سًيًدِتّيً
3.55K subscribers
8.97K photos
366 videos
82 files
1.1K links
قناة سيدتي كل ما يهم المرأة
كل مايهم المرأة العصرية والفتاة العربية .
@Sayidati
Download Telegram
ولا يُتصور أن أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أخذت قرار الإهلال بالعمرة من غير مشورة من النبي صلى الله عليه وسلم. بل المؤكد أنه صلى الله عليه وسلم علَّم أمهاتِ المؤمنين أحكامَ النُّسك وأنواعه، وأمرهنَّ بالإهلال بالعمرة.

ثم انطلقت القافلة إلى مكَّةَ بعدما أَهَلَّ الناس بالنُّسك، رافعين أصواتَهم بالتلبية، معظِّمين لحرماتِ الله ولشعائرِ الله يرجون رحمة الله.
انطلقت القافلة يوم الأحد، واستمرت في المسير إلى يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَبَّيْنَا بِالحَجِّ، وَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ. فاستغرق الطريق سبعة أيام، لأنهم باتوا ليلة الأحد خارج مكَّة، ودخلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة الأحد الرابع من ذي الحجة.
نكمل غدًا إن شاء الله.

وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (6)
هذا أمر كتبه الله على بنات آدم

مواساة النبي صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لما حاضت:
إن معاملة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأزواجه أُمَّهات المؤمنين هي أرقى معاملة بين الزوج وزوجه، وكل من يريد أن يتعلَّم فنَّ التعامل بين الزوجين فعليه أن يدرس حياة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، فهذا هو المثل الأعلى للزوجين.
ومن صور التعامل الجميلة بين النبيِّ صلى الله عليه وسلم وزوجه عائشة، ما وقع لها في هذه القصة، فإن بكاء عائشة لما حاضت إنما وقع منها لما أصابها من ضيق وحُزن على فوات العمرة، وهذا السبب قد لا يدركه الرجال بسرعة، وقد لا يهتمُّ له الرجل، لأنه يرى أن الحيض أمر طبيعي يحصل لكلِّ امرأة، وهو كذلك، ولكن قد تكون المرأة في حالة نفسية تتأثَّر بنزول الحيض، كالتي تنتظر الحمل بعد زواجها، ويتأخَّر عليها، فتبكي عند نزول الحيض. أو لأي سبب آخر.
فجاء فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة توجيهًا للأزواج في فنِّ التعامل مع المرأة في مثل هذه الحالة.

ولم يكتف النبيُّ صلى الله عليه وسلم بسؤالها عن سبب بكائها بل هوَّن عليها الأمر بأن بين لها أنها ليست الوحيدة التي تُبتلى بهذا الحيض، بل كلُّ بنات آدم، فقال: ((إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَم)). أي: ((قضى به عليهنَّ وألزمهنَّ إيَّاه، فهنَّ مُتعبداتٌ بالصبر عليه)) (فتح الباري لابن رجب 2/13). وإنما ((أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ)).

فهدَّأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من روعها بأمرين:
الأول: أن الحيض أمر كتبه الله على النساء عمومًا.
والآخر: أنها مثلهنَّ يعتريها ما يعتريهنَّ، ((وهذا تسلية وتأنيس لها، وتخفيف لهمِّها)). (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 5/14)

كيف تتصرَّف المرأة المحرمة بالحجِّ إذا حاضت:
بعد أن هدَّأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من روع أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، انتقل إلى بُعدٍ آخر في التهدئة النفسية لها، فبيَّن لها أن نزول الحيض على المرأة المحرمة لا يضرُّها، ولا يؤثِّر في إحرامها، فقال: ((فَلا يَضِيرُكِ، إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ، كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا)). ثم أرشدها النبيُّ صلى الله عليه وسلم لما تفعله في حالتها هذه، فقال: (( فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي)).

فدلَّ توجيه النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على ((أن الحيض والنفاس لا ينافي عمل الحجِّ كلِّه، إلا ما يتعلَّق بدخول المسجد من الطواف والركوع بعده)). (إكمال المعلم بفوائد مسلم 4/229﴾ قالت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: حِضْتُ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْضِيَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلاَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ.
فيا أخواتي الكريمات! إنما مُنعت المرأة المحرمة بالحجِّ أو العمرة إذا حاضت من الطواف بالبيت، ولم تُمنع من الذِّكر والدعاء وقراءة القرآن، فلا تُضيِّقي عليك واسعًا.

بثُّ الأمل في نفسية المرأة:
ومن فنون التعامل مع الزوجة في مثل هذه المواقف المحرجة والمؤلمة للمرأة، بثُّ الأمل في روحها، ويؤخذ هذا من فعل النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لمَّا حاضت، إذا قال لها: ((فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا)). أي: يرزقك العمرة فتؤدينها، أو يرزقك أجر العمرة ولو لم تؤدَّيها، لأن الأعمال بالنيات، وأنك إنما امتنعت لعذر شرعيٍّ. وقد حصل أن اعتمرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بعد الحجِّ.
وهذا أسلوب عظيم يعلمنا فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم كيفية التعامل مع الزوجة عند تغيُّر نفسيَّتها، وخاصة في السفر، إذ يجتمع فيه مشقَّة السفر ومشقَّة الحَدَث الذي وقع على المرأة.

الوصول إلى مكة والطواف بالبيت:
وصلت قافلة الحجِّ إلى مكَّة صباح الأحد الرابع من ذي الحجَّة، وطاف النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه بالبيت الحرام وبين الصفا والمروة. قال جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَبَّيْنَا بِالحَجِّ، وَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَأَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَنَحِلَّ، إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ.
وتقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَقَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَحِلَّ، وَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَطَافَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ الْهَدْيَ فَأَحْلَلْنَ، فدلت رواية أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على أن جميع نساء النبيِّ صلى الله عليه وسلم قد طفن بالبيت، وأنه لم يحض منهنَّ قبل عرفة إلا هي رَضِي اللَّه عَنْهَا، لم تطف بالبيت بسبب حيضها. قَالَتْ أُمُّنا عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَحِضْتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ.
وهذا يعني أن المرأة المحرمة بالحجِّ أو العمرة، إذا قدمت مكة تُبادر بالطواف بالبيت، قبل أن يعتريها شيءٌ.

متى تسعى الحائض بين الصفا والمروة؟:
يعتقد البعض أن الحائض تستطيع أن تسعى بين الصفا والمروة، لأن الصفا والمروة خارج الحرم، وهذا صحيح لو أنها طافت بالبيت وهي طاهر ثمَّ حاضت، أما إذا جاءت مكة وهي حائض فتنتظر حتى تطهر ولا تسعى بين الصفا والمروة. كما وقع لأُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا في حجَّتها، فهي قد حاضت قبل دخول مكة، تقول رضي الله عنها: فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وإنما لم تطف بالبيت امتثالًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال لها: ((فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي)). ((وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي نَهْيِ الْحَائِضِ عَنِ الطَّوَافِ حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهَا وَتَغْتَسِلَ)). (فتح الباري 3/505)

نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
وكتب ابن القيم رحمه الله إلى بعض إخوانه :
" احرص أَن يكون همّك وَاحِدًا وَأَن يكون هُوَ الله وَحده ؛ فَهَذَا غَايَة سَعَادَة العَبْد . وَصَاحب هَذِه الْحَال فِي جنَّة مُعجلَة قبل جنَّة الْآخِرَة وَفِي نعيم عَاجل كَمَا قَالَ بعض الصالحين : إِنَّه ليمر بِالْقَلْبِ أَوْقَات أَقُول إِن كَانَ أهل الْجنَّة فِي مثل هَذَا إِنَّهُم لفي عَيْش طيب . وَقَالَ آخر : مَسَاكِين أهل الدُّنْيَا خَرجُوا مِنْهَا وَمَا ذاقوا أطيب مَا فِيهَا . قيل لَهُ وَمَا أطيب مَا فِيهَا ؟ قَالَ : معرفَة الله ومحبته والأنس بِقُرْبِهِ والشوق إِلَى لِقَائِه " انتهى باختصار من "رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه" (ص 30)

وقال أيضا :
" خلق الله الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته والإنابة إليه ومحبته، والإخلاص له، فبذكره تطمئن قلوبهم، وتسكن نفوسهم، وبرؤيته في الآخرة تقر عيونهم، ويتم نعيمهم ... ولم يعطهم في الدنيا شيئا خيرا لهم ولا أحب إليهم، ولا أقر لعيونهم من الإيمان به، ومحبته والشوق إلى لقائه، والأنس بقربه، والتنعم بذكره " انتهى من "إغاثة اللهفان" (1/ 28)

ويقول كذلك رحمه الله :
" وقوة الأنس وضعفه على حسب قوة القرب ، فكلما كان القلب من ربه أقرب كان أنسه به أقوى ، وكلما كان منه أبعد كانت الوحشة بينه وبين ربه أشد " .

قال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله :
" إِذَا كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ الْمَخْلُوقُونَ يَمْنَعُهَا الْكَلْبُ وَالصُّورَةُ عَنْ دُخُولِ الْبَيْتِ. فَكَيْفَ تَلِجُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَحَبَّتُهُ وَحَلَاوَةُ ذِكْرِهِ، وَالْأُنْسُ بِقُرْبِهِ، فِي قَلْبٍ مُمْتَلِئٍ بِكِلَابِ الشَّهَوَاتِ وَصُوَرِهَا؟ " انتهى نقلا عن ابن القيم في "مدارج السالكين" (2/ 391)

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى :
" إنما يقع الأنس بتحقيق الطاعة ؛ لأن المخالفة توجب الوحشة ، والموافقة مبسطة المستأنسين ، فيا لذة عيش المستأنسين ، ويا خسارة المستوحشين " انتهى من " صيد الخاطر " (ص 213 ) .

فليجاهد العبد نفسه على ترك هواها ، وعوائقها عن طريق الرب ، وقواطعها عن معرفته ، والأنس به ، والشوق إليه ، من فضول الشهوات ، ورعونات النفوس .
ولنتأمل هذه الكلمات لعلمائنا الافاضل ففيها سلوى لكل قلب مكلوم :

قال ابن القيم رحمه الله : من كان الله معه فمن ذا الذي يغلبه أو ينالُه بسوء لو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤونتها…!

وقال رحمه الله تعالى : الله عز وجل قضى أن لا ينال ما عنده إلا بطاعته، ومن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد، فمن أَقبل إِليه تلقاه من بعيد، ومن تصرف بحوله وقوته أَلان له الحديد، ومن ترك لأَجله أَعطاه فوق المزيد، ومن أَراد مراده الدينى أَراد ما يريد

وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: مَن كان الله معه فلن يُغلَب، ومَن لا يُغلَب لا يحقُّ له أن يحزن. وعدم الحزن يشمل ما وقع مِن أمورٍ تجلِب الهموم، وما سيقع

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: قوله: ﴿ لَا تَحْزَنْ ﴾ [التوبة: 40] نهي يشمل الهمَّ مما وقع وما سيقع.
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (7)
تجمُّل المرأة لزوجها في الحجِّ

رعاية المرأة لمشاعر زوجها:
وبعد أن طاف النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالبيت وبالصفا والمروة، أمر مَن لم يَسُقِ الهديَ أن يحلَّ من إحرامه ويجعلها عمرة.
والسبب في ذلك أنهم على عادة العرب في الجاهلية لا يجمعون العمرة مع الحجِّ في نُسك الحجِّ. فأراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم إبطال أمر الجاهلية، وإرساء حكم الإسلام.
تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا نُرَى إِلاَّ أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ الْهَدْيَ فَأَحْلَلْنَ.
ولم يمتثل الصحابة في بادئ الأمر لأمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم لهم بجعلها عمرة، بل قالوا: نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ! فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لأَحْلَلْتُ)). وهذه المقولة من النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فيها بيان سبب امتناعه عن أن يحلَّ من إحرامه.

وهذا يدلُّنا على أهمية القدوة العمليَّة في توجيه الناس، فإن التوجيه الصادرَ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم مختلفٌ عن واقع فِعله، فهو يأمرهم أن يحلوا من إحرامهم وهو لم يحلَّ! لذلك تردَّدوا في هذا الفعل، فبيَّن لهم سبب امتناعه وهو سوق الهدي.
وهذا يذكرنا بما وقع بعد صلح الحديبية لمَّا أمرهم أن يحلوا من إحرامهم ويحلقوا رؤوسهم، فلم يفعلوا حتى بدأ هو بالفعل لمَّا أشارت عليه أمُّ المؤمنين أمُّ سلمة رضي الله عنها.

فدخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا وَهُوَ غَضْبَانُ، فقالت: مَنْ أَغْضَبَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ. قَالَ: ((أَوَمَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ! وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي حَتَّى أَشْتَرِيَهُ ثُمَّ أَحِلُّ كَمَا حَلُّوا)). وإنما غضب النبيَّ صلى الله عليه وسلم ((لِانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الشَّرْعِ، وَتَرَدُّدِهِمْ فِي قَبُولِ حُكْمِهِ)). (شرح مسلم للنووي 8/155)
ومِن حُبِّ أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم دعت على من أَغضبه لما رأته غضبانَ، ولم يعترضِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على فعلها، لأنها وافقت الشرع في هذا الفعل، فمن أغضب نبيَّنا أو أساء إليه دعونا عليه، وإنما نفعل ذلك كما فعلت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا انتصارًا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

وأنت أختي الكريمة انتبهي إلى مشاعر زوجك وكوني مواسية له، ولا تكوني عونًا عليه، فقد يدخل عليك زوجُك وهو مهمومٌ لأمر وقع له خارج البيت، فلا تُلقي باللائمة عليه ابتداءً حتى تعلمي سبب ما فيه، ثم تعالجينه بالحكمة، وخاصة إذا استجاب الزوج لتفاعل زوجته فشاركها ما يمرُّ به من متاعب وآلام خارج البيت، إن كان في عمله الدعويِّ أو في شأن من شؤون الدنيا.

أسماء بنت أبي بكر تتحلَّل من إحرامها بعمرة:
استجاب الصحابة لأمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالتحلُّل من الإحرام، وجعلها عمرة لمن لم يكن قد ساق الهدي، وكان من جملة من تحلَّل من الصحابيات ممَّن لم يسقن الهدي، أسماء بنت أبي بكر الصديق زوجة الزبير بن العوام، تقول أسماء رضي الله عنها: خَرَجْنَا مُحْرِمِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَقُمْ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ "، فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَحَلَلْتُ، وَكَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحْلِلْ، قَالَتْ فَلَبِسْتُ ثِيَابِي ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَلَسْتُ إِلَى الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: قُومِي عَنِّي. فَقُلْتُ: أَتَخْشَى أَنْ أَثِبَ عَلَيْكَ؟!.
فالذي وقع من أسماء رضي الله عنها أنها تحلَّلت وتطيبت ولبست ثيابها الجميلة وجلست بجانب زوجها، لكنه لم يتحلَّل لأنه ساق الهدي، فخاف الزبير على نفسه من أن يرتكب محظورًا من محظورات الإحرام، فقال لها: قومي عني.

وفي هذا تنبيه للمرأة الحاجَّة إلى أنها لا تفعل أي فعل حال الإحرام يؤثِّر على الزوج ويغريه ويفتنه، مثل طريقة مسك اليدين، أو الالتصاق بجسده، أو أي حركة يمكن أن تثيره حال الإحرام. أما بعد التحلل فلها أن تتزيَّن لزوجها ولها أن تُغريه.

فاطمة بنت رسول الله تتزيَّن لاستقبال زوجها:
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها كانت مع نبيِّنا في حجَّة الوداع، وهي من أهل بيته الذين لم يسوقوا الهدي، فلمَّا أمرهم النبيُّ صلى الله عليه وس
لم أن يجعلوها عمرة استجابت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان زوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد خرج إلى اليمن بطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما رجع من اليمن أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في مكَّة بعد أن تحلَّل الناس من عمرتهم، وقبل يهلوا بالحجِّ.
فلمَّا علمت زوجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها بمقدمه من السفر، تزينت له وعطرت خباءها لاستقباله، فجاء علي بن أبي طالب إلى خبائها ((فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا)). يقول علي بن أبي طالب: ((وَجَدْتُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَدْ لَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا، وَقَدْ نَضَحَتْ الْبَيْتَ بِنَضُوحٍ)). والزوجة في مثل هذه الحالة التي تهيَّأت فيها لاستقبال زوجها تتوقَّع منه شيئًا غير الذي رأته سيدةُ نساء أهل الجنة رضي الله عنها، فقد رأت في وجهه الاستنكار لفعلها، فبادرته فَقَالَتْ: مَا لَكَ؟! فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَحَلُّوا.

وسبب استنكار علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ما كان قد رسخ في نفوس العرب أن العمرة لا تكون في أشهر الحجِّ، وأن الحاجَّ يأتي بنسك واحد لا يتحلَّل منه إلا في يوم النحر، وهذا الذي عالجه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وبيَّن بطلانه في حجَّته هذه، ووجد تأخُّرًا من الصحابة في الامتثال لتطبيقه.
فلما أنكر علي رضي الله عنه على فاطمة رضي الله عنها قالت له: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، لكنه لم يقتنع بذلك، فذهب يستفسر من النبيِّ صلى الله عليه وسلم بنفسه، يقول عليٌّ رضي الله عنه: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ:" صَدَقَتْ صَدَقَتْ صَدَقَتْ، أَنَا أَمَرْتُهَا بِهِ)).
وهذا فيه أدب استقبال المرأة لزوجها، وخاصَّة إذا كان قادمًا من سفر، وفيه التزيُّن للزوج في السفر، ولو كان في سفر الحجِّ، وفي هذه الآداب صلاحٌ للزوجين وسعادة في الدارين.

حوار أُمِّنا حفصة رضي الله عنها مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، كذلك أمر نساءه أن يحللن من إحرامهنَّ، كما قالت أُمُّنا حفصة رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. ولكن مع أمره صلى الله عليه وسلم لنسائه أن يحللن من إحرامهنَّ، لم يحلَّ هو إحرامه، فتساءلت أُمُّنا حفصة رضي الله عنها، فقالت له: مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ مَا يَمْنَعُكَ؟ فَقَالَ: ((لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَسْتُ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي)). والتَّلْبِيدُ: ((هُوَ أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ شَيْءٌ لِيَلْتَصِقَ بِهِ)). (فتح الباري 3/430)
وهذا السؤال صدر من أُمِّنا حفصة رضي الله عنها؛ لأنها تعلَّمت من النبيِّ صلى الله عليه وسلم ألَّا يأمرهم بأمر ويخالفهم في فعله إلا أن تكون له خصوصية فيه، فأرادت أن تستوضح عن سرِّ مخالفته لما أمر به نساءه، وأمر به الصحابة.

وفي هذا تربية للرجل في أنه لا يأمر زوجته بأمر ويخالفه إلا بحجَّة شرعية، كما أن فيه تنبيهًا للمرأة أن تستفسر من زوجها أو وليها ما تراه من أفعاله التي تخالف أقواله، فلعلَّ عنده حجَّة شرعية في ذلك وهي لا تعلم.
وظاهر من الحدث أن أُمَّنا حفصة رضي الله عنها لم تكن سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يُبيِّن ويشرح للناس سببَ امتناعه عن التحلُّل من إحرامه، وهو أنه قد ساق الهدي، ولم تسمع منه تمنِّيه أنه لو لم يسق الهدي لجعلها عمرة.
ولا غرابة في ذلك، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنما كان يوجِّه أقواله في مجامع الرجال، وليس كلُّ زوجات النبيِّ صلى الله عليه وسلم كان عندها الحرص على التقاط العلم مثل ما عند أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، والتي تفوَّقت على بقية زوجاته في العلم، ولم ينافسها في ذلك إلَّا أُمُّ المؤمنين أُمُّ سلمة رضي الله عنها.

نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (8)
بكاء أُمِّنا عائشة قبل يوم عرفة

ولمَّا كان يوم التروية أهلَّ الناس بالحجِّ، وانطلقوا إلى منى، وانتظرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا طوال فترة حيضها لعلَّها أن تطهر قبل يوم عرفة، ولكنها لم تطهر، فبكت مرَّة ثانية، فدخل عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فشكت إليه وضعَها.
قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكِ؟» قَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ، وَلَمْ أَحْلِلْ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَى الْحَجِّ الْآنَ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ» فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتِ الْمَوَاقِفَ، حَتَّى إِذَا طَهَرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
فهذا البكاء الثاني غير البكاء الأول، فالبكاء الأول كان بسبب نزول الحيض عليها قبل أداء العمرة، والبكاء الثاني كان بسبب دخول الحجِّ ولم تطهر.
وفي هذا تنبيه للأزواج ولأولياء المرأة بأن يراعوا نفسية المرأة إذا حاضت في الحجِّ أو في غيره، وأن يسعوا في حل الإشكال الذي يواجهها بسبب الحيض.

كيف تتصرَّف من لم تطهر قبل عرفة؟:
استمر انتظار أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا حتى ليلة عرفة، ولم تستعجل فتترك عمرتها من أول النهار من يوم التروية، بل انتظرت حتى ضاق الوقت، قَالَتْ أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَلَمَّا دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي كُنْتُ أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِحَجَّتِي؟ قَالَ: ((انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَمْسِكِي عَنْ الْعُمْرَةِ، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ)). فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل للإحرام، وتُهلَّ بالحجِّ، وتدع العمرة. أي تترك أفعال العمرة من طواف وسعي، وتهلَّ بالحجِّ.
والجميل في سيرة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أنها بمجرَّد ما تسمع الأمر من نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم تسارع إلى تطبيقه من غير جِدال، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أُهْلِلْ إِلاَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وَأَمْتَشِطَ وَأُهِلَّ بِحَجٍّ، وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ.
وهذه سيرة أُمَّهات المؤمنين جميعًا، وسيرة الصحابة والصحابيات، أنهم يستجيبون لأمر الله ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يتفلَّتون من أداء المناسك ويبحثون عن الرُّخَص، بل كانت أعينهم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ينظرون ماذا يفعل فيفعلون مثله.
وفي هذا تنبيهٌ لك أختي الحاجَّة أن يكون شعارُك في الحجِّ قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني مناسككم))، لعلكِ لا تحجِّين بعد حجَّتكِ هذه، فتكون هذه الحجَّة هي حجَّتكِ الوحيدة، وهي الحجَّة المبرورة.

افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ:
(افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) هذا توجيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لمَّا حاضت في الحجِّ. فمُنعت الحائض من الطواف بالبيت حال إحرامها، ولم تُمنع من شهود بقية المشاعر، بل أُمرت أن تفعل كما يفعل الحاجُّ، ((وَأَعْمَالُ الْحَجِّ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرٍ وَتَلْبِيَةٍ وَدُعَاءٍ، وَلَمْ تُمْنَعِ الْحَائِضُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ)) (فتح الباري 1/407). والذكر يشمل قراءة القرآن، وهي من أعمال الحاج.
فلم تمنع المرأة المحرمة الحائض من قراءة القرآن ولا من التلبية ولا من التهليل ولا من الدعاء ولا من غيره إلا الطواف بالبيت.
فلا تَحرمي أختي الحاجَّة نفسك من قراءة القرآن بحجَّة أنك حائض، لا في الحجِّ، ولا في رمضان، ولا في غيره، بل أكثري من قراءة القرآن والذِّكر، واغتنمي الأوقات والأيام الفاضلة، وامتثلي لأمر ربِّك بترك الصلاة والصيام والطواف بالبيت في حال الحيض.

تصرف حكيم من أُمِّنا ميمونة رضي الله عنها:
في يوم عرفة وبعد أن صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر، اتجه إلى الصخرات وجعلها بينه وبين القبلة، ووقف على ناقته يدعو طويلًا، وهذا الوقوف الطويل جعل الناس يشكُّون هل كان النبي صلى الله عليه وسلم صائمًا أو لا؟ فما كان من أُمِّنا ميمونة رضي الله عنها إلَّا أن ((أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِحِلابٍ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ)). وتقصد بالحلاب اللبن المحلوب، أو الإناء الذي يوضع فيه اللبن.
وهذا التصرف وقع منها ومن أُختها أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ كما روت هي بنفسها: أَنَّ نَاسًا اخْتَلَفُوا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ. ولعلها حادثة واحدة وقعت بحضرتهما جميعًا.
وفي هذا التصرُّف دليل على فطنتهما في استكشاف ((الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللطيفة اللائقة بالحال؛ لأن ذلك كان في يوم حرٍّ بعد الظهيرة)).
وسبب اختلاف الناس في صوم النبي صلى الله عليه وسلم أو إفطاره في يوم عرفة، ما سبق عندهم من علم تعلموه من النبي صلى الله عليه وسلم في فضل صيام يوم عرفة، وأنه يُكفِّر سنتين، فشكُّوا أهذا للحاج أيضًا، أم لا؟ وسبب هذا الشكِّ أنهم لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم يأكل أو يشرب من بعد صلاة الظهر وإلى منتصف العصر، فقطعت أُمُّنا ميمونة الشكَّ، وتوصَّلت للحكم بطريقة لطيفة، فأرسلت إليه القدح فيه اللبن، فلما شربه علم الناس أنه لم يكن صائمًا.
وهكذا أُختي الحاجَّة، تستطيعين أن تستجلبي الحكم الشرعي وتقطعي الجدل الدائر في الحجِّ أو غيره بطريقة جميلة توصل الحكم الشرعي لمن حولك، وتبعث الطمأنينة في قلوبهم، ولا تُثير حفيظتهم. ولا تعدم المرأة الصادقة من طريقة توصل بها الحقَّ للناس. فقد تكون سؤالاً يُوجَّه للعالم، أو كتابًا يُوزَّع، أو غير ذلك من الوسائل.

المبيت بمزدلفة واستئذان سودة بالدفع ليلاً:
انقضى يوم عرفة، وغربت الشمس، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أُمَّهات المؤمنين إلى المزدلفة، ولما وصل إلى المزدلفة صلى المغرب والعشاء، غير أن أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لم تُصلّ معهم لأنها لم تطهر بعد.
وفي ثلث الليل الأخير، وبعد أن غاب القمر، دفع النبي صلى الله عليه وسلم بالضعفة من أهل بيته إلى منًى، منهم أُمُّ سَلمة، وأُمُّ حبيبة، من أُمَّهات المؤمنين رضي الله عنهنَّ، فطلبت أُمُّ المؤمنين سودةُ أن تدفع معهم، فأذن لها رضي الله عنها، قَالَتْ أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: نَزَلْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَوْدَةُ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَهُ وَقَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً بَطِيئَةً، فَأَذِنَ لَهَا، فَدَفَعَتْ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَأَقَمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا نَحْنُ ثُمَّ دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ، فَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ.

وتقديم الضعفة بالسير إلى منى في الثلث الأخير من الليل هدفه وصلوهم (قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ)، فالمراد التخفيف عليهم من الزحام فيَصِلون قبل الناس إلى منًى ثم يُصَلُّون الفجر، وبعدها يتوجهون إلى جمرة العقبة الكبرى لرميها. كما قَالَتْ أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ، فَأُصَلِّي الصُّبْحَ بِمِنًى، فَأَرْمِي الْجَمْرَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسُ. فَقِيلَ لِعَائِشَة: فَكَانَتْ سَوْدَةُ اسْتَأْذَنَتْهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، إِنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةً ثَقِيلَةً ثَبِطَةً، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَذِنَ لَهَا. فَصَلَّتِ الْفَجْرَ بِمِنًى، وَرَمَتْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسُ.
وهذا الهدف يتحقَّق وينتفع الضعفة به إذا التزم الحجاج السير على هدي النبي صلى الله عليه وسلم بالمبيت في المزدلفة، واقتصار الخروج منها ليلاً على الضعفة، أما ما يفعله الحجاج اليوم من عدم الالتزام بالمبيت في مزدلفة، والاقتصار على الصلاة فيها، وجمع الحصى ثم الدفع منها مباشرة، فهذا إخلال بتطبيق الهدي النبوي في الحجِّ، والذي أكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)). فيزدحم الناس في الخروج، وفي الوصول إلى منى، وفي رمي الجمرة، هذا الازدحام يجعلنا نفكر قبل أن ندفع بالضعفة هل سيكون الدفع بهم ليلاً أشق من مبيتهم؟ وهل فعلاً سيتحقَّق التخفيف عليهم بهذا الدفع؟

ومن واقع التجربة على مدى ست وثلاثين حجَّة متتالية، وجدنا أن ما يفعله الناس اليوم من مخالفة السنة بالمبيت أضر بالضعفة، وأصبح الخروج بهم من مزدلفة ليلًا أشق عليهم من المبيت، بسبب هذا الزحام من قبل الحجاج.
وتقديم الضعفة قبل حطمة الناس وازدحامهم رخصة باقية يُراد منها التخفيف، وليست واجبة على كل امرأة أن تخرج أو كل ضعيف.

نكمل غدًا إن شاء الله.

وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد