الطريق إلى التوبة
6.05K subscribers
10.2K photos
388 videos
243 files
5.34K links
قد تركتُ الكُلَّ ربّي ماعداك
ليس لي في غربةِ العمر سِواك...
حيثُ ما أنتَ فـ أفكاري هُناك..
قلبي الخفاقُ أضحۍ مضجعك..
في حنايا صدري أُخفي موضعك..

اي استفسار او ملاحظة ارسلها حصرا على هذا البوت

@altaubaa_bot

فهرس القناة
https://t.me/fhras_altauba
Download Telegram
#الجزء_الثاني

وخرج بعد أن ترك البيت وقد عجّ بالاضطراب والقلق على آل البيت(ع)، تركهم وهم يعدّون اللـحظات منتظرين عودته ليوافيهم بآخر الأخبار عن حركة الإمام وتفاصيل خروجه.

🤲🏻ورفعت أم عبد الله يدها بالدعاء تبتهل إلى الله أن يحفظ الامام الحسين(ع) من كل سوء ويحميه من كيد الظالمين ومكرهم، وتلحّ بالدعاء من أعماق قلبها.

🚶‍♂وراح عبد الله يجوب طرقات المدينة وأزقّتها يتحسّس الأخبار بحيطة وحذر شديدين، فقام ببعض الزيارات لأصدقائه في أماكن عملهم وجلس إلى كل منهم قليلا محاولا الحصول على المعلومات تارة من الحديث العابر مع البعض وتارة من الأسئلة المباشرة من معارفه المقربين والذين هم على نهج الرسول وأهل بيته.

🕌 وعندما رأى نهاره يستأذن ودنا الغروب، جعل وجهته مسجد الرسول(ص) فتوضأ واستأذن بأدب عند الباب (أأدخل يا رسول الله ؟ ).
ودخل مسجد النبي الكريم فأخذ جانبا من المسجد وعـيناه شاخصتان باتجاه القبر الشريف، وتلا زيارة المصطفى ثم أخذ يناجيه ويخاطبه ويشتكى إليه الحال.

😭 وسالت دموع عينيه وجال ببصره أرجاء المسجد الشريف، وشعر بوحشةٍ وكآبة وأسى يلفّ المسجد الطاهر من كل جانب، فهذا المكان لم ير البهجة منذ فارقه النبي(ص)، لِما أصاب أهل البيت من البلاء تلو البلاء، والشقاء تلوا الشقاء، كالنهر الجـاري لا يريد أن ينقطع أو يتوقف عنهم، أولنك الذين أوصى النبى(ص) بمودّتهم.

😭 آه... وأخذت الحسرات والآهات تُسعر صدره ثم أخذ يتمتم بصوت منخفض:
والآن ماذا سيكون نصيبك أنت يا مولاي الحسين (ع)؟
فيجهش بالبكاء ويحاول أن يخفى بكاءه، فيكفكف دموعه، ويأخذ موقعا يصلي المغرب والعشاء، ثم يسلّم على رسول الله(ص) عند باب الخروج مُتّجها إلى منزله بما حصل عليه من أخبار تخصّ خروج الإمام الحسين (ع).

🔺وفي الطريق يلتقي أخاه مسعودا.
مسعود ـ أهلا عبد الله ، كيف حالك وحال والدتي وجابر وزوجاتكما والأولاد؟
▫️عبد الله ـ الحمد لله الكل بخير.
🔺مسعود – [مبتسما]ـ وكيف حال أختي صفية؟ ألم يأتها خاطب بعد؟
▫️عبد الله - الحمد لله، هي بخير، وكل شىء في أوانه.
وكان واضحا على عبد الله أنه يريد اختصار الحديث وأن ثمة أمرا ما يشغله ويؤرقه.
وشعر بذلك مسعود، إذ تركه عبد الله مستأذنا بشكل جعل مسعود يفكر في سرّ قلقه وارتباكه.

🚪وما إن وصل عبد الله إلى بيته حتى فُتحت الباب قـبل أن يطرقها، وكانت زوجته واقفة خلف الباب تحمل ولدها على كتفها مرتقبة عودته بخوف وقلق، فاستقبلته بلهفة الخائف:
◾️زوجة عبد الله ـ حمدا لله على سلامتك.
◽️عبد الله - ولم كل هذا القلق ؟ ماذا حدث؟

◾️زوجة عبد الله - لقد سمعت من بعض الجيران أن الخطر يحوم حول أهل بيت النبي(ص) وكل من يتولاهم ويتبعهم حتى من يتولاهم بالحب فقط. وقد ألقي القبض على عدد من الموالين لهم وبعضهم من أقاربنا ومعارفنا، وعندما تأخرت طار لبّي يا سندي وخفت عليك أشد الخوف.
◽️عبد الله - قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. أين أمي؟ نـادِها وكذلك جابر وزوجته وأختي صفية وأنت، هلموا كلكم إلى الغرفة الداخلية.
◾️زوجة عبد الله - ألا تأكل عشاءك؟
◽️عبد الله ـ في وقت لاحق.

ويتوجه الجميع إلى الغرفة الداخلية ويشعل جابر سراجا صغيرا..
أغلقوا النوافذ والأبواب، والتف الجميع حول عبد الله، وبادرت الأم بلهفة قائلة:
- ها يا ولدي أخبرني بكل ما عرفت عن ريحانة النبي(ص) و قرّة عين الزهراء البتول عليها السلام.

#يتبع
#أم_البنين_ومسيرة_الإمام_الحسين (عليه السلام)

⚫️ قناة الطريق إلى التوبة ⚫️
تلغرام: t.me/altauba
فهرس القناة: @fahras_altauba
#الجزء_السادس

◾️ عبد الله ـ لقد بقيت أمّ البنين في المدينة لكنها أرسلت أبناءها الأربعة وعلى رأسهم العباس بن علي، مع أخيهم وإمامهم الحسين (ع).

◽️أم عبد الله - و لَمْ تدّخر لنفسها حتى ولدا واحدا يُعينها؟!
آه لهذه المرأة العظيمة! تؤثِر إمامها الحسين (ع) بأولادها الأربعة وهي في أمسّ الحاجة لواحد منهم! لكنها اختيار علي(ع) وأخيه عقيل، عن معرفة ودراية بها وبأصلها ومعدنها.

🔘 وتُبادر ابنتها صفيّة بسؤال أمها:
- ما هذه الروحية التي تمتاز بها مثل هذه الأم التي ترسل كل أبنائها في سفر تَحوطُه الأخطار من كل جانب ولا تُبقي حتى واحدا منهم معها!! كيف تستطيع ذلك ؟
إنني لا أستطيع أن أفهم كيف تحدث هذه الأمور، ولا أتمكن أن أستوعبها!!

◽️أم عبد الله - إيه! إنك لو عرفت من تكون هذه السيدة العظيمة الجليلة لما استغربتِ، ولتوقّعت منها أكثر من ذلك..
إنك لا تعرفين مكانتها عند أهل البيت ومكانتها عند قومها وعشيرتها، فهي ليست بامرأة عادية، بل لها من المجد والشرف والعناية الإلهية الشيء الكثير. فهي كما سُمّيت سيدة نساء العرب.

🔘صفية ـ أَ إلى هذه الدرجة ؟ لقد شوّقتِني يا أماه أن أعرفها أكثر.
أخبريني يا أمي كيف وصلت هذه السيدة إلى هذه الدرجة من الرفعة والعظمة؟
◽️أم عبد الله - لقد تأخّر الوقت كثيرا، ولولا ذلك لأخبرتك بما أعرفه عن مولاتي العظيمة أم البنين.
🔘صفية ـ لم يبقَ إلاّ سويعات على صلاة الفجر يا أمي ولا أعتقد أنّ أحداً منّا يستطيع النوم هذه الليلة، ولنكمل حديثنا عن هذه السيدة الجليلة.
◽️أم عبد الله ـ إذن فاتركيني أنتهي من صلاة الليل وأختلي بها مع ربي بضع الوقت ثم نعود لمجلسنا وحديثنا، فليس بي رغبة إلى النوم.

وقامت أم عبد الله إلى مُصلّاها تؤدّي ما اعتادت عليه منذ سنين طويلة، فلقد تزوّدت التقوى والإيمان وكثيرا من العلم أثناء مجاورتها لبيت الرسالة والوحي، ولمعاشرتها نساء البيت الهاشمي.

وساد المنزل نور وسكينة فقد أخذ كل من أم عبد الله وأبنائها (عبد الله وجابر وصفية) زاوية من المنزل بين قائم وساجد وتالٍ للقرآن.

🤲🏻وترفع أم عبد الله يديها بالدعاء وتناجي ربها بصوت خافت حزين:
- اللهم صل على حبيبك محمد وعلى أهل بيته الأطهار، اللهم إني أسألك سؤال المضطر المستكين أن تجعلنا ممن يتبع نبيك وأهل بيته، ونكون بهم من الناجين الفائزين، ولا تُفرّق بيننا و بينهم طرفة عين، فهم سفن النجاة.
🤲🏻اللهم وهذا ابن بنت نبيك وحبيبك الحسين سيد شباب أهل الجنة وسفينة نجاة أمتك ومصباح هداها، وحجتك على أهل الأرض، قد ترك داره فارّاً من الظالمين، مُهاجرا في طاعتك.
اللهم فكن له خير معين وخير ناصر.
اللهم انصر من نصره واخذل من خذله، اللهم ارحم غربته بحق أمه الزهراء المقهورة المضلومة..

😭وما إن ذكرت اسم الزهراء حتى اختنقت بعبرتها، وانهمرت دموعها وأجهشت بالبكاء...
واسترسلت:
- اللهم ليس لي الليلة حاجة سوى الحسين، أن تعينه وتنصره على يزيد وأعوانه، وأن تبلّغه مبتغاه، وهو نصرة دينك وحفظ أحكامك، وإعلاء كلمتك.
واخذل اللهم تلك القلوب المتحجرة، من الذين جحدوا نعمتك، أولئك الذين سلبت منهم نعمة الهداية...
ثم هَوَتْ الى الركوع وأتمت صلاتها...

#يتبع
#أم_البنين_ومسيرة_الإمام_الحسين
#الجزء_الثامن

وهكذا تمرّ السنون والأعوام على تلك الطفلة، ولربما كانت الرؤيا عالقة في ذهنها عندما طرق المجد بابها وظللتها غمامة الرحمة، كان ذلك في سنة ٢٥ للهجرة النبوية عندما أراد سيدي ومولاي أمير المؤمنين أن يختار بين النساء أمرأة تستحق أن تكون جليسة أبنائه الحسن والحسين وزينب(ع) تكون لهم خلفاً عن أمّهم الزهراء(ع) المظلومة روحي فداء لثراها المغيّب، وتستحق أن تكون أمّاً لأولاده...

▫️ فذهب إلى أخيه عقيل بن أبي طالب وكان نسّابا في العرب يعرف الأنساب حق المعرفة و قال لأخيه عقيل: "انظر إلى امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فـتلد لي غلاما فارسا" يبتغي لذلك الأنساب الطيبة العريقة، فـإن العرق دسّاس..

🌟 ويُشير أخوه عقيل على أمير المؤمنين إلى كريمة بني كلاب ويشهد لهم بأن ليس في العرب من هو أشجع من آبائها ولا أفرس، فيقع اختيار الأمير(ع) على فاطمة العامرية الكلابة، فاطمة بنت حزام بن عامر بن كلاب بن ربيعة.

وهكذا يرسل في طلبها فتقبل مسرورة. ويا لها من حليفة الحظ العظيم والنعمة الإلهية الكبرى أن دخلت البيت الهاشمي وصارت قرينة باب علم النبي(ص) وكان عمرها آنذاك عشرين عاما.

🌱 و تتألق، ويتألق معدنها الطيب منذ اللحظات الأولى، فيروى أنها عندما زُفّت إلى بيت زوجها أمير المؤمنين مع أهلها لم تدخل البيت إلاّ عندما طلبت من ذويها الانتظار في الخارج حتى تخرج إليهم.

فدخلت سيدتي الدار برهة ثم خرجت وقد اغرورقت عيناها بالدموع وسمحت لأهلها بالانصراف. وعندما سألوها عن سبب ذلك اخبرَتْهم بأنها سألت الحسن والحسين وزينباً عليهم السلام، وقالت: هل تقبلونني خادمة عندكم في الدار؟ وعندما لم يرفضوا وجودها معهم أمرت أهلها بالانصراف.

🌟لقد أثبتت هذه العامرية الأصيلة علما ومعرفة منذ فتراتها الأولى في بيت ضمّ ثلاثة من أصحاب الكساء (علي والحسن والحسين عليهم سلام الله ) .

▫️و يُروى أنها طلبت من أمير المؤمنين طلبا عجيبا.
🔺صفية - أوَ تطلب هذه السيدة؟ لا أظن ذلك؟

▫️أم عبد الله - ليس كما تعتقدين ! لقد طلبت من الإمام(ع) أن لا يناديها باسمها فاطمة. وعندما سألها عن السبب، قالت: إنها لا تريد ان يسمع أبناء فاطمة الزهراء هذا الاسم فيتذكرون أمهم فـاطمة الزهراء فتنكسر قلوبهم.

وهكذا برهَنَت سموّها ورفعتها، وأحسنت سيرتها مع الحسنين (عليهما السلام) إذ قالت: «والله لأكونن للحسن والحسين كالأم الرؤوف».

🌟وهكذا عاشت هذه الدرة العظيمة في بيت علي. ويعلم الله كم شربت من علمه الغزير، وكم جسّدت من صفات الإيمان والتقوى والحكمة! لذا فلا غرو أن يكشف أمير المؤمنين عن بعض الأسرار الغيبية لأم البنين وأخبارا لا يمكن أن تحتملها امرأة عادية ما لم تكن قد وصلت مرتبة عالية في العلم الغزير والتقوى، وخصوصا إذا كانت هذه الأخبار عن مصائب ومآسٍ تجري على فلذة كبدها كالعباس ولدها الأكبر الملقب بقمر بني هاشم.

تسكت أم عبد الله هنيهة تنتهي من عبرتها وتكفكف دموعها.
🔺صفية - ها يا أماها ماذا قال لها عن العباس ؟ لقد ملأتِ قلبي خوفاً وقلقاً!

#يتبع
#أم_البنين_ومسيرة_الإمام_الحسين
#الجزء_العاشر

🔺عبد الله مهدّئا أخاه - ما هكذا يا جابر. اجلس وهدّئ من روعك، أخوك مسعود أكبر منك ويجب عليك احترامه.
◾️جابر ـ إنه لم يحترم نفسه ؟
🔺عبد الله – جابر! إهدأ واستعذ بالله من الشيطان الرجيم.

◾️ويجلس جابر مكانه ويستغفر الله وهو لا يزال يلهث غضباً مطرقا إلى الأرض.

🔺ويتوجه عبد الله إلى مسعود:
- لا ينبغي أن تتكلم عن الإمام الحسين (ع) بهده الصورة يا مسعود، فهو إمامي وإمامك وتعلم فضله حقّ المعرفة، ولا داعي أن أقرأ عليك الأحاديث والروايات في فضله وأحقيّته بأن يُمسك زمام الأمة الاسلامية، ولربما تكون أعرف منّي بذلك لكثرة اطلاعك وتقدم عمرك.

🔸مسعود [مطرقا، خجلا] إني أخاف عليكم من عيون السلطة ولا آمن عليكم، فكَم من الذين نعرفهم تواروا عن الأنـظار ولا نعرف مصيرهم لأنهم يوالون أهل البيت، وإني أخاف عليكم هذا المصير.

◾️جابر - ونحن نخاف عليك من المصير الأسود الذي ينتظرك يوم تموت.
🔸مسعود - لو حدث لكم مكروه فإني غير مسؤول عن ذلك، أنصحكم بالابتعاد عن طريق السلاطين وكونوا مع الناس، ولم آمركم بترك الصلاة والصيام وترك الحج..

🔺عبد الله ـ لولا عناء نبيك محمد(ص) وسيف إمامك علي (ع) لما صلّيت ولا صمت ولا حججت! وبدون أهل البـيت لا يبقى صلاة ولا صيام ولا حج ولا أي شيء من الدين.
ليس الدين كتابا يُقرأ، بل لا بد للدين من حامٍ يقوم عليه ويحفظ أهله من الانحراف، ولا بد للقرآن الكريم من حامٍ ومفسّر، وقد وكّل الله ذلك لأهل نبيّه(ص).

❗️ألم يقل النبي(ص): إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.
فكيف تريد منا أن نترك أهل البيت إلى حيث الضلال، والله لا نتركهم أبدا ولو قطعونا إربا بـالمناشير. وإني لأدعوك يا اخي بملازمتهم مهما كانت النتائج ، وليحفظنا ويحفظك الله تعالى.

🔸لكن مسعود كان غارقا فى الدنيا لا يعي قلبه ما سمع. يفكر بمصالحه وتجارته ويخشى من عيون يزيد فيبالغ في إظهاره الولاء لهم.
و لربّما طلبوا منه عونا في الإخبار فـيعينهم، وهنا مكمن الخطر. إن من يترك الحق لا بد له أن يتبع خطوات الباطل مجبرا حتى توصله إلى الهلاك.

ويخرج مسعود وهو يقول:
ـ لقد حذرتكم وقد اعذر من أنذر. إذا وقعتم في مصيبة فلا تسحبوني معكم ولاتذكروا أني منكم. قال ذلك وخرج.

◾️ويغلق جابر الباب خلف أخيه بكل قوته ويرجع إلى مكانه وهو يتأفف من اخيه ويؤلمه ما هو عليه من ضلالة.

🔹و تذهب صفية تنادي أمها.
وتعود الأم وتقول لهم:
إنى أعرف مسعود، لايفتح قلبه لكلامكم مهما كان، فلقد أعمته الدنيا وزبرجها، اسألوا الله أن يهديه، هذا كل ما نستطيع أن نفعله...

صفية: ـ لقد أفسد علينا مسعود حديتنا. ارجوك يا أماه أن تكملي حديثك...

#يتبع
#أم_البنين_ومسيرة_الإمام_الحسين
#الجزء_الثاني_عشر

🏳ويصل الإمام الحسين إلى مكة كما وصلها من قبل جده (ص) يوم فتح مكة، مع الفوارق الكثيرة، فقد جاءها رسول الله وقد أرغم أنف بني أمية، بينما جاءها الإمام الحسين تاركا خلفه بطش بني أمية، متمثلا في يزيد الذي يحلم في بيعة الإمام الحسين له بالخلافة.
ورسول الله وابنه الحسين يسيران في خط واحد على نفس الهدى الذي رسمه الله لهم ولأهل البيت إلى اخرهم مهدي الأمم...

🏳وتمضي الأيام والإمام الحسين (ع) في مكة.. اجتمع فيها مع كثير من المسلمين عدّة شهور وقام بدوره في نشر الوعي وكشف أباطيل الحكم الأموي المتسلط، وأوضح لهم خططه وأهدافه،
وبدا واضحا أنه عليه السلام سوف يغادر إلى العراق رغم اعتراض المعترضين ، ماضٍ على بينة من أمره، ويعرف أنه مقتول في طريق الحق لا محالة لتكون شهادته النور الذي يضيء للرسالة طريقها، غير آبه بالموت الذي استيقنه على يد يزيد إذ قال فيما قال:
《والله لا يَدَعُوني حتى يستخرجوا هذه العلقة - وأشار إلى قلبه الشريف - من جوفي ، وإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلّهم حتى يكونوا أذلّ من حزم الأمة.. 》

🏴وقال لأخيه محمد بن الحنفية: 《لو دخلت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقتلوني》

🏴وكان عليه السلام يُلقي الحجة على ذويه قبل العامة، فقد جاء في إحدى رسائله: 《من الحسين بن علي إلى أخيه محمد ومن قبله من بني هاشم، أما بعد، فإنه من لحق بي منكم استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح، والسلام.》

🚩 وفي مكة وقبل خروجه للعراق يقف الامام الحسين (ع) في البيت الحرام وجموع الحجاج وأهل مكة تشخص أبصارهم إليه وهو يبين لهم ما يجب أن يعرفوه، يكشف عنهم الغشاوة التي أطبقت على بصيرتهم ويجلو ما ران على قلوبهم..يُبين لهم باختصار نظرته للموت والحياة والمصير، ويدعوهم للهجرة إلى
الله بحسن الموعظة وحكمتها.
وقف فيهم خطيبا وقال:
《الحمد لله وما شاء الله ولا قوة إلا بالله وصلى الله على رسوله،
خط الموت على ولد ادم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي، إشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه،
كأي بأوصالي تقطعها عسلان الفلاة بين النواويس وكربلا، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا..لا محيص من يوم خط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين ، لن تشذّ عن رسول الله(ص) لحمته، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وينجز بهم وعده.. ألا ومن كان باذلا فينا مهجته، موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مُصبحاً إن شاء الله تعالى 》

كان ذلك في ٨ ذي الحجة أي بيوم قبل عرفة..
وتهتزّ قلوب المسلمين، لماذا يترك الإمام الحسين (ع) الحج؟
ما الذي دعاه لذلك ؟

#يتبع
#أم_البنين_ومسيرة_الإمام_الحسين
#الجزء_الرابع_عشر

🏜 وعندما وصل الإمام الحسين(ع) الحاجر من بطن ذي الرمة، وهو أحد منازل الحج عند طريق البادية كتب كتابا لشيعته من أهل الكوفة يعلمهم بالقدوم إليهم، جاء فيه:
《 من الحسين بن علي الى إخوانه من المؤمنين والمسلمين،
سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو..
أما بعد، فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا، والطلب بحقنا، فنسأل الله أن يحسن لنا الصنيع، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر، وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فإذا قدم عليكم رسولي فاكتموا أمركم وجدّوا، فإني قادم عليكم من أيامي هذه إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته》.

✉️ ودفع الكتاب إلى البطل الفذّ قيس بن مسهر الصيداوي. وانطلق البطل لا يلوي على شيء.
وفي القادسيه أُلقيَ القبض عليه من قبل شرطة ابن زياد الذين يراقبون بدقة كل من يدخل ويخرج من العراق.

فأسرع قيس الى الكتاب فمزّقه، فاُرسِل إلى بن زياد مخفورا. فلما مثل أمامه سأله ابن زياد:
-من انت؟
- رجل من شيعة الحسين بن علي.
ـ لِمَ خرقت الكتاب الذي كان معك ؟
- خوفا من أن تعلم ما فيه.
- مِمَّن الكتاب وإلى من؟
- من الحسين إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم..

فغضب الطاغية وصاح به وخيّره بين ثلاث:
«والله لا تفارقني أبدا، أو تدلني على هؤلاء القوم الذين كُتب إليهم هذا الكتاب، أو لتصعد المنبر فتسبّ الحسين وأباه وأخاه فتنجو من يدي، أو لأقطّعنّك ».

🚩 فأجابه البطل قيس:
- أما هؤلاء القوم فلا أعرفهم، وأما اللعن فأفعل .

فاعتلى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسوله المصطفى(ص) وأكثر من الترحم على علي وولده، ثم لعن عبيدالله ولعن أباه وعتاة بني أمية عن آخرهم،
📢 ورفع صوته الهادر بالحق رغم انوف الظالمين قائلا: «أيها الناس... إن الحسين بن علي خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله (ص)، أنا رسوله اليكم، وقد فارقته بالحاجز فأجيبوه... ».

فكان مصيره مصير الأبطال، فقد ألقي به من أعلى القصر. وتهشمت عظامه، وراحت روحه مع الشهداء..

🤲🏻 وعندما بلغ الإمام الحسين مقتله استعبر فقال: «اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلا كريما عندك، واجمع بيننا وإياهم في مستقر رحمتك إنك على كل شيء قدير».

#يتبع
#أم_البنين_ومسيرة_الإمام_الحسين
#الجزء_السادس_عشر

ويستمر جابر بمخاطبة أمه:
✋🏻 ليتكِ تسمعيني يا أماه، كي أقول لك بأني لا أخشى هؤلاء الظَلَمة ولا أخشى الموت وليس لهم في نفسي ولا لبطشهم قدر جناح بعوضة من القدر أو الخوف..
فقلب يسكن فيه الحسين لا يدخله الخوف أبدا..
وأنتِ كذلك يا أماه لا بد لك من الصبر على البلاء مهما عظم لأن الله أعظم شيئا فى قلبك العامر، ولك في أم البنين أسوة حسنة، لقد دفعت بأبنائها الأربعة إلى ركب مولاها الحسين (ع) دون أدنى تردد وهي التي تعرف ما ينتظرهم من البلاء والمحن..
لا بد أن تصبري يا أماه فتنالين جزاء الصابرين..
إني أعرف أن الظُلم شنيع وأعرف أن أَلَمَكِ منه سيكون فظيعا؛ لأن قلبك الرحيم الرقيق لا يحتمل فكرة وجودي بيَدِ الظالمين..
لكنها الدنيا يا أماه، الدنيا التى جعلها الله دار اختبار وامتحان لبني الإنسان، ولا يتمّ الاختبار إلاّ بأن يكون الإنسان حرا في الدنيا يطيع ويعصي، يحسن ويسيء ويظلم كيف يشاء، والصابرون على ظلم الظالمين أعدّ الله لهم أجرا عظيما...

🗣 ويقطع حبل أفكاره صراخ يسمعه من الغرف المجاورة، صراخ وعويلا يقطّع نياط القلب، وصوت ضرب مستمرّ، فيخفق قلبه حزنا على هؤلاء المساكين، ويحيطه الحزن من كل جانب، فينتصب جالسا بعد أن كان مستلقيا، ثم يرفع يديه بالدعاء ويبتهل إلى الله ويتمتم:

🙏🏻 - «رباه أنت ارحم الراحمين و أنت الجبار العظيم والقوي العزيز. اللهم أني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة وأهل بيته الذين اخترتهم على علم على العالمين ، اللهم ليّن لنا صعوبتها وحزونتها واكفنا شرّها فإنك الكافي المعافي والغالب القاهر القادر»

🏴 ثم يتذكّر رسول الله و كم أوذي وهو القائل (ص) ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت..

🤲🏻 - "اللهم ارحم أمي العجوز الضعيفة وخلّصني وهؤلاء المساكين إخوتي من ظلم الظالمين وأجرنا على بلائنا واحتسبه عندك يا أرحم الراحيمن"

فيصمت قليلا ثم يعود يُحدّث نفسه:
إني فقط أحتاج لشيئين ، أحتاج إلى الثقة بالله لأنه يراني وقادر على كل شيء فلا بد أن نثق به ونتوكل عليه وبعد ذلك لا يهمّنا شيء..

✌️🏻والشيء الثاني هو الصبر وهذا هو مكانه، لأن الحال لا يدوم بل يقضي عليه الزمن الذي لا يتوقف، وبالصبر يمرّ الزمن وينتهي أي بلاء.
والله يقول فى كتابه «فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا». إذن فأيّ شيء غير مهم بعد الثقة بالله والصبر...

🗣ويشتد الصراخ والعويل من أرجاء السجن. وأصوات من أماكن مختلفة الأبعاد مما يدل على أن هذا المكان ضخم جدا ومخصص لتعذيب وإذلال وقهر المؤمنين وقسرهم على ترك الحق؛ لينعم بعد ذلك يزيد بملك عظيم ودولة عظيمة كان قد أحياها القرآن وصنعها النبي والشهداء بالدماء والدموع...

🚩 لكن هيهات يا يزيد لقد عرفنا الحق ولزمناه بعدما قال نبيّنا(ص): «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلو بعدي أبدا».

💥 وفجاة يفزع جابر من مكانه إثر صوت ركلة فتحت الباب بعنف. ودخل عليه جلف وصاح عليه بعد أن ركله برجله:
- قم من مكانك
- إلى أين ؟
- لا تسأل، تقدم و أخرج .

#يتبع
#أم_البنين_ومسيرة_الإمام_الحسين
#الجزء_الثامن_عشر

فيصمت الجلاد بعد أن فاجأه جابر بصرخته المدوية.
ويتابع جابر كلامه بصوت عال وقد انتصب واقفا على قدميه:
🖐🏻- هل تعرف من هو إمامي وإمامك الحسين بن علي عليه السلام؟؟
إنه سيد شباب أهل الجنة.
إنه ريحانة رسول الله(ص).
إنه مصباح الهدى وسفينة النجاة.
إنه من كان يصعد على كتف رسول الله(ص) وهو ساجد فيطيل الرسول سجوده لأجله.
وكان النبي يهرول نازلا من منبره إذا شاهد الحسين يعثر في المسجد.
إنه من رسول الله ورسول الله منه، كما قال النبي(ص):حسين منى وانا من حسين، ومن احبه فقد أحب الله، ومن ابغضه فقد أبغض الله عز وجل.

☝️🏻ويهدد جابر بعلو صوته وكأنه يخطب في المسجد ويسرد ما استطاع عن فضل الحسين ومكانته حتى ينقطع نفسه والجلاد مبهور لكلامه..

😭ثم يجلس جابر على ركبتيه باكيا وهو يقول:
- ما لكم والحسين بن علي ؟ أليس الحسين ابن بنت نبيكم الذي تشهدون له بالنبوة ؟ ألم يأمركم بمودة قرباه في كتاب الله ؟
ويجهش بالبكاء والنحيب، ويقول:
-روحي وأرواح العالمين لك الفداء يا ريحانة رسول الله! ليتني أفديك بنفسي وعيالي وكل عزيز وتنجو انت من هؤلاء الفجرة الذين يجهلون ويتجاهلون فضلك عند الله ورسوله...

😡و أدرك الجلاد أن الجهد مع هذا النوع من الناس غير مجدٍ ولن يحصل منه على أية معلومات، وبدل أن يذعن للحق ويتأتر بكلام جابر والذي يصدقه يعرف أحقيّته، أخذته العزة بالإثم فـقام من مكانه وتوجه إلى سوط كان على الجدار تناوله وتوجه إلى جابر ولم يتركه إلاّ وهو أشبه بكومة من الدم واللحم المقطّع..
إذ استمر في ضربه حتى فقد وعيه من شدة الألم وكانت إغماءة جابر نعمة من الله بها عليه تخفيفا عليه.

😡ويخرج الجلاد يملأه الغيظ من فشل مكره أمام شجاعة جابر وصبره وإيمانه، ويأمر أعوانه بأن ياخذوه إلى الغرفة المخصصة للتعذيب..

وبعد ساعات يعلو صراخه وعويله تحت أنواع وفنون التعذيب، ويستمر صراخه حتى الصباح..

لكن يبدو أن الأمل معدوم مع جابر فيؤمر به إلى غرفة أخرى وبه رمق من الحياة وقد اختلط جلده بلحمه إثر الجروح والحروق.

🔲وهناك في الغرفة مجموعة أخرى من المؤمنين الموالين ممن هم على شاكلته، يُلقى الى جانبهم كالجثة، لكنه يتمتم.
وعندما يقترب منه أحد الموجودين فى الغرفة ليسمع ما يقول فإذا به يردد هذه العبارة: «اللهم انصر حسينا اللهم انصر حسينا».
فيجيبه: ـ اللهم آمين. وتنحدر دموعهما.

#يتبع
#أم_البنين_ومسيرة_الإمام_الحسين
#الجزء_العشرون

يُطرق الجلاد برأسه فترة ثم يرفع رأسه وينظر الى جابر بحقد، ويقول له:
أيها الماكر اللعين سوف...
سوف أقبل هذه المجازفة رغم أني أعتقد أنك تستحق الموت... اتفقنا.

🌟وهنا تفتحت أسارير جابر وكأنه ينظر إلى أمه وهي تضمّه باكية من شدة الفرح.

الجلاد - والآن هيّا، إصرخ بأعلى صوتك.
ويهوى عليه بالسياط وكأنّه يعذبه حقيقة، لكن السـياط تضرب الأرض، ويصرخ جابر بكامل طاقته، وهكذا فترة من الزمن يسقط بعدها جابر على الأرض، وتجري الخطة كما رسمها البطل الفطن جابر..

😰 ويُلقى في غرفة الجثث ويغلق الباب..
فتدبّ الظُلمة في الغرفة ويدبّ الخوف في أوصاله..

إنه ملقى على تلّ من الأموات فتعتريه الرهبة وهو يتحسس هذه الجثث لإخوانه فـي الدين والعقيدة..

😓 فتتلاطم أمواج الحزن والأسى العميق في صدره، فيخاطب نفسه : لماذا قتلوا هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم ؟ أيُّ جرم اقترفوه؟

عشرة جثث أو يزيدون مجزّرين كالأضاحي لا جُرم لهم سوى عقيدتهم الناصعة.
في أيّ زمنٍ نعيش ؟ هل رجعنا الى الجاهلية من جديد؟

أين الإسلام الذي جاء به رسول الله(ص) وقاتل من أجله هو وأهل بيته وخُلّص أصحابه حتى أظهره الله؟ أين أصبحت دولة الاسلام العظيمة ؟ وبِيد مَن أصبحت وأين ستصل وكيف ستكون؟

😣 و تمرّ الساعات ثقالا كأنها شهور ودهور وهو ممدد بين جثث إخوانه من المؤمنين ويحاول أن يغمض عينيه حتى لا يرى هذا المنظر المذهل الرهيب المفزع المحزن.

لكنه يفتح عينه مرة أخرى فينظر ويبكي لهم ولذويهم واحبته.

وفجأة يرى ما لا يستطيع معه أن يحافظ على سكونه، فينهض من مكانه فزعا رغم ما في ذلك من خطورة فقد يفشل كل شيء وتذهب خطته أدراج الرياح.

😭 نهض من مكانه مذعورا وتوجه الى إحدى الجثث. وهو ينظر مليّا إلى وجه هذا الميت كاد أن يُشلّ أو تزهق روحه، وبهول أشبه بالجنون يخاطب الجثة:
من؟! من أنت؟؟

#يتبع
#أم_البنين_ومسيرة_الإمام_الحسين
#الجزء_الثاني_والعشرون

▪️وعندما هدأ الموقف التفت يمنة ويسرة متصنعا وقال: أيـن عبد الله ؟؟
وكاد أن ينفجر بالبكاء لكنه حبس مشاعره بقوة.
ويعيد السؤال فتجيبه أمه وقد تجدد بكائها.
▪️لقد أخذوه بعدك بأيام ولا نعرف عنه شيئا كما لم نكن نعرف عنك.

▫️جابر ـ إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم نجّه وفرّج عنه. (وهو يقصد النجاة فى الآخرة).
▪️الأم ـ إن الله موجود ولن ينساه.

ولم يُرد جابر أن يفسد أمل أمّه، فترك خبر عبد الله إلى وقت مناسب آخر، ريثما يجد الفرصة المناسبة..

وبعد يومين يذهب جابر حيث اتفق مع الجلاد ويأخذ الحيطة والحذر فيأخذ ثلاثة من رفاقه فيحفرون ثلاثة حفر، في كل حفرة اختبأ كل واحد منهم ومعه سلاحه، وموقع الحفر خلف موقع وقوف عدوّه..

وفي الموعد المحدد في غلس الليل خرج جابر بعد أن سمع صوت الجلاد الذي حضر مع اثنين من أعوانه لحمايته.

🔺الجلاد - أين أنت يا جابر ؟
▫️جابر ـ ها أنا ذا.
🔺الجلاد ـ هل أحضرت المبلغ كما اتفقنا؟
▫️جابر- نعم، هاك خذه، وألقى بالصرّة عند قدميه.

وعندما انحنى الجلاد لأخذ الصرّة قال له جابر، وعلامات الغضب واضحة عليه:
▫️ لم قتلت أخي ؟
فرفع رأسه وهو منحن وقد التقط كيس النفود من الأرض:
🔺 ومن يكون أخوك ؟

▫️ذاك الذي كان يرتدي الثوب الازرق واسمه عبد الله، لقد شاهدته مضرجا بدمه مع القتلى
🔺فارتبك الجلاد وقال دون شعور:
- وما يدريني أنه أخوك ؟
▫️جابر ـ إذن فأنت قاتله وليس سواك ؟
🔺الجلاد ـ لقد كان وقحاً عنيداً؟
▫️جابر ـ بل كان مؤمناً شجاعاً لا يخشى غير خالقه، قضى صابرا محتسباً على يديك يا عدوّ الله.

هنا أحسّ الجلاد بالخوف، فأسرع إلى الغدر الذي كان ينويه
فصاح بأزلامه: اقضوا عليه بسرعة.
فهجموا عليه، فاستلّ جابر سيفه وصاح: "الله اكبر"
فخرج أصحابه من الحُفَر من خلف الجلاد وأعوانه الذين انحصروا بين جابر من جهة وبين رفاقه من جهة أخرى، فأطبقوا عليهم..

ودارت بينهم معركة حامية لم تطل حتى ثأر جابر لأخيه عبد الله وغيره من المؤمنين؛ إذ أردى الجلاد وأعوانه صرعى.
ثم جلس جابر إلى جانب الجثث متكئا على سيفه يتنفس الصعداء بعد أن أطفأ شيئا من النار المستعرة فى صدره، ثم سجد لله شكرا، ثم شكر رفاقه وجزاهم خيراً، ثم تفرقوا كل إلى مقصده.
ورجع جابر إلى بيته، وبعد أيام، غيّر مَسْكَنَه هو وعائلته إلى مكان مجهول تحسُّباً لأي مخاطر تستجد.

#يتبع
#أم_البنين_ومسيرة_الإمام_الحسين
#الجزء_الرابع_والعشرون

🏜 ويقيم موكب العترة الطاهرة على صعيد كربلاء يوم الخميس الثاني من المحرم سنة ٦١هـ.
ويرفع الإمام يده إلى السماء:
«اللهم إنا عترة نبيك محمد(ص) قد أُخرجنا وطُردنا و أزعجنا من حرم جدّنا، وتقدمت بنو أمية علينا فخذ لنا بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين».

☝️🏻 ويخطب الحسين(ع) في أصحابه فيقول:
«الناس عبيد الدنيا ، والدين لَعْقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معائشهم فإذا مُحّصوا بالبلاء قلَّ الديانون».

وفي خطبة له:
- «أما بعد فقد نزل بنا ما قد ترون، وإن الدنـيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، ولم يبقَ منها إلا صبابة كصبابة الاناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه. ليرغب المؤمن في لقاء الله... فإنى لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ بَرَما».

🚩 وبعد هذا الغيض الذي كشف به الإمام عن كثير من الأمور، هبّ أصحابه واحداً بعد آخر وهم خلاصة الخلاصة. فقال زهير أبن القين :
«سمعنا يا ابن رسول الله مقالتك، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنّا فيها مخلّدين لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها».

🏴 وقال برير:
ـ «يا ابن رسول الله لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك وتقطّع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة».

🚩 وقال نافع:
«أنت تعلم أنّ جدك رسول الله(ص) لم يقدر أن يُشرب جميع الناس محبته، ولا أن يرجعوا إلى أمره ما أحب، وقد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر، يلقونه بأحلى من العسل ويخلفونه بأمرّ من الحنظل حتى قبضه الله إليه، وأن أباك عليا كان في مثل ذلك، وقوم قد أجمعوا على نصره وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين حتى أتاه أجله فمضى إلى رحمة الله ورضوانه، وأنت اليوم عندنا فى مثل تلك الحالة، فمن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضرّ إلا نفسه والله مغنٍ عنه، فسِرْ بنا راشدا معافا، مشرّقاً شئت او مغرّباً، فوالله ما أشفقنا من قدر الله، ولا كرهنا لقاء ربنا، وإنا على نياتنا وبصائرنا نُوالي مَن والاك ونُعادي من عاداك» .

وتكلم أكثر أصحاب الإمام بمثل هذا الكلام...

#يتبع
#أم_البنين_ومسيرة_الإمام_الحسين
#الجزء_السادس_والعشرون

واشتد العطش بالأطفال فندب الإمام (ع) ابن والده العباس(ع)، فصحب هذا البطل العظيم معه ٣٠ فارساً وعشرين راجلا وحملوا معهم عشرين قربة واقتحموا جميعا نهر الفرات تقدّمَهم نافع بن هلال.
فاستقبله المسؤول عن حراسة الفرات عمرو بن الحـجاج الزبيدي فقال له:
- ما جاء بك؟
نافع - جئنا لنشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه.
عمرو - إشرب هنيئا.
نافع - أفأشرب والحسين عطشان ومَن ترى من أصحابه؟
عمرو - لا سبيل إلى سقي هؤلاء.

فاقتحم العباس ونافع الماء والتحموا معهم. ودارت المعركة ولم يخرج العباس إلا و معه الماء. وروى العباس عطاشى أهل البيت، ولُقّب ذلك اليوم بالسقّاء.
ولكن ما لبث الماء أن نفد بعد فترة وجيزة وعادوا إلى العطش.

😥 و في ليلة العاشر من المحرم كانوا في أشد العطش وقد أطبق عليهم ليل الحزن والأسى والبلاء.

كانت زينب تعلم ما ينتظرها بالغد فهي العالمة وهي ابنة علي (ع).
تنتظرها الويلات العظيمة والأحزان الجسيمة.
فكان سواد تلك الليلة كلّه حزن على ما سيجري.

🚩 ويجمع الإمام الحسين (ع) أصحابه وأهل بيته فيقول ـ « ...إني قد أذنت لكم جميعا فانطلقوا في حلّ ليس عليكم مني ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي وجزاكم الله جميعا خيرا، ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرّج الله فإن القوم إنما يطلبونني ولو أصابونني لُهوا عن طلب غيري».

🏴ولم يكد يُنهي الإمام كلامه حتى هبّت الصفوة الطيبة وأعيُنهم تفيض من الدمع، يحملون قلوبهم على أيديهم يقدّمونها قرابين في طريق الإمام.

🔺فهذا سعيد بن عبد الله يقول:
- «أما والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أذرى، يُفعل بي ذلك سبعين مرة لما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، وكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا».

🔺وقال زهير بن القين:
- «والله لَوَدَدْتُ أني قُتلت ثم نُشرت ثم قُتلت حتى أقتل كذا ألف مرة وأن الله عز وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك».

🌟 لقد أشرقت نفوسهم ترحيبا بالموت واستقلّوا ذلك.. وهذا ما يفعل الإيمان بصاحبه إذا ذاق طعمه.

وهكذا اختبرهم الإمام ووجدهم من أصدق وأوفى من عرف.

و اشتغل جيش الإمام الحسين بالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن فكان لهم دويّ كدوي النحل من شدة العبادة.
إلى أن أشرقت شمس العاشر من المحرم..

#يتبع
#أم_البنين_ومسيرة_الإمام_الحسين