الطريق إلى التوبة
5.98K subscribers
10.2K photos
388 videos
243 files
5.34K links
قد تركتُ الكُلَّ ربّي ماعداك
ليس لي في غربةِ العمر سِواك...
حيثُ ما أنتَ فـ أفكاري هُناك..
قلبي الخفاقُ أضحۍ مضجعك..
في حنايا صدري أُخفي موضعك..

اي استفسار او ملاحظة ارسلها حصرا على هذا البوت

@altaubaa_bot

فهرس القناة
https://t.me/fhras_altauba
Download Telegram
مشكاة عشق / ٣٦ ...

مع حلول العصر غادر مهدي منزل صديقه احمد بعد ان استأذن والدته بالذهاب الى الجامعة فقد كان يشعر بالارهاق ويتوجب عليه مقابلة بروفسور البرت صباحا :
_ اسف لاني سأتركك الان يا امي تعلمين اني لا استطيع البقاء هنا ، يجب ان اعود الى السكن الجامعي وارتب اموري قبل بداية الفصل الدراسي الاسبوع القادم .
_ متى سنذهب لمقابلة الاب جوزيف اذا ؟
_ صباح الغد سأخبر بروفسور البرت بكل شيء وسأطلب منه ان يزودني بعنوان الدير وبعد الغداء سنذهب اليهم ان شاء الله .
_ حسنا يا عزيزي سأكون بأنتظارك .
انحنى ولثم يدها بخفة :
_ شكرا يا امي شكرا لكل شيء .
ترقرق الدمع في عينيها وربتت على رأسه بحنان :
_ انه واجبي يامهدي انت امانة اودعك الله عندي ويتوجب عليَّ اداء الامانة على اكمل وجه .

انبلج الفجر منقذا مهدي من ليلة قلقة قضاها متململا في فراشه ، لايدري لِم كانت مشاعره سلبية تجاه ما يجري يشعر بأن شيء ما ليس على مايرام هزَّ رأسه بقوة وقام ليؤدي فريضة الصبح علَّها تطرد هذه المخاوف التي تراوده منذ الامس .
بعد ان اكمل اجراءت التسجيل للفصل الدراسي الجديد توجه الى مكتب بروفسور البرت :
_ عزيزي مهدي تسعدني رؤيتك من جديد كيف كانت الاجازة اخبرني هل قضيت وقتا ممتعا ؟
اجابه بابتسامة ذات مغزى :
_ لابأس بها يا استاذ .
بعد تبادل عدة احاديث قرر مهدي أن يبادر بالسؤال عن ماريا :
_ استاذ اود ان احصل على عنوان الدير الذي تقيم فيه الاخت ماريا .
نظرة استغراب ارتسمت على وجه البروفسور :
_ ولكن ما حاجتك اليه ؟
تردد مهدي قليلا ثم قرر ان يطلعه عن نيته في الارتباط بالاخت ماريا .
بعد ان اتم مهدي سرد تفاصيل ماحدث وجد تعاطفا من استاذه الذي بدا متفهما لما جرى :
_ حسنا يا مهدي يبدو الامر رائعا اتمنى لكما السعادة ولكن دعني اتصل بالاب جوزيف اولا واحصل منه على موعد للقائه ، سيكون ذلك افضل للجميع .
رحب مهدي بالفكرة و وجدها اكثر رسمية من ذهابه مباشرة الى الدير :
_ انها فكرة رائعة يا سيدي شكرا جزيلا لك .
رفع سماعة الهاتف و ابتسم ممازحا :
_حسنا ايها العاشق الصغير دعنا نجري هذه المكالمة المصيرية .


#يتبع ..

#لارواحكم_النور ..
مشكاة عشق/ ٤٠

بعد انتهاء المحاضرة كان برفسور البرت مشغولا بتأمل مهدي الذي بدا شارد الذهن ولم يشارك في طرح الاسئلة والنقاش كعادته ، لذا انتظر خروج الطلبة من القاعة ليتحدث معه فناداه حينما همَّ بالخروج :
_ مهدي احتاجك قليلا .
توجه مهدي نحوه :
_ نعم سيدي .
تأمل عيناه الذابلتين و قد احاطتهما هالة من الارهاق :
_ مهدي انت لست على مايرام ، افتقد نشاطك ومشاركتك في النقاش اثناء المحاضرة مرَّ اسبوع وانت على هذا الحال .
اطرق برأسه :
_ فكري مشوش يااستاذ فالاحداث التي مررت بها خلال الفترة الماضية كانت معقدة ويبدو انها نالت مني .
صمت قليلا ثم اردف بحزن :
_ لا استطيع نسيان ماريا بهذه السهولة والعودة الى ممارسة حياتي بشكل طبيعي ، لقد كنت على وشك الارتباط بها ياسيدي كانت ستصبح زوجتي .
شعر البرفسور بالاسى على حاله فربت بلطف على كتفه :
_ عزيزي اعلم ان ما مررت به لم يكن سهلا ولكن ينتظرك عملا كثيرا خلال الفترة القادمة فبعد اسبوعين من اليوم سيتوجب عليك البدء بالجزء الاخر من التطبيق العملي .
_ و ماذا يتضمن هذا الجزء من التطبيق ؟
_ يجب عليك ان تتمرس على حضور المحاكمات ومرافقة فريق محاماة متخصص في الدفاع عن الفقراء الذين لايملكون المال الكافي لتوكيل محامين بارعين للدفاع عنهم .
شعر مهدي بالحماس قليلا فهو ينتظر هذه المهمة بلهفة :
_ سأبذل قصارى جهدي يا سيدي .
ابتسم برفسور البرت بحنو :
_ يتوجب علينا الاستمرار ياعزيزي فهكذا قضت الحياة .
غادر مهدي القاعة وهو يفكر في ماريا التي كانت تخضع لعملية ازالة الضمادات عن وجهها .
حينما دخل دكتور برنارد مع فريقه الطبي الى غرفة ماريا كانت تقف عند النافذة تتأمل السماء :
_ اسعدت صباحا يافاطمة .
_ اسعدت صباحا دكتور .
ابتسم وطمئنها :
_ كيف حالك اليوم هل انت مستعدة لإزالة الضمادات ؟ ارجو ان لا تخافي فهي ليست مؤلمة .
_ حسناً انا لست خائفة ولكني مضطربة قليلا فأنا لا اعلم كيف سيبدو وجهي الان .
تحدث الطبيب بحذر :
_ عزيزتي ستحتاجين الى اسبوعين قبل ان يخف الورم والكدمات ويعود الوجه الى حالته الطبيعية ، لازلتِ يافعة يافاطمة واتوقع ان لاتستغرق فترة شفائك تماما اكثر من شهر .
طلب منها ان تجلس ثم وقف امامها وبدأ بفتح الضماد بهدوء ورفق كانت الاعين مصوبة نحوها فارتجفت قليلا فسارعت الممرضة فاطمة الى الامساك بيدها وتهدئتها .

#يتبع
#لارواحكم_النور
#مشكاة_عشق / ٤١ ..

انتهى دكتور برنارد من ازالة الضماد بالكامل و اخذ يتفحص وجه ماريا بعناية وهو مقطب الجبين ولكن سرعان ما ارتسمت على وجهه ابتسامة رضى :
_ لقد اتقن فريق الجراحين عمله يافاطمة ، اعدك بعد شهر من الان سيتهافت الشباب حولك كالفراشات .
ضحك الجميع بصوت واحد ولكن ماريا قطبت جبينها و لم تبالي بقوله و همست بأضطراب :
_ اريد المرآة .
ناولتها فاطمة المرآة فأخذت تتفحص وجهها ، كان متورما والكدمات تحيط بعينيها الزرقاوين و بوجنتيها وفمها ، بدت مشوهة جدا فاغرورقت عيناها بالدموع ولكنها كتمت بكائها وحاولت ان تبدو متماسكة وقوية :
_ اشكركم جميعا على مساعدتي و انقاذي من الموت المحتم .
_ لاشكر على واجب يا فاطمة هذا واجبنا يا عزيزتي ، والان ارتاحي قليلا واسترخي وستخبرك الممرضة بما يتوجب عليك فعله خلال الايام القادمة لتتماثلين للشفاء بسرعة .
ما ان غادر الجميع الغرفة حتى اطلقت العنان لدموعها .
بعد لحظات عادت الممرضة فاطمة لغرفة ماريا فوجدتها تبكي بمرارة :
_ عزيزتي لماذا تبكين هذا سيأخر شفائك لايجب ان تتشنج عضلات الوجه في هذه المرحلة يتوجب عليك الاسترخاء الان .
كفكفت ماريا دموعها واجابت بحزن :
_ انا فقط تألمت حينما رأيت وجهي مشوها هكذا .
_ لابأس عليك يافاطمة صدقيني اذا اتبعت التعليمات التي سأخبرك بها الان فأنك ستتماثلين للشفاء سريعا وستعودين جميلة كالسابق .
في تلك الليلة واثناء تناولها للعشاء برفقة عائلتها سمعت الممرضة فاطمة صوت صراخ السيدة اقدس وصوت سيارة الاسعاف فسارعوا الى استطلاع الامر ، كانت اختها مرضية قد فارقت الحياة اثر اصابتها بجلطة دماغية حادة .
كانت السيدة اقدس افغانية الاصل هربت هي واختها من بطش العصابات الارهابية في افغانستان وهاجرت الى كندا بعد ان قتل تنظيم طالبان جميع افراد عائلتها .
في صباح اليوم التالي بدت الممرضة فاطمة شاحبة وهي تساعد ماريا في تنظيف وجهها وقد لاحظت ماريا علامات الحزن المرتسمة على وجهها :
_ فاطمة تبدين حزينة ومتعبة ، هل انت بخير ؟
ترقرقت عينا فاطمة بالدموع :
_ انا حزينة على جارتنا السيدة اقدس .
رقَّ قلب ماريا :
_ مابال جارتكم ؟
_ لقد فقدت اختها الوحيدة بعد ان اصابتها جلطة دماغية ، لقد اصبحت وحيدة تماما .
صمتت فاطمة وغرقت ماريا في بحر افكارها العميق فهي الان وحيدة ايضا وليس لديها منزل تعود اليه او اهل يحتضنون اوجاعها ويخففون عنها الآلام الجراحات التي اصابت روحها وبدنها .


#يتبع
#لارواحكم_النور
مشكاة عشق / ٤٢ ...

بعد مرور اسبوعين على ازالة الضماد عن وجه ماريا بدأت ملامح وجهها بالاستقرار
واختفت الكدمات وخفَّ الورم كثيرا :
_ انت جميلة جدا يا فاطمة .
قالت الممرضة فاطمة وهي تنظف وجه ماريا الناصع البياض .
ابتسمت ماريا واحمرت وجنتاها خجلا ، فأردفت الممرضة :
_ ألا تذكرين اي شيء عن حياتك السابقة ؟
اضطربت ماريا و شعرت فاطمة بذلك فأبتعدت عنها قليلا وتأملتها بعمق :
_ لِم هذا الاضطراب ياعزيزتي ، هل تذكرتِ شيئا ما ؟
اطرقت ماريا برأسها وعقدت يديها بعصبية :
_ لا اذكر شيئا ؟
مدت فاطمة يدها وامسكت بيد ماريا :
_ فاطمة ارجوك هل تخفين شيئا ما ، يمكنك الوثوق بي ياعزيزتي اعدك بأن لا اخبر اي احد اذا وددت اخباري بما حدث لك .
ترددت ماريا كثيرا فهي تخشى ان يُفتضح امرها ولكنها خلال الاسابيع المنصرمة كانت تشعر بالطمأنينة وهي برفقة هذه الممرضة المسلمة :
_ انا لاادري يا فاطمة ، انا .
تلعثمت وصمتت :
_ فاطمة عزيزتي لاتخشي مني لعلي استطيع مساعدتك .
ظلت ماريا صامتة :
_ حسنا يافاطمة دعيني اساعدك على البدء ، ما اسمك الحقيقي ؟
نظرت ماريا اليها بقلق ثم همست :
_ ماريا .
_ ان اسمك رائع مثلك ، حسنا ولِمَ اخترتِ اسم فاطمة على الرغم من انك نصرانية ؟
_ انا مسلمة .
اتسعت عينا فاطمة دهشة :
_ حقا ؟!
_اجل لقد اسلمت حديثا .
صمتت قليلا ثم اردفت :
_ لقد حدث لي كل هذا لاني كنت ذات يوم راهبة .
لم تستطع فاطمة ان تكتم صرختها :
_ ماذا ؟ اكاد لا اصدق ما اسمعه انت راهبة ؟!
_ كنت يوما ما الراهبة ماريا اما الان فانا فاطمة المسلمة .
بعد ان اقسمت فاطمة لماريا ان لاتخبر اي احد عما ستقوله لها اطمأنت ماريا وقصت عليها ماحدث معها منذ التقائها بمهدي .
كانت الممرضة فاطمة تصغي لها والدموع تجري على خديها وهي تكاد لاتصدق ماجرى على هذه الراهبة النصرانية الشجاعة الباحثة عن الحق .

#يتبع
#لارواحكم_النور
#مشكاة_عشق / ٤٣ ..

كان رئيس الجراحين الدكتور هانسن والذي يترأس اجتماع مجلس ادارة مستشفى سانت مايكل يبدو مستاءا جدا وهو يتحدث مع رئيس قسم الاعصاب :
_ ولكن ماذا كنتم تفعلون خلال الفترة الماضية ؟ لقد مرَّ على وجود المريضة في المشفى اكثر من شهرين ولم تستعد ذاكرتها حتى الان !
_ ماذا عسانا نفعل يا سيدي انها لا تتذكر اي شيء على الاطلاق لقد حاول العديد من الاطباء المقيمين ان يعرضوها لصدمات متكررة ولكن من دون جدوى .
تدخل دكتور برنارد قائلا :
_ لا اظن ان محاولاتكم ستجدي نفعا فقد كانت الضربات التي تلقتها على رأسها عميقة وقوية ولكن ربما يوما ما ستتمكن من استعادة ذاكرتها واظن ان اجواء المشفى لا تساعد كثيرا على التعافي من الصدمة التي تعرضت لها المريضة .
نظر دكتور هانسن الى الاوراق الموضوعة امامه على الطاولة :
_ ماذا لو لم تستعد ذاكرتها ؟ لايمكنها البقاء هنا الى الابد فالقوانين تمنع مكوثها في المشفى بعد تماثلها للشفاء وفي الوقت نفسه لايمكنها المغادرة وهي لاتعلم شيئا عن حياتها السابقة من دون ان يتكفلها احد ما فهي لاتمتلك هوية او اي اوراق رسمية .
لا تدري الممرضة فاطمة من اين جاءتها الجرأة لتنهض من الكرسي في الخلف حيث تجلس مع الفريق الخاص بالدكتور برنارد وتعلن بصوت مرتجف :
_ أنا سأتكفلها .
استدار جميع الجراحين والاطباء واخذوا يتأملون الممرضة بأستغراب ودهشة فشعرت بأنها على وشك السقوط ارضا نزع دكتور هانسن نظارته وخاطبها :
_ ايتها الممرضة هل انت جادة فيما تقولين ؟
تمكنت من السيطرة على نفسها وتحدثت بجدية :
_ أجل يا سيدي فأنا استطيع ان اوفر لها سكنا وعملا في الحي الذي اسكن فيه .
_ حسنا اذا يا دكتور برنارد يبدو ان احد افراد فريقك الطبي قد انقذنا من هذا المأزق ارجو ان تقوم بالتنسيق مع الممرضة حول هذا الامر ، كما ارجو ان تنال الممرضة مكافأة وكتاب شكر ايضاً .
نظر الى الممرضة وخاطبها بأمتنان :
_ شكراً لك انستي .
ردت فاطمة بإيماءة خجولة برأسها وهي تشعر بالسرور لانها تمكنت من ضرب عصفورين بحجر واحد .

#يتبع
#لارواحكم_النور
#مشكاة_عشق / ٤٤

كانت السيدة ساميا تعد طعام العشاء حينما دفعت فاطمة باب المطبخ و دخلت وهي تشعر بالفرح :
_ عمتِ مساء يا امي.
_ عمتِ مساء ياصغيرتي .
_ رائحة البلتونغ رائعة يا امي و تملأ الارجاء .
وقفت بجانب امها قرب الموقد و فتحت القدر واستنشقت رائحة الطعام الافريقي المميز :
_ يبدو شهيا جدا .
ثم اعلنت بسرور :
_امي لدي خبر سار سيفرحك حتما ، لقد وجدت شابة يمكنها ان تقيم مع السيدة اقدس .
ارتسمت ملامح الامل على وجه امها حينما سمعت ذلك ، فسكان الحي سعوا جاهدين للتخفيف عن السيدة اقدس بعد وفاة اختها :
_ من تكون ؟
_سأخبرك لاحقا يا امي ، سأذهب اليها الان لاخبرها بالامر .
_ ولكن الى اين ؟ تناولي عشائك اولا ؟
وضعت اغراضها على الطاولة وخرجت مسرعة :
_ لست جائعة الان ، لن اتأخر .
طرقت باب المنزل المجاور لمنزلهم :
_ سيدة اقدس هذه انا فاطمة .
فتحت السيدة الباب وكان يبدو على وجهها الارهاق والحزن :
_ مرحبا بك يا عزيزتي تفضلي بالدخول .
كان منزل السيدة اقدس يُشعر المرء بالهدوء والسكون فحجرة المعيشة التي تتوسطها المدفئة الحجرية و يتصاعد منها دخان الخشب المحترق و بقربها الكرسي الهزاز الملقى عليه دثار السيدة الصوفي تبعث على الدفئ و الطمأنينة :
_ اسفة لاني ازعجتك في هذا الوقت .
ابتسمت السيدة اقدس :
_ انا ارحب بأي ضيف في اي وقت يافاطمة فكما ترين اجلس وحيدة مع ذكرياتي .
واشارت بيدها الى الجدار قرب المدفئة والذي امتلأ بصور اهلها بزيهم التقليدي الجميل :
_ لابأس عليك يا سيدتي ، لقد عثرت على فتاة تستطيع ان تقيم معك على الدوام .
التمعت عينا السيدة اقدس بالامل وتغيرت ملامحها فبدت اصغر سنا :
_ حقا يافاطمة ؟ أحقا ما تقولين ؟
ابتسمت فاطمة بفرح :
_ أجل أجل يا سيدة اقدس ، ستسرين بمعرفتها انا متأكدة من ذلك فأنتما لديكما مشتركات كثيرة و ستكون اقامتها معك شيء رائع .
صمتت قليلا ثم اردفت :
_ انها شابة مريضة ترقد في المستشفى الذي اعمل فيه وقد تعرضت لحادث افقدها الذاكرة ولاتستطيع تذكر عائلتها او من تكون ويجب ان تغادر المشفى لانها تماثلت للشفاء وقوانين المستشفى لا تسمح ببقائها فترة اطول ، لذا فكرت انها الشخص الانسب للاقامة معك .
شعرت السيدة اقدس بالحزن :
_ ايتها الصغيرة المسكينة ، وكيف حالها الان ؟
_ لقد خضعت لعدة عمليات جراحية وكذلك عمليات تجميلية لوجهها الذي تشوه بشكل كبير بسبب الحادث ، ولكنها تتعافى الان .
لاتدري فاطمة هل يجب ان تخبر السيدة اقدس بسر ماريا ام لا ولكنها تراجعت حينما تذكرت قَسمها :
_ سيدتي ما رأيك هل تودين مني احضارها الى هنا ؟
_ أجل يا عزيزتي بالتأكيد اود ذلك ، ولكن اخبريني ما اسمها ؟
ابتسمت فاطمة بلطف :
_ هي لاتستطيع تذكر اسمها الان لذا اختارت ان يكون اسمها فاطمة .
_ و نعم الاسم ، حسنا ياصغيرتي اشكرك كثيرا ولا اعرف كيف عساني ارد لك هذا الجميل فانا حقا اشعر بالوحدة القاتلة بعد رحيل مرضية .
فرت دمعة من عينيها فسارعت فاطمة الى احتضانها والتخفيف عنها :
_ لاتحزني يا سيدتي ارجوك ، يحتاج الامر بضعة ايام فقط وستكون فاطمة برفقتك لتخفف عنك هذه الوحدة .

#يتبع
#لارواحكم_النور
مشكاة عشق /٤٥ ..

بحلول عصر يوم السبت نزلت فاطمة السلم بسرعة فوجدت والديها يشربان الشاي في الصالة ،وحينما رأتها والدتها تسائلت باستغراب :
_ الى اين ياعزيزتي انها الرابعة عصرا و لايزال الوقت مبكرا حتى حلول المساء ؟
اجابت بحماسة :
_ اريد ان اذهب الى السوق قبل توجهي الى العمل يا امي ، سأشتري لفاطمة بعض الثياب فغدا صباحا سأحضرها الى منزل السيدة اقدس .
ابتسم والدها السيد عبد الرحمن :
_ يبدو انك متحمسة جدا لهذا الامر يا فاطمة ؟
_ اجل يا ابي اجل فانا فرحة جدا لاني تمكنت من ايجاد مأوى لفاطمة فهي وحيدة وليس لديها احد وكذلك حال السيدة اقدس .
_ بوركتِ يا ابنتي على مسعاك الحثيث .
_شكرا يا ابي .
قبلتهما وتمنت لهما ليلة هانئة ثم خرجت مسرعة الى السوق يحدوها الامل في مساعدة اقدس وماريا .
كانت ماريا تتناول وجبة العشاء حينما دخلت عليها فاطمة تحمل في يدها كيسا كبيرا :
_ عمت مساء ايتها الفاتنة .
ضحكت ماريا :
_ لم اعد فاتنة و عمتِ مساء ياعزيزتي .
وضعت الكيس على السرير واخرجت منه فستان زهري اللون طويل ذو اكمام وياقة بيضاء و حافته مطرزة بزهور بيضاء :
_ ارجو ان يعجبك ذوقي ياماريا .
دمعت عيناها فأزاحت طاولة الطعام المتحركة جانبا ومدت ذراعيها نحو فاطمة :
_ اقتربي لاعانقك ايتها الصديقة الوفية .
احتضنتها بلطف وهمست :
_ شكرا يا فاطمة اشكرك كثيرا على لطفك وعنايتك بي .
_ هذا واجبي يا ماريا انا مسرورة جدا بكل هذه اللطائف الالهية التي يحيطنا الله بها ، سبحانه اتقن ترتيب الامور لك بشكل مذهل .
كانت فاطمة قد اخبرت ماريا في وقت سابق عما جرى في اجتماع مجلس ادارة المشفى وقد فرحت ماريا كثيرا بأقتراحها للاقامة مع جارتهم السيدة اقدس .
_ اجل لقد اتقن الرب تهيئة كل شيء ، كم انت رحيم يا الهي .
_ والان ايتها الفاتنة دعيني اساعدك في ارتداء هذا الفستان لنرى ان كان يلائمك ، لقد اخبرني البائع انه بالامكان استبداله اذا لم يكن القياس مناسبا .
وقفت ماريا امام المرآة ونظرات الاستغراب مرسومة على وجهها الذي تغيرت ملامحه فقد بدت مختلفة بالحجاب الاسلامي :
_ تبدين رائعة يا ماريا الحجاب يليق بك كثيرا ، والان اخبريني ما رأيك بذوقي ؟
_ رائع يا فاطمة والقياس ملائم جدا وكأني كنت برفقتك .
_ الحمد لله انه ملائم ، حسنا اذا ياماريا سأدعك الان واذهب لاكمل اجراءات خروجك من المشفى .
بحلول الساعة العاشرة صباحا ودعت ماريا من كان موجودا من الطاقم الطبي فاليوم هو الاحد ولم تتمكن من توديع جميع الجراحين والممرضات اللاتي تناوبن على رعايتها طوال فترة اقامتها في المشفى .
بعد جولة سريعة في السوق توجهت الفتاتان الى الحي الذي تقطنه فاطمة :
_ هل انت بخير يا ماريا تبدين شاردة الذهن ؟
_ انا فقط افكر في كل ماحدث لي وكأني اشاهد فيلما .
_ لابأس عليك يا ماريا ان الاقامة مع السيدة اقدس ستنفعك كثيرا فهي ناشطة في المجتمع الاسلامي ولن تشعري معها بالملل لان لديها الكثير من النشاطات في المساجد وكذلك مايسمى بالحسينية الخاصة بهم .
_ أجل اعلم عن هذه النشاطات فلطالما شاهدت مسيراتهم تجوب الشوارع في ايام شهر محرم وصفر .
_ أجل انها مسيرات رائعة وقد دعتني السيدة اقدس اكثر من مرة للمشاركة معهم ولكن ظروف عملي لاتسمح لي بذلك .
_ لقد وصلنا ها هو بيت السيدة اقدس ولكن دعيني اولا اعرفك على عائلتي .



#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق / ٤٦

بعد جلسة لم تتجاوز الساعة تعرفت ماريا خلالها على عائلة فاطمة ذهبت الفتاتان الى بيت السيدة اقدس التي كانت تنتظر بلهفة لتلتقي بالفتاة الشابة وما ان طرقت فاطمة الباب حتى سارعت السيدة بفتحه والابتسامة تعلو وجهها :
_ السلام عليكم سيدة اقدس ، اقدم لك فاطمة ، فاطمة اقدم لك السيدة اقدس .
مدت ماريا يدها لتصافح السيدة :
_ سررت بلقائك سيدتي .
تفرست السيدة بوجه ماريا بأستغراب :
_ وعليكم السلام .
صمتت قليلا ثم اردفت :
_ كنتُ اظنك عربية يافاطمة ولكن يبدو انك كندية الاصل !
انتبهت السيدة الى ان الفتاتين تبادلتا نظرات مبهمة فعلمت ان في الامر سر ما فتداركت الموقف وسارعت بدعوتهما الى الدخول :
_ اهلا وسهلا بكما تفضلا .
تأملت ماريا منزل السيدة اقدس فشعرت بالطمأنينة تدثر روحها بالسكون والهدوء فقد بدا كل شيء مرتبا ومنسقا واضفت الورود البيضاء الموضوعة على الطاولة التي تتوسط حجرة المعيشة جوا من السلام والحب ، اما النباتات المنتشرة في اركان المنزل اكسبته روح الحياة .
بعد ان اطمئنت فاطمة ان الامور سارت على مايرام استأذنت في المغادرة :
_ اود البقاء اكثر ولكن احتاج الى الراحة فأنا لم انم منذ الامس .
عانقتها ماريا بقوة واغرورقت عيناها بالدموع وهمست في اذنها :
_ لا اعرف كيف ومتى سأرد لك هذا الفضل الجميل يافاطمة .
_ ليس فضلا انت اختي في الدين والانسانية ياعزيزتي .
رافقت السيدة فاطمة الى الباب ثم عادت الى حجرة المعيشة :
_ عزيزتي دعيني أُريك غرفتك .
حملت ماريا اكياس الثياب وصعدت برفقة السيدة الى الطابق العلوي الذي كان مؤلفا من ثلاث غرف فتحت السيدة اقدس باب احداها واشارت لماريا بالدخول :
_ تفضلي هذه ستكون غرفتك .
كانت الغرفة صغيرة تطل على الحديقة الامامية للمنزل والذي يطل على الشارع العام للحي ، وشعرت بالراحة تملأ قلبها وهي تتأمل هذه الغرفة البيضاء كأنها حمامة سلام فأثاثها الابيض وجدرانها المعرقة باللونين الابيض والزهري اضفت لمسة انثوية جعلتها تبتسم :
_ انها رائعة ياسيدتي .
_ حسنا اذا ، سأتركك الان لأقوم بإعداد المائدة ريثما تنتهين من توضيب ثيابك.
توجهت ناحية الباب فنادتها ماريا :
_ سيدتي .
التفتت السيدة اليها فشاهدت ملامح الامتنان مرتسمة على وجهها الغض :
_ اشكرك من اعماق قلبي على استضافتك لي في منزلك .
ترقرق الدمع في عيني السيدة اقدس فقد شعرت بصدق شعور ماريا :
_ انا من يجب ان يشكرك على ملأ وحدتي القاتلة بوجودك .
اومأت السيدة برأسها و اغلقت الباب خلفها وقلبها ينبض بشعور غريب لم تألفه من قبل .

#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق /٤٧

كانت وجبة الغداء التي اعدتها السيدة اقدس افغانية بأمتياز فإلى جانب الطبق الرئيسي المكون من الارز المخلوط مع قطع الدجاج وانواع مختلفة من الخضار كانت رقائق من العجين المحشوة بالخضار تبدو رائعة :
_ انه لذيذ جدا يا سيدتي .
ابتسمت السيدة اقدس وشعرت بالفخر لان الطعام اعجب ماريا ثم بدأت تخبرها عن الاصناف التي اعدتها :
_هذه الرقائق هي خبز ( البولاني ) نحشوه بالخضار مع الفلفل الحار اما الارز فيدعى ( برياني ) وهذه الوصفة من المطبخ الآسيوي و كل بلد يقوم بطهوه بشكل مختلف .
طلبت ماريا من السيدة اقدس ان تقوم بجلي الصحون واعداد القهوة :
_ حسنا ياصغيرتي سانتظرك في حجرة المعيشة .
حملت ماريا صينية القهوة الى السيدة اقدس فوجدتها تجلس على كرسيها الهزاز قرب المدفئة مغمضة العينين فظنت انها نائمة :
_ اقتربي ياعزيزتي فاطمة .
_ تفضلي فنجانك ياسيدتي .
ارتشفت السيدة قهوتها فأبتسمت لماريا التي اختارت ان تجلس على الارض قرب المدفئة :
_ قهوتك رائعة مثلك .
ابتسمت ماريا ولاذت بالصمت فأخذت السيدة اقدس تتأمل هذه الفتاة الغريبة عنها تماما كانت تبدو جميلة جدا وهي تجلس امام المدفئة والسنة اللهب تنعكس على وجهها الناصع البياض وتلتمع في عينيها الخضراوين ولكن اكثر ما لفت انتباه السيدة ذلك الحزن العميق الذي يسكن عينيها على الرغم من ابتسامتها التي لاتفارق وجهها .
كسر صوت السيدة حاجز الصمت الذي احاط بماريا :
_ يوما ما كانت اختي مرضية جميلة مثلك ولكن اختطفها الموت مبكرا .
التفتت ماريا للسيدة التي اردفت بصوت حزين :
_ كانت يافعة جدا حينما اقدمت الجماعات الارهابية على قتل امي وابي واخوتي ، كنت اكبرها بعشر سنوات حينذاك .
اقتربت ماريا منها وامسكت بيدها فقد كانت تعاني من هذه الذكريات الاليمة فنظرت الى عينيها واردفت بألم :
_ حينما علم ابي ان عصابة طالبان اجتاحت القرى القريبة من قريتنا قام بنقب جدار خلف خزانة الملابس في حجرة النوم وعمل ثغرة تكفي لاختبائنا انا ومرضية واعاد بناء الجدار وابقى على فتحة صغيرة جدا لنتمكن من التنفس ، لقد كانوا قساة ليس في قلوبهم ذرة رحمة وكأنهم جبلوا على القتل والاجرام قاموا بوضع ابي واخوتي الثلاث وجميع رجال القرية في خزانات المياه الكبيرة ودحرجوها في الوادي اما امي والنسوة فاحرقوهن بماء النار بعد ان عذبوهن وشوهوا وجهوهن بالسكاكين والسيوف لقد تفننوا في تعذيبنا .
شهقت السيدة اقدس من هول الذكرى اما ماريا الغارقة بدموعها استرجعت ما مرَّ عليها في تلك الغابة الموحشة .

#يتبع
#لارواحكم_النور
#مشكاة_عشق /٤٨ ..

اسفة يا صغيرتي .
اعتذرت السيدة اقدس من ماريا حينما رأتها غارقة بدموعها :
_ لا عليك يا سيدتي انا فقط شعرت بالاسى على مااصابكم .
كفكفت دموعها وتسائلت :
_ ولكن كيف تمكنتما من الهرب لاحقا ؟
_ لقد كانت ساعات عصيبة تلك التي مررنا بها ونحن نكتم انفاسنا خلف تلك الخزانة الخشبية الكبيرة ونسمع صراخ النساء وبكائهن ، كان صراخ الارهابيين والفاظهم النابية يصيب القلوب بالرعب فقضيت ساعات طوال وانا احاول ان اهدئ من روع مرضية المسكينة التي كانت ترتعد من شدة الخوف كلما تناهت الى مسامعها اصواتهم البغيضة ، وحينما حلَّ الصمت الارجاء علمتُ انهم غادروا المكان ولكني خشيتُ ان اخرج من الثغرة فأنتظرتُ حتى تأكدت من خلو المكان منهم وقمت باستعمال معول صغير اعطاني اياه ابي لافتح به الثغرة ثم حاولت جاهدة ان ادفع الخزانة شيئا فشيئا حتى انزاح قليلا وتمكنت من الخروج بصعوبة ثم قمت بدفعه اكثر لاخرج مرضية التي كانت على وشك الانهيار .
كانت ماريا تصغي بكل جوارحها لهذه المأساة التي اصابت هاتين الفتاتين :
_ كانت مرضية مصابة بالمرض الشديد ولم اعرف سبيلا لعلاجها سوى قراءة القران على ضوء الشموع طيلة تلك الليالي التي مرت علينا خلف تلك الخزانة كان قد مضى على اختبائنا في المنزل اسبوعا كاملا حينما وصلت احدى المنظمات الانسانية لتوثيق ماجرى على قريتنا وفوجئوا بخروجنا من خلف الخزانة التي كنا نسارع للاختباء خلفها كلما سمعنا صوتا ما ، وهكذا عملت منظمات الاغاثة الانسانية التابعة للامم المتحدة في كابول على تسهيل اجراءات سفرنا الى كندا واعتبارنا من ضحايا الارهاب .
ربتت ماريا على يد السيدة اقدس بلطف :
_ انت امرأة شجاعة يا سيدتي اهنئك على هذه القوة والانتصار على الارهاب .
_ لم اكن قوية كفاية في حينها يا عزيزتي لقد كنت يافعة ايضا وخفت كثيرا ولكني تظاهرت بالقوة حتى لا افقد اختي الوحيدة ، كان عزائي الوحيد هو وجودي بمعية الله كنت اعلم ان مشيئته قضت ان احيا انا واختي لننقل للعالم بشاعة ما حدث معنا .
اصاب كلام السيدة اقدس وترا حساسا في قلب ماريا فسرحت بأفكارها ياترى هل يتوجب عليها ان تكون شاهدة على بشاعة التطرف الديني وتنقل للعالم ماحدث معها هزت رأسها بقوة لتنفض عنه هذه الافكار فهي ليست قادرة على المواجهة الان .
صوت دقات الساعة الخشبية الضخمة اعلن عن حلول المساء :
_ يا الهي لقد مضى الوقت بسرعة وسيحين وقت صلاة المغرب بعد قليل ، اسفة يا عزيزتي لقد اثقلت كاهلك بهذه الذكريات المحزنة .
نهضت السيدة اقدس من الكرسي وفاجئت ماريا بسؤال جعل الصفرة تعلو وجهها .

#يتبع
#لارواحكم_النور