الطريق إلى التوبة
6.05K subscribers
10.2K photos
388 videos
243 files
5.34K links
قد تركتُ الكُلَّ ربّي ماعداك
ليس لي في غربةِ العمر سِواك...
حيثُ ما أنتَ فـ أفكاري هُناك..
قلبي الخفاقُ أضحۍ مضجعك..
في حنايا صدري أُخفي موضعك..

اي استفسار او ملاحظة ارسلها حصرا على هذا البوت

@altaubaa_bot

فهرس القناة
https://t.me/fhras_altauba
Download Telegram
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
الفصل الاول
رويدة الدعمي
.
كان منتظر جالساً في غرفته يطالع في أحد الكتب عندما دخل عليه والده وقد بدت علامات الحزن والإكتآب عليه ، فبادر الابن أباه بالسؤال :
- مالي أراك شاحباً ومُستاءاً هكذا يا والدي العزيز ؟
- آه يا بُني .. إنني قلق جداً على صاحبي حامد .
- وما بهِ يا أبتي ؟
- أنت تعلم إنهُ ليس لهُ أحد سوى ابنتهِ الوحيدة ( ملاذ ) إذ إن زوجته قد ماتت أثناء الولادة .. وبعد عشرين عاماً مضت يأتي الطبيب الآن ليؤكد لهُ إن ابنتهُ الوحيدة قد تفقد حياتها قريباً بسبب تعطّل عمل إحدى كليتيها وضعف عمل الأخرى !
أغلق منتظر الكتاب الذي كان بيده ونهض من مكانهِ متسائلاً :
- وماذا سيفعل الآن ؟
- لا أعرف يا منتظر ... إن حالتهُ يُرثى لها ، حتى إنني قبل ساعة من الآن كنت عندهُ في المنزل ووصل الأمر إلى إنهُ بكى وطلب مني أن أساعدهُ بأي شكل من الأشكال !
- وكيف يمكننا أن نساعدهُ يا أبتاه ؟
- لا أعرف حقاً يا بُني .. الأمر يُقلقني كثيراً وأشعر أن رأسي توقف عن التفكير !
- وما رأي الطبيب في أمرها ؟ أعني هل إن هناك أمل في أن تعيش هذه الفتاة ؟
- نعم .. في حالةٍ واحدة ، وهي أن تُرفع الكلية المعطلة وتُبدّل الأخرى الضعيفة بواحدةٍ سليمة ، وهذا يعني إنهُ يجب أن يكون هناك شخص متبرع بكليته !
مشى منتظر قليلاً ثم التفت نحو أبيه وقال :
- سأكون أنا ذلك المتبرع !
- ماذا !؟ لكن يا بُني .. ما الذي تقوله ؟ أنت مازلت شاباً و ......
قاطعهُ منتظر قائلاً :
- ولأنني شاب إذن فأنا أملك القوّة والحيوية التي تمكنني من العيش بكلية واحدة كما ستعيش تلك الفتاة إن شاء الله .
- لكن يا بُني .. إذا كنت تستطيع إقناعي بهذا الكلام فهل ستُقنع والدتكَ بهِ !؟
- اترك هذا الأمر لي يا أبا منتظر ! سيكون كل شيء على ما يرام بإذنه تعالى .
وفي الصباح كانت أسرة الحاج أبو منتظر قد اجتمعت حول تلك المائدة المتواضعة وبينما كانت الأم تصب الشاي في الأكواب صار زوجها يسرد لها قصة زميله المسكين وحالة ابنتهِ المريضة .. بدأت أم منتظر بالتفاعل مع حالة تلك الفتاة خاصة إنها قد ذهبت لزيارتها ورؤيتها عدّة مرات خلال زيارات الأب – أبي منتظر – الى بيت صاحبه أبي ملاذ .
توقفت عن صب الشاي وصارت تمسح دموعها التي حاولت جاهدةً أن تُخفيها لكنها لم تستطع ... لقد كانت مُرهفة الإحساس وذات قلب رقيق وحسّاس جداً وكان منتظر يشابه والدته كثيراً في هذه الصفة بالذات .
استغل منتظر تفاعل والدته مع قضية ملاذ فبادرها قائلاً :
- وأنا سأكون المتبرع يا أم منتظر !
- ماذا ... ما الذي تقولهُ يا ولدي ؟
- وهل أترك الفتاة تموت هكذا يا أماه .. ! ومن ثم إنني بصحةٍ تامة وعالية ولا أظن ان التبرع بإحدى كليتي سيؤثر عليَّ بالدرجة التي تخيفك هكذا .. !
حاولت الأم ولتعلقها الكبير بمنتظر أن تثنيه عما عزم عليه محاولةً
إقناعهُ بأن الله لن يترك هذه الفتاة وسيرسل لها من يساعدها .
قال منتظر :
- ولماذا لا أكون أنا من أرسلهُ الله لإنقاذ تلك الفتاة ؟
ثم ما كان منه إلا أن أكمل كلامهُ بمزيد من الثقة بالنفس :
- إذا سمح لكِ قلبك وضميركِ يا أُماه على ترك الفتاة المسكينة ووالدها بهذهِ الشدّة فإنني لا يسمح الدين الذي ربيتماني عليه ولا الأخلاق التي زرعتماها فيّ أن أترك رجلاً مسلماً يغوص في بحر القلق والحيرة هكذا وأنا أقف لأتفرج !
هنا أطرقت الأم برأسها إلى الأرض ثم نظرت إلى ابنها وقالت :
- إمضِ بما عزمت عليه يا ولدي ، وليحفظك الله أنت وتلك الفتاة .
إتجّه الأب مسرعاً نحو جهاز الهاتف ليزف البشرى لصاحبه ، وفعلاً أخبرهُ بالأمر وبما عزم عليه ولدهُ الأكبر منتظر ، وأخذ موعد لزيارته هو وابنه للإتفاق على الأمور القادمة .
كان الرجل وابنته قد هيّئا نفسيهما لاستقبال الضيفين وكانت ملاذ تنظر إلى الساعة بترقب ، سألت والدها قائلة :
- هل إنك متأكد يا أبي إن الأمر كما شرحتهُ لي .. ؟ ألا يمكن أن تكون قد فهمت قصدهُ خطأً .. ؟!
- ماذا تقولين يا ملاذ .. صدّقيني إنهُ قال إن ابنهُ منتظر قد عزم على
التبرع بكليته وسيأتي ليقول لكِ ذلك بنفسه .
- لكن يا أبي .. إن ذلك الشاب لم يَرَني يوماً ، فمن أين عرفني وصار لديه ذلك العزم على مساعدتي ؟
تبسّم الأب ثم قال :
- وهل المساعدة تحتاج إلى أن يراك وتريه ؟ هل يريد أن يخطبكِ أم يساعدكِ يا فتاة !
ضحك الإثنان وقطع ضحكهما صوت طرقة خفيفة على الباب ، اتجهّت ملاذ بسرعة لفتحها ..
- آه .. أهلاً بالعم .. تفضل !
بادلها ابو منتظر السلام ودخل إلى البيت أما منتظر فقد كان يسير خلف أبيه بعد أن ألقى التحية على ملاذ التي شيّعته بنظرها إلى أن دخل إلى غرفة الضيوف حيث كان والدها ينتظرهما .
تسمّرت ملاذ في مكانها عند الباب الرئيسي للدار وهي تُحاكي نفسها :
- ما الذي يدفع هذا الشاب الوسيم بأن يُضحّي بحياته وشبابه من أجلي ؟!
في حقيقة الأمر كان منتظر شاباً ملتزماً ووقوراً حيث أنهُ تربى في أحضان والديه الذين
#الإيمان_والحب
الفصل الثاني
رويدة الدعمي

جاء اليوم الذي يشدُّ فيه منتظر الرحال مع والدهِ إلى المدينة المجاورة لمدينتهم حيث ستجرى العملية هناك ، وها هي الأم الحنون تشدُّ على يدي ولدها بيدين مرتجفتين وعينين باكيتين وهي تردد :
ـ ولدي الغالي .. سأدعو الله بأن يعيدك لنا بالسلامة .
حاول منتظر أن يُهَّدئ من روع والدته وذكرّها بالآية الكريمة ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) ، وهنا بكت الوالدة بصوت عالِ
وهي تحتضن ولدها وتوصي زوجها به وكأنهُ طفلٌ صغير سيفارقها لأول مرة ...!
استقلَّ الاثنان سيارة الأجرة لتُقلّهما إلى منزل أبي ملاذ ، وهناك وجداه هو وابنته على أتم الاستعداد للسفر وفعلاً أتجه الأربعة نحو مكان وقوف السيارات الكبيرة الخاصة بنقل المسافرين إلى المدن الأخرى .
وبعد أن اتخذّ كل منهم مكانهُ في تلك السيارة التي ستتجه بهم إلى المدينة المنشودة كان منتظر قد أخرج كتاباً ـ كالعادة ـ ليقرأهُ بدل أن يقضي وقتهُ هذا هباءاً ، حيث إنهُ لم يعتد على تضييع هكذا فرصة سواء أكان في سيارة صغيرة أو كبيرة أو في قطار ، فإن أنيسهُ في الطريق سيكون الكتاب .
كان والدهُ ووالد ملاذ مشغولان في الحديث أما ملاذ فمكانها كان مقابل للمكان الذي جلس فيه منتظر مما هيّأ لها فرصة النظر إليه طوال الطريق !
فكلما رفع منتظر بصرهُ وجدها ترمقهُ بنظرات تجعل دقّات قلبه تتزايد ويديه ترتجفان !
خاطب نفسهُ قائلاً :
ـ كيف بكَ يا منتظر مع هذا المأزق وكيف ستُخرج نفسك منه ؟!
تحوّل المأزق بعد قليل إلى مشكلة كبيرة عندما أحسَّ منتظر بأن الشيطان بدأ يجول في المكان الذي يجلس فيه الاثنان أي هو وملاذ وإن الأخيرة لا مانع لديها من أن تبقى ترمقهُ بنظراتٍ محرمة طيلة الساعات الباقية من الطريق ! توّسل إلى الله أن يعطيه فكرة تجعلهُ يتخلص مما هو فيه بدون أن يشعر والده ووالد ملاذ بأي شيء ..
فهو لا يستطيع أن يكلمها أو يسألها عن نظراتها تلك ووالدهُ ووالدها
يجلسان بقربهما وقد شغلهما الحديث عن ما يدور حولهما !!
وهنا ـ وبعد التوسل بالله سبحانه وتعالى ـ قفزت إلى رأسهِ فكرة نافعة وغريبة في نفس الوقت .
فتح حقيبة سفره ومدّ يدهُ إليها فأخرج منها ورقة وقلم وبدأ يكتب وملاذ تنظر إليه غير مبالية ..
بعد أن انتهى من الكتابة طوى الورقة ثم سلّمها إيّاها قائلاً :
ـ إنظري إلى خطّي .. ألا أصلح أن أكون خطّاطاً ماهراً !؟
ابتسمت ملاذ ومدّت يدها لتأخذ الورقة ، وبدون أن تنتظر فتحتها وبدأت تقرأ :
بسم الله الرحمن الرحيم
أرجوكِ يا ملاذ ..
تذكري بأنكِ فتاة وبأنني شاب ومهما تكن طبيعة نظراتك هذه لي فإنها أمام الله تعتبر " محرَّمة " لأنه من واجبكِ الشرعي أن تغضّي البصر حتى لا تدعي للشيطان أي طريق يدخل منه .
وأخيراً تذكري قوله تعالى : (( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن )) أخوك المخلص
منتظر
لم تعد ملاذ قادرةً على رفع بصرها من على الورقة بعد أن قرأت تلك الكلمات ، لقد شعرت قبل كل شيء بأن كرامتها قد جُرحت على يد ذلك الشاب وبأنها الآن ذليلةً أمامهُ .
نعم .. فلقد كانت ملاذ ولأول مرة تسمع مثل هذا الكلام بل ولأول مرة تطرق أسماعها تلك الآية ! حيث لا والدٌ حريص وملتزم ولا أمٌ مربية ومرشدة ولا صديقة ناصحة ، كل الذي تعرفه من هذا العالم هو الفن والفنانون ، بل لم يقل لها احد في يوم من الأيام هذا حلال وهذا حرام سوى إن والدها قد جعلها ترتدي هذه القطعة من القماش على رأسها لأنهُ وكما قال لها :
- تقاليدنا ترفض السفور !
والآن يأتي هذا الشاب ليصفعها ـ بهذه الكلمات ـ صفعةً قوية جعلتها تفضل أن ترمي نفسها من السيارة على أن تبقى جالسةً أمامهُ وهو ينتظر منها ردفعل على كلماته .
هذا ما كانت تفكر به ملاذ ، أما منتظر فلقد أغلق الكتاب الذي كان يطالعه وأشاح ببصرهِ نحو نافذة السيارة وهو ينظر إلى المروج الخضراء التي ملأت الطريق وراح يردد بعض القصائد الدينية التي كان يحبها كثيراً محاولةً منهُ لتغيير الجو الذي صار خانقاً بالنسبة لهُ وهو ينتظر على أحر من الجمر أن تتوقف تلك السيارة معلنةً عن وصولهم .
ولما أتعبه النظر من النافذة أطرق برأسه لينظر إلى ساعته اليدوية فإذا بها تشير إلى بقاء نصف ساعة تقريباً للوصول . أخذ نفساً عميقاً ثم رفع بصرهُ ليرى حال الفتاة بعد قراءتها لتلك الرسالة فإذا بها قد خفضت رأسها وغسلت وجهها بدموعها!
حينها بدأ منتظر يكلمّ نفسه :
- هل كنتُ قاسياً معها إلى الدرجة التي جرحتُ فيها كرامتها من دون أن أشعر .. أم إنها دموع الندم ؟!
.
#يتبع
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
رويدة الدعمي
.
الفصل الثالث
.
ها هم الأربعة قد نزلوا من السيارة الكبيرة مستقليّن سيارة صغيرة للأجرة ليتجهوا نحو أحد الفنادق حيث سيقيمون فيه طيلة فترة اجراء العملية .
ولمّا كان الوقتُ متأخر والفندق الذي قصدوه كان مكتظاً بالنزلاء فقد أشارإليهم صاحب ذلك الفندق بأن هناك شقة صغيرة في مكانٍ قريب يمكنهم استئجارها لعدّة أيام ...
وفعلاً تم إيصالهم إلى تلك الشقة بعد مناقشات حادّة بين منتظر وأبيه حيث كان بطلنا يرفض هذه الفكرة لما لها من احراج بالنسبة لهُ لوجود تلك الفتاة الشابة معهم لكن أباه أقنعه أخيراً بأنها ليست لوحدها بل إن أباها معها وهذا يعني إنهُ لا يوجد هناك أي إحراج في الموضوع .
وصل الأربعة إلى الشقّة ، كان فيها غرفتان صغيرتان وصالة للجلوس .
قال أبو ملاذ وهو يشير إلى إحدى الغرفتين :
ـ سنأخذ نحنُ هذه الغرفة وأما أنت يا أبا منتظر فستكون هذه لك ولأبنك العزيز .
لاحظ الثلاثة إن ملاذ طول هذه الفترة صامتة لا تتحدث وقد بدت علامات الكآبة والحزن واضحة على ملامحها !
ظنَّ والدها وكذلك صاحبهُ إن مخاوفها من العملية قد بدأت تظهر وخاصة إنهم الآن في المدينة التي ستجري فيها تلك العملية ، أما منتظر فكان يعرف مصدر ذلك الحزن وتلك الكآبة التي قفزت إلى ملاذ حال انتهائها من قراءة رسالته في تلك السيارة المشؤومة !
كان يتمنى لو تمكن من توضيح الأمر لها وتوضيح السبب الذي دعاه إلى ذلك التصرف ، كان منتظر رغم أسلوبه القاسي في بعض الأحيان لكنه في نفس الوقت ذو قلب رقيق لا يتحمل أن يكون سبباً رئيسياً في حزن أي شخص وخاصة إذا كان ذلك الشخص فتاة يتيمة الأم ومريضة مثل ملاذ .
كان التعب والإرهاق بادياً على الجميع مما حدا بهم إلى النوم مبكراً إذ إن هناك يوماً شاقاً ينتظرهم حيث سيتم البدء بالفحوصات لكلا الطرفين كخطوة أساسية قبل أجراء العملية .
مع أول الفجر استيقظ منتظر على صوت الآذان الذي تعالى في أرجاء تلك المدينة ، نهض وهو يردد الصلاة على محمد وآل محمد وأيقظ والده ليصليّ ..
توضأ منتظر وصلّى ركعتي الفجر وكعادتهِ بعد كل فريضة صار يردد ( تسبيحة الزهراء عليها السلام ) ثم فتح القرآن ليتلو بعض كلمات الله سبحانه وتعالى ..
استمر بالقراءة حتى سمع صوت حركة في الشقة ، نظر إلى الساعة فوجدها تشيرإلى السابعة صباحاً ، أغلق القرآن وقبّلهُ تبركاً وتقديساً ، نظر إلى والده فوجده قد رجع إلى النوم بعد أن أدّى صلاته ... قال في نفسه :
ـ قد تكون هذه الحركة للعم حامد أو قد تكون لملاذ !
وعندما وصل إلى أسم هذه الفتاة اطرق قليلاً .. ردّد الاسم عدّة مرات ثم تحدث مع نفسه مرة أخرى :
ـ مسكينة هذه الفتاة ... لقد سببتُ لها ألماً كبيراً يوم أمس ويجب أن
أوّضح لها كل شيء .
خرج من الغرفة فوجد ملاذ أمامهُ قد خرجت توّاً من المطبخ ، نظرت إليه ثم مشت قليلاً بدون أي كلمة وجلست على أحدى الأرائك في الصالة وبيدها كوب من الشاي .
تبعها منتظر ... دخل الغرفة وألقى السلام ، وبصوتٍ ضعيف بالكاد يُسمع ردّت ملاذ التحية ، بادرها منتظر :
ـ هل لي أن أعرف سبب هذا الحزن المفاجئ ؟!
أجابت بحدّة :
ـ أوَتسأل يا منتظر !
ـ هل أنا السبب ؟
ـ أرجوك...دعني وشأني سواء كنت حزينة أم سعيدة فهل الأمر يهمّك ؟!
ـ ولِمَ لا يهمني يا ملاذ ؟ أنا لا أحب أن أكون سبباً لألم أي أحد ..صدّقيني .
ـ إنك قاسي يا منتظر !
قالت ملاذ هذه الكلمات وقد إغرورقت عيناها بالدموع ونهضت محاولةً مغادرة الغرفة ...
ناداها منتظر :
ـ أرجوكِ .. قفي واسمعيني ، فمثلما أبديتِ رأيكِ في الموضوع فلي الحق أنا أيضاً أن أُبدي رأيي فيه .
توقفت ملاذ ونظرت قائلة :
ـ وما هو رأيك ؟
ـ صدّقيني .. أنا ما كتبتُ لكِ تلك الكلمات اثناء جلوسنا في السيارة إلاّ لأنني وجدتك في خطر ويجب أن أساعدك وإلاّ لحدث ما لا يُحمد عقباه !
ـ وما الذي يمكن أن يحدث ؟
ـ اسمعي يا ملاذ ... عندما لاحظتُ انكِ ترمقينني بتلك النظرات لم أهتم في بداية الأمر لكن عندما استمرت الحالة تلك طيلة وجودنا معاً في تلك السيارة شعرتُ حينها بأن الأمر غير طبيعي وبأن تلك النظرات غير اعتيادية أبداً ولا أُخفي عليك فلقد ارتبكت لأنني ولأول مرة أقع في موقفٍ كهذا وارتبكت أكثر عندما خفت صوت الشيطان !
ـ صوت الشيطان ! ما الذي تقصده ؟
ـ إنها الوسوسة يا ملاذ .
ـ ومن قال لك ذلك ؟
ـ الرسول (صلى الله عليه وآله) قال لي ذلك !
ـ ما بك يا منتظر ... لماذا تتكلم بالألغاز والمبهمات ، لماذا لا تكون
واضحاً وصريحاً ؟
ـ ليست ألغاز ولا مبهمات بل أنا واضح وصريح فيما أريد قوله .. فلقد قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (( ما من رجل خلا بإمرأة إلاّ كان الشيطان ثالثهما ) !
ـ حسناً وما الذي يمكن أن يقولهُ لك الشيطان حينها ؟
ـ أكيد إنهُ سيحاول إفهامي بأن ( نظرات ملاذ هي نظرات إعجاب ومودّة وحب ) ولو أعطيه مجال أكثر للاستماع إلى حديثه المعسول ذلك فأنهُ سيجرَّني إلى التفكير بأمور أخرى وضيعة ومرفوضة
#الإيمان_والحب
رويدة الدعمي
.
الفصل الرابع
.
في ظهيرة ذلك اليوم كان الأربعة في مستشفى المدينة لإجراء الفحوصات ، وبعد إجرائها لملاذ ومنتظر معاً قام الطبيب بإعطائهم مدّة أسبوع كامل وبعدهُ فقط يمكن إجراء العملية ..
رأى منتظر إن هذه فرصة أرسلها الله لهُ ليوّضح كثيراً من الأمور لملاذ قبل أن تجري العملية لكليهما .
بعد تركهم المستشفى اتجهوا نحو أحد مطاعم تلك المدينة لتناول وجبة الغداء، وما إن انتهى الجميع من تناول الطعام حتى طلب والد ملاذ من أبي منتظر أن يشاطرهُ لعب البليارد ورغم إن الأخير كان لا يهوى أن يقضي وقته بتلك الأمور الصبيانية إلاّ إنهُ رأى من المحرج أن يرفض دعوة صديقه ، فأتجه نحو صالة البليارد في ذلك المطعم الضخم منصاعاً لرأي صاحبه ... بقى كل من منتظر وملاذ جالسين وكانت ملاذ تحاول أن تبدو طبيعية لكن حركتها وهي تضرب بالشوكة على الإناء الذي أمامها جعل منتظر يشعر باضطرابها فحاول كسر ذلك الصمت المقلق بقوله :
ـ هل مازلت على رأيك يا ملاذ ؟
ـ ماذا تقصد ... لم أفهم !
ـ لقد فكرتُ في كلامك الذي قلتهِ لي صباح هذا اليوم بخصوص ..
( صمت منتظر قليلاً ثم تابع كلامه ) بخصوص مشاعركِ تجاهي فوجدتها مشاعر لا صحة لها وغير حقيقية ..
ـ لماذا تحكم على مشاعري الصادقة تجاهك بهذهِ الطريقة يا منتظر ؟
ـ صدّقيني يا عزيزتي أنا لا أنظر إلى مشاعركِ بمنظار سلبي لكن .. هلاّ قلتِ لي متى بدأت مشاعركِ تلك اتجاهي ؟
ـ منذ أول لحظة رأيتك فيها .. أي في المرة الأولى التي جئت بها مع والدك إلى منزلنا .. لقد عشت يا منتظر وحيدة لا أعرف ما معنى الحنان ولا الحب .. أمي ماتت منذ ولادتي ! وأبي لا أراه طوال يومي إلاّ على مائدة العشاء!
لا أعرف أحداً في هذه الحياة غير أُناس مزيفين يأخذون أدواراً كاذبة في تلك الشاشة التي باتت سلوتي الوحيدة ..
كنت أكره الدراسة منذ المراحل الأولى لها وما ان فاتحت والدي بفكرة ترك المدرسة حتى وافق بدون أن ينصحني بكلمة واحدة !
نعم لقد تركت الدراسة ولي من العمر إثنا عشر سنة ومنذ ذلك الحين وإلى هذه الأيام وأنا أعيش بين أربعة جدران .. أتحدث مع نفسي وأحب أناساً مزيّفين لم ألتقهم أبداً ! وعندما رأيتك شعرت بأنني وجدت من سأبثهُ همي وحزني ومن سيُبدل أيامي إلى جنةٍ حقيقية .. آه يا منتظر صدّقني ...
قاطعها منتظر قائلاً :
ـ اسمعي يا ملاذ .. هناك أمور كثيرة يجب أن نتناقش فيها غير لغة الحب هذه التي تتحدثين بها ... فأن الحب ليس كما تتصورين أبداً والسعادة كذلك، فالأفلام والمسلسلات التي عشتِ مع قصصها وأحداثها جعلتك تنظرين إلى الحب بأنهُ ليس إلاّ ذلك الشعور الذي يربط الفتاة بفتى أحلامها، والسعادة ليست إلاّ تلك التي تجمع الفتاة بفارس أحلامها !!
كان كلام منتظر غير مفهوم بالنسبة لملاذ بل إنها صارت ترى كل كلمة منهُ محاولة لجرحها وإهانتها ..
قالت لهُ محاولة إخفاء مشاعرها المجروحة :
ـ أعرف إنك إنسان مؤمن ومتديّن لكن هل المؤمنون لا يعرفون الحب ؟
أجاب منتظر مبتسماً :
ـ وهل الإيمان إلاّ الحب ؟!
ـ ماذا تعني ؟
ـ أنهُ ليس قولي بل قول الإمام الصادق (عليه السلام ) عندما سألهُ أحدهم عن موقف الإيمان من الحب فقال (عليه السلام) : ( وهل الإيمان إلاّ الحب) والحديث على وجازتهِ يدلّنا على منزلة عظيمة للحب في رأي الإمام الصادق (عليه السلام) فكأنه يريد القول بأن الإيمان هو الحب كله وأن الحب هو الإيمان كله .. ولكن علينا أن نعرف هذا الحب القدسي الذي يُفسّرالإمام به الإيمان ..
شعرت ملاذ بأن منتظر يحاول التهرب من سؤالها فعاودت السؤال ولكن بصيغة أخرى :
ـ ألم تعرف الحب طوال حياتك يا منتظر ؟
ـ بل أنا منذ صغري عرفتُ هذه الكلمة وصرتُ أعيش معها لحظةً بلحظة.
ـ وكيف .. ومن هي تلك التي بادلتها ذلك الحب ؟
ـ انظري .. ألم أقل لكِ بأنكِ تنظرين إلى الحب بأنهُ فقط ذلك الشعور الذي يربطني بالجنس الآخر !! أنتِ على خطأ يا ملاذ ... عندما أقول بأني عرفت الحب وعشته بكل أبعاده لا يعني إنهُ يجب أن تكون هناك فتاة تبادلني ذلك الحب .. أرجوكِ كوني أكثر تصوّراً لما أريد قوله .. الحب شعور جميل ، حرام علينا أن نحصرهُ بتلك الأطر المادية فقط !
هنا أحمر وجه ملاذ عندما وجدت ان منتظر صار يتكلم بجرءة وإهتمام بالغ ..
أكمل منتظر بنبرة أكثر حدّة تعلن عن الرفض :
ـ إن ما علمّهُ إياك التلفازعن الحب هي معلومات خاطئة لأن هؤلاء ( الفنّانين ) والذين هم ليسوا بفنانين أصلاً إنما يريدون أن يبثوا سمومهم وقاذورات أفكارهم إلى الفتيات البريئات مثلكِ ولأنكِ بتلك الأفكار الغربية صرتِ مثلهم تظنين أن الحب والعشق كلمات لا يمكن استعمالها إلاّ بين الفتى والفتاة وهذا تشويه للصورة الحقيقية لهذه الكلمة الطاهرة ... والإسلام الذي ننتمي إليه يا ملاذ هو دينُ المحبة الصادقة ، لا يعجبهُ هذا اللون المشوّه من الحب وبالأحرى هذا التدنيس لطهارة الحب ... حب الشهوة الوضيعة والغايات
المتدنية .
الحب سامٍ لأنه علاقة بين أرواح فيجب
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
رويدة الدعمي
.
الفصل الخامس
.
.
مضت أيام وصار موعد العملية يقترب ... وخلال هذه الفترة لاحظ والد ملاذ تغيراً كبيراً طرأ على سلوك ابنته !
فلقد صارت قليلة الجلوس أمام جهاز التلفاز كما لاحظ تغيرات أخرى كالالتزام بطريقة لبس الحجاب والجلوس فترات طويلة وحدها وكأنها تفكر في مسألةٍ مستعصية !
في الحقيقة كانت ملاذ تفكر كثيراً بكلام منتظر الذي ما إن وجد فرصة حتى صار يحدثها بحقائق كثيرة يعرف تمام المعرفة إنها جاهلةً بها .
حدَّثها طويلاً عن الحجاب ووجوب الالتزام به شرعاً ، وبأنهُ هوية المرأة ورمز لعفّتها وشرفها فبعدما كانت لا تهتم سواء ظهرت خصلتين أو ثلاثة من شعرها نراها الآن كثيرة التفحص لحجابها لئلاً تكون شعرة قد خرجت من هذه الجهة أو تلك !
كانت ملاذ تتمنى أن تُخبر منتظر عن أمرٍ لم يتكلم عنهُ طوال هذه الأيام ... فلطالما تكلّم عن معنى الحب الحقيقي وعن معنى هذه الحياة وعن الأخلاق والحجاب ووجوب محاربة الشيطان والهوى لكنهُ إلى الآن لم يتكلم لها عن العلّة والحكمة من عبادة الله فلطالما شاهدته ملاذ وهو يصلّي ويُطيل في سجوده ويكثر من قرآئته للقران ، فكم كان يرف قلبها حينها نحو الصلاة وقراءة القران في حين أنها لم تجرب ولو لمرة واحدة أن تؤدي تلك الأعمال !
بل لم يحرضها أحد على أن تؤدي ما يؤديه منتظر الآن ..
كان الأخير يعرف إن ملاذ تجهل هذه الأمور المهمة لكنهُ كان ينتظر أن تصارحهُ هي بهذا الأمر حتى يتأكد من إنها بدأت تقترب من الله فعلاً وبأنها بدأت تنظر للحياة بنظرةٍ أخرى ، نظرةٍ ثاقبة تجعلها تُبصر الأمورعلى حقيقـتها .
وإذ لم يبقَ على موعد العملية سوى يومين فإن ملاذ قررت أن تُخبر منتظر بما يجول في خاطرها ، وفعلاً ففي موعد صلاة المغرب حيث كان منتظر يستعد للوضوء خرجت ملاذ من غرفتها بعد أن سمعت صوت ماء الحنفية يجري ، ووقفت تنتظر أن يُكمل منتظر وضوءه ، إلتفت وهو يردد بصوتٍ خافت (( اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك والجنة )) وما كاد أن ينتهي من ترديد هذا الدعاء المستحب حتى لاحظ وقوف ملاذ عند باب غرفتها فألقى التحية عليها فردّت بأحسن منها ثم قالت :
ـ في بالي أمرٌ يحيرني أريد أن أتناقش فيه معك يا منتظر .
ـ على الرحب والسعة ... لكن ألا يمكن الانتظار حتى انتهي من صلاتي ؟
أطرقت ملاذ قليلاً ثم قالت :
ـ إنهُ بخصوص الصلاة ... ولن أأخذ من وقتك الكثير .
ـ حسناً .. اسألي مابدا لكِ ...
قال منتظر هذه الجملة وهو يهم بالدخول إلى غرفة الجلوس ، وتبعتهُ ملاذ وجلست على الأريكة المقابلة للأريكة التي جلس عليها هو .. سألها قائلاً :
ـ ما هو الأمر الذي يشغلك بخصوص الصلاة ؟
ـ إنه لا يشمل الصلاة فحسب ، بل يشمل معنى العبادة على الإطلاق ..
ـ وما بها العبادة .. وأي مشكلة تواجهينها في هذه الكلمة ؟
ـ لماذا أراد الله منّا أن نَعبدهُ بالصلاة والصوم وقراءة القران وغيرها
.. ألا يكفي أن نحبه ونحب من يحبه ؟ ألا يكفي للفتاة أن تتحجب وللفتى أن يغضّ البصر ؟ ألا يكفي للأم أن تقوم بتربية أولادها تربيةً حسنة وللأب أن يأتي بالرزق الحلال لأولاده مجتنباً السرقة والغش والخداع ؟
لماذا يجب أن يلتزم الإنسان بهذه الأمور وفوق هذا أن يُصلّي ويصوم ويحج ويقرأ القران ويدفع الزكاة وغيرها ... ؟!!
ـ نعم يا ملاذ .. فهمتُ قصدك ، أنتِ تتساءلين عن الحكمة والسبب في إلزام الإنسان بالعبادات ووجوب القيام بها .. صح ؟
ـ نعم .. بالضبط .
ـ حسناً ... سوف أبدأ معكِ بدايةً سهلة إن شاء الله حيث سأعدّد لك أقسام العابدين ، فهم ثلاثة ...
القسم الأول / يعبدون الله رهبةً منهُ وخوفاً من عقابه !
والقسم الثاني / يعبدون الله طمعاً في ثوابه وهي جنّة الخلد .
والقسم الثالث / يعبدون الله ليس طمعاً ولا خوفاً وإنما حُبّاً به
واعترافاً بحقّه .
وكمثال على القسم الأخير هو مناجاة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لربّه بالقول : (( إلهي .. لم أعبدك خوفاً من عقابك ولا طمعاً في ثوابك ولكني وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك )) .
والإمام علي (عليه السلام) يقصد هنا أنهُ حتى لو لم تكن جنة يُثيب الله بها ولا نار يعاقب الله فيها من لا يعبده ، حتى لو لم يكن هناك هذا الثواب وهذا العقاب بل وحتى لو لم يوجب الله العبادة على خلقه لكان (عليه السلام) قد عبدهُ لأنهُ أحبه وعرفه فوجدهُ أهلاً لأن يُعبد.. ولِم لا ؟ وهو المنُعم والواهب والخالق والرازق ....
وهذا بالنسبة لعلاقة الناس بربهم، أما بالنسبة لأمر الله لهم بعبادته فهوفي قوله تعالى : (( وما خلقتُ الجن والأنس إلاّ ليعبدون ))
وفي الحديث القدسي يقول تعالى : (( كنتُ كنزاً مخفياً فوددت أن أعرف فخلقتُ الخلق لكي أُعرَف )) .
إذاً مرة يشير الله إلى السبب من الخلق وهو (( ليعبدوه )) ومرة أخرى يشيرإلى نفس الأمر وهو (( ليعرفوه )) فما وجه الترابط بين معرفته سبحانه وبين عبادته ؟
قالت ملاذ وقد بدت متحمسة للإجابة :
ـ أظن إنهُ لا يمكن للإنسان أن يعرف الله إلاّ
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل السادس
.
كانت ملاذ بين فترة وأخرى تشعر بالألم الناتج عن مرض وضعف كليتيها ، كان والدها ووالد منتظر وكذلك منتظر يحاولون تهدئتها ويؤكدون لها بأن كل هذه الآلام ستنتهي بعد أجراء العملية ..
أما اليوم فقد بدت متألمة أكثر من ذي قبل .. ألم لا يضاهيه ألم .. أنهُ
ليس وجع المرض بل إنه وجع الندم وألم الحسرة ، إنهُ يضاهي ويفوق كل الآلام .. فأوجاع الروح ليست كأوجاع الجسد أبداً .. !
في تلك الليلة التي تفصلها عن يوم العملية ساعات محدودة فقط كانت فتاتنا مستلقية على سريرها تكلّم نفسها دون أن يسمعها أحد ...
ـ آه يا ملاذ .. غداً ستكونين على سرير العمليات حيث ستكون روحك بين الأرض والسماء ! بين الموت والحياة !
وعندما تخيلت الصورة تلك أجهشت بالبكاء وبدون أن تشعر صارت تطلق صيحات متكررة وتضرب برأسها على مقدمة السرير ..
ـ ويلٌ لي ماذا سأقول لربي غداً إن انتقلت إلى جواره ؟ آه يا نفسي كم خدعتني !
شعرت ملاذ إن الموت صار يطوّق رقبتها بذراعيه ، بدأت بالصراخ والعويل وهي تقول :
ـ ارحمني يا رب .. أعفُ عني .. سامحني ! آه يا ويلي !!
دخل والدها مسرعاً إلى الغرفة بعد إن سمع صراخها ، أما منتظر ووالدهُ فكانا يقفان خارج الغرفة ينتظران معرفة سبب هذا الصراخ !
ركض والدها نحوها محاولاً تهدئتها :
ـ ملاذ .. ما بك ؟ أجيبيني بالله عليك !
رفع الغطاء عن وجهها فإذا بالدموع قد غسلت وجهها الذي لطمته حتى صار أحمر اللون !
تعجب الأب من هذا المنظر ، لم يعرف ماذا يقول !
أما هي فلقد صمتت بعد أن انتبهت إلى نفسها ، ضمّت وجهها بين طيات الوسادة محاولةً إخفاء حالتها ودموعها عن أبيها الذي حاول جاهداً معرفة الأمر لكن بدون أي نتيجة !
خرج إلى الاثنين اللذين كانا ينتظران في الخارج وقد أخجلهُ الموقف فهوعاجز عن معرفة ما يعتري ابنته .
سأله صاحبه عن الأمر فأجاب :
ـ أظن أن خوف ملاذ من نتائج العملية وخاصةً إنها اقتربت جداً منها ولا يفصلنا عنها سوى هذه الليلة هو الذي جعلها تمر بحالة من الهستريا !
تعجبَّ منتظر من هذه الطريقة التي يتكلّم بها الوالد عن ابنته ! قال بشيء من العصبية :
ـ هستريا ! ماذا تقول يا عم ! إنها حالة تصيب المؤمنين حينما يدنو منهم الموت أو عندما يخافون من دنّوه .. حالة من تأنيب الضمير والندم ..
كان منتظر يحاول في هذه الكلمات أن يُفهم أبا ملاذ بأنهُ مقصّر تجاه
ابنته ، لكن الأخير قد تجاهل الأمر ولم يُبدِ أي اهتمام لحديث منتظر !
كان الوقت يسير ببطء .. نظرت ملاذ إلى الساعة كانت تشير إلى الثالثة بعد منتصف الليل ، شعرت أنها بحاجة إلى أن تتكلم مع منتظر .. فالنوم قد طار من عينيها تماماً ، تساءلت :
ـ هل هو مستيقظ الآن ؟! قد يكون النوم طار من عينيه هو الآخر للتفكير بعملية يوم غد فهي لا تشكل خطراً عليَّ فقط فهو يُمثّل الطرف الآخر من العملية .
وفي الحقيقة كان منتظر قد أصابه الأرق هو الآخر ولا يشعر بأي نعاس ! كان يفكرّ بما أصاب ملاذ في أول الليل ..
سمع صوت وقع أقدام في الشقة ، خرج مسرعاً نظر إلى داخل غرفة الجلوس فلم يجد أحداً ، اتجه نحو المطبخ وجد ملاذ قد أسندت رأسها على مائدة الطعام الموضوعة في وسط المطبخ :
ـ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. هل أنت مستيقظ يا منتظر ؟
ـ نعم يا ملاذ .. لقد أصابني الأرق وطار النوم من عيني !
ـ وأنا كذلك .. برأيكَ لماذا ؟
ـ لقد أقلقني صراخكِ غير الطبيعي .. هذا سبب أرقي ! وأنتِ ؟
ـ أنا .. أنا ( تلكأت ملاذ بالإجابة عندما تذكرت موقفها ذاك )
ـ ما بكِ يا ملاذ .. تكلمّي ! هل يقلقك أمر العملية ؟
ـ جداً !
ـ (( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا )) .
ـ أنا أعرف ذلك يا منتظر .. لكن ...
ـ لكن ماذا ؟
ـ إن نتيجة العملية أما النجاح فأعيش عمراً آخر ، أو الفشل فأموت !
ـ لا تقولي هذا .. كوني متفائلة .
ـ إنني أتعذب يا منتظر ، ضميري يؤنبني ، ماذا سأقول لخالقي لو سألني عن العشرين سنة التي مضت من عمري !
فيوم أمس فقط بدأت بالصلاة ، وقبلها بأيام قليلة بدأت بالتزام الحجاب بالشكل الصحيح و ..
قاطعها منتظر قائلاً :
ـ ألم تعترفي بنفسكِ قبل أيام بأن الله أرحم الراحمين ؟ أو لم تستشعري تلك الرحمة وذلك العطف ؟ لماذا أنت خائفة إذاً يا ملاذ ؟ ثم إنك لم تقترفي تلك الذنوب طوال هذه السنوات عن قصد .. بل إنكِ كنتِ جاهلةً بعواقبها .. لأنهُ لا يوجد من يوّضح لكِ الأمور ، والآن بعد أن عرفت بها لم تقصّري في تأديتها سواء كانت هذه التوبة بالأمس القريب أو البعيد ...
المهم إنكِ لم تكابري ولم تُعاندي بل استغفرتِ الله واستقبلتِ هدايته ،
فأنت الآن من التائبين إن شاء الله ، فالتوبة تصح من العبد عندما يندم على فعلته ويستغفر الله منها ويعده على عدم معاودتها مرةً أخرى ، وأنتِ قمت بهذه الأمور الثلاثة ( الندم والاستغفار ومعاهدة الله ) وفوق هذا صارت دموعك لا تفارقك .. فالبكاء يا ملاذ يطهّر القلب و
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل السابع
.
دخل منتظر غرفة العمليات بقلبٍ ثابت وإرادة قوية .. بدأ الطبيب بإعطائه المخدّر ( البنج العام ) ثم دخل الأطباء الآخرون تلك الغرفة لأجراء عملية استئصال إحدى الكلى من جسده .
كانت ملاذ تشهد هذه الحالة حيث إنها مع والدها ووالد منتظر ينتظرون انتهاء عملية الاستئصال لتبدأ عملية الزرع ..
حيث سيتم زرع كلية منتظر المستأصلة في جسم ملاذ بدل كليتها شبه المعطلة .
قبل انتهاء العملية بفترة قليلة أُدخلت ملاذ إلى الغرفة المجاورة ليبدأ
التخدير التام لها هي الأخرى .
تم استئصال الكلية من جسم منتظر وانتهت العملية بسلام والآن جاء دور ملاذ .
امتلأت الغرفة بالأطباء وقبل أن تفقد ملاذ وعيها تحت تأثير ( البنج ) كانت تردد ما علمّها إيّاه منتظر :
(( إلهي إن لم أكن أهلاً لبلوغ رحمتك .. فإن رحمتك أهلٌ لبلوغي .. لأنها وسعت كل شيء )) .
الوالدان في الخارج كل منهما ينتظر نتيجة فلّذة كبده !
نادى الطبيب :
ـ أين والد منتظر ؟
جاء الوالد مسرعاً :
ـ نعم يا دكتور .. ها أنذا ... كيف حال ابني ؟
ـ الحمدُ لله .. لقد استعاد وعيه تستطيع رؤيته الآن .
دخل الوالد وعيناه مغرورقتان بالدموع وهو يحاكي ولده وكأنهُ يُحاكي طفلاً ذا خمس سنوات !
ـ كيف حالك أيها البطل الشجاع ؟
كان منتظر يشعر بألم شديد لم يكن يتوقعه ! ما الذي يجري له ؟ ما هذه الضربات المؤلمة التي تدق في جسمه ؟ إنه يشعر بارتجاف ورعشة بين فترةٍ وأخرى ، وغشاوةٍ كالسحابة السوداء تحيط ببصرهِ فتمنعه من مواصلة فتح عينيه !
تكلّم مع نفسه :
ـ قد يكون هذا جرّاء المخدر .. لكن ؟!
صمت منتظر وهو يشعر إن الألم يزداد شيئاً فشيئاً ، تساءل مع نفسه مرة أخرى :
ـ هل أُخبر الطبيب بالأمر .. لا .. أكيد إن الأمر طبيعي وهو يحصل لكل مريض يخرج من صالة العمليات .
تركه والده واتجه الى حيث يقف ابي ملاذ منتظراً نتيجة ابنته..
بعد اكثر من ساعة سمع منتظر وقع أقدام أدار ببصره لينظر من القادم ..
الغشاوة مازالت في عينيه ، نعم إنه يرى الآن بشكل أوضح بعض الشيء .. لقد ميز القادم ، إنه أبوه ..
ـ ولدي منتظر .. الحمدُ لله ، نجحت العملية وملاذ بخير الآن ، آه ..
الحمدُ لله على سلامتها وسلامتك أيها الغالي .
مضى يوم على العملية ، ملاذ تزداد تحسناً أما منتظر فأمرهُ غريب ! الألم لا يفارقه .. بل يزداد في كل لحظة ، إنه لا يستطيع أن يقول شيئاً لأنه هو نفسه لا يعرف ما الذي يصيبهُ !
قد تكون آثار العملية ... لكن أهكذا ؟!
لاحظ والده هذا الأمر المقلق ، قرر أن يتكلم مع الدكتور بشأن ولده وحالته تلك .
ـ دكتور .. هل أصاب أبني مكروه ؟
ـ لماذا تقول هذا يا رجل ؟
ـ دكتور إن حالته لا تتحسن ، بل هي تزداد سوءاً !
كان الطبيب المشرف على حالة منتظر ما زال شاباً وجديد العهد بالمهنة ، ارتبك بعض الشيء وقال :
ـ سأخبر الطبيب الذي أجرى له العملية ، إنه الدكتور سعد .. سأخبره بالأمر حالاً .
جاء الدكتور سعد وما أن وقعت عيناه على منتظر حتى تغيرت ملامح وجهه !
تقرّب منه وهمس في أذنه :
ـ ولدي منتظر ..هل تسمعني ؟ أنا الدكتور سعد ..
أجابه والد منتظر :
ـ إنه في حالة إغماء يا دكتور .. أرجوك ساعد ولدي !
طلب الطبيب من والد منتظر الخروج من الغرفة ونادى على الممرض الذي يقف على مقربةٍ منه وتكلم معه بعض الكلمات ، أسرع الممرض بالخروج ثم رجع ومعه خمسة أطباء .. دخلوا الغرفة وأغلقوا الباب خلفهم .
عرف والد منتظر إن ولده قد حدثت لهُ مضاعفات خطيرة جراء العملية ، لكنه لم يتفوّه ببنت شفة غير ترديده لبعض الكلمات .. إلهي أحفظ ولدي .. يا رب
.
ها هو اليوم الثالث من انتهاء العملية ، الطبيب يأذن لملاذ بالقيام
والمشي بعد أن تحسّنَت حالتها كثيراً .. كانت دائمة السؤال عن حال منتظر ولم يكن والدها يجيبها غير انه بخير !
وبعد أن أذن لها الطبيب بالمشي قليلاً طلبت من والدها أن يرافقها إلى الغرفة التي ينام فيها منتظر ..
لم يعرف الأب ماذا يقول لها .. هل يخبرها بالحقيقة ؟ هل يخبرها بأن منتظر في حالة خطرة جداً !
لا .. قرر أن يُخفي الأمر عنها لكن إصرارها على الذهاب إليه جعلهُ يمتثل لأمرها ويرافقها إلى تلك الغرفة ..
دخلت ملاذ وما أن أبصرت منتظر مُلقى على ذلك السرير بحالته تلك حتى دُهشت وركضت نحوه ، سحبت الكرسي وجعلته بقرب سريره ، جلست وبدون وعي صارت تبكي..
ـ آه ماذا جرى لك يا منتظر ؟
كان وجهه أصفر اللون وكأنه لا يحتوي على قطرة دم ! كان والده يقف بقربه ولا يتكلم بغير لغة الدموع .. بكى والدها هو الآخر لأن الحقيقة هي أكبر مما تراهُ ملاذ ..
الحقيقة إن منتظر قد يفقد الحياة بعد ساعات !!
كان الأطباء قد تركوا الغرفة بعد أن يأسوا من حالته .
قامت ملاذ من مكانها وهرعت نحو والد منتظر وهي تصرخ :
ـ أخبرني يا عم .. أستحلفك بالله ، ما به منتظر ؟ لماذا حالته هكذا ..
ولماذا تبكي أنت وأبي ؟ ما الذي تخفوه عني .. أخبروني !
أخبرها والدها بما حصل لمنتظر ،
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل الثامن
.
عاد الأربعة إلى بلدتهم الصغيرة بعد أن تدخلت العناية الإلهية في حفظ منتظر من أن يخطفهُ الموت بعدما حدَث له من مضاعفات شديدة جرّاء العملية.
أخذ والد منتظر يسرد لزوجته ما جرى لولدهما وكيف إن الأطباء عجزوا عن علاجه ولولا إرادة الله ورحمته وفطنة وإيمان تلك الفتاة (( ملاذ )) التي لم تيأس كما فعل الأطباء بل سهرت إلى جانب منتظر تعالجه بالدواء الرّباني ـ كلمات القرآن الكريم ـ التي تشفي كل الأوجاع وتسكّنها لما إستطاع منتظر من اجتياز تلك المرحلة بسلامة .
كانت أم منتظر تصغي لزوجها وهي تمسك بيد منتظر وتبكي ، قالت بعد أن أكمل زوجها الحديث :
ـ كيف بي لو كنت قد فقدتك يا فلذّة كبدي ؟ وهل فعلاً جرى ما جرى لك دون أن أكون معك يا بُني ؟!
أجابها منتظر مقبّلاً يدها :
ـ آه يا أماه ... لقد كنت بين فترةٍ وأخرى أسمع حديث الأطباء مع والدي بأنني سأموت لا محالة ! لا أستطيع أن أصف شعوري لكِ في تلك الأثناء ، تصوّري شخص يقولون له ستموت بعد لحظات وسيضمّك القبر بعد ساعات ! أنهُ شعور رهيب يا أمّاه ..
ضمّت الوالدة أبنها إلى صدرها وصارا يبكيان .. كانت تردد : ساعد الله قلبك يا بُني ، أفديك بروحي يا منتظر .
رفع منتظر رأسه محاولاً مسح دموعه وهو يقول :
ـ أتعلمين يا أمي .. رغم كل الإيمان الذي يملأ قلبي ورغم علمي بعدل الله ورحمته ورغم إنني ـ والحمدُ لله ـ أفضل من كثير غيري من الشباب بفضل حسن تربيتكما لي .. إلا إنني كنت أرى نفسي ـ في تلك اللحظات ـ مقصّراً أشد التقصير ودعوتُ الله أن يُمدَّ في عمري لأعمل صالحاً وأطيعهُ وأُكثر من عبادته ، فلقد أحسستُ بأن الزاد الذي معي قليل جداً بالنسبة للرحلة الطويلة التي تواجهني ! فإذا كنت أنا ـ الذي عرفت طريق الهدى منذ صغري وسلكته محاولاً اجتناب كل معصية وعمل كل ما يرضي الرب ـ واجهتُ الموت بهذه الصورة خائفاً مرعوباً فكيف بأولئك الذين قضوا سنوات عمرهم بالغي والضلال والابتعاد عن الطريق المستقيم ؟
كيف سيرون الموت وكيف سيواجهونه وأي شعور سيُخالج قلوبهم في تلك اللحظة التي لا يمكن الفرار منها ؟!
قال أبو منتظر وقد شدَّهُ حديث ولده :
ـ إن الخوف والرهبة في اللحظات الأخيرة من حياة الإنسان هما أمران يمر بهما الصالح والطالح معاً يا بني ... في تلك اللحظات ـ لحظات خروج الروح ـ يشعر الإنسان بألم نفسي وألم جسدي ، فالألم النفسي لأنه يُدرك في هذه اللحظات الأخيرة أهمية عمل الخير ويُدرك تماماً أنّه مقصّر في كل شيء ويشعر بأنهُ التفت إلى الدُنيا أكثر من الآخرة في أيام حياته وهو الآن بحاجة ماسّة إلى العمل الصالح الذي لم يعمله ، وكذلك تألمه وهو يرى إنهُ مفارق الأهل والأحبة حيث لا عودة !
أما الألم الجسدي الذي ينتج من خروج الروح من الجسد فأنه يعتبر أكبر ألم يشعر به الإنسان ، حيث إن ألم الجرح مع إنه يصيب عصب واحد من الجسم إلاّ إنهُ يسبب آلاماً كبيرة ، فكيف حين تُنتزع الروح من كل عرق وعصب مرةً واحدة ؟!
وهنا يأتي الفرق واضحاً بين الصالح والطالح فإن كان الشخص الذي تُنتزع منهُ روحه مؤمناً صالحاً مطيعاً لله موالياً لأوليائه ومتبرئاً من اعدائه فإن روحه ستخرج كخروج الشعرة من العجين ! هذا ما أوضحهُ لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله ) أما الإنسان العاصي والجاحد فان خروج روحه لن تكون سهلةً أبداً بل سيعاني بالإضافة إلى ألمهُ النفسي ، ذلك الألم الجسدي الذي وصفته لك ـ ألم انتزاع الروح من كل عرق وعصب ـ وهو ألم لا يُضاهيه ألم .
.
#يتبع
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل التاسع
.
بدأ والد ملاذ يلاحظ التغيير الكبير الذي طرأ على سلوك ابنته بعد تلك السفرة ، لقد هجرت التلفاز نهائياً وصارت تأوي إلى الفراش مبكرةً جداً وهي ملتزمة بكافة واجباتها الدينية التي علمها إياها منتظر ..
وفي إحدى الأمسيات قالت ملاذ لوالدها :
ـ أوليس من الواجب يا أبي أن نقوم بزيارة عائلة العم أبو منتظر ونرّد إليهم الجميل ؟ إن الذي فعلوه معنا لا يمكن أن يُعدُّ فضله ورغم ذلك فأنا لا أراك تتصل بالعم أبي منتظر أو تحاول أن تسأل عنه وعن أخباره ، أما هو فدائم الاتصال والسؤال عن أحوالنا !
نظرَ إليها والدها بعد أن أكملت حديثها قائلاً :
ـ ألا ترين إنك لا تتحدثين إلاّ عنهم يا ملاذ ؟ حتى إنكِ نسيتِ أن لكِ
أباً يجب أن تبادليه حنانكِ ومشاعركِ فمنذ يوم العملية إلى اليوم لم أسمع منكِ غير الحديث عن أفضال عائلة أبي منتظر وإحسانهم إلينا !
كان والد ملاذ يتحدث بعصبية واستياء جعل ملاذ تستغرب الأمر ، فلقد رأت والدها قد ضخّم الموضوع كثيراً وأعطاه أكبر من حجمه ! والحقيقة إن حامد صار يشعر إن ابنته لم تعد ابنته بل إنها صارت تنتمي لعائلة أبي منتظر !
هذا ما كان يراود الوالد بخصوص تصرفات ومشاعر ابنته التي تغيّرت كثيراً وفي كل تصرف كانت تقوم به كان يشعر بأنها تريد أن تقول له (( إنك لم تحسن تربيتي .. ومنتظر هو الذي ربّاني )) !!
في الحقيقة إن ملاذ لم تكن تقصد أي شيء مما كان يفكر بهِ والدها لكن الأخير قد ملأت وساوس الشيطان رأسه فصار يشعر بالغيرة والاستياء من تلك العائلة التي سرقت مشاعر ابنته !
لاذت ملاذ بالصمت ولم تتحدث بشيء بعد أن رفض والدها اقتراحها ذلك .
بعد أيام قلائل عزمت عائلة أبي منتظر على زيارة بيت أبي ملاذ وخاصةً إن أم منتظر كانت شديدة الشوق لرؤية ملاذ بعد أن سمعت من زوجها وولدها عن ما فعلته تلك الفتاة لإنقاذ حياة منتظر .
أتصل والد منتظر بصاحبه واتفق معه على موعد الزيارة .. وفي الوقت المحدد وصلت العائلة إلى منزل أبي ملاذ حيث استقبلهم الأخير استقبالاً لا بأس به.
كان منتظر يتوقع أن تقوم ملاذ بفتح الباب لهم كما حدث في أول مرة زار فيها منزلهم لكن لم يكن لملاذ أي اثر هذه المرة !
مرّت عشر دقائق تقريباً على حضور الضيوف ..
سألت أم منتظر :
ـ أين فتاتنا ملاذ ؟ أنا متشوقة لرؤيتها ..
أجاب أبو ملاذ :
ـ نعم .. حالاً سأناديها ، ملاذ .. ملاذ ..
دخلت الفتاة وألقت السلام ، وقد بدت مرتبكة بعض الشيء !
رد الجميع التحية وكانت أم منتظر في حالة دهشة .. فكم هو الفرق بين حجاب ملاذ في أول مرة رأتها فيها وبين حجابها وسترها الآن !
إنها ترتدي الحجاب الكامل ولم يظهر منها إلاّ قرص الوجه والكفين .. تبدو كملاكٍ بحيائها وسترها وأدبها .
أما منتظر فصار يقارن ـ والفرحة تغمره ـ بين طريقة كلامها وضحكتها في تلك الزيارة وبين ما تبدو عليه اليوم من رزانة وهدوء ووقار .
جلست ملاذ بقرب والدة منتظر وصارتا تتحدثان عن أمور الحياة ، حاول منتظر المشاركة في الحديث بعد أن إنتهز فرصة انشغال الرجلين بالحديث عن آخر الأخبار السياسية وأمور أخرى ، فوجّه كلامه إلى ملاذ قائلاً :
ـ وكيف حالكِ الآن مع الوضع الجديد ؟ وهل تعانين من مشكلةٍ ؟
ـ لا .. أبداً يا منتظر ، الحمدُ لله فكل شيء على مايرام ، والسعادة التي حدثتني عنها سابقاً صرتُ استشعر طعمهاً الآن .. لكن ..
ـ لكن ماذا ؟ تكلمي يا ملاذ ..
ـ مازلتُ أشعر إن هناك وقت فراغ يجب أن استغله ، فالحقيقة إنني ما تركتُ الصلاة منذ أن حدّثتني عنها ... وصرتُ أقضي ما فاتني منها في السنوات الماضية ، أما القرآن فيومياً أقرأ جزأين منهُ تقريباً ، والتلفاز هجرتهُ تماماً ...
لكني لا أستطيع أن أقضي كل وقتي بالصلاة وقراءة القرآن فهذا صعبٌ عليَّ !
ـ ليس عليك فقط ، بل إنهُ صعبٌ على الجميع يا ملاذ ... وحتى رسول الله (صلى الله عليه واله) عندما صار يُرهق نفسه بقيام الليل والنهار معاً في الصلاة وعبادة الله حتى تورمت قدماه عاتبه الله بالقول : ((طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى! )) ، فإن قضاء الوقت كله بالصلاة والتعبّد هو أمرٌ صعب يرهق الجسد والقلب معاً لذا قال الإمام علي (عليه السلام) : ( إن القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فتخيروا لها طرائف الحكمة )
ـ وماذا قصد (عليه السلام) بـ ( طرائف الحكمة ) ؟
ـ الطريف هو الجديد ، ذلك إن لكل جديد لذّة ونكهة خاصة ويُعتبر الأسلوب الجديد محركاً على إدامة العمل بنشاط أكبر ، أما الأسلوب الرتيب والقديم ربما يجر إلى النفس السُأم والملل والنفور .
فعندما أرشدنا علي (عليه السلام) في أن نختار لقلوبنا طرائف الحكمة فقصد بذلك أن نختار لها كل جديد حتى لا تمل ولا تتعب .
ـ لقد حاولت يا منتظر أن أضع جدولاً يقسّم وقتي بين أعمال المنزل وبين العبادة .
ـ بل يجب أن يكون هناك وقت خاص للترويح عن النفس حتى لا تملّي العمل ولا العبادة ..
أي إن وقت الترويح هذا سيضيف إليك طاقة أكبر للقيام بعملك وعبادتك ،
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل العاشر
.
مضت ثلاثة أشهر تقريباً على زيارة الحاج كريم وعائلته لبيت حامد ..
ولقد بدا خلال هذه الفترة أمر غريب على منتظر !
صارَ فتانا شارد الذهن ، فكرهُ كثير الهروب ، وكلما حاول أن يبحث عنه وجدهُ عند ملاذ !
ما الأمر ؟ صار منتظر يسأل نفسه كثيراً .. هل من المعقول بأنني قد وقعتُ في حبائل الشيطان ؟!
فرغم هذه الشهور التي مرت على تلك الزيارة إلاّ إن منتظر ما يزال يتذكر ملامحها وكلماتها وتصرفاتها ... بل والأكثر من هذا إن صورتها متعلقة في ذهنه ولا يستطيع أن يمحوها مهما حاول !
ولكن أي صورة هي التي تعلقت في ذهنه ؟ أهي صورة تلك الفتاة التي رآها لأول مرة واستهجن واستحقر حالتها وما كانت عليه حينها ؟ أم هي صورة الفتاة التي رآها بعد عودتهم من السفر وزيارته مع عائلته لها في منزلها وهي بذلك الأدب وبتلك العفّة والحياء ؟
طبعاً إنها الصورة الأخيرة بعد ذلك التغيير الكبير .. تلك الصورة التي لا تريد أن تفارقه أبداً !
أغلق الكتاب بعد أن رأى أنهُ لا يفهم منه كلمة واحدة ! فجميع الكلمات تظهر أمامهُ وكأنها كلمة واحدة لا غيرها ... ملاذ !!!
قام واقفاً .. أدار ببصره في أرجاء الغرفة ، وضع الكتاب على الطاولة واتجه نحو سريره ، رمى بنفسه على فراشه ، بدأ يخاطب نفسه بصوتٍ خفي :
ـ ما بك يا فتى ؟ ألم تكن دائماً تردد بأن الشيطان سوف لن ينال منك أبداً ولن يحدثك عن أي فتاة في هذا الكون ؟!
ثم صار يجيب نفسه كمن أصابه الجنون !
ـ لا أعرف ما بي يا منتظر ! الأمر ليس بيدي ، لستُ أنا من أفكر بها .. بل هناك قوة خارج إرادتي هي التي تجر تفكيري نحوها .
ـ وبرأيك أي قوةٍ هذه ؟
ـ صدّقني لا أعرف .. أظنها قوّة إيمانها هي التي جعلتني أُعجب بها إلى هذه الدرجة ، تلك القوة التي جعلتها تتبع الهدى بهذه السرعة ! نعم فأنا ما جذبتني إلاّ حين تبدّلت بالكامل .
ولو كان تفكيري بها نتيجة شهوة أو نزوة لاستهواني أمرها حين رأيتها أول مرة بذلك المنظر بدون حجاب وبتبرج كامل .. لقد انتقدتها حينها بل احتقرتها في داخلي ، ولم تحدثني نفسي بالنظر إليها ولو لمرة واحدة طوال الفترة التي قضيناها معاً .
أما الآن ( صمت قليلاً وأخذ نفساً عميقاً ثم أكمل ) كم أنا مشتاقٌ
لرؤيتها والتحدث إليها ومعرفة أخبارها ...
أطلق حسرةً أخرى ثم صار يردد مع نفسهِ بألم ...
ـ آه ... ليتني لم أقبل بذلك المشروع ... مشروع التبرع ... ليتني لم أرها ، ليتني لم أحدثها ، ليتني لم أزرها مرة ثانية في منزلهم ... ليتني متُّ في تلك العملية !
كان من شدة التأثر لا يفقه ما يقول ، وفجأة قفزت إليه فكرة ! الهاتف نعم سأتصل بها لكن .. ماذا سأقول لها ؟ وإن ردّ عليَّ والدها !
عاد إلى وعيه وصار يتكلم مع نفسهِ بغضب وعصبية :
ـ آه منك أيتها النفس .. صرتِ تسوّلين لي بأمورٍ محرمة ، ويلٌ لكِ أيتها الأمّارة بالسوء !
جاءهُ صوتٌ أخر لم يُميز مصدره بادئ الأمر كان يقول له :
ـ أتصل بها يا منتظر .. إنهُ ليس أمراً محرماً ، فإنك ستسأل عن أخبارها ليس إلاّ ! ما بك يا فتى ، إنها من الأمور المستحبة أن تسأل عن أحوال الآخرين !
استجاب منتظر لهذا الصوت ، اتجه نحو الهاتف ، رفع السماعة وصار يُدير القرص على رقم منزلها ومع كل حركة يشعر بأن دقات قلبه تركض نحو المجهول ... استمر الهاتف بالرنين وأخيراً سمع صوت يحدّثه .. إنه ليس صوت ملاذ ،
بل وليس صوت والدها ! من يكون يا ترى ؟
إنهُ صوت ( الضمير ) : منتظر ... ما الذي تفعلهُ ؟ هل فعلاً استجبت لنداء الشيطان ؟ كيف تصدّق بأن ما تفعله الآن ليس بحرام ! أنت تعرف جيداً إنك لا تريد من هذه المكالمة إلا سماع صوتها لتشعر بالراحة ولِتُطفئ نار الشوق التي اشتعلت في قلبك ! إنك تتبع نداء قلبك يا منتظر وما نداء القلب إلا ( الهوى ) فأرجع إلى وعيك وتذكر قوله تعالى : (( وأما من خاف مقام ربهِ ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى )) .
أعاد منتظر سماعة الهاتف بيدين مرتجفتين ، رجع مسرعاً إلى غرفته ، أغلق الباب خلفه وجلس على الأرض ، أسند ظهره على الباب خوفاً من أن يفتحها أحد!
وضع رأسهُ على ركبتيه وصار يبكي وهو يلعن نفسه مرة ويخاطب الله مرةٌ أخرى :
ـ يا ويلي ... كيف تجرأت عليك يا ربي ؟ كيف خالفت أمرك واتبعتُ هوى نفسي .. كيف كيف ؟؟
كان هذا الموقف من أصعب وأحرج المواقف التي مرت به طوال حياته بل حتى أصعب من ذلك الموقف الذي جمعه بملاذ في تلك السيارة !
لأول مرة ينصاع بسرعة لأمر النفس والشيطان ، لقد إتحدا ضدّه ولولا وجود ضميره الذي أنقذهُ في آخر لحظة لكان قد وقع في شباك الشيطان ...
فكيف يكلمّها سراً بدون علم أحد ! وماذا سيقول لها ونفسهُ هائجةٌ بذلك الشوق الملتهب !
ستكون كل كلمة منه مصدرها العاطفة والهوى ، تذكر قوله تعالى
(( ولا تواعدوهنّ سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً )) فأي قولٍ معروف يمكن أن يقوله لها وهو في هذه الحالة من الاضطراب والتوتر العاطفي !
مسح دموعه ، قام وقد استعاد عقله ، توضأ
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل الحادي عشر
.
استيقظ منتظر في إحدى الصباحات على صوت المُنشد وقد علا صوت الموشحات آلة التسجيل وهي تصدح في أرجاء البيت !
خرج من غرفته فإذا بالزينة والبالونات تملأ أركان المنزل ! ما الذي يحدث ؟ اتجه نحو غرفة الجلوس حيث تجتمع العائلة ألقى السلام ووجّه كلامه إلى والدته :
ـ خيراً إن شاء الله يا أم منتظر !
قامت أمهُ وقبّلتهُ وهي تقول :
- كل عام وأنت بخير يا حبيبي .
ـ وأنتِ بألف خير يا أماه .. لكن هل اليوم عيد وأنا لا أعرف !
قام أصغر أخوته من مكانه وهو يقول :
-اليوم عيد ميلادك يا منتظر !
ـ عيد ميلادي ! آه نعم .. لكن هل مازلتِ تتذكرين يا أمي ؟ لقد كبرت على هذه الأشياء !
ـ أنتَ في نظرنا ، أنا ووالدك ، مازلت ذلك الولد المدلل .
ـ أشكرك أيتها الغالية .
اقتربت والدته منه أكثر ووضعت شيئاً في يديه وقبّلته ثانيةً ، كما قام
جميع أخوته بعمل نفس الشيء ، باركوا لأخيهم الأكبر وقدّموا لهُ الهدايا .
إنهُ مع اليوم يُكمل ثلاثة وعشرين عاماً وسيدخل يوم غد في السنة الرابعة والعشرين من عمره .

  
دخل منتظر غرفته وبدأ بفتح الهدايا ، كانت كلّها جميلة ولكن هناك هدية مميزة جداً جعلت قلبهُ يدقُّ سريعاً !
إنها هدية الأم .. كانت كتاباً عن الزواج المبكر في نظر الإسلام .. في الحقيقة كانت أم منتظر تشعر بأحاسيس ورغبات ابنها ، حالها حال أي أم على وجه هذه الأرض .
كانت تتمنى أن يتكلم معها ويصارحها برغبته في الزواج من ملاذ والتي هي رغبتها أيضاً بأن يرتبط ولدها الأكبر بهذه الفتاة المتميزة .
ولأنهُ إنسان مؤمن كان يغلب عليه الحياء كلما أراد أن يُصارح والدتهُ ! إذ كان دائماً يحاول إخفاء مشاعره.. بادرت هي بفتح هذا الموضوع من خلال هذا الكتاب الذي يشجع الشاب المؤمن على الزواج مبكراً كي لا يبقى رهين الوساوس والأحلام السيئة !
كان منتظر إلى هذه اللحظة لم يفكر بأمر خطبة ملاذ أو أي شيء من هذا القبيل ... كان كل همهُ أن يحارب الشيطان والهوى ! أما الآن فلقد علّمتهُ أمه درساً لن ينساه طوال حياته وهو إن الإسلام دين سماحة ورحمة ولا يرضى للشاب المسلم أن يكبت رغباته المشروعة ، بل فتح لهُ طريقاً مهماً وجميلاً ألا وهو طريق ( الزواج ) من خلالهُ يُغلق كل الأبواب أمام إبليس اللعين وزمرتهُ الخبيثة !
ورغم كل هذا تراجع منتظر عن هذه الفكرة ـ على الأقل حالياً ـ قال في نفسه :
ـ الظاهر من هذه الهدية إن أمي تريدني أن أتزوج رغم إنني تخرجتُ توّاً من الجامعة ولا يوجد لديّ عمل محدّد وثابت أستطيع من خلاله أن أكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال ! لا .. لا يمكن أن أتزوج الآن أو حتى أن أخطب ، فكل خطوة تحتاج آلاف الدنانير !
وفي المساء بدأ أخوته يسألونه عن رأيه بـهداياهم ..
وكان منتظر يجيبهم بفرحٍ وسرور وعندما وصل الدور إلى الأم قالت :
ـ وأنا يا قرة عيني .. هل أعجبتك هديتي ؟
شعر منتظر بالحياء واحمرّت على إثر هذا السؤال وجنتاه ولم يعرف بماذا يُجيب والدته من شدّة الحياء والخجل!
لم تشأ الأم أن تُحرِج ولدها أمام إخوته الذين لا يعرفون طبيعة تلك
الهدية ، لذلك لم تلح أكثر في طلب الإجابة .
بعد إتمام العشاء قام منتظر قبل الجميع ودخل غرفته ، أشار أبو منتظر إلى زوجته بأن تقوم خلف منتظر وتكلمه على انفراد حول موضوع الهدية حيث إن الأب كان يعرف كل شيء عن الأمر .
استجابت الأم لطلب زوجها فاتجهت نحو غرفة ولدها وطرقت الباب ، أجاب منتظر :
ـ ادخل .. الباب مفتوح .
دخلت فوجدتهُ مستلقياً على فراشه ، فزع عندما رآها وبدا عليه التوتر ! ابتسمت والدته ثم قالت بعد أن جلست بقربهِ على السرير :
ـ ما بك يا فتى ؟ هل تستحِ من أمك ؟!
ـ لا .. لا طبعاً يا أماه ، لكن ..
ـ لكن ماذا يا ولدي ؟ هل تظن بأن أمك ستتركك هكذا في حيرتك ! لقد كبرت يا بُني وصرتَ رجلاً يُعتمد عليه وأبوك وأمك يتمنان أن يرياك عريساً قبل وفاتهما !
ـ لا تقولي هذا يا أمي أرجوكِ .. فمازلتما في شبابكما .
ـ اسمع يا بُني ( بدون لف ودوران ) أنت يجب أن تتزوج !
ـ ماذا ؟ يجب !
وقبل أن يكمل قاطعته قائلة :
ـ لا تحبّذ الشريعة أن يبقى الشاب بعمرك بلا زواج .. ومن أفضل المستحبات أن يتزوج الشاب مبكراً ، حتى لا يقع في المحرمات لا سمح الله .
ـ لكن يا أماه .. أنا ولله الحمد لا تهمني هذه الأمور !
ـ يا منتظر .. الزواج أمر مهم ومهم جداً لذلك وصفهُ الرسول (صلى الله عليه وآله) بأنه ( نصف الدين ) وخاصةً للمؤمنين فهو يقيهم من زلاّت وعثرات كثيرة ، ألم تسمع بتلك الرواية عن حال إبليس كيف أنه يضج ويقول حين يتزوج الفتى : ( يا ويله ، عصم مني دينه ) يعني إنك بزواجك سوف تعصم دينك من شر ذلك المخلوق عليه اللعنة ، والزواج ليس عيباً يا ولدي حتى تستحِ منه ، إنهُ سُنّة الحياة بل سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي قال : (( النكاح سُنتي فمن رغب عن سُنّتي فليس مني )) .
ـ نعم يا أمي أنا
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل الثاني عشر
.
فرحت أم منتظر أشد الفرح عندما أخبرها زوجها بموافقة ولدهما على الزواج وفرحت أكثر عندما عرفت أن ولدها قد اختار من اختارتها هي أيضاً ، أسرعت نحو الهاتف وأدارت رقم منزل ملاذ .. أخذت منها موعداً لزيارتها بعد أن سألتها عن أخبارها وأخبار الوالد .
وفي الساعة السادسة عصراً كانت أم منتظر قد وصلت منزل ملاذ ، استقبلتها فتاتنا استقبالاً حاراً فلقد مضت عدّة شهور على اللقاء الأخير .
قالت ملاذ بصوت متأثر :
ـ ما كنتُ أظنكِ تنسيني هكذا يا خالتي فبعد لقاءنا الأخير في منزلنا لم تتصلي بي إلاّ مرة واحدة بالهاتف !
ـ لكِ كل الحق يا ملاذ لكني كنتُ أنتظر أن تتصلي أنتِ بخالتك فإن وقتكِ أوسع من وقتي بكثير .
ـ آه يا خالة .. كم أتمنى أن أزوركم أو أتصل بكم لكن ...
ثم أطلقت ملاذ حسرة طويلة تذكرت من خلالها موقف والدها تجاه هذه العائلة ! فهل تخبر أم منتظر عن ذلك الموقف ؟ طبعاً لا ! فضّلت السكوت ..
ـ لا أعرف فعلاً يا ملاذ كيف تتحملين هذه الوحدة !؟
ـ هل تصدّقين يا خالتي لو قلتُ لكِ أن ربّي صار بالنسبة لي هو السلوة الوحيدة في حياتي ..
ـ ونِعمَ بالله .
ـ صحيح إنني ما أن فتحتُ عيني في هذه الحياة حتى فقدتُ أقرب إنسانة لي وهي ( أمي ) فلم أعرف حينها سوى أبي الذي أبعدني عن كل انسان سواه .. بل حتى أهلهُ وأهل أمي لم يحاول أن يعرفني عليهم ! لكن رغم كل هذا أشعر الآن أن ( الله ) هو أهلي وكل قرابتي !
دمعت عينا المرأة وهي تسمع هذه الفتاة تتكلم بهذا الكلام الكبير والمؤثر، قالت أم منتظر وهي تحاول الدخول في الموضوع :
ـ لقد جئت اليوم لأمرٍ خاص يا عزيزتي ..
ـ خاص !
ـ جئتُ لأرى رأيك في ابني منتظر !
ـ منتظر ؟!!
كانت ملاذ رغم كل ما تمر بهِ من قسوة الأيام تحاول جاهدةً أن تتناسى ذلك الإسم ! نعم فمنذ أن رأت إن أباها لا يطيق سماع هذا الإسم وهي تحاول بما تملك من قوة أن لا تذكرهُ أمامه .
قالت أم منتظر مبتسمة :
ـ ما بكِ يا ملاذ ! لماذا شرد ذهنكِ هكذا .. ؟ ما رأيكِ بأبني كزوج ... ؟
ـ زوج !
ـ لقد جئت اليوم خاطبةً إياكِ لولدي .. فماذا تقولين ؟
ـ لكن يا خالتي .. لماذا أنا بالذات ؟ أخشى أن يكون هذا قراركِ أنتِ ...
ـ صدّقيني يا عزيزتي ، إنهُ هو من أرسلني ..
كانت الدهشة والارتباك باديتان على فتاتنا ! نعم كانت تتمنى أن ترتبط بهذا الشاب منذ أول مرة رأتهُ فيها ، لكن بعد مرور الأيام صارت تشعر إنها لا تستحق هذا الإنسان .. لما يملكهُ من صفاء الروح وطهارة السريرة ..
قطع تفكيرها مرة أخرى صوت أم منتظر وهي تقول :
ـ أعرف بماذا تفكرين الآن ، لكن يا ملاذ لقد تغيرت الأمور كثيراً وصرت أنتِ اختيار منتظر الوحيد .
شعرت ملاذ بالسعادة والنشوة لسماعها تلك الكلمات لكنها تذكرت شيئاً ما ! قالت بألم :
ـ آه يا خالتي لو كان الأمر بيدي!
ـ لا عليك يا ملاذ .. إن أمر أبيكِ سهل إن شاء الله .
صمتت ملاذ وهي تتخيل ملامح والدها عند سماع الخبر !
قامت أم منتظر وهي تدعو الله أن يتمم الأمر على خير وان يجمع شمل ابنها بهذه الفتاة ، أما ملاذ فما كان منها إلاّ أن دعت الله أن يفعل ما فيه رضاهُ سبحانه وما فيه صلاح أمرها وأمر ذلك الشاب .
.
#يتبع