سًيًدِتّيً
3.55K subscribers
8.97K photos
366 videos
82 files
1.1K links
قناة سيدتي كل ما يهم المرأة
كل مايهم المرأة العصرية والفتاة العربية .
@Sayidati
Download Telegram
‏اِحْذري خرَّابات البيوت!

في الأسبوع الماضي، كتبتْ "بيترونيلا وايت" مقالةً هزَّتْ فيه أرجاء أوروبا!
فالكاتبة البريطانيّة التي سخّرتْ حياتها لنشر سموم أفكار النَّسوية، قد استفاقتْ أخيراً، ولاتَ حين مندم، لم يعُدْ بإمكانها إصلاح ما أفسدته من حياتها، ولكنّها أرادتْ أن لا تشرب الأخريات من الكأس التي شربتْ هي منه، وهذا تصرّف محترم، لأن الاعتراف بالخطأ خيرٌ من الاستمرار عليه حين يتبيّن أنه خطأ!

أهم الجمل التي لفتتْ نظري في مقالة بيترونيلا وايت :
- أنا عازبة وبلا أطفال ووحيدة لقد خذلتني الحركة النسوية وخذلت جيلي كله!
- ألتقي مع صديقاتي، جميعنا في منتصف الخمسينات من عمرنا، عاملات ومتعلمات تعليمًا مرموقًا، ولكن هناك فراغ في حياتنا فكلنا عازبات وليس لدينا أطفال!
- أشعر بشكل متزايد كما تشعر صديقاتي المقربات أن الحركة النسوية قد خذلت جيلنا، وأنّ الفلسفة النسوية قد أصبحت ضارة!
- الحركة النسوية علمتنا أن الأنثى التقليدية هي صورة نمطية اخترعها الرجال لإبقائنا تحت سيطرتهم وبناءً على ذلك كنت معاديةً للرجال إلى حد إبعادهم والآن ها أنا أدفع ثمن ذلك!
- فات الوقت بالنسبة لي ولصديقاتي ولكن لا ينبغي لنا أن نسمح للحركة النسائية بأن تدمر حياة الأجيال القادمة أيضاً!

اِحذري خرّابات البيوت:
سيقُلنَ لكِ لا فرقَ بينكِ وبين الرّجلِ، زاحميه وتفوّقي عليه، وسصورنَ لكِ الحياة معركةً معه، وسيُحوّلنه في عينيكِ من حبيب مفترض إلى عدو حقيقي!
وأنتِ في فطرتكِ تعرفين أنكِ لا تُشبهينه ولا يُشبهكِ، وأنكِ ولدتِ لتكوني معه ويكون معكِ، ولتكملي به ما ينقُصكِ، ويكملُ بكِ ما ينقصه!
وأنكِ يجب أن تمسكي يده بدل أن تُلاكميه، فإنكِ قد خُلقتِ منه، فإنكِ بعضه وهو كلُّكِ، وأن لا سعادة للمرأة إلا في كنف رجل يُحبُّها ويخافُ الله فيها!

سيقُلنَ لكِ تمرّدي، هذا المجتمع يحاولُ السيطرة عليكِ، وستخوضين معركةً تستنزفُ عمركِ كلّه، ثم ستكتشفين بعد ضياع العمر أنكِ كنتِ تُحاربين عدواً موهوماً اخترعوه لكِ تماماً كما صارع دون كيشوت طواحين الهواء!
جهد مبذول في غير مكانه كلّفكِ أن تخسري العائلة والسَّكينة شابةً، وأن تمضي آخر عمركِ وحيدة في بيتٍ مع حيوان أليف!
قتلوا فطرتكِ في أن تُقدّمي الرّعاية والحُبّ، فعوضتها في قطة وكلب!

سيقُلنَ لكِ: جسدكِ ملككِ، امنحيه من شئتِ، وامنعيه من شئتِ!
ثم ستكتشفين بعد ضياع العمر أنكِ كنتِ في هذه الحياة عابرة سرير!
وأنَّ الإنسان حين يتقدّمُ به العمر يشعرُ بالصقيع وحده، صقيع ترتجفُ منه الروح مهما حاول إنكاره!
وأنّ الأخريات السّويات لديهنَّ عائلات، وأزواج، وأحفاد، وأنتِ لا أحد في حياتكِ لتحبيه ويُحبُّكِ!
وستكون أغلى أمنياتك التي ستتحسرين عليها دفء حبيب وأمان عائلة!

سيقُلنَ لكِ: لقد أهانوا المرأة وظلموها!
نعم أهانَ الغربُ المرأة وظلمها!
أهانها في جسدها إذ جعله سلعة، حتى مع دعاية زيت السيارات يجب أن تكون هناك امرأة شبه عارية!
وظلمها حين حمّلها ما لم تُخلقَ لتحمله، فزجّها في سوق العمل، فصارت حياتها كلها سباقاً، وتحوّلت من بانية أجيال سويّة إلى آلة انتاج!
ولكن أنتِ من الذي ظلمكِ؟!
فإن كان ثمة رجالٌ ظلموا النساء عندنا، فلأنهم لم يفهموا الرجولة، كما لم تفهمي أنتِ الأنوثة، وكان واجبكِ أن تتزوجي، وتنجبي وتُصححي المفاهيم!
انظري إلى الأُسر السّوية في مجتمعاتنا وهي والحمدُ لله كثيرة!
الأمُ توضعُ على الرأس كأنها ملكة الزّمان، لأنّ تحت قدميها الجنّة!
والزّوجة تُكرمُ وتُصان وتُدلل، لأن خير الرّجال خيرهم لنسائهم!
والبنتُ يُخشى عليها من نسمة الهواء، ويُقال للصبيّ لا لشيء يريده، أما البنت فكأنها أميرة البيت، لأنهن المؤنسات الغاليات!
والعمة والخالة والقريبة هي رحم موصولة معلقة بالعرش!
أنتِ من دينٍ كانت تُحرّك فيه الجيوش لأجل عرض امرأة واحدة، فكيف أقنعوكِ أنكِ لستِ غالية!

أدهم شرقاوي
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (3)
رِعايةُ عائشةَ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الحجِّ

السفر لم يمنع عائشة من رعاية النبي صلى الله عليه وسلم :
وفي الميقات صلَّت أُمُّنا عَائِشَةُ رَضِي اللَّه عَنْهَا صلاة العصر قصرًا، والمغرب، والعشاء قصرًا، وفجر اليوم التالي، وبعد صلاة الظهر تحرَّكت قافلة الحجِّ إلى مكة.
وفي فترة بقاء أُمِّنا عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا في الميقات كانت تقوم على رعاية النبيِّ صلى الله عليه وسلم من كلِّ وجه، حتى أنها كانت تُطَيِّبه ليطوف على نسائه قبل إحرامه، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ فِى نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا.
وهذا الطيب لم يعلم به الصحابة لولا تحديث أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا به، لأنه شأن داخلي في البيت، فعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبل معاشرته لزوجاته بالليل، وهذا من حسن عشرته صلى الله عليه وسلم لزوجاته. وإذا كان هذا فعل النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو رجل، فتطيُّب المرأة لمثل هذا من باب أولى، ولذلك ذكر العلماء ((أَنَّ السُّنَّةَ اتِّخَاذُ الطِّيبِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عِنْدَ الْجِمَاعِ)). (فتح الباري 1/381)
وهذه المعاشرة بين الزوجين قبل الإحرام لا تُخِّل بمشاعر الحجِّ، ولا تمنع منه، بل هي جزء من تفريغ النفس عن احتياجها الفطري قبل الدخول في النُّسك، حتى لا تنشغل النفس به في النُّسك، أو تضعف فتقع في المحظور.
ولا يُعاب على المرأة في الحجِّ تزيُّنُها لزوجها ليلة الإحرام وتطيُّبُها ليعاشرها، فإن لها أسوةً بأمهات المؤمنين رضي الله عنهنَّ.

وفي صباح اليوم التالي طيَّبت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بيدها ليُحرمَ بالحجِّ؛ قالت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، عِنْدَ إِحْرَامِهِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ.
وكانت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تختارُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أفضلَ ما تجد من الطِّيب، كما قالت رضي الله عنها: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَطْيَبِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، ثُمَّ يُحْرِمُ.
وكانت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تفتخر بأنها طيَّبتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بيدها فتقول: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ.
وكلُّ هذا يدلُّ على شِدَّة عناية أُمِّنا عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في حال سفره، وعنايتها بمظهره ورائحته.
وفي هذا تنبيهٌ لكِ أختي الحاجَّة، أن تعتني بزوجكِ إن كان معكِ في الحجِّ بمثل ما اعتنت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ولا يمنعكِ السفرُ للحجِّ من ذلك.

التطيُّب للإحرام:
وفي الميقات كانت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تتطيَّب للإحرام فتضع الطِّيب على جبهتها، ويبقى أثر هذا الطِّيب بعد الإحرام، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ، فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالسُّكِّ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلا يَنْهَاهَا.
وإنما كانت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تضع الطِّيب عند إحرامها، لأنه ((يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ مَا يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ؛ مِنْ الْغُسْلِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَالتَّطَيُّبِ، وَالتَّنَظُّفِ)). (المغنى 3/303)
ولم يكن هذا فعل أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا فقط، بل كان هذا فعل جميع زوجات النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما أخبرتنا بذلك أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، حيث ذكرت: ((أَنَّهُنَّ كُنَّ يَخْرُجْنَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، عَلَيْهِنَّ الضِّمَادُ، قَدِ اضْطَمَدْنَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمْنَ، ثُمَّ يَغْتَسِلْنَ وَهُوَ عَلَيْهِنَّ، يَعْرَقْنَ وَيَغْتَسِلْنَ لَا يَنْهَاهُنَّ عَنْهُ)).
وهذا الطِّيب الذي تتحدَّث عنه أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا هو عبارة عن مجموعة مواد تُطحن أو تُدقُّ وتُخلط بنوع من الزيوت، ثم تُحوَّل كالعجينة، ثم تُجفَّف، أو تُستخدم وهي عجينة، والغالب أنَّ أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا كانت تستخدمها وهي عجينة، ولذلك كانت تضعها على جبهتها كما يوضع الضماد على الرأس.
وهذا الطيب يشبه اليوم ما تضعه المرأة على وجهها من مواد عصرية، فهو طيب تتجمل به، ولكنه لا رائحة له يَشمُّها الرجال منها.
ودلَّ فعلُ أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على جواز وضع المرأة لهذا النوع من الطيب أو الزينة، واستدامة ذلك بعد الإحرام، أي يبقى على جسدها أو وجهها بعد الإحرام ولا تلزم بإزالته؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَراهنَّ ولم ينكرْ عليهنَّ، بل سكت عنهنَّ، وسكوته دليل الجواز.
وفي هذا تنبيهٌ للمرأة في الحجِّ بألا تنكر على من تتزين للإحرام بزينة لا يراها الرجال، مادامت هذه الزينة وهذا الطيب مما لا رائحة له يشمُّه الرجال.

أسماء بنت عميس تلد في الميقات:
وفي أثناء وقوف قافلة الحج في ميقات ذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس رضي الله عنها بمحمد بن أبي بكر، فطلبت من زوجها أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن يستفتي لها النبي صلى الله عليه وسلم ، قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: ((اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي)). أي اجْعلي موضعَ خروج الدَّم خرقة أو قطعة قماش تَمنع الدَّم.
فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل للإحرام، ولو كانت نفساء، وكذلك الحائص إذا وصلت الميقات تغتسل للإحرام وتحرم، غير أنها لا تطوف بالبيت ولا تصلي، وتنسك المناسك كلَّها.

نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
قصة عائشة في حجة الوداع (4)
إهلال عائشة بالعمرة في حجَّة الوداع

أُولى خطوات تغيير أمر الجاهلية في الحجِّ:
قد لا نتصور حجم الصعوبات التي كان يمرُّ بها النبي صلى الله عليه وسلم في تغيير بعض أفعال الجاهلية التي تربَّى عليها الناس، واستقرَّت في نفوسهم، وذلك لأننا نشأنا في الإسلام واستقرَّت تعاليم النبيِّ صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين، وإن قصرنا في تطبيقها، لكننا نعلم أنها الحقُّ.
والإسلام جاء لهدم الجاهلية من نفوس الناس، وتربية النفوس على عبودية الله وحده لا شريك له، ولو تتبعنا ما ورد في القرآن الكريم من آياتٍ وأحكام نزلت لإبطال أمر الجاهلية لوجدنا الشيء الكثير.
ولم يكن تغيير مسائل الجاهلية وتصوراتها بمستوى واحد، فبعضها أصعب من بعض. وبتتبُّع سيرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم نجد أن مسائل وعقائد الجاهلية الكبيرة التي استقرَّت في نفوس الناس واعتبروها دينًا، واعتبروا انتهاكها ومخالفتها من كبائر الأمور- نجد أن الله وَكَلَ أمرَ تغييرها إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حياته الخاصَّة أولًا، ثم يتبعه الناس؛ مثل إلغاء التبنِّي، وتزوُّج مُطلَّقة المُتَبنَّى، وهو أشدُّ من التبنِّي، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ [الأحزاب: 37]

ومن هذه المسائل؛ أداء العمرة مع نسك الحجِّ في سفرة واحدة في أشهر الحجِّ، والتي كان يعدها أهل الجاهلية - من كفَّار العرب المعظِّمين للبيت الحرام - يعدونها من أفجر الفجور. قال ابن عباس رضي الله عنه: إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ، كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ العُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الفُجُورِ فِي الأَرْضِ، فَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَيَجْعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَا الدَّبَرْ، وَعَفَا الأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ.
وتظهر هذه الصعوبة في تغيير هذا التصوُّر - عند من أسلم من العرب وعاش مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم وتربَّى على يديه - في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، حيث قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ العُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الفُجُورِ فِي الأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَا الدَّبَرْ، وَعَفَا الأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ، قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الحِلِّ؟ قَالَ: ((حِلٌّ كُلُّهُ)). ((فَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: (كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ)، وَتَرْتِيبُهُ بِالْفَاءِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ: (فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً)، ظَاهِرٌ كُلَّ الظُّهُورِ فِي أَنَّ السَّبَبَ الْحَامِلَ لَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَمْرِهِمْ أَنْ يَجْعَلُوا حَجَّهُمْ عُمْرَةً، هُوَ أَنْ يُزِيلَ مِنْ نُفُوسِهِمْ – بِذَلِكَ - اعْتِقَادَهُمْ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ)). (أضواء البيان 4/356)
فهذا التعاظم عند الصحابة الذين تربَّوا قبل ذلك على مخالفة أمر الجاهلية في قضايا مختلفة، تُبيِّن لنا صعوبةَ تغيير المألوف عند الناس الذي يعتبرونه دينًا، وعاشوا عليه مدَّة من الزمن، لذلك تدرَّج النبيُّ صلى الله عليه وسلم في طرح الموضوع عليهم.

فكانت البداية بتخيير الصحابة في أنواع النُّسك وهم في ميقات ذي الحليفة، ((وكانوا أوّلاً لا يعرفون إلا الحجَّ، فبيَّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوهَ الإحرام، وجوَّز لهم الاعتمار في أشهر الحجِّ)) (إرشاد الساري 3/129)، وترك لهم صلى الله عليه وسلم اتخاذ القرار؛ كلٌّ بحسب إرادته.
وقد استجاب لطلب النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة.
تقول أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِينَ لِهِلالِ ذِي الْحِجَّةِ، لا نَرَى إِلاَّ الْحَجَّ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ، وَأَمَّا أَنَا فَأُهِلُّ بِالْحَجِّ فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ، فَإِنِّي لَوْلا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ))، فَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِحَجٍّ، وَكُنْتُ أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ.
ومن جميل قول العلماء في هذه المسألة تعليقًا على حديث ابن عباس في تحريم كفَّار العرب العمرة في أشهر الحجِّ، قولُ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: ((هَذَا مِنْ تَحَكُّمَاتِهِمُ الْبَاطِلَةِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْ غَيْرِ أَصْلٍ)). (فتح الباري 3/426)
فلا يلزم أن يكون لكلِّ فعل خاطئ من أعمال الحجِّ اليوم أصل يرجع إليه، بل قد يبتكر الناسُ أفعالًا هي أبعد ما تكون عن هدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومن هنا تنشأ البدع والانحراف عن السنن.

بل قد تكون المسائل المبتكرة لها مقصدٌ خفيٌّ يصبُّ في مصالح من ابتدعها، وهذا من عجيب ما ذكره أحد العلماء في هذا الموضوع حيث قال: ((إن الناس كانوا لا يعرفون العُمرة في أشهر الحجِّ، بل إن العرب في الجاهلية يرونها من أفجر الفجور، ويقولون: لا يمكن أن تأتي إلى مكة بعمرة وحجٍّ، بل لا بد أن تأتي بعمرة في سفر وحجٍّ في سفر، وهم ينظرون إلى ذلك من ناحية اقتصادية حتى يكثر الزوَّار والحجَّاج، وتكون الأسواق أكثر اشتغالًا)). (شرح حديث جابر بن عبدالله في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم 93)
وفي هذا تنبيه للنساء في الحجِّ أن يحرصنَ على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويحذرنَ كلَّ الحذر مما تسرَّب إلى صفة الحجِّ من أفعال الجاهلية القديمة، أو من فعل الناس اليوم مما هو مخالفٌ للسنة النبوية في الحجِّ، وخاصة ما يصدر من إدارة بعض حملات الحجِّ، والتي قد تكون لها مصالح مادية في تغيير مسيرة الحجِّ عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تُهلُّ بالعمرة:
ومما اتَّخذه النبيُّ صلى الله عليه وسلم من خطواتٍ في تغيير أمر الجاهلية في مسألة العمرة في موسم الحج، أنه صلى الله عليه وسلم أمر أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بالإهلال بالعمرة. تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ)). قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَجٍّ وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ.
وكما أخبر عنها جابر بن عبدالله راوي حجَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَأَقْبَلَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مُهلَّة بِعُمْرَةٍ.
ولا يُتصور أن أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أخذت قرار الإهلال بالعمرة من غير مشورة من النبي صلى الله عليه وسلم. بل المؤكد أنه صلى الله عليه وسلم علَّم أمهاتِ المؤمنين أحكامَ النُّسك وأنواعه، وأمرهنَّ بالإهلال بالعمرة.

ثم انطلقت القافلة إلى مكَّةَ بعدما أَهَلَّ الناس بالنُّسك، رافعين أصواتَهم بالتلبية، معظِّمين لحرماتِ الله ولشعائرِ الله يرجون رحمة الله.
انطلقت القافلة يوم الأحد، واستمرت في المسير إلى يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَبَّيْنَا بِالحَجِّ، وَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ. فاستغرق الطريق سبعة أيام، لأنهم باتوا ليلة الأحد خارج مكَّة، ودخلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة الأحد الرابع من ذي الحجة.
نكمل غدًا إن شاء الله.

وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
ولا يُتصور أن أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أخذت قرار الإهلال بالعمرة من غير مشورة من النبي صلى الله عليه وسلم. بل المؤكد أنه صلى الله عليه وسلم علَّم أمهاتِ المؤمنين أحكامَ النُّسك وأنواعه، وأمرهنَّ بالإهلال بالعمرة.

ثم انطلقت القافلة إلى مكَّةَ بعدما أَهَلَّ الناس بالنُّسك، رافعين أصواتَهم بالتلبية، معظِّمين لحرماتِ الله ولشعائرِ الله يرجون رحمة الله.
انطلقت القافلة يوم الأحد، واستمرت في المسير إلى يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَبَّيْنَا بِالحَجِّ، وَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ. فاستغرق الطريق سبعة أيام، لأنهم باتوا ليلة الأحد خارج مكَّة، ودخلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة الأحد الرابع من ذي الحجة.
نكمل غدًا إن شاء الله.

وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (6)
هذا أمر كتبه الله على بنات آدم

مواساة النبي صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لما حاضت:
إن معاملة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأزواجه أُمَّهات المؤمنين هي أرقى معاملة بين الزوج وزوجه، وكل من يريد أن يتعلَّم فنَّ التعامل بين الزوجين فعليه أن يدرس حياة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، فهذا هو المثل الأعلى للزوجين.
ومن صور التعامل الجميلة بين النبيِّ صلى الله عليه وسلم وزوجه عائشة، ما وقع لها في هذه القصة، فإن بكاء عائشة لما حاضت إنما وقع منها لما أصابها من ضيق وحُزن على فوات العمرة، وهذا السبب قد لا يدركه الرجال بسرعة، وقد لا يهتمُّ له الرجل، لأنه يرى أن الحيض أمر طبيعي يحصل لكلِّ امرأة، وهو كذلك، ولكن قد تكون المرأة في حالة نفسية تتأثَّر بنزول الحيض، كالتي تنتظر الحمل بعد زواجها، ويتأخَّر عليها، فتبكي عند نزول الحيض. أو لأي سبب آخر.
فجاء فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة توجيهًا للأزواج في فنِّ التعامل مع المرأة في مثل هذه الحالة.

ولم يكتف النبيُّ صلى الله عليه وسلم بسؤالها عن سبب بكائها بل هوَّن عليها الأمر بأن بين لها أنها ليست الوحيدة التي تُبتلى بهذا الحيض، بل كلُّ بنات آدم، فقال: ((إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَم)). أي: ((قضى به عليهنَّ وألزمهنَّ إيَّاه، فهنَّ مُتعبداتٌ بالصبر عليه)) (فتح الباري لابن رجب 2/13). وإنما ((أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ)).

فهدَّأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من روعها بأمرين:
الأول: أن الحيض أمر كتبه الله على النساء عمومًا.
والآخر: أنها مثلهنَّ يعتريها ما يعتريهنَّ، ((وهذا تسلية وتأنيس لها، وتخفيف لهمِّها)). (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 5/14)

كيف تتصرَّف المرأة المحرمة بالحجِّ إذا حاضت:
بعد أن هدَّأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من روع أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، انتقل إلى بُعدٍ آخر في التهدئة النفسية لها، فبيَّن لها أن نزول الحيض على المرأة المحرمة لا يضرُّها، ولا يؤثِّر في إحرامها، فقال: ((فَلا يَضِيرُكِ، إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ، كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا)). ثم أرشدها النبيُّ صلى الله عليه وسلم لما تفعله في حالتها هذه، فقال: (( فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي)).

فدلَّ توجيه النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على ((أن الحيض والنفاس لا ينافي عمل الحجِّ كلِّه، إلا ما يتعلَّق بدخول المسجد من الطواف والركوع بعده)). (إكمال المعلم بفوائد مسلم 4/229﴾ قالت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: حِضْتُ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْضِيَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلاَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ.
فيا أخواتي الكريمات! إنما مُنعت المرأة المحرمة بالحجِّ أو العمرة إذا حاضت من الطواف بالبيت، ولم تُمنع من الذِّكر والدعاء وقراءة القرآن، فلا تُضيِّقي عليك واسعًا.

بثُّ الأمل في نفسية المرأة:
ومن فنون التعامل مع الزوجة في مثل هذه المواقف المحرجة والمؤلمة للمرأة، بثُّ الأمل في روحها، ويؤخذ هذا من فعل النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لمَّا حاضت، إذا قال لها: ((فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا)). أي: يرزقك العمرة فتؤدينها، أو يرزقك أجر العمرة ولو لم تؤدَّيها، لأن الأعمال بالنيات، وأنك إنما امتنعت لعذر شرعيٍّ. وقد حصل أن اعتمرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بعد الحجِّ.
وهذا أسلوب عظيم يعلمنا فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم كيفية التعامل مع الزوجة عند تغيُّر نفسيَّتها، وخاصة في السفر، إذ يجتمع فيه مشقَّة السفر ومشقَّة الحَدَث الذي وقع على المرأة.

الوصول إلى مكة والطواف بالبيت:
وصلت قافلة الحجِّ إلى مكَّة صباح الأحد الرابع من ذي الحجَّة، وطاف النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه بالبيت الحرام وبين الصفا والمروة. قال جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَبَّيْنَا بِالحَجِّ، وَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَأَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَنَحِلَّ، إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ.
وتقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَقَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَحِلَّ، وَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَطَافَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ الْهَدْيَ فَأَحْلَلْنَ، فدلت رواية أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على أن جميع نساء النبيِّ صلى الله عليه وسلم قد طفن بالبيت، وأنه لم يحض منهنَّ قبل عرفة إلا هي رَضِي اللَّه عَنْهَا، لم تطف بالبيت بسبب حيضها. قَالَتْ أُمُّنا عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَحِضْتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ.
وهذا يعني أن المرأة المحرمة بالحجِّ أو العمرة، إذا قدمت مكة تُبادر بالطواف بالبيت، قبل أن يعتريها شيءٌ.

متى تسعى الحائض بين الصفا والمروة؟:
يعتقد البعض أن الحائض تستطيع أن تسعى بين الصفا والمروة، لأن الصفا والمروة خارج الحرم، وهذا صحيح لو أنها طافت بالبيت وهي طاهر ثمَّ حاضت، أما إذا جاءت مكة وهي حائض فتنتظر حتى تطهر ولا تسعى بين الصفا والمروة. كما وقع لأُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا في حجَّتها، فهي قد حاضت قبل دخول مكة، تقول رضي الله عنها: فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وإنما لم تطف بالبيت امتثالًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال لها: ((فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي)). ((وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي نَهْيِ الْحَائِضِ عَنِ الطَّوَافِ حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهَا وَتَغْتَسِلَ)). (فتح الباري 3/505)

نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
وكتب ابن القيم رحمه الله إلى بعض إخوانه :
" احرص أَن يكون همّك وَاحِدًا وَأَن يكون هُوَ الله وَحده ؛ فَهَذَا غَايَة سَعَادَة العَبْد . وَصَاحب هَذِه الْحَال فِي جنَّة مُعجلَة قبل جنَّة الْآخِرَة وَفِي نعيم عَاجل كَمَا قَالَ بعض الصالحين : إِنَّه ليمر بِالْقَلْبِ أَوْقَات أَقُول إِن كَانَ أهل الْجنَّة فِي مثل هَذَا إِنَّهُم لفي عَيْش طيب . وَقَالَ آخر : مَسَاكِين أهل الدُّنْيَا خَرجُوا مِنْهَا وَمَا ذاقوا أطيب مَا فِيهَا . قيل لَهُ وَمَا أطيب مَا فِيهَا ؟ قَالَ : معرفَة الله ومحبته والأنس بِقُرْبِهِ والشوق إِلَى لِقَائِه " انتهى باختصار من "رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه" (ص 30)

وقال أيضا :
" خلق الله الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته والإنابة إليه ومحبته، والإخلاص له، فبذكره تطمئن قلوبهم، وتسكن نفوسهم، وبرؤيته في الآخرة تقر عيونهم، ويتم نعيمهم ... ولم يعطهم في الدنيا شيئا خيرا لهم ولا أحب إليهم، ولا أقر لعيونهم من الإيمان به، ومحبته والشوق إلى لقائه، والأنس بقربه، والتنعم بذكره " انتهى من "إغاثة اللهفان" (1/ 28)

ويقول كذلك رحمه الله :
" وقوة الأنس وضعفه على حسب قوة القرب ، فكلما كان القلب من ربه أقرب كان أنسه به أقوى ، وكلما كان منه أبعد كانت الوحشة بينه وبين ربه أشد " .

قال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله :
" إِذَا كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ الْمَخْلُوقُونَ يَمْنَعُهَا الْكَلْبُ وَالصُّورَةُ عَنْ دُخُولِ الْبَيْتِ. فَكَيْفَ تَلِجُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَحَبَّتُهُ وَحَلَاوَةُ ذِكْرِهِ، وَالْأُنْسُ بِقُرْبِهِ، فِي قَلْبٍ مُمْتَلِئٍ بِكِلَابِ الشَّهَوَاتِ وَصُوَرِهَا؟ " انتهى نقلا عن ابن القيم في "مدارج السالكين" (2/ 391)

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى :
" إنما يقع الأنس بتحقيق الطاعة ؛ لأن المخالفة توجب الوحشة ، والموافقة مبسطة المستأنسين ، فيا لذة عيش المستأنسين ، ويا خسارة المستوحشين " انتهى من " صيد الخاطر " (ص 213 ) .

فليجاهد العبد نفسه على ترك هواها ، وعوائقها عن طريق الرب ، وقواطعها عن معرفته ، والأنس به ، والشوق إليه ، من فضول الشهوات ، ورعونات النفوس .
ولنتأمل هذه الكلمات لعلمائنا الافاضل ففيها سلوى لكل قلب مكلوم :

قال ابن القيم رحمه الله : من كان الله معه فمن ذا الذي يغلبه أو ينالُه بسوء لو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤونتها…!

وقال رحمه الله تعالى : الله عز وجل قضى أن لا ينال ما عنده إلا بطاعته، ومن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد، فمن أَقبل إِليه تلقاه من بعيد، ومن تصرف بحوله وقوته أَلان له الحديد، ومن ترك لأَجله أَعطاه فوق المزيد، ومن أَراد مراده الدينى أَراد ما يريد

وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: مَن كان الله معه فلن يُغلَب، ومَن لا يُغلَب لا يحقُّ له أن يحزن. وعدم الحزن يشمل ما وقع مِن أمورٍ تجلِب الهموم، وما سيقع

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: قوله: ﴿ لَا تَحْزَنْ ﴾ [التوبة: 40] نهي يشمل الهمَّ مما وقع وما سيقع.
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (7)
تجمُّل المرأة لزوجها في الحجِّ

رعاية المرأة لمشاعر زوجها:
وبعد أن طاف النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالبيت وبالصفا والمروة، أمر مَن لم يَسُقِ الهديَ أن يحلَّ من إحرامه ويجعلها عمرة.
والسبب في ذلك أنهم على عادة العرب في الجاهلية لا يجمعون العمرة مع الحجِّ في نُسك الحجِّ. فأراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم إبطال أمر الجاهلية، وإرساء حكم الإسلام.
تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا نُرَى إِلاَّ أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ الْهَدْيَ فَأَحْلَلْنَ.
ولم يمتثل الصحابة في بادئ الأمر لأمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم لهم بجعلها عمرة، بل قالوا: نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ! فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لأَحْلَلْتُ)). وهذه المقولة من النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فيها بيان سبب امتناعه عن أن يحلَّ من إحرامه.

وهذا يدلُّنا على أهمية القدوة العمليَّة في توجيه الناس، فإن التوجيه الصادرَ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم مختلفٌ عن واقع فِعله، فهو يأمرهم أن يحلوا من إحرامهم وهو لم يحلَّ! لذلك تردَّدوا في هذا الفعل، فبيَّن لهم سبب امتناعه وهو سوق الهدي.
وهذا يذكرنا بما وقع بعد صلح الحديبية لمَّا أمرهم أن يحلوا من إحرامهم ويحلقوا رؤوسهم، فلم يفعلوا حتى بدأ هو بالفعل لمَّا أشارت عليه أمُّ المؤمنين أمُّ سلمة رضي الله عنها.

فدخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا وَهُوَ غَضْبَانُ، فقالت: مَنْ أَغْضَبَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ. قَالَ: ((أَوَمَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ! وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي حَتَّى أَشْتَرِيَهُ ثُمَّ أَحِلُّ كَمَا حَلُّوا)). وإنما غضب النبيَّ صلى الله عليه وسلم ((لِانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الشَّرْعِ، وَتَرَدُّدِهِمْ فِي قَبُولِ حُكْمِهِ)). (شرح مسلم للنووي 8/155)
ومِن حُبِّ أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم دعت على من أَغضبه لما رأته غضبانَ، ولم يعترضِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على فعلها، لأنها وافقت الشرع في هذا الفعل، فمن أغضب نبيَّنا أو أساء إليه دعونا عليه، وإنما نفعل ذلك كما فعلت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا انتصارًا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

وأنت أختي الكريمة انتبهي إلى مشاعر زوجك وكوني مواسية له، ولا تكوني عونًا عليه، فقد يدخل عليك زوجُك وهو مهمومٌ لأمر وقع له خارج البيت، فلا تُلقي باللائمة عليه ابتداءً حتى تعلمي سبب ما فيه، ثم تعالجينه بالحكمة، وخاصة إذا استجاب الزوج لتفاعل زوجته فشاركها ما يمرُّ به من متاعب وآلام خارج البيت، إن كان في عمله الدعويِّ أو في شأن من شؤون الدنيا.

أسماء بنت أبي بكر تتحلَّل من إحرامها بعمرة:
استجاب الصحابة لأمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالتحلُّل من الإحرام، وجعلها عمرة لمن لم يكن قد ساق الهدي، وكان من جملة من تحلَّل من الصحابيات ممَّن لم يسقن الهدي، أسماء بنت أبي بكر الصديق زوجة الزبير بن العوام، تقول أسماء رضي الله عنها: خَرَجْنَا مُحْرِمِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَقُمْ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ "، فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَحَلَلْتُ، وَكَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحْلِلْ، قَالَتْ فَلَبِسْتُ ثِيَابِي ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَلَسْتُ إِلَى الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: قُومِي عَنِّي. فَقُلْتُ: أَتَخْشَى أَنْ أَثِبَ عَلَيْكَ؟!.
فالذي وقع من أسماء رضي الله عنها أنها تحلَّلت وتطيبت ولبست ثيابها الجميلة وجلست بجانب زوجها، لكنه لم يتحلَّل لأنه ساق الهدي، فخاف الزبير على نفسه من أن يرتكب محظورًا من محظورات الإحرام، فقال لها: قومي عني.

وفي هذا تنبيه للمرأة الحاجَّة إلى أنها لا تفعل أي فعل حال الإحرام يؤثِّر على الزوج ويغريه ويفتنه، مثل طريقة مسك اليدين، أو الالتصاق بجسده، أو أي حركة يمكن أن تثيره حال الإحرام. أما بعد التحلل فلها أن تتزيَّن لزوجها ولها أن تُغريه.

فاطمة بنت رسول الله تتزيَّن لاستقبال زوجها:
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها كانت مع نبيِّنا في حجَّة الوداع، وهي من أهل بيته الذين لم يسوقوا الهدي، فلمَّا أمرهم النبيُّ صلى الله عليه وس
لم أن يجعلوها عمرة استجابت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان زوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد خرج إلى اليمن بطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما رجع من اليمن أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في مكَّة بعد أن تحلَّل الناس من عمرتهم، وقبل يهلوا بالحجِّ.
فلمَّا علمت زوجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها بمقدمه من السفر، تزينت له وعطرت خباءها لاستقباله، فجاء علي بن أبي طالب إلى خبائها ((فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا)). يقول علي بن أبي طالب: ((وَجَدْتُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَدْ لَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا، وَقَدْ نَضَحَتْ الْبَيْتَ بِنَضُوحٍ)). والزوجة في مثل هذه الحالة التي تهيَّأت فيها لاستقبال زوجها تتوقَّع منه شيئًا غير الذي رأته سيدةُ نساء أهل الجنة رضي الله عنها، فقد رأت في وجهه الاستنكار لفعلها، فبادرته فَقَالَتْ: مَا لَكَ؟! فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَحَلُّوا.

وسبب استنكار علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ما كان قد رسخ في نفوس العرب أن العمرة لا تكون في أشهر الحجِّ، وأن الحاجَّ يأتي بنسك واحد لا يتحلَّل منه إلا في يوم النحر، وهذا الذي عالجه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وبيَّن بطلانه في حجَّته هذه، ووجد تأخُّرًا من الصحابة في الامتثال لتطبيقه.
فلما أنكر علي رضي الله عنه على فاطمة رضي الله عنها قالت له: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، لكنه لم يقتنع بذلك، فذهب يستفسر من النبيِّ صلى الله عليه وسلم بنفسه، يقول عليٌّ رضي الله عنه: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ:" صَدَقَتْ صَدَقَتْ صَدَقَتْ، أَنَا أَمَرْتُهَا بِهِ)).
وهذا فيه أدب استقبال المرأة لزوجها، وخاصَّة إذا كان قادمًا من سفر، وفيه التزيُّن للزوج في السفر، ولو كان في سفر الحجِّ، وفي هذه الآداب صلاحٌ للزوجين وسعادة في الدارين.

حوار أُمِّنا حفصة رضي الله عنها مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، كذلك أمر نساءه أن يحللن من إحرامهنَّ، كما قالت أُمُّنا حفصة رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. ولكن مع أمره صلى الله عليه وسلم لنسائه أن يحللن من إحرامهنَّ، لم يحلَّ هو إحرامه، فتساءلت أُمُّنا حفصة رضي الله عنها، فقالت له: مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ مَا يَمْنَعُكَ؟ فَقَالَ: ((لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَسْتُ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي)). والتَّلْبِيدُ: ((هُوَ أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ شَيْءٌ لِيَلْتَصِقَ بِهِ)). (فتح الباري 3/430)
وهذا السؤال صدر من أُمِّنا حفصة رضي الله عنها؛ لأنها تعلَّمت من النبيِّ صلى الله عليه وسلم ألَّا يأمرهم بأمر ويخالفهم في فعله إلا أن تكون له خصوصية فيه، فأرادت أن تستوضح عن سرِّ مخالفته لما أمر به نساءه، وأمر به الصحابة.

وفي هذا تربية للرجل في أنه لا يأمر زوجته بأمر ويخالفه إلا بحجَّة شرعية، كما أن فيه تنبيهًا للمرأة أن تستفسر من زوجها أو وليها ما تراه من أفعاله التي تخالف أقواله، فلعلَّ عنده حجَّة شرعية في ذلك وهي لا تعلم.
وظاهر من الحدث أن أُمَّنا حفصة رضي الله عنها لم تكن سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يُبيِّن ويشرح للناس سببَ امتناعه عن التحلُّل من إحرامه، وهو أنه قد ساق الهدي، ولم تسمع منه تمنِّيه أنه لو لم يسق الهدي لجعلها عمرة.
ولا غرابة في ذلك، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنما كان يوجِّه أقواله في مجامع الرجال، وليس كلُّ زوجات النبيِّ صلى الله عليه وسلم كان عندها الحرص على التقاط العلم مثل ما عند أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، والتي تفوَّقت على بقية زوجاته في العلم، ولم ينافسها في ذلك إلَّا أُمُّ المؤمنين أُمُّ سلمة رضي الله عنها.

نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد