم يا عماه .. أنا هو !
ـ لقد كبرت
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل الخامس عشر
.
جلس منتظر يُقلّب صفحات ذلك الكتاب الذي أهدتهُ إياه أمه في عيد ميلاده وقد مضى على تلك الحادثة سنة ونصف تقريباً ، فكّر مع نفسه قائلاً : لا أعرف إن كانت أمي مازالت تريدني أن أتزوج أم إنها غيّرت رأيها بعد كل هذه الفترة ؟!
قطع كلامه مع نفسهِ صوتٌ نتج عن طرق باب غرفته ، إنتبه كمن ينهض من النوم مرعوباً !
صاح : من ؟ من الطارق ؟
أجابه صوت والدهُ : أنا يا منتظر ، عندي خبر سعيد !
قال منتظر بلهفة بعد أن فتح الباب : خير إن شاء الله ؟
ـ كل الخير يا ولدي .. لقد قرر عمك فارس العودة إلى أرض الوطن بعد كل هذه السنين !
تهللت أسارير منتظر وهو يسمع هذا الخبر ، صاح وهو لا يصدق ما يسمع :
ـ ماذا عمي فارس ! هل تمزح يا أبي ...
ـ لا صدّقني يا بُني إنها الحقيقة ، لقد انتهيت من مهاتفته توّاً وقد
أكّد لي هذا الخبر .
كان فارس من أعز الأصدقاء لكريم وحامد .. إذ كانوا يشكلون ( الثلاثي الوفي ) بعلاقتهم الحميمة تلك .
أتصل أبو منتظر بصاحبه ليخبره بمجيء ثالثهم والذي فصلته الغربة عنهما ، رفع الهاتف ابو ملاذ وتبادل السلام مع أبي منتظر محاولين تناسي أحداث الخطبة وما تبعها من كسر قلوب وجرح مشاعر ... قال أبو منتظر بصوته الشجي الحنين :
ـ هل تعرف يا أبا ملاذ إن فارس سيرجع عن قريب ؟
ـ من ؟ فارس ! يا الله ! يا الله ! إنه لخبرٌ سعيد .
ـ نعم يا حامد سيرجع فارس وسيرجع لمّ الشمل كما كنا من قبل إن شاء الله .
وهنا حاول أبو ملاذ أن يُنهي المكالمة بأي طريقة كانت بعد أن تخيل ان العلاقة سترجع بينه وبين عائلة أبو منتظر !!
أقفل الهاتف وحاول أن لا يفكر إلاّ برؤية ذلك الصديق الحبيب فارس .
لقد كان فارس محبوباً لدى الجميع كباراً وصغاراً ، حيث كان يتمتع بشخصية قوية ولطيفة في الوقت ذاته ، سافر إلى الخارج ليكمل دراسة الماجستير والدكتوراه في العلوم الإسلامية وكان يمتلك قدرة كبيرة على الخطابة ونظم الشعر وكتابة المقالات الأدبية ، لذلك ما إن أكمل دراسته وأخذ شهادة الدكتوراه حتى صار أستاذاً للعلوم الإسلامية في إحدى الجامعات العربية في بلاد الغرب ورئيس تحرير لمجلة تعنى بالشباب ومشاكلهم .
جاء ذلك اليوم الذي أخبرهم فارس بموعده وهو يوم عودته لأرض الوطن مرةً أخرى .. لكنه لم يقل لهم أين يمكن أن يستقبلوه ! وفي أي وقت بالضبط !
لذلك كان كل من أبي منتظر وأبي ملاذ قد هيّأا منزليهما لاستقبال ذلك الضيف العزيز وهما في حالة من الإنتظار والترقب .
وفي تمام الساعة العاشرة صباحاً كان فارس يقف على أرض الوطن بعد فراق دام أكثر من ثمان سنوات وما ان لمست قدماه تلك الأرض حتى سجد لله شاكراً وأخذ يشمّ ويُقبّل ترابها وهو يردّد والدموع قد غسلت وجهه :
ـ ما أجمل العودة إليك يا وطني ! وما أطيب نسيم هوائك ...
اتجه إلى منزل أحد أقاربه في تلك البلدة ومن هناك أتصل بأبي منتظر ...
ودار بينهما هذا الحديث :
ـ السلامُ عليك يا أبا منتظر ..
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
ـ ألم تعرفني !؟
ـ عذراً .. لم أسمع صوتك من قبل !
ـ هل يمكن ذلك ؟ لكني اتصلت بك قبل ثلاثة أيام ... هل نسيت صوتي يا كريم !
ـ هل من المعقول إنك ... إنك ... فارس !
ـ ولِم لا يا كريم ؟
ـ ولكن صوتك تغيرّ عن كل مرة تكلمني فيها !
ـ السبب بسيط .. فكل مرة أُحدّثك والمسافات بيننا آلاف الكيلومترات
فيصلك صوتي ضعيفاً ومتقطعاً ، أما اليوم فأنا أُحدثك من داخل الوطن الحبيب !
ـ ماذا ؟ هل وصلت ! ولكن متى ؟ لماذا لم تأتِ إلى المنزل مباشرةً يا رجل !
ـ بصراحة لقد خفت أن أتجه إلى منزلك فيزعل أبو ملاذ أو أتجه إلى منزله فتزعل أنت ! وحلاً لهذه المشكلة فأنا الآن في بيت خالتي أم سالم .. وأطلب منكما أن تأتيا حالاً لأني بأشد الشوق لرؤيتكما .
ـ ثوانٍ ونكون عندك أيها الحبيب ، سأتصل بحامد حالاً ..
ـ لا ... لا يا صديقي ، سأتصل أنا به وأخبرهُ بما أخبرتك ، فلا تتأخر عليّ يا صاحبي ولا تنسى أن تجلب معك جميع أفراد عائلتك فإني بأشد الشوق إليهم .
وبعد ربع ساعة تقريباً كان أبو منتظر مع ولدهِ منتظر عند باب منزل أم سالم ...
طرق ابو منتظر الباب بيدين ترتجفان ، فتح الباب شاب في مقتبل العمر ، سلمّ عليه الاثنان وأدخلهما إلى داخل المنزل ، وفي غرفة الجلوس كان فارس قد جلس وإلتف حوله كل من خالته وأبناؤها ، وما أن دخل أبو منتظر حتى وقف فارس وقد تغيرت ملامحه .. فتح ذراعيه لاستقبال صاحبه وقد خنقتهُ العبرة .. رمى أبو منتظر بنفسهِ على صاحبه وهو يبكي كالأم الثكلى !
كان كل منهما قد وضع رأسه على كتف صاحبهِ وأخذا ينحبان دون أن يتكلما بكلمةٍ واحدة !
كانت لغة الدموع أقوى من لغة الكلمات .. بكى جميع من في الغرفة لحرارة الموقف ثم إلتفتَ فارس إلى الشاب القادم مع صاحبه ..
قال وهو يمسح دموعه ويمد يده نحو ذلك الشاب :
-هل أنت منتظر ؟!
رمى منتظر هو الآخر بنفسهِ نحو فارس وهو يردد بصوتٍ شجي حزين :
ـ نعم يا عماه .. أنا هو !
ـ لقد كبرت
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل السادس عشر
.
قضى فارس أسبوعه الأول في بيت خالته كما أخبر صاحبيه وبعدها اتجه نحو منزل صاحبه حامد ليقضي الأسبوع الثاني هناك كما وعده.
عندما وصل فارس إلى المنزل كان حامد وابنته في كامل الاستعداد لاستقبال ضيفهم العزيز ، بعد وصول الضيف بدقائق كانت ملاذ قد أعدّت العصير والكعك ودخلت تحملهما وهي بكامل حجابها وقد أخذتها اللهفة لرؤية عمها الغالي فارس..
قام فارس واقفاً وقد بهرهُ منظر تلك الفتاة..
كانت علامات التعجب بادية عليه وهو ينظر إليها وقد كبرت وأصبحت فتاة ناضجة وكما هو الظاهر إنها فتاة مثقفة وملتزمة في نفس الوقت.
قالت وهي تقدّم له العصير:
-الحمدُ لله على سلامتك يا عم..
ـ أهلاً بكِ يا ملاذ .. ما شاء الله !! لقد تغيرتِ كثيراً أيتها الغالية !
بدا الحياء واضحاً على محيّاها وهي تهمُّ بالخروج من الغرفة .
قال أبو ملاذ :
ـ لقد مرّت سنين طوال على سفرك يا رجل .. فلماذا تريد أن
يكون كل شيء باقياً على الحال الذي تركتهُ عليه !
ضحك الرجلان وقضيا تلك الليلة بالأحاديث الدافئة والجميلة وبإعادة صور الماضي وذكريات الشباب والعزوبية .
مرّت ثلاثة أيام على تواجد فارس في منزل صاحبه وفي إحدى الصباحات وبينما كانت ملاذ تحضرّ طعام الأفطار دخل فارس المطبخ واستغل الفرصة ليسألها عن أمور كثيرة تدور في باله ويبحث لها عن إجابة ... بادرها قائلاً :
ـ هل لي أن أسأل عن أشياء مازالت غامضة بالنسبة لي يا ملاذ ؟
ـ تفضّل يا عم .. أنا بالخدمة .
ـ إنني أراك اليوم وقد التزمت بتعاليم الدين الحنيف بالرغم من إنني
تركتكِ وكنتِ مازلتِ في سن الثانية عشر أو الثالثة عشر أي كنتِ حينها ( مُكلفة ) شرعاً ورغم هذا لم تكوني قد جربتِ لبس الحجاب أو الصلاة والصيام .. صح ؟!
ـ نعم بالضبط .
ـ وأعرف إن السبب في ذلك هو والدكِ ، حتى إنني كنتُ دائماً أنصحهُ بأن يعلمك تعاليم الإسلام .. إلاّ إنهُ كان يرفض ويتعذر بأنكِ مازلتِ صغيرة !
والحقيقة إنني قبل أن أعود إلى أرض الوطن كنتُ أتخيّل بأنني سأجد عند عودتي تلك الفتاة نفسها دون أن يحاول والدها توعيتها أو إرشادها ولكني وجدتك على غير ذلك ! والأعجب من هذا إنهُ مايزال على حاله ! فمن هو الذي إلتزم بهدايتك وإرشادكِ وأنتِ لا تملكين غيره ؟!
ابتسمت ملاذ وقالت :
ـ هل أقول لك الحقيقة وتعدني أن تبقى سراً بيننا ؟
ـ وماذا تعرفين عن عمكِ فارس !
ـ كل خير ...
ـ إذاً وضّحي لي الأمر ..
بدأت ملاذ تسرد قصتها لفارس منذ تركها صبية صغيرة إلى المرحلة التي وصلت إليها وما يراهُ عليها من تغيرات كثيرة ..
بدت على فارس علامات الرضا والارتياح بعد أن عرف ما كان يصبو إلى معرفته !
قال لها مبتسماً :
ـ فإذاً منتظر كان السبب في هدايتك ..
قالت وقد بدت مرتبكة بعض الشيء :
ـ أرجوك يا عم ، إحذر أن يسمع أبي هذه الجملة منك فتثور ثائرته !
ـ لماذا ؟
ـ لا أعرف .. فعلاً لا أعرف !
قال فارس مندهشاً :
ـ عجيب ! ما بهِ هذا الرجل ؟ ألا يفرح أن تتجه ابنته نحو الطريق الصحيح وتسير في طريق الحق والهداية ؟! ثم إنني يا ملاذ أريد أن أحدثك بموضوع آخر وهذه فرصتي مادام أبوكِ ما يزال نائماً !
ـ تفضل يا عم ..
ـ ألم تحاولي أن تتكلمي مع أبيك حول موضوع الصلاة ؟
ـ لم أفهم قصدك !
-إنّ أباك ـ كما هو واضح ـ إلى الآن لم يُجرِّب أن يقف أمام الخالق عز وجل ليؤدي فريضة الصلاة ولو لمرة واحدة في حياته !
لقد تركته على هذا الحال من اللامبالاة ، والآن وبعد كل هذه السنين أعود لأجدهُ مازال مُصراً على معصية الخالق عز وجل .. فاليوم هو الرابع من وجودي معكم ولم أره يصلي أبداً !! لماذا لا تكلميه يا ابنتي وأنت فتاة واعية ومدركة جيداً لما ينتج من ترك الإنسان لصلاته ؟
ـ آه يا عم .. لقد حاولت مرة واحدة أن أُحدثهُ بخصوص حُرمة الغناء ، فلا تتصور عندها ماذا فعل بي ! لقد ضربني وشجَّ رأسي وتركني أنزف ثم خرج !
ـ هل وصل حامد إلى هذه الدرجة من الظلم ؟ يظلم نفسه ويظلم من معه !
ـ صدّقني يا عم .. لقد أردتُ أن أُحدثك بنفس الموضوع فأنت صاحبه وقد يستقبل منك أكثر من أي شخص آخر ، انصحهُ وأرشدهُ إلى طريق الحق فما عاد لي قدرة على تحمّل وضعه مع الذنوب والعصيان .
ـ أنت تعرفين يا ملاذ إن أباك يكبرني بكثير وأنا لهذا السبب أحترمه اشد الاحترام فهو بمثابة أخي الأكبر وهذا ما جعلني لا أتجرأ في الماضي على مفاتحته بهذا الأمر ، لكن اليوم يُحتّم عليَّ الواجب الشرعي أن أنقذه من مخالب الشيطان وأقدم له ما أملك من أدلة وبراهين تُثبت فضاعة ما هو عليه من الابتعاد عن الله جلّ وعلا .
ـ سأدعو لك يا عم أن توّفق في إقناعه وجعله في ركب التوابين والمُتطهرين .
وفي نفس تلك الليلة قرر فارس مفاتحة صاحبه بالموضوع لكن قبل ذلك ذهب إلى السوق واشترى قلم حبر زاهي اللون وغالي الثمن موضوع في علبة ذهبية ثم قام بتغليفها بشكل جميل وجذّاب ورجع إلى المنزل ليرى صاحبه بانتظاره ، وبعد إلقاء التحية سأله أبو ملاذ :
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل السادس عشر
.
قضى فارس أسبوعه الأول في بيت خالته كما أخبر صاحبيه وبعدها اتجه نحو منزل صاحبه حامد ليقضي الأسبوع الثاني هناك كما وعده.
عندما وصل فارس إلى المنزل كان حامد وابنته في كامل الاستعداد لاستقبال ضيفهم العزيز ، بعد وصول الضيف بدقائق كانت ملاذ قد أعدّت العصير والكعك ودخلت تحملهما وهي بكامل حجابها وقد أخذتها اللهفة لرؤية عمها الغالي فارس..
قام فارس واقفاً وقد بهرهُ منظر تلك الفتاة..
كانت علامات التعجب بادية عليه وهو ينظر إليها وقد كبرت وأصبحت فتاة ناضجة وكما هو الظاهر إنها فتاة مثقفة وملتزمة في نفس الوقت.
قالت وهي تقدّم له العصير:
-الحمدُ لله على سلامتك يا عم..
ـ أهلاً بكِ يا ملاذ .. ما شاء الله !! لقد تغيرتِ كثيراً أيتها الغالية !
بدا الحياء واضحاً على محيّاها وهي تهمُّ بالخروج من الغرفة .
قال أبو ملاذ :
ـ لقد مرّت سنين طوال على سفرك يا رجل .. فلماذا تريد أن
يكون كل شيء باقياً على الحال الذي تركتهُ عليه !
ضحك الرجلان وقضيا تلك الليلة بالأحاديث الدافئة والجميلة وبإعادة صور الماضي وذكريات الشباب والعزوبية .
مرّت ثلاثة أيام على تواجد فارس في منزل صاحبه وفي إحدى الصباحات وبينما كانت ملاذ تحضرّ طعام الأفطار دخل فارس المطبخ واستغل الفرصة ليسألها عن أمور كثيرة تدور في باله ويبحث لها عن إجابة ... بادرها قائلاً :
ـ هل لي أن أسأل عن أشياء مازالت غامضة بالنسبة لي يا ملاذ ؟
ـ تفضّل يا عم .. أنا بالخدمة .
ـ إنني أراك اليوم وقد التزمت بتعاليم الدين الحنيف بالرغم من إنني
تركتكِ وكنتِ مازلتِ في سن الثانية عشر أو الثالثة عشر أي كنتِ حينها ( مُكلفة ) شرعاً ورغم هذا لم تكوني قد جربتِ لبس الحجاب أو الصلاة والصيام .. صح ؟!
ـ نعم بالضبط .
ـ وأعرف إن السبب في ذلك هو والدكِ ، حتى إنني كنتُ دائماً أنصحهُ بأن يعلمك تعاليم الإسلام .. إلاّ إنهُ كان يرفض ويتعذر بأنكِ مازلتِ صغيرة !
والحقيقة إنني قبل أن أعود إلى أرض الوطن كنتُ أتخيّل بأنني سأجد عند عودتي تلك الفتاة نفسها دون أن يحاول والدها توعيتها أو إرشادها ولكني وجدتك على غير ذلك ! والأعجب من هذا إنهُ مايزال على حاله ! فمن هو الذي إلتزم بهدايتك وإرشادكِ وأنتِ لا تملكين غيره ؟!
ابتسمت ملاذ وقالت :
ـ هل أقول لك الحقيقة وتعدني أن تبقى سراً بيننا ؟
ـ وماذا تعرفين عن عمكِ فارس !
ـ كل خير ...
ـ إذاً وضّحي لي الأمر ..
بدأت ملاذ تسرد قصتها لفارس منذ تركها صبية صغيرة إلى المرحلة التي وصلت إليها وما يراهُ عليها من تغيرات كثيرة ..
بدت على فارس علامات الرضا والارتياح بعد أن عرف ما كان يصبو إلى معرفته !
قال لها مبتسماً :
ـ فإذاً منتظر كان السبب في هدايتك ..
قالت وقد بدت مرتبكة بعض الشيء :
ـ أرجوك يا عم ، إحذر أن يسمع أبي هذه الجملة منك فتثور ثائرته !
ـ لماذا ؟
ـ لا أعرف .. فعلاً لا أعرف !
قال فارس مندهشاً :
ـ عجيب ! ما بهِ هذا الرجل ؟ ألا يفرح أن تتجه ابنته نحو الطريق الصحيح وتسير في طريق الحق والهداية ؟! ثم إنني يا ملاذ أريد أن أحدثك بموضوع آخر وهذه فرصتي مادام أبوكِ ما يزال نائماً !
ـ تفضل يا عم ..
ـ ألم تحاولي أن تتكلمي مع أبيك حول موضوع الصلاة ؟
ـ لم أفهم قصدك !
-إنّ أباك ـ كما هو واضح ـ إلى الآن لم يُجرِّب أن يقف أمام الخالق عز وجل ليؤدي فريضة الصلاة ولو لمرة واحدة في حياته !
لقد تركته على هذا الحال من اللامبالاة ، والآن وبعد كل هذه السنين أعود لأجدهُ مازال مُصراً على معصية الخالق عز وجل .. فاليوم هو الرابع من وجودي معكم ولم أره يصلي أبداً !! لماذا لا تكلميه يا ابنتي وأنت فتاة واعية ومدركة جيداً لما ينتج من ترك الإنسان لصلاته ؟
ـ آه يا عم .. لقد حاولت مرة واحدة أن أُحدثهُ بخصوص حُرمة الغناء ، فلا تتصور عندها ماذا فعل بي ! لقد ضربني وشجَّ رأسي وتركني أنزف ثم خرج !
ـ هل وصل حامد إلى هذه الدرجة من الظلم ؟ يظلم نفسه ويظلم من معه !
ـ صدّقني يا عم .. لقد أردتُ أن أُحدثك بنفس الموضوع فأنت صاحبه وقد يستقبل منك أكثر من أي شخص آخر ، انصحهُ وأرشدهُ إلى طريق الحق فما عاد لي قدرة على تحمّل وضعه مع الذنوب والعصيان .
ـ أنت تعرفين يا ملاذ إن أباك يكبرني بكثير وأنا لهذا السبب أحترمه اشد الاحترام فهو بمثابة أخي الأكبر وهذا ما جعلني لا أتجرأ في الماضي على مفاتحته بهذا الأمر ، لكن اليوم يُحتّم عليَّ الواجب الشرعي أن أنقذه من مخالب الشيطان وأقدم له ما أملك من أدلة وبراهين تُثبت فضاعة ما هو عليه من الابتعاد عن الله جلّ وعلا .
ـ سأدعو لك يا عم أن توّفق في إقناعه وجعله في ركب التوابين والمُتطهرين .
وفي نفس تلك الليلة قرر فارس مفاتحة صاحبه بالموضوع لكن قبل ذلك ذهب إلى السوق واشترى قلم حبر زاهي اللون وغالي الثمن موضوع في علبة ذهبية ثم قام بتغليفها بشكل جميل وجذّاب ورجع إلى المنزل ليرى صاحبه بانتظاره ، وبعد إلقاء التحية سأله أبو ملاذ :
#الإيمان_والحب
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل السابع عشر
.
قضى فارس ذلك الأسبوع في منزل صاحبه أبي ملاذ ثم أتجه بعد ذلك ليقضي الأسبوع القادم في منزل أبي منتظر ...
كان متلهفاً لهذهِ الزيارة حيث إنهُ يشعر بأن كريم أقرب إلى نفسه من حامد ! لما يملكه الأخير من أفكار تختلف تماماً عن أفكاره وميوله ، أما فارس وكريم فلقد كانا يتشابهان في أمورٍ كثيرة .
استقبلت العائلة ضيفها بترحاب كبير ، كان يشعر وهو معهم كأنهُ مع عائلته الحقيقية .. فكم من مرة شعر بالحنين إلى عائلةٍ كبيرة تضمه وتُشعره بالحب والحنان.. هو الوحيد لأبويه الذين فارقا الحياة وهو في بداية شبابه مما حدا به للسفر وإكمال الدراسة خارج البلاد بعد الوحدة التي كان يشعر بها في داخل بلده ، وهناك في بلاد الغربة تزوج لكن شاءت إرادة الله أن تكون زوجته عاقراً لا يمكنها الإنجاب !
ولأنه كان مؤمناً بإرادة الخالق ومخلصاً ومعتزّاً بزوجته جداً فأنهُ لم
يشأ استبدالها أو الزواج بغيرها رغم شعورهِ الدائم بالحنين إلى الأطفال..
كان أولاد كريم سعداء جداً بوجود فارس معهم وخاصةً منتظر حيث إنه قد تعلق بهِ منذ صغره .
وفي إحدى الأمسيات وبينما كان الأثنان يجلسان لوحدهما في غرفة الجلوس تحدث فارس مع منتظر قائلاً :
ـ هل لي أن اسألك .. مع أنهُ قد يكون سؤالاً محرجاً ؟!
ـ تفضل يا عم !
ـ لماذا لم تتزوج بعد ؟!
ارتبك منتظر بعض الشيء ثم تساءل مع نفسه : هل يمكن أن يكون قد أخبرهُ أحدهم عن أمر خطبتي لملاذ ؟ لا أظن ذلك !
حاول أن يجعل الأمر طبيعاً جداً فأجاب :
ـ مازال الوقت مبكراً على التفكير بهذا الأمر يا عمي ...
ـ أنت تعرف يا منتظر بأنني متخصص في أمور الشباب ومشاكلهم وإيجاد الحلول لهم من المنظار الإسلامي ولقد رأيت من خلال دراساتي بأن تأخر الزواج إلى هذا العمر أمر سيء للغاية !
تذكر منتظر في هذه الأثناء ذلك الكتاب الذي أهدته لهُ والدته والذي علمّه الكثير .. فهو الآن يدرك جيداً ما معنى كلام فارس بل ويعرف بأنه صحيح مئة بالمئة لكنه كان يحاول التهرب من تذكر الماضي بأي طريقة ، فقال لفارس بعد صمت قصير :
ـ لكني لستُ كبير إلى هذه الدرجة يا عم !
ـ ماذا ؟ أولست في الخامسة والعشرين الآن ... ها ؟ العتب على أبويك ..كان يجب أن يبحثا لك عن بنت الحلال قبل هذا العمر ..
ـ لكن يا عمي .. من يسمعك لا يصدّق إنك قد أكملت دراستك في دول الغرب !
ـ لكني درست هناك العلوم الإسلامية يا منتظر ولم أدرس العلوم الغربية !
صمت منتظر ولم يرد فلقد كان يتمنى ان يسرد لفارس ما حدث لهُ عندما قرر الزواج من ملاذ .. لكنه قرر عدم الخوض في ذلك الحديث أبداً لأنه يسبب له الألم الشديد .. وأخيراً قال :
ـ تريد الصراحة يا عم ؟! لقد ذهبت أمي لرؤية فتيات كثيرات وتقدّمت فعلياً لخطبتهن ... لكن لم يحصل النصيب آنذاك ، كان الأهل يرفضون أحياناً وأحياناً أخرى هُنّ يرفضن لأسباب شخصية ، المهم إنني شعرت حينها إن الله لم يأذن بزواجي بعد !
ـ وأنت .. لم تعجبك أي فتاة طوال هذه السنين !
ـ في الجامعة لم تكن هناك أي فتاة تعجبني ، بل أنني لم أكن أفكر بالزواج أصلاً .. كان لا يهمني إلاّ دراستي وحصولي على الشهادة ثم العمل ، وبعد حصولي على هذه الفرص صارت أمي تصرّ عليّ كثيراً في موضوع الزواج وذهبت بنفسها للخطبة كما أخبرتك لكن بدون جدوى !
كان منتظر صادقاً في كلامه فلقد ذهبت والدته إلى خطبة أكثر من فتاة لكن هذا كلّه حصل بعد خطبته لملاذ التي لم يأتِ على ذكر اسمها مطلقاً طوال حديثه مع فارس !
كان الأخير يتمنى أن يعرف مشاعر منتظر تجاه ملاذ بعد ما عرفهُ منها عن الجهد الذي بذلهُ منتظر لأجل هدايتها إلى طريق الله ..لكنها لم تخبره حينها عن محاولات الحاج كريم المتكررة في خطبتها لإبنه منتظر.. قال فارس لمنتظر في محاولة لمعرفة ما يريد الوصول إليه :
ـ هل تدري يا منتظر ، لقد دُهشت عندما رأيت ملاذ أول مرة بعد رجوعي من سفري !
ارتبك منتظر أشدّ الارتباك عندما سمع هذا الاسم لكنهُ حاول جاهداً أن لا يُبدي حقيقة مشاعره فقال :
ـ ولماذا دُهشت يا عم ؟
ـ لقد كبرت هذه الفتاة وصارت جميلة جداً .. لكن ليس هذا ما أدهشني بل هو شيء آخر ، فلم أكن أتصور بأنني سأرجع لأجد ( ابنة حامد ) صاحبي الذي لا يعرف من الدين شيئاً قد التزمت بتعاليم الدين بهذا الشكل ! إن حجابها رائع فهو يضيف لجمالها جمالاً آخر ..
لم يتحمل منتظر أن يسمع هذا الوصف من فارس تجاه ملاذ ، فقال وقد استشاط غضباً :
ـ كفاك وصفاً للفتاة يا عم .. ولا تقل بأنك معجب بها !
ابتسم فارس ثم قال :
ـ أولاً إنها المولودة التي اخترتُ أنا اسمها حين ولادتها كما اخترتُ لك اسمك .. فهي ليست إلاّ الطفلة التي أحببتها وهي صغيرة واحترمتها أشد الإحترام وهي كبيرة ، ثم مالك غضبت هكذا عند تحدّثي عنها ؟ ها !!
شعر فارس بأنهُ سيصل إلى الحقيقة التي يسعى إليها لولا إن منتظر صار أذكى منه هذه المرة فقام وقد أغلق الموضوع بالقول :
ـ لقد تأخر الوقت كثيراً وصرتُ أشعر بالنعاس !
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل السابع عشر
.
قضى فارس ذلك الأسبوع في منزل صاحبه أبي ملاذ ثم أتجه بعد ذلك ليقضي الأسبوع القادم في منزل أبي منتظر ...
كان متلهفاً لهذهِ الزيارة حيث إنهُ يشعر بأن كريم أقرب إلى نفسه من حامد ! لما يملكه الأخير من أفكار تختلف تماماً عن أفكاره وميوله ، أما فارس وكريم فلقد كانا يتشابهان في أمورٍ كثيرة .
استقبلت العائلة ضيفها بترحاب كبير ، كان يشعر وهو معهم كأنهُ مع عائلته الحقيقية .. فكم من مرة شعر بالحنين إلى عائلةٍ كبيرة تضمه وتُشعره بالحب والحنان.. هو الوحيد لأبويه الذين فارقا الحياة وهو في بداية شبابه مما حدا به للسفر وإكمال الدراسة خارج البلاد بعد الوحدة التي كان يشعر بها في داخل بلده ، وهناك في بلاد الغربة تزوج لكن شاءت إرادة الله أن تكون زوجته عاقراً لا يمكنها الإنجاب !
ولأنه كان مؤمناً بإرادة الخالق ومخلصاً ومعتزّاً بزوجته جداً فأنهُ لم
يشأ استبدالها أو الزواج بغيرها رغم شعورهِ الدائم بالحنين إلى الأطفال..
كان أولاد كريم سعداء جداً بوجود فارس معهم وخاصةً منتظر حيث إنه قد تعلق بهِ منذ صغره .
وفي إحدى الأمسيات وبينما كان الأثنان يجلسان لوحدهما في غرفة الجلوس تحدث فارس مع منتظر قائلاً :
ـ هل لي أن اسألك .. مع أنهُ قد يكون سؤالاً محرجاً ؟!
ـ تفضل يا عم !
ـ لماذا لم تتزوج بعد ؟!
ارتبك منتظر بعض الشيء ثم تساءل مع نفسه : هل يمكن أن يكون قد أخبرهُ أحدهم عن أمر خطبتي لملاذ ؟ لا أظن ذلك !
حاول أن يجعل الأمر طبيعاً جداً فأجاب :
ـ مازال الوقت مبكراً على التفكير بهذا الأمر يا عمي ...
ـ أنت تعرف يا منتظر بأنني متخصص في أمور الشباب ومشاكلهم وإيجاد الحلول لهم من المنظار الإسلامي ولقد رأيت من خلال دراساتي بأن تأخر الزواج إلى هذا العمر أمر سيء للغاية !
تذكر منتظر في هذه الأثناء ذلك الكتاب الذي أهدته لهُ والدته والذي علمّه الكثير .. فهو الآن يدرك جيداً ما معنى كلام فارس بل ويعرف بأنه صحيح مئة بالمئة لكنه كان يحاول التهرب من تذكر الماضي بأي طريقة ، فقال لفارس بعد صمت قصير :
ـ لكني لستُ كبير إلى هذه الدرجة يا عم !
ـ ماذا ؟ أولست في الخامسة والعشرين الآن ... ها ؟ العتب على أبويك ..كان يجب أن يبحثا لك عن بنت الحلال قبل هذا العمر ..
ـ لكن يا عمي .. من يسمعك لا يصدّق إنك قد أكملت دراستك في دول الغرب !
ـ لكني درست هناك العلوم الإسلامية يا منتظر ولم أدرس العلوم الغربية !
صمت منتظر ولم يرد فلقد كان يتمنى ان يسرد لفارس ما حدث لهُ عندما قرر الزواج من ملاذ .. لكنه قرر عدم الخوض في ذلك الحديث أبداً لأنه يسبب له الألم الشديد .. وأخيراً قال :
ـ تريد الصراحة يا عم ؟! لقد ذهبت أمي لرؤية فتيات كثيرات وتقدّمت فعلياً لخطبتهن ... لكن لم يحصل النصيب آنذاك ، كان الأهل يرفضون أحياناً وأحياناً أخرى هُنّ يرفضن لأسباب شخصية ، المهم إنني شعرت حينها إن الله لم يأذن بزواجي بعد !
ـ وأنت .. لم تعجبك أي فتاة طوال هذه السنين !
ـ في الجامعة لم تكن هناك أي فتاة تعجبني ، بل أنني لم أكن أفكر بالزواج أصلاً .. كان لا يهمني إلاّ دراستي وحصولي على الشهادة ثم العمل ، وبعد حصولي على هذه الفرص صارت أمي تصرّ عليّ كثيراً في موضوع الزواج وذهبت بنفسها للخطبة كما أخبرتك لكن بدون جدوى !
كان منتظر صادقاً في كلامه فلقد ذهبت والدته إلى خطبة أكثر من فتاة لكن هذا كلّه حصل بعد خطبته لملاذ التي لم يأتِ على ذكر اسمها مطلقاً طوال حديثه مع فارس !
كان الأخير يتمنى أن يعرف مشاعر منتظر تجاه ملاذ بعد ما عرفهُ منها عن الجهد الذي بذلهُ منتظر لأجل هدايتها إلى طريق الله ..لكنها لم تخبره حينها عن محاولات الحاج كريم المتكررة في خطبتها لإبنه منتظر.. قال فارس لمنتظر في محاولة لمعرفة ما يريد الوصول إليه :
ـ هل تدري يا منتظر ، لقد دُهشت عندما رأيت ملاذ أول مرة بعد رجوعي من سفري !
ارتبك منتظر أشدّ الارتباك عندما سمع هذا الاسم لكنهُ حاول جاهداً أن لا يُبدي حقيقة مشاعره فقال :
ـ ولماذا دُهشت يا عم ؟
ـ لقد كبرت هذه الفتاة وصارت جميلة جداً .. لكن ليس هذا ما أدهشني بل هو شيء آخر ، فلم أكن أتصور بأنني سأرجع لأجد ( ابنة حامد ) صاحبي الذي لا يعرف من الدين شيئاً قد التزمت بتعاليم الدين بهذا الشكل ! إن حجابها رائع فهو يضيف لجمالها جمالاً آخر ..
لم يتحمل منتظر أن يسمع هذا الوصف من فارس تجاه ملاذ ، فقال وقد استشاط غضباً :
ـ كفاك وصفاً للفتاة يا عم .. ولا تقل بأنك معجب بها !
ابتسم فارس ثم قال :
ـ أولاً إنها المولودة التي اخترتُ أنا اسمها حين ولادتها كما اخترتُ لك اسمك .. فهي ليست إلاّ الطفلة التي أحببتها وهي صغيرة واحترمتها أشد الإحترام وهي كبيرة ، ثم مالك غضبت هكذا عند تحدّثي عنها ؟ ها !!
شعر فارس بأنهُ سيصل إلى الحقيقة التي يسعى إليها لولا إن منتظر صار أذكى منه هذه المرة فقام وقد أغلق الموضوع بالقول :
ـ لقد تأخر الوقت كثيراً وصرتُ أشعر بالنعاس !
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل الثامن عشر
.
في الصباح كان فارس قد قرر إخبار العائلة بأمر هام ! ففي أثناء اجتماعهم على مائدة الإفطار قال فارس موجهاً كلامه لصاحبه :
ـ ما رأيك يا أبا منتظر أن نقوم بنزهة عائلية إلى شمال البلاد ؟
قال صاحبه وقد أعجبته الفكرة :
ـ اقتراح ممتاز فنحنُ بحاجة فعلاً إلى تغيير الجو .. ما رأيك يا أم منتظر ؟
أبدت الزوجة ارتياحاً لاقتراح الضيف وكذلك الأولاد ..
أكمل فارس :
ـ سأقوم بإخبار حامد حتى يُهيئ نفسه هو وملاذ للذهاب معنا ..
تغيرت الملامح عند تكملة فارس لاقتراحهُ هذا ، قال منتظر وهو أكثر من تغيرت ملامحه !
ـ أظن بأنني لا أستطيع الذهاب .. أعذروني !
صاح فارس :
ـ ماذا ؟! .. أنت بالذات يجب أن تذهب !
قال منتظر وقد استغرب كلام فارس :
ـ ولماذا أنا بالذات ؟!
تلكّأ فارس في البداية ـ فخطتهُ على وشك الفشل ـ ثم قال :
ـ لأنك تبدو كئيباً جداً يا منتظر ، فعملك في ذلك المصنع مُتعِب للغاية وإنك بحاجة إلى إجازة لمدة أسبوع على الأقل .
كان والداه يعرفان سبب اعتذاره عن الذهاب ، فهو لا يريد رؤية ملاذ ولا والدها .
قالت والدته :
ـ دعوا أمر منتظر لي .. أنا سأقنعه !
وفعلاً فما أن دخل منتظر غرفته حتى لحقته وفتحت الموضوع معه :
ـ أنا أعرف يا منتظر لماذا لا تريد الذهاب !
ـ أمي أرجوكِ .. لنغلق الموضوع .
ـ لماذا ؟ لماذا لا تكون هذه فرصة أرسلها الله لإعادة العلاقة بيننا .
ـ لكني لا أريد إعادة تلك العلاقة يا أماه .. أرجوكِ إفهميني !
ـ أنا أعرف إنك خائف من مواجهتك لملاذ بعد كل هذه الفترة .. لكن يا بُني لقد صبرتَ كثيراً وأظن أن الوقت حان لتنال ثمار صبرك .
ـ وأي ثمار هذه يا أماه..؟!
ـ قد يكون والدها أبدل رأيه خلال هذه الفترة أو قد يبدله إذا رآك فيما
أنت عليه الآن من منصب وظيفي ممتاز ومكانة اجتماعية جيدة .. أرجوك يا منتظر دَعْ الأمور تجري كما يريد الله وليس كما تريد أنت !
خرجت الأم من الغرفة وقد أقنعت ولدها بالذهاب وكان الجميع ينتظر النتيجة ، قالت وقد وجهت كلامها لفارس :
ـ سيذهب منتظر وستكون سفرة جميلة إن شاء الله .
طار فارس من الفرح واتجه نحو الهاتف وأدار رقم منزل حامد :
ـ ألو .. السلام عليكم ...
ـ وعليكم السلام ورحمة الله .. مَن فارس ؟
ـ نعم .. نعم يا صاحبي ، اسمع أنت مدعو مع ابنتك للذهاب في سفرة إلى شمال البلاد .
ـ لكن مع من ؟
ـ أنا وكريم وعائلته وأنتما طبعاً .
ـ لكن يا فارس ... قاطعهُ فارس بالقول :
ـ لا تتعذر يا رجل ، لن تستطيع رفض دعوتي ولن تجعلني أرحل من الوطن وأنا زعلان منك !
ـ حسناً .. حسناً ، متى سننطلق ؟
ـ بعد غد إن شاء الله في الساعة الثامنة صباحاً .
* * *
في تلك الساعة من ذلك اليوم كان الجميع قد تهيأ للسفر ، قاد منتظر سيارته العائلية إلى منزل أبي ملاذ بعد أن إتصل بهم الأخير وأخبرهم بأنه وأبنته جاهزين .
وفي تمام الساعة الثامنة كانت سيارة منتظر تقف أمام منزل حامد ، خرج الإثنان بعد أن نزل فارس لاستدعائهما ، صعد الأب إلى السيارة وصعدت ملاذ خلفه ، ألقيا التحية وانطلق الجميع في سفرتهم تلك .
طوال ساعات الطريق كان منتظر صامتاً ولم ينبس بكلمة والحديث كان كلّه للأصدقاء الثلاثة ...
فلقد كانوا في غاية السعادة بعد أن جمع الله شملهم من جديد .
حاول أبو ملاذ أن يتناسى ما فعلهُ بكريم وولده قال موجهاً كلامهُ لمنتظر :
ـ مالك لا تتحدث يا منتظر ، شاركنا في الحديث يا رجل !
ـ اعذرني يا عم ، لا أستطيع التكلم وأنا أسوق السيارة ! فهذا يُربكني جداً ..
ـ لماذا .. هل أنت حديث العهد بالسياقة ؟
ـ نعم بالضبط .
ـ متى اشتريت هذه السيارة ؟
ـ قبل شهرين تقريباً .
بعد ساعات طويلة وشاقة وصل الجميع إلى المدينة المقصودة ، كان الوقت قريباً من الغروب ، وسر الجميع كثيراً برؤية الجبال وشلالات المياه وفي اثناء ذلك ذهب منتظر وفارس للبحث
عن منزل كبير يضمهم جميعاً وبعد بحث ليس بالطويل وجدا ضالتهما ، وصاروا يُنزلون الأغراض إلى داخل ذلك المنزل الجميل الذي يطل على بحيرة كبيرة ..
وبعد أن أخذوا قسطاً قليلاً من الراحة توضأ الجميع ليتجهوا نحو الصلاة فوقت المغرب قد حان ، قال فارس بصوتٍ عالٍ :
ـ ما رأيكم يا شباب أن أُصلّي بكم صلاة جماعة ؟
فرحوا بهذا الاقتراح ما عدا حامد الذي احمرّت عيناه غضباً من فارس ، قال في نفسه : هل يريد إجباري على الصلاة !
وفي حقيقة الأمر لم يرد فارس أن يسبب لصاحبه هذا الإحراج بل إنهُ قد نسى تماماً أن أبا ملاذ لم يصلِّ مرةً في حياته !
بعد دقائق من هذا الاقتراح أدرك فارس ما سبّب لصاحبه من إحراج عندما رآه قد أخرج سيكارة من جيبهِ وأشعلها ثم خرج في الحديقة ليتمشى !
وقف الجميع كباراً وصغاراً خلف فارس في جو إيماني رائع أنساهم تعب السفر وبُعد الطريق .
كانت ملاذ تتمنى أن يقف أبوها معهم بين يدي الخالق ليؤدي تلك الفريضة ، أخذت حسرة طويلة ثم اتخذت
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل الثامن عشر
.
في الصباح كان فارس قد قرر إخبار العائلة بأمر هام ! ففي أثناء اجتماعهم على مائدة الإفطار قال فارس موجهاً كلامه لصاحبه :
ـ ما رأيك يا أبا منتظر أن نقوم بنزهة عائلية إلى شمال البلاد ؟
قال صاحبه وقد أعجبته الفكرة :
ـ اقتراح ممتاز فنحنُ بحاجة فعلاً إلى تغيير الجو .. ما رأيك يا أم منتظر ؟
أبدت الزوجة ارتياحاً لاقتراح الضيف وكذلك الأولاد ..
أكمل فارس :
ـ سأقوم بإخبار حامد حتى يُهيئ نفسه هو وملاذ للذهاب معنا ..
تغيرت الملامح عند تكملة فارس لاقتراحهُ هذا ، قال منتظر وهو أكثر من تغيرت ملامحه !
ـ أظن بأنني لا أستطيع الذهاب .. أعذروني !
صاح فارس :
ـ ماذا ؟! .. أنت بالذات يجب أن تذهب !
قال منتظر وقد استغرب كلام فارس :
ـ ولماذا أنا بالذات ؟!
تلكّأ فارس في البداية ـ فخطتهُ على وشك الفشل ـ ثم قال :
ـ لأنك تبدو كئيباً جداً يا منتظر ، فعملك في ذلك المصنع مُتعِب للغاية وإنك بحاجة إلى إجازة لمدة أسبوع على الأقل .
كان والداه يعرفان سبب اعتذاره عن الذهاب ، فهو لا يريد رؤية ملاذ ولا والدها .
قالت والدته :
ـ دعوا أمر منتظر لي .. أنا سأقنعه !
وفعلاً فما أن دخل منتظر غرفته حتى لحقته وفتحت الموضوع معه :
ـ أنا أعرف يا منتظر لماذا لا تريد الذهاب !
ـ أمي أرجوكِ .. لنغلق الموضوع .
ـ لماذا ؟ لماذا لا تكون هذه فرصة أرسلها الله لإعادة العلاقة بيننا .
ـ لكني لا أريد إعادة تلك العلاقة يا أماه .. أرجوكِ إفهميني !
ـ أنا أعرف إنك خائف من مواجهتك لملاذ بعد كل هذه الفترة .. لكن يا بُني لقد صبرتَ كثيراً وأظن أن الوقت حان لتنال ثمار صبرك .
ـ وأي ثمار هذه يا أماه..؟!
ـ قد يكون والدها أبدل رأيه خلال هذه الفترة أو قد يبدله إذا رآك فيما
أنت عليه الآن من منصب وظيفي ممتاز ومكانة اجتماعية جيدة .. أرجوك يا منتظر دَعْ الأمور تجري كما يريد الله وليس كما تريد أنت !
خرجت الأم من الغرفة وقد أقنعت ولدها بالذهاب وكان الجميع ينتظر النتيجة ، قالت وقد وجهت كلامها لفارس :
ـ سيذهب منتظر وستكون سفرة جميلة إن شاء الله .
طار فارس من الفرح واتجه نحو الهاتف وأدار رقم منزل حامد :
ـ ألو .. السلام عليكم ...
ـ وعليكم السلام ورحمة الله .. مَن فارس ؟
ـ نعم .. نعم يا صاحبي ، اسمع أنت مدعو مع ابنتك للذهاب في سفرة إلى شمال البلاد .
ـ لكن مع من ؟
ـ أنا وكريم وعائلته وأنتما طبعاً .
ـ لكن يا فارس ... قاطعهُ فارس بالقول :
ـ لا تتعذر يا رجل ، لن تستطيع رفض دعوتي ولن تجعلني أرحل من الوطن وأنا زعلان منك !
ـ حسناً .. حسناً ، متى سننطلق ؟
ـ بعد غد إن شاء الله في الساعة الثامنة صباحاً .
* * *
في تلك الساعة من ذلك اليوم كان الجميع قد تهيأ للسفر ، قاد منتظر سيارته العائلية إلى منزل أبي ملاذ بعد أن إتصل بهم الأخير وأخبرهم بأنه وأبنته جاهزين .
وفي تمام الساعة الثامنة كانت سيارة منتظر تقف أمام منزل حامد ، خرج الإثنان بعد أن نزل فارس لاستدعائهما ، صعد الأب إلى السيارة وصعدت ملاذ خلفه ، ألقيا التحية وانطلق الجميع في سفرتهم تلك .
طوال ساعات الطريق كان منتظر صامتاً ولم ينبس بكلمة والحديث كان كلّه للأصدقاء الثلاثة ...
فلقد كانوا في غاية السعادة بعد أن جمع الله شملهم من جديد .
حاول أبو ملاذ أن يتناسى ما فعلهُ بكريم وولده قال موجهاً كلامهُ لمنتظر :
ـ مالك لا تتحدث يا منتظر ، شاركنا في الحديث يا رجل !
ـ اعذرني يا عم ، لا أستطيع التكلم وأنا أسوق السيارة ! فهذا يُربكني جداً ..
ـ لماذا .. هل أنت حديث العهد بالسياقة ؟
ـ نعم بالضبط .
ـ متى اشتريت هذه السيارة ؟
ـ قبل شهرين تقريباً .
بعد ساعات طويلة وشاقة وصل الجميع إلى المدينة المقصودة ، كان الوقت قريباً من الغروب ، وسر الجميع كثيراً برؤية الجبال وشلالات المياه وفي اثناء ذلك ذهب منتظر وفارس للبحث
عن منزل كبير يضمهم جميعاً وبعد بحث ليس بالطويل وجدا ضالتهما ، وصاروا يُنزلون الأغراض إلى داخل ذلك المنزل الجميل الذي يطل على بحيرة كبيرة ..
وبعد أن أخذوا قسطاً قليلاً من الراحة توضأ الجميع ليتجهوا نحو الصلاة فوقت المغرب قد حان ، قال فارس بصوتٍ عالٍ :
ـ ما رأيكم يا شباب أن أُصلّي بكم صلاة جماعة ؟
فرحوا بهذا الاقتراح ما عدا حامد الذي احمرّت عيناه غضباً من فارس ، قال في نفسه : هل يريد إجباري على الصلاة !
وفي حقيقة الأمر لم يرد فارس أن يسبب لصاحبه هذا الإحراج بل إنهُ قد نسى تماماً أن أبا ملاذ لم يصلِّ مرةً في حياته !
بعد دقائق من هذا الاقتراح أدرك فارس ما سبّب لصاحبه من إحراج عندما رآه قد أخرج سيكارة من جيبهِ وأشعلها ثم خرج في الحديقة ليتمشى !
وقف الجميع كباراً وصغاراً خلف فارس في جو إيماني رائع أنساهم تعب السفر وبُعد الطريق .
كانت ملاذ تتمنى أن يقف أبوها معهم بين يدي الخالق ليؤدي تلك الفريضة ، أخذت حسرة طويلة ثم اتخذت
#الإيمان_والحب
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل التاسع عشر
.
بعد تلك السفرة السياحية التي استمرت عشرة أيام كاملة كان أجملها وأحلاها اليوم الأخير ..
تهيّأ الجميع للعودة إلى مدينتهم ، وقد ساد طريق العودة جو من المرح والسعادة ، كان أخوة منتظر الصغار يرددون بعض الموشحات الدينية والأناشيد التي تتغنى بحب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) وكان منتظر ووالدته وكذلك ملاذ يرددون تلك الأناشيد مع الصغار واكتفى الثلاثة ( فارس وكريم وحامد ) بالتصفيق والمزاح ...
قال أبو ملاذ لمنتظر بعد انتهائهم من ترديد إحدى الموشحات :
ـ ألم تقل إنك لا تستطيع الكلام أثناء السياقة ؟
قال منتظر بصوت مازح : ..
- لقد صرتُ حائراً معك يا عم أصمت فتقول لي : لماذا
تبدو حزيناً ! فأُشارك أخوتي في الإنشاد تعترض عليّ وتستهجن فعلي .. قل لي بربك ما الذي يُرضيك حتى أفعله !
انطلقت الضحكات عالية .. وهكذا فلقد كان طريق العودة يختلف تماماً عن طريق الذهاب لما قد أصاب النفوس من ارتياح شديد بدا واضحاً على الجميع .
رجع كلٌ إلى منزله وعاد فارس إلى منزل أبي منتظر وكانت ملاذ قد اعترضت عليه بالقول :
ـ سيكون مكوثك لديهم أكثر من مكوثك لدينا .. فأين قسمتك العادلة ؟!
قال مبتسماً وهو يودعهما :
-تطلبونني يوماً يا ملاذ .. سأمكثه لديكم قبل سفري بأذن الله .
وفي اليوم التالي لم يتمكن منتظر من الذهاب إلى عمله لشدّة الإرهاق الذي أصابه من طول الطريق وتعب السياقة ، فما أن صلّى فريضة الفجر وأدّى تعقيباتها حتى عاد للنوم ثانية .
وبينما كان ما يزال مستلقياً على فراشه حتى شعر بشيء قد وقع على رأسه قام لينظر فوجد فارس واقفاً بجانب السرير وبيده وسادة ثانية يحاول ضربهُ بها ! قال رافعاً صوته :
ـ ألم يحن الوقت للاستيقاظ يا فتى ؟ ها ...!
ـ آه يا عم .. لو تشعر بالتعب الذي أشعر به !
ـ هيا استيقظ لتتناول فطورك ، فعندي كلام كثير معك .
عرف منتظر ما يريد فارس التحدث به !
وبعد تناوله للفطور ، دخل غرفته فوجد إن فارساً ما يزال فيها .. كان يُقلّب صفحات الكتب الموجودة في مكتبة منتظر فلما انتبه إلى مجيء الأخيرقال لهُ :
ـ أغلق الباب خلفك !
إنصاع منتظر لأمر فارس فأغلق باب الغرفة ثم جلس على السرير ، التفت إليه فارس قائلاً :
ـ هل لي أن أعرف ما الذي حصل لك في اليوم الأخير من السفرة ؟
ـ هل هذا كل ما تريد معرفته يا عم !
ـ تكلّم يا فتى .. هيا !
ـ الحقيقة يا عمي .. إنني تلك الليلة سهرتُ في التفكير بما سببتهُ لملاذ من ألم وحزن أثناء حديثي معها عند البحر حيث رأيتني هناك .. ثم فكرت بأنها جاءت إلى هنا لتروّح عن نفسها ولتخرج من وحدتها القاتلة في ذلك المنزل الذي يخلو إلا منها ومن أبيها .. فكرتُ كثيراً فيما كان يتصرفهُ والدها معها وكيف إنها مُحتاجة الآن ولو لشيء بسيط من السرور ، وكذلك فكرتُ في إنني طوال أيام السفرة كنتُ متوتراً وكئيباً .. حتى إن والديَّ وأخوتي لم يشعروا بلذّة السفرة بسببي .. ولذلك ولأجلكم جميعاً قررت أن أجعل اليوم الأخير هو أحلى أيام السفرة ، وأتمنى أن أكون قد نجحت في ذلك
!
ـ تريد الصراحة يا منتظر ، كان فعلاً أحلى أيام السفرة ، فلقد كان مزاجك رائقاً جداً ولقد شعرتُ بأن ملاذ لم تفرح إلاّ في ذلك اليوم !
ـ هل فعلاً هذا ما أحسستهُ يا عم ؟ أعني هل كانت تبدو سعيدة !
ـ ألم تقرأ هذا الشعور في عينيها يا فتى !
ـ ماذا ... عينيها ! وهل لي الجرأة أن أنظر إلى الجهة التي تجلس فيها هي حتى أتجرأ بعد ذلك وأنظر إلى عينيها !
ـ صحيح يا منتظر ... لماذا كل هذا التحَسس من تلك الفتاة ؟ أرى إنك في بعض الأحيان تحاول تجاهلها ولا أصدّق بأنك ترغب بالزواج منها كما قلت لي!
ـ أما بالنسبة لرغبتي في الزواج منها ... فهذه هي رغبتي منذ سنتين مضت ومازالت تلك الرغبة يا عم ولم تتغير أبداً .. أما مسألة التحسس منها أو من الحديث معها أو حتى النظر إليها فهذهِ مسألة معقدة لا أظنك قادراً على فهمي إن فسرتها لك !
ـ ماذا .. ماذا ؟ غير قادر على فهمك ! ما بك يا فتى ؟ أنا فارس .. أتفهم ما معنى فارس ... فارس الذي لا تخفى عليه حركات الشباب أبداً .. هل فهمت!
ضحك منتظر من طريقة كلام فارس ثم قال :
ـ لم أقصد أن أنتقص منك يا عمي صدّقني .. لكن المسألة تحتاج إلى شرح طويل !
ـ قد أستطيع مساعدتك يا فتى .. هيا تكلم ، كُليّ آذانٌ صاغية !
بدأ منتظر يسرد لفارس قصته تلك وقد بدأها منذ اللحظة التي أخبرهُ أباه بمرض ملاذ وكان لم يتعرف عليها بعد .. ثم صار يتحدث لهُ عن مشاعرهِ عندما رآها أول مرة وكيف إنها لم تعجبهُ أبداً ..!!
حدّثه بعد ذلك عن الحوارات التي دارت بينه وبينها حول الدين والإيمان والحب الصادق العفيف وكيف يجب أن تكون علاقتنا بالله..
إلى أن وصل إلى ما بعد العملية حينما زارها مع عائلته في منزلها وكيف إن مشاعره مُنذ تلك اللحظة قد تغيرت تجاهها تغيراً جذرياً !
قال حينها :
ـ آه يا عم ... منذ أن دخلت علينا الغرفة في ذلك ا
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل التاسع عشر
.
بعد تلك السفرة السياحية التي استمرت عشرة أيام كاملة كان أجملها وأحلاها اليوم الأخير ..
تهيّأ الجميع للعودة إلى مدينتهم ، وقد ساد طريق العودة جو من المرح والسعادة ، كان أخوة منتظر الصغار يرددون بعض الموشحات الدينية والأناشيد التي تتغنى بحب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) وكان منتظر ووالدته وكذلك ملاذ يرددون تلك الأناشيد مع الصغار واكتفى الثلاثة ( فارس وكريم وحامد ) بالتصفيق والمزاح ...
قال أبو ملاذ لمنتظر بعد انتهائهم من ترديد إحدى الموشحات :
ـ ألم تقل إنك لا تستطيع الكلام أثناء السياقة ؟
قال منتظر بصوت مازح : ..
- لقد صرتُ حائراً معك يا عم أصمت فتقول لي : لماذا
تبدو حزيناً ! فأُشارك أخوتي في الإنشاد تعترض عليّ وتستهجن فعلي .. قل لي بربك ما الذي يُرضيك حتى أفعله !
انطلقت الضحكات عالية .. وهكذا فلقد كان طريق العودة يختلف تماماً عن طريق الذهاب لما قد أصاب النفوس من ارتياح شديد بدا واضحاً على الجميع .
رجع كلٌ إلى منزله وعاد فارس إلى منزل أبي منتظر وكانت ملاذ قد اعترضت عليه بالقول :
ـ سيكون مكوثك لديهم أكثر من مكوثك لدينا .. فأين قسمتك العادلة ؟!
قال مبتسماً وهو يودعهما :
-تطلبونني يوماً يا ملاذ .. سأمكثه لديكم قبل سفري بأذن الله .
وفي اليوم التالي لم يتمكن منتظر من الذهاب إلى عمله لشدّة الإرهاق الذي أصابه من طول الطريق وتعب السياقة ، فما أن صلّى فريضة الفجر وأدّى تعقيباتها حتى عاد للنوم ثانية .
وبينما كان ما يزال مستلقياً على فراشه حتى شعر بشيء قد وقع على رأسه قام لينظر فوجد فارس واقفاً بجانب السرير وبيده وسادة ثانية يحاول ضربهُ بها ! قال رافعاً صوته :
ـ ألم يحن الوقت للاستيقاظ يا فتى ؟ ها ...!
ـ آه يا عم .. لو تشعر بالتعب الذي أشعر به !
ـ هيا استيقظ لتتناول فطورك ، فعندي كلام كثير معك .
عرف منتظر ما يريد فارس التحدث به !
وبعد تناوله للفطور ، دخل غرفته فوجد إن فارساً ما يزال فيها .. كان يُقلّب صفحات الكتب الموجودة في مكتبة منتظر فلما انتبه إلى مجيء الأخيرقال لهُ :
ـ أغلق الباب خلفك !
إنصاع منتظر لأمر فارس فأغلق باب الغرفة ثم جلس على السرير ، التفت إليه فارس قائلاً :
ـ هل لي أن أعرف ما الذي حصل لك في اليوم الأخير من السفرة ؟
ـ هل هذا كل ما تريد معرفته يا عم !
ـ تكلّم يا فتى .. هيا !
ـ الحقيقة يا عمي .. إنني تلك الليلة سهرتُ في التفكير بما سببتهُ لملاذ من ألم وحزن أثناء حديثي معها عند البحر حيث رأيتني هناك .. ثم فكرت بأنها جاءت إلى هنا لتروّح عن نفسها ولتخرج من وحدتها القاتلة في ذلك المنزل الذي يخلو إلا منها ومن أبيها .. فكرتُ كثيراً فيما كان يتصرفهُ والدها معها وكيف إنها مُحتاجة الآن ولو لشيء بسيط من السرور ، وكذلك فكرتُ في إنني طوال أيام السفرة كنتُ متوتراً وكئيباً .. حتى إن والديَّ وأخوتي لم يشعروا بلذّة السفرة بسببي .. ولذلك ولأجلكم جميعاً قررت أن أجعل اليوم الأخير هو أحلى أيام السفرة ، وأتمنى أن أكون قد نجحت في ذلك
!
ـ تريد الصراحة يا منتظر ، كان فعلاً أحلى أيام السفرة ، فلقد كان مزاجك رائقاً جداً ولقد شعرتُ بأن ملاذ لم تفرح إلاّ في ذلك اليوم !
ـ هل فعلاً هذا ما أحسستهُ يا عم ؟ أعني هل كانت تبدو سعيدة !
ـ ألم تقرأ هذا الشعور في عينيها يا فتى !
ـ ماذا ... عينيها ! وهل لي الجرأة أن أنظر إلى الجهة التي تجلس فيها هي حتى أتجرأ بعد ذلك وأنظر إلى عينيها !
ـ صحيح يا منتظر ... لماذا كل هذا التحَسس من تلك الفتاة ؟ أرى إنك في بعض الأحيان تحاول تجاهلها ولا أصدّق بأنك ترغب بالزواج منها كما قلت لي!
ـ أما بالنسبة لرغبتي في الزواج منها ... فهذه هي رغبتي منذ سنتين مضت ومازالت تلك الرغبة يا عم ولم تتغير أبداً .. أما مسألة التحسس منها أو من الحديث معها أو حتى النظر إليها فهذهِ مسألة معقدة لا أظنك قادراً على فهمي إن فسرتها لك !
ـ ماذا .. ماذا ؟ غير قادر على فهمك ! ما بك يا فتى ؟ أنا فارس .. أتفهم ما معنى فارس ... فارس الذي لا تخفى عليه حركات الشباب أبداً .. هل فهمت!
ضحك منتظر من طريقة كلام فارس ثم قال :
ـ لم أقصد أن أنتقص منك يا عمي صدّقني .. لكن المسألة تحتاج إلى شرح طويل !
ـ قد أستطيع مساعدتك يا فتى .. هيا تكلم ، كُليّ آذانٌ صاغية !
بدأ منتظر يسرد لفارس قصته تلك وقد بدأها منذ اللحظة التي أخبرهُ أباه بمرض ملاذ وكان لم يتعرف عليها بعد .. ثم صار يتحدث لهُ عن مشاعرهِ عندما رآها أول مرة وكيف إنها لم تعجبهُ أبداً ..!!
حدّثه بعد ذلك عن الحوارات التي دارت بينه وبينها حول الدين والإيمان والحب الصادق العفيف وكيف يجب أن تكون علاقتنا بالله..
إلى أن وصل إلى ما بعد العملية حينما زارها مع عائلته في منزلها وكيف إن مشاعره مُنذ تلك اللحظة قد تغيرت تجاهها تغيراً جذرياً !
قال حينها :
ـ آه يا عم ... منذ أن دخلت علينا الغرفة في ذلك ا
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
✍رويدة الدعمي
.
الحلقة الأخيرة
.
منذ الصباح كان فارس يستعد للاتجاه نحو منزل أبي ملاذ فهو لم ينسَ أنه وعد ملاذ بالمكوث عندهم يوماً إضافياً قبل سفرهِ .
خرج من غرفته التي خصصها كريم لهُ متجهاً نحو غرفة الجلوس حيث الجميع هناك لتوديعه ، وقبل أن يدخل غرفة الجلوس سمع صوت أم منتظر تناديه وهي تقف عند باب المطبخ :
-أخي فارس ..إلتفت فرآها واقفة وتُشير إليه قائلة :
-أرجوك .. قبل أن تدخل إلى الغرفة ، عندي كلام معك !
إتجه فارس نحوها وقد لاحظ علامات الحزن عليها .. قالت بصوتٍ شجي :
-أيها الأخ العزيز .. صدّقني يصعب علينا فراقك فلقد كنت واحداً منّا ولا تزال ، ولقد احبك الأولاد كثيراً وسيحزن الجميع لرحيلك .
أطرق فارس خجلاً من هذا الثناء وهو يردد كلمات الشكر والإمتنان ، ثم أكملت أم منتظر قائلة :
ـ وقبل أن ترحل .. هل لك أن تُسدي لأختك أم منتظر خدمة سوف لن تنساها طول حياتها !
ـ آه .. تفضلي يا أختاه ، أنا خادمكم يا أم منتظر .
ـ أستغفر الله يا أخي .. كلنا خدم وعبيد لله .
ـ ماذا هناك يا أم منتظر ؟ هل يوجد شيء لا سمح الله ؟
ـ إنهُ بخصوص منتظر ، لقد تركته وكان في عمر السادسة عشر تقريباً وعدتَ من السفر وهو في عمر الخامسة والعشرين وهو إلى الآن لم يتزوج كما ترى ..
ابتسم فارس وقال :
-عرفتُ ما يدور في خُلدك يا أُخيّة ! تُريديني أن أتحدث مع حامد بخصوص ابنتهُ ملاذ ومسألة خطوبتها لمنتظر.. صح !
ـ لكن ... كيف عرفت ؟ !
ضحك فارس قائلاً :
-أما عن كيفية معرفتي بالأمر فهو سر لا أستطيع البوح به ! وأما عن حديثي مع حامد بخصوص موضوع منتظر فصدّقيني أنا ذاهب اليوم إليهم من أجل هذا الموضوع !
قالت أم منتظر وقد لمح فارس الدموع في عينيها :
ـ لقد قرأت في كتاب وسائل الشيعة حديثاً عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) عن الذي يسعى في تزويج أخيه المسلم يقول فيه : (( ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظلّ إلاّ ظله ، رجل زوّج أخاه المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم لهُ سراً )) فعسى أن تكون أحد هؤلاء الثلاثة يا أخي فارس ، ستكون أنت أملنا من بعد الله سبحانه وتعالى .. وأظن أن أبا ملاذ وبحكم الصداقة التي تجمعكما معاً وبحكم قُدرتك الكبيرة على الإقناع فأنهُ سيتفهم الأمر ويوافق .
ـ إنها أمنيتي يا أم منتظر ، أن أرى ملاذ ومنتظر وقد جمعهما منزلٌ واحد .
ـ يسمع الله منك يا أخي ! لقد صبر منتظر كثيراً وعسى الله أن يجعل في تدخلك خيراً ونهايةً مباركة لهذا الصبر !
ـ وأنا أظن ذلك إن شاء الله ، لذلك أنا متفائل جداً وسأتوكل على الله في محاولة إقناعه .
ـ إن اقتنع أبو ملاذ فعلاً وحصلت الخطبة ثم الزواج فستكون يا أخي من الذين قال عنهم الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته ( عليهم السلام ) : (( من عمل في تزويج حلال حتى يجمع الله بينهما زوّجهُ الله من حور العين وكان له بكل خطوة خطاها وكلمة تكلمّ بها عبادة سنة )) .
ابتسم فارس ثم قال :
ـ أدعو من الله أن يوفقني لأكون عند حسن ظنكم بي .
بعدما وعد فارس أم منتظر بالتدخّل السريع لايجاد حل لقضية ولدها دخل غرفة الجلوس وصار يُسلّم عليهم مبتدئاً بالصغار الذين كانوا مستاءين جدّاً لفراقهِ وقد ودّعوه بالدموع والقُبلات الحارة حتى وصل إلى منتظر الذي قال محاولاً إخفاء دموعه :
ـ أنا لن أودّعك الآن يا عم لأنني سأرافقك بعد غد إلى المطار كما اتفقنا !
ثم قال أبو منتظر :
ـ وأنا كذلك ! سنلتقي هناك يا فارس بعد أن تتصل بنا يوم غد لتُخبرنا بموعد إقلاع الطائرة ...
ـ ولكن هذا يعني إنكما يجب أن ترافقاني إلى العاصمة .. حيث المطار !
أجاب منتظر بسرعة :
ـ وماذا يعني ذلك ؟! السيارة موجودة .
ثم ضرب على صدره وقال : والسائق موجود !
ابتسم الجميع وقد اختلطت ابتسامتهم تلك بدموع الفراق .. بعد ذلك رافقوا فارس إلى الباب وقد قام منتظر بإيصاله بسيارته إلى بيت حامد حيث سيقضي آخر يوم قبل سفره هناك .
* * *
قضى فارس تلك الليلة مع صاحبه أبي ملاذ بالتحدث في أمور مختلفة لكنهُ لم يتطرق إلى الأمر الذي جاء من أجله !
وفي اليوم التالي حيث لم يذهب فيه أبو ملاذ إلى عمله لأجل قضاء ذلك اليوم مع ضيفه ، كان فارس عازماً على إقناع صاحبه بما يروم التحدث فيه .
قال لهُ وهما يتناولان الشاي :
ـ سأستغل تواجد ملاذ في غرفتها لأسألك يا حامد عن أمرٍ يشغلني كثيراً ..
ـ وما هو يا صاحبي ؟
ـ ما سبب رفضك لمنتظر عندما تقدّم لخطبة ملاذ ؟
ـ أوه ... هل غسلوا دماغك أنت أيضاً ؟
ـ ماذا ؟ غسلوا دماغي ! ثم من هو الذي ( غسلوا دماغه ) قبلي !؟
ـ ملاذ .. ابنتي !
ـ إتّقِ الله يا رجل ، هل لأنهم أنقذوها من الضلالة وجعلوها تُبصر النور .. فيكونون كما وصفتهم !
ـ ماذا تقصد يا فارس .. هل إنني جعلت ابنتي تعيش في ضلالة كل تلك السنوات ؟
ـ للأسف يا حامد ... نعم ! ولا داعي أن أوّضح أكثر فأنت تفهم ما أعني جيداً !
أطرق حامد برأسه إلى الأرض دون رد ، وأكمل ف
.
✍رويدة الدعمي
.
الحلقة الأخيرة
.
منذ الصباح كان فارس يستعد للاتجاه نحو منزل أبي ملاذ فهو لم ينسَ أنه وعد ملاذ بالمكوث عندهم يوماً إضافياً قبل سفرهِ .
خرج من غرفته التي خصصها كريم لهُ متجهاً نحو غرفة الجلوس حيث الجميع هناك لتوديعه ، وقبل أن يدخل غرفة الجلوس سمع صوت أم منتظر تناديه وهي تقف عند باب المطبخ :
-أخي فارس ..إلتفت فرآها واقفة وتُشير إليه قائلة :
-أرجوك .. قبل أن تدخل إلى الغرفة ، عندي كلام معك !
إتجه فارس نحوها وقد لاحظ علامات الحزن عليها .. قالت بصوتٍ شجي :
-أيها الأخ العزيز .. صدّقني يصعب علينا فراقك فلقد كنت واحداً منّا ولا تزال ، ولقد احبك الأولاد كثيراً وسيحزن الجميع لرحيلك .
أطرق فارس خجلاً من هذا الثناء وهو يردد كلمات الشكر والإمتنان ، ثم أكملت أم منتظر قائلة :
ـ وقبل أن ترحل .. هل لك أن تُسدي لأختك أم منتظر خدمة سوف لن تنساها طول حياتها !
ـ آه .. تفضلي يا أختاه ، أنا خادمكم يا أم منتظر .
ـ أستغفر الله يا أخي .. كلنا خدم وعبيد لله .
ـ ماذا هناك يا أم منتظر ؟ هل يوجد شيء لا سمح الله ؟
ـ إنهُ بخصوص منتظر ، لقد تركته وكان في عمر السادسة عشر تقريباً وعدتَ من السفر وهو في عمر الخامسة والعشرين وهو إلى الآن لم يتزوج كما ترى ..
ابتسم فارس وقال :
-عرفتُ ما يدور في خُلدك يا أُخيّة ! تُريديني أن أتحدث مع حامد بخصوص ابنتهُ ملاذ ومسألة خطوبتها لمنتظر.. صح !
ـ لكن ... كيف عرفت ؟ !
ضحك فارس قائلاً :
-أما عن كيفية معرفتي بالأمر فهو سر لا أستطيع البوح به ! وأما عن حديثي مع حامد بخصوص موضوع منتظر فصدّقيني أنا ذاهب اليوم إليهم من أجل هذا الموضوع !
قالت أم منتظر وقد لمح فارس الدموع في عينيها :
ـ لقد قرأت في كتاب وسائل الشيعة حديثاً عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) عن الذي يسعى في تزويج أخيه المسلم يقول فيه : (( ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظلّ إلاّ ظله ، رجل زوّج أخاه المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم لهُ سراً )) فعسى أن تكون أحد هؤلاء الثلاثة يا أخي فارس ، ستكون أنت أملنا من بعد الله سبحانه وتعالى .. وأظن أن أبا ملاذ وبحكم الصداقة التي تجمعكما معاً وبحكم قُدرتك الكبيرة على الإقناع فأنهُ سيتفهم الأمر ويوافق .
ـ إنها أمنيتي يا أم منتظر ، أن أرى ملاذ ومنتظر وقد جمعهما منزلٌ واحد .
ـ يسمع الله منك يا أخي ! لقد صبر منتظر كثيراً وعسى الله أن يجعل في تدخلك خيراً ونهايةً مباركة لهذا الصبر !
ـ وأنا أظن ذلك إن شاء الله ، لذلك أنا متفائل جداً وسأتوكل على الله في محاولة إقناعه .
ـ إن اقتنع أبو ملاذ فعلاً وحصلت الخطبة ثم الزواج فستكون يا أخي من الذين قال عنهم الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته ( عليهم السلام ) : (( من عمل في تزويج حلال حتى يجمع الله بينهما زوّجهُ الله من حور العين وكان له بكل خطوة خطاها وكلمة تكلمّ بها عبادة سنة )) .
ابتسم فارس ثم قال :
ـ أدعو من الله أن يوفقني لأكون عند حسن ظنكم بي .
بعدما وعد فارس أم منتظر بالتدخّل السريع لايجاد حل لقضية ولدها دخل غرفة الجلوس وصار يُسلّم عليهم مبتدئاً بالصغار الذين كانوا مستاءين جدّاً لفراقهِ وقد ودّعوه بالدموع والقُبلات الحارة حتى وصل إلى منتظر الذي قال محاولاً إخفاء دموعه :
ـ أنا لن أودّعك الآن يا عم لأنني سأرافقك بعد غد إلى المطار كما اتفقنا !
ثم قال أبو منتظر :
ـ وأنا كذلك ! سنلتقي هناك يا فارس بعد أن تتصل بنا يوم غد لتُخبرنا بموعد إقلاع الطائرة ...
ـ ولكن هذا يعني إنكما يجب أن ترافقاني إلى العاصمة .. حيث المطار !
أجاب منتظر بسرعة :
ـ وماذا يعني ذلك ؟! السيارة موجودة .
ثم ضرب على صدره وقال : والسائق موجود !
ابتسم الجميع وقد اختلطت ابتسامتهم تلك بدموع الفراق .. بعد ذلك رافقوا فارس إلى الباب وقد قام منتظر بإيصاله بسيارته إلى بيت حامد حيث سيقضي آخر يوم قبل سفره هناك .
* * *
قضى فارس تلك الليلة مع صاحبه أبي ملاذ بالتحدث في أمور مختلفة لكنهُ لم يتطرق إلى الأمر الذي جاء من أجله !
وفي اليوم التالي حيث لم يذهب فيه أبو ملاذ إلى عمله لأجل قضاء ذلك اليوم مع ضيفه ، كان فارس عازماً على إقناع صاحبه بما يروم التحدث فيه .
قال لهُ وهما يتناولان الشاي :
ـ سأستغل تواجد ملاذ في غرفتها لأسألك يا حامد عن أمرٍ يشغلني كثيراً ..
ـ وما هو يا صاحبي ؟
ـ ما سبب رفضك لمنتظر عندما تقدّم لخطبة ملاذ ؟
ـ أوه ... هل غسلوا دماغك أنت أيضاً ؟
ـ ماذا ؟ غسلوا دماغي ! ثم من هو الذي ( غسلوا دماغه ) قبلي !؟
ـ ملاذ .. ابنتي !
ـ إتّقِ الله يا رجل ، هل لأنهم أنقذوها من الضلالة وجعلوها تُبصر النور .. فيكونون كما وصفتهم !
ـ ماذا تقصد يا فارس .. هل إنني جعلت ابنتي تعيش في ضلالة كل تلك السنوات ؟
ـ للأسف يا حامد ... نعم ! ولا داعي أن أوّضح أكثر فأنت تفهم ما أعني جيداً !
أطرق حامد برأسه إلى الأرض دون رد ، وأكمل ف