الطريق إلى التوبة
6.18K subscribers
10.2K photos
387 videos
243 files
5.34K links
قد تركتُ الكُلَّ ربّي ماعداك
ليس لي في غربةِ العمر سِواك...
حيثُ ما أنتَ فـ أفكاري هُناك..
قلبي الخفاقُ أضحۍ مضجعك..
في حنايا صدري أُخفي موضعك..

اي استفسار او ملاحظة ارسلها حصرا على هذا البوت

@altaubaa_bot

فهرس القناة
https://t.me/fhras_altauba
Download Telegram
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
رويدة الدعمي
.
الفصل الثالث
.
ها هم الأربعة قد نزلوا من السيارة الكبيرة مستقليّن سيارة صغيرة للأجرة ليتجهوا نحو أحد الفنادق حيث سيقيمون فيه طيلة فترة اجراء العملية .
ولمّا كان الوقتُ متأخر والفندق الذي قصدوه كان مكتظاً بالنزلاء فقد أشارإليهم صاحب ذلك الفندق بأن هناك شقة صغيرة في مكانٍ قريب يمكنهم استئجارها لعدّة أيام ...
وفعلاً تم إيصالهم إلى تلك الشقة بعد مناقشات حادّة بين منتظر وأبيه حيث كان بطلنا يرفض هذه الفكرة لما لها من احراج بالنسبة لهُ لوجود تلك الفتاة الشابة معهم لكن أباه أقنعه أخيراً بأنها ليست لوحدها بل إن أباها معها وهذا يعني إنهُ لا يوجد هناك أي إحراج في الموضوع .
وصل الأربعة إلى الشقّة ، كان فيها غرفتان صغيرتان وصالة للجلوس .
قال أبو ملاذ وهو يشير إلى إحدى الغرفتين :
ـ سنأخذ نحنُ هذه الغرفة وأما أنت يا أبا منتظر فستكون هذه لك ولأبنك العزيز .
لاحظ الثلاثة إن ملاذ طول هذه الفترة صامتة لا تتحدث وقد بدت علامات الكآبة والحزن واضحة على ملامحها !
ظنَّ والدها وكذلك صاحبهُ إن مخاوفها من العملية قد بدأت تظهر وخاصة إنهم الآن في المدينة التي ستجري فيها تلك العملية ، أما منتظر فكان يعرف مصدر ذلك الحزن وتلك الكآبة التي قفزت إلى ملاذ حال انتهائها من قراءة رسالته في تلك السيارة المشؤومة !
كان يتمنى لو تمكن من توضيح الأمر لها وتوضيح السبب الذي دعاه إلى ذلك التصرف ، كان منتظر رغم أسلوبه القاسي في بعض الأحيان لكنه في نفس الوقت ذو قلب رقيق لا يتحمل أن يكون سبباً رئيسياً في حزن أي شخص وخاصة إذا كان ذلك الشخص فتاة يتيمة الأم ومريضة مثل ملاذ .
كان التعب والإرهاق بادياً على الجميع مما حدا بهم إلى النوم مبكراً إذ إن هناك يوماً شاقاً ينتظرهم حيث سيتم البدء بالفحوصات لكلا الطرفين كخطوة أساسية قبل أجراء العملية .
مع أول الفجر استيقظ منتظر على صوت الآذان الذي تعالى في أرجاء تلك المدينة ، نهض وهو يردد الصلاة على محمد وآل محمد وأيقظ والده ليصليّ ..
توضأ منتظر وصلّى ركعتي الفجر وكعادتهِ بعد كل فريضة صار يردد ( تسبيحة الزهراء عليها السلام ) ثم فتح القرآن ليتلو بعض كلمات الله سبحانه وتعالى ..
استمر بالقراءة حتى سمع صوت حركة في الشقة ، نظر إلى الساعة فوجدها تشيرإلى السابعة صباحاً ، أغلق القرآن وقبّلهُ تبركاً وتقديساً ، نظر إلى والده فوجده قد رجع إلى النوم بعد أن أدّى صلاته ... قال في نفسه :
ـ قد تكون هذه الحركة للعم حامد أو قد تكون لملاذ !
وعندما وصل إلى أسم هذه الفتاة اطرق قليلاً .. ردّد الاسم عدّة مرات ثم تحدث مع نفسه مرة أخرى :
ـ مسكينة هذه الفتاة ... لقد سببتُ لها ألماً كبيراً يوم أمس ويجب أن
أوّضح لها كل شيء .
خرج من الغرفة فوجد ملاذ أمامهُ قد خرجت توّاً من المطبخ ، نظرت إليه ثم مشت قليلاً بدون أي كلمة وجلست على أحدى الأرائك في الصالة وبيدها كوب من الشاي .
تبعها منتظر ... دخل الغرفة وألقى السلام ، وبصوتٍ ضعيف بالكاد يُسمع ردّت ملاذ التحية ، بادرها منتظر :
ـ هل لي أن أعرف سبب هذا الحزن المفاجئ ؟!
أجابت بحدّة :
ـ أوَتسأل يا منتظر !
ـ هل أنا السبب ؟
ـ أرجوك...دعني وشأني سواء كنت حزينة أم سعيدة فهل الأمر يهمّك ؟!
ـ ولِمَ لا يهمني يا ملاذ ؟ أنا لا أحب أن أكون سبباً لألم أي أحد ..صدّقيني .
ـ إنك قاسي يا منتظر !
قالت ملاذ هذه الكلمات وقد إغرورقت عيناها بالدموع ونهضت محاولةً مغادرة الغرفة ...
ناداها منتظر :
ـ أرجوكِ .. قفي واسمعيني ، فمثلما أبديتِ رأيكِ في الموضوع فلي الحق أنا أيضاً أن أُبدي رأيي فيه .
توقفت ملاذ ونظرت قائلة :
ـ وما هو رأيك ؟
ـ صدّقيني .. أنا ما كتبتُ لكِ تلك الكلمات اثناء جلوسنا في السيارة إلاّ لأنني وجدتك في خطر ويجب أن أساعدك وإلاّ لحدث ما لا يُحمد عقباه !
ـ وما الذي يمكن أن يحدث ؟
ـ اسمعي يا ملاذ ... عندما لاحظتُ انكِ ترمقينني بتلك النظرات لم أهتم في بداية الأمر لكن عندما استمرت الحالة تلك طيلة وجودنا معاً في تلك السيارة شعرتُ حينها بأن الأمر غير طبيعي وبأن تلك النظرات غير اعتيادية أبداً ولا أُخفي عليك فلقد ارتبكت لأنني ولأول مرة أقع في موقفٍ كهذا وارتبكت أكثر عندما خفت صوت الشيطان !
ـ صوت الشيطان ! ما الذي تقصده ؟
ـ إنها الوسوسة يا ملاذ .
ـ ومن قال لك ذلك ؟
ـ الرسول (صلى الله عليه وآله) قال لي ذلك !
ـ ما بك يا منتظر ... لماذا تتكلم بالألغاز والمبهمات ، لماذا لا تكون
واضحاً وصريحاً ؟
ـ ليست ألغاز ولا مبهمات بل أنا واضح وصريح فيما أريد قوله .. فلقد قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (( ما من رجل خلا بإمرأة إلاّ كان الشيطان ثالثهما ) !
ـ حسناً وما الذي يمكن أن يقولهُ لك الشيطان حينها ؟
ـ أكيد إنهُ سيحاول إفهامي بأن ( نظرات ملاذ هي نظرات إعجاب ومودّة وحب ) ولو أعطيه مجال أكثر للاستماع إلى حديثه المعسول ذلك فأنهُ سيجرَّني إلى التفكير بأمور أخرى وضيعة ومرفوضة
#الإيمان_والحب
رويدة الدعمي
.
الفصل الرابع
.
في ظهيرة ذلك اليوم كان الأربعة في مستشفى المدينة لإجراء الفحوصات ، وبعد إجرائها لملاذ ومنتظر معاً قام الطبيب بإعطائهم مدّة أسبوع كامل وبعدهُ فقط يمكن إجراء العملية ..
رأى منتظر إن هذه فرصة أرسلها الله لهُ ليوّضح كثيراً من الأمور لملاذ قبل أن تجري العملية لكليهما .
بعد تركهم المستشفى اتجهوا نحو أحد مطاعم تلك المدينة لتناول وجبة الغداء، وما إن انتهى الجميع من تناول الطعام حتى طلب والد ملاذ من أبي منتظر أن يشاطرهُ لعب البليارد ورغم إن الأخير كان لا يهوى أن يقضي وقته بتلك الأمور الصبيانية إلاّ إنهُ رأى من المحرج أن يرفض دعوة صديقه ، فأتجه نحو صالة البليارد في ذلك المطعم الضخم منصاعاً لرأي صاحبه ... بقى كل من منتظر وملاذ جالسين وكانت ملاذ تحاول أن تبدو طبيعية لكن حركتها وهي تضرب بالشوكة على الإناء الذي أمامها جعل منتظر يشعر باضطرابها فحاول كسر ذلك الصمت المقلق بقوله :
ـ هل مازلت على رأيك يا ملاذ ؟
ـ ماذا تقصد ... لم أفهم !
ـ لقد فكرتُ في كلامك الذي قلتهِ لي صباح هذا اليوم بخصوص ..
( صمت منتظر قليلاً ثم تابع كلامه ) بخصوص مشاعركِ تجاهي فوجدتها مشاعر لا صحة لها وغير حقيقية ..
ـ لماذا تحكم على مشاعري الصادقة تجاهك بهذهِ الطريقة يا منتظر ؟
ـ صدّقيني يا عزيزتي أنا لا أنظر إلى مشاعركِ بمنظار سلبي لكن .. هلاّ قلتِ لي متى بدأت مشاعركِ تلك اتجاهي ؟
ـ منذ أول لحظة رأيتك فيها .. أي في المرة الأولى التي جئت بها مع والدك إلى منزلنا .. لقد عشت يا منتظر وحيدة لا أعرف ما معنى الحنان ولا الحب .. أمي ماتت منذ ولادتي ! وأبي لا أراه طوال يومي إلاّ على مائدة العشاء!
لا أعرف أحداً في هذه الحياة غير أُناس مزيفين يأخذون أدواراً كاذبة في تلك الشاشة التي باتت سلوتي الوحيدة ..
كنت أكره الدراسة منذ المراحل الأولى لها وما ان فاتحت والدي بفكرة ترك المدرسة حتى وافق بدون أن ينصحني بكلمة واحدة !
نعم لقد تركت الدراسة ولي من العمر إثنا عشر سنة ومنذ ذلك الحين وإلى هذه الأيام وأنا أعيش بين أربعة جدران .. أتحدث مع نفسي وأحب أناساً مزيّفين لم ألتقهم أبداً ! وعندما رأيتك شعرت بأنني وجدت من سأبثهُ همي وحزني ومن سيُبدل أيامي إلى جنةٍ حقيقية .. آه يا منتظر صدّقني ...
قاطعها منتظر قائلاً :
ـ اسمعي يا ملاذ .. هناك أمور كثيرة يجب أن نتناقش فيها غير لغة الحب هذه التي تتحدثين بها ... فأن الحب ليس كما تتصورين أبداً والسعادة كذلك، فالأفلام والمسلسلات التي عشتِ مع قصصها وأحداثها جعلتك تنظرين إلى الحب بأنهُ ليس إلاّ ذلك الشعور الذي يربط الفتاة بفتى أحلامها، والسعادة ليست إلاّ تلك التي تجمع الفتاة بفارس أحلامها !!
كان كلام منتظر غير مفهوم بالنسبة لملاذ بل إنها صارت ترى كل كلمة منهُ محاولة لجرحها وإهانتها ..
قالت لهُ محاولة إخفاء مشاعرها المجروحة :
ـ أعرف إنك إنسان مؤمن ومتديّن لكن هل المؤمنون لا يعرفون الحب ؟
أجاب منتظر مبتسماً :
ـ وهل الإيمان إلاّ الحب ؟!
ـ ماذا تعني ؟
ـ أنهُ ليس قولي بل قول الإمام الصادق (عليه السلام ) عندما سألهُ أحدهم عن موقف الإيمان من الحب فقال (عليه السلام) : ( وهل الإيمان إلاّ الحب) والحديث على وجازتهِ يدلّنا على منزلة عظيمة للحب في رأي الإمام الصادق (عليه السلام) فكأنه يريد القول بأن الإيمان هو الحب كله وأن الحب هو الإيمان كله .. ولكن علينا أن نعرف هذا الحب القدسي الذي يُفسّرالإمام به الإيمان ..
شعرت ملاذ بأن منتظر يحاول التهرب من سؤالها فعاودت السؤال ولكن بصيغة أخرى :
ـ ألم تعرف الحب طوال حياتك يا منتظر ؟
ـ بل أنا منذ صغري عرفتُ هذه الكلمة وصرتُ أعيش معها لحظةً بلحظة.
ـ وكيف .. ومن هي تلك التي بادلتها ذلك الحب ؟
ـ انظري .. ألم أقل لكِ بأنكِ تنظرين إلى الحب بأنهُ فقط ذلك الشعور الذي يربطني بالجنس الآخر !! أنتِ على خطأ يا ملاذ ... عندما أقول بأني عرفت الحب وعشته بكل أبعاده لا يعني إنهُ يجب أن تكون هناك فتاة تبادلني ذلك الحب .. أرجوكِ كوني أكثر تصوّراً لما أريد قوله .. الحب شعور جميل ، حرام علينا أن نحصرهُ بتلك الأطر المادية فقط !
هنا أحمر وجه ملاذ عندما وجدت ان منتظر صار يتكلم بجرءة وإهتمام بالغ ..
أكمل منتظر بنبرة أكثر حدّة تعلن عن الرفض :
ـ إن ما علمّهُ إياك التلفازعن الحب هي معلومات خاطئة لأن هؤلاء ( الفنّانين ) والذين هم ليسوا بفنانين أصلاً إنما يريدون أن يبثوا سمومهم وقاذورات أفكارهم إلى الفتيات البريئات مثلكِ ولأنكِ بتلك الأفكار الغربية صرتِ مثلهم تظنين أن الحب والعشق كلمات لا يمكن استعمالها إلاّ بين الفتى والفتاة وهذا تشويه للصورة الحقيقية لهذه الكلمة الطاهرة ... والإسلام الذي ننتمي إليه يا ملاذ هو دينُ المحبة الصادقة ، لا يعجبهُ هذا اللون المشوّه من الحب وبالأحرى هذا التدنيس لطهارة الحب ... حب الشهوة الوضيعة والغايات
المتدنية .
الحب سامٍ لأنه علاقة بين أرواح فيجب
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
رويدة الدعمي
.
الفصل الخامس
.
.
مضت أيام وصار موعد العملية يقترب ... وخلال هذه الفترة لاحظ والد ملاذ تغيراً كبيراً طرأ على سلوك ابنته !
فلقد صارت قليلة الجلوس أمام جهاز التلفاز كما لاحظ تغيرات أخرى كالالتزام بطريقة لبس الحجاب والجلوس فترات طويلة وحدها وكأنها تفكر في مسألةٍ مستعصية !
في الحقيقة كانت ملاذ تفكر كثيراً بكلام منتظر الذي ما إن وجد فرصة حتى صار يحدثها بحقائق كثيرة يعرف تمام المعرفة إنها جاهلةً بها .
حدَّثها طويلاً عن الحجاب ووجوب الالتزام به شرعاً ، وبأنهُ هوية المرأة ورمز لعفّتها وشرفها فبعدما كانت لا تهتم سواء ظهرت خصلتين أو ثلاثة من شعرها نراها الآن كثيرة التفحص لحجابها لئلاً تكون شعرة قد خرجت من هذه الجهة أو تلك !
كانت ملاذ تتمنى أن تُخبر منتظر عن أمرٍ لم يتكلم عنهُ طوال هذه الأيام ... فلطالما تكلّم عن معنى الحب الحقيقي وعن معنى هذه الحياة وعن الأخلاق والحجاب ووجوب محاربة الشيطان والهوى لكنهُ إلى الآن لم يتكلم لها عن العلّة والحكمة من عبادة الله فلطالما شاهدته ملاذ وهو يصلّي ويُطيل في سجوده ويكثر من قرآئته للقران ، فكم كان يرف قلبها حينها نحو الصلاة وقراءة القران في حين أنها لم تجرب ولو لمرة واحدة أن تؤدي تلك الأعمال !
بل لم يحرضها أحد على أن تؤدي ما يؤديه منتظر الآن ..
كان الأخير يعرف إن ملاذ تجهل هذه الأمور المهمة لكنهُ كان ينتظر أن تصارحهُ هي بهذا الأمر حتى يتأكد من إنها بدأت تقترب من الله فعلاً وبأنها بدأت تنظر للحياة بنظرةٍ أخرى ، نظرةٍ ثاقبة تجعلها تُبصر الأمورعلى حقيقـتها .
وإذ لم يبقَ على موعد العملية سوى يومين فإن ملاذ قررت أن تُخبر منتظر بما يجول في خاطرها ، وفعلاً ففي موعد صلاة المغرب حيث كان منتظر يستعد للوضوء خرجت ملاذ من غرفتها بعد أن سمعت صوت ماء الحنفية يجري ، ووقفت تنتظر أن يُكمل منتظر وضوءه ، إلتفت وهو يردد بصوتٍ خافت (( اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك والجنة )) وما كاد أن ينتهي من ترديد هذا الدعاء المستحب حتى لاحظ وقوف ملاذ عند باب غرفتها فألقى التحية عليها فردّت بأحسن منها ثم قالت :
ـ في بالي أمرٌ يحيرني أريد أن أتناقش فيه معك يا منتظر .
ـ على الرحب والسعة ... لكن ألا يمكن الانتظار حتى انتهي من صلاتي ؟
أطرقت ملاذ قليلاً ثم قالت :
ـ إنهُ بخصوص الصلاة ... ولن أأخذ من وقتك الكثير .
ـ حسناً .. اسألي مابدا لكِ ...
قال منتظر هذه الجملة وهو يهم بالدخول إلى غرفة الجلوس ، وتبعتهُ ملاذ وجلست على الأريكة المقابلة للأريكة التي جلس عليها هو .. سألها قائلاً :
ـ ما هو الأمر الذي يشغلك بخصوص الصلاة ؟
ـ إنه لا يشمل الصلاة فحسب ، بل يشمل معنى العبادة على الإطلاق ..
ـ وما بها العبادة .. وأي مشكلة تواجهينها في هذه الكلمة ؟
ـ لماذا أراد الله منّا أن نَعبدهُ بالصلاة والصوم وقراءة القران وغيرها
.. ألا يكفي أن نحبه ونحب من يحبه ؟ ألا يكفي للفتاة أن تتحجب وللفتى أن يغضّ البصر ؟ ألا يكفي للأم أن تقوم بتربية أولادها تربيةً حسنة وللأب أن يأتي بالرزق الحلال لأولاده مجتنباً السرقة والغش والخداع ؟
لماذا يجب أن يلتزم الإنسان بهذه الأمور وفوق هذا أن يُصلّي ويصوم ويحج ويقرأ القران ويدفع الزكاة وغيرها ... ؟!!
ـ نعم يا ملاذ .. فهمتُ قصدك ، أنتِ تتساءلين عن الحكمة والسبب في إلزام الإنسان بالعبادات ووجوب القيام بها .. صح ؟
ـ نعم .. بالضبط .
ـ حسناً ... سوف أبدأ معكِ بدايةً سهلة إن شاء الله حيث سأعدّد لك أقسام العابدين ، فهم ثلاثة ...
القسم الأول / يعبدون الله رهبةً منهُ وخوفاً من عقابه !
والقسم الثاني / يعبدون الله طمعاً في ثوابه وهي جنّة الخلد .
والقسم الثالث / يعبدون الله ليس طمعاً ولا خوفاً وإنما حُبّاً به
واعترافاً بحقّه .
وكمثال على القسم الأخير هو مناجاة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لربّه بالقول : (( إلهي .. لم أعبدك خوفاً من عقابك ولا طمعاً في ثوابك ولكني وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك )) .
والإمام علي (عليه السلام) يقصد هنا أنهُ حتى لو لم تكن جنة يُثيب الله بها ولا نار يعاقب الله فيها من لا يعبده ، حتى لو لم يكن هناك هذا الثواب وهذا العقاب بل وحتى لو لم يوجب الله العبادة على خلقه لكان (عليه السلام) قد عبدهُ لأنهُ أحبه وعرفه فوجدهُ أهلاً لأن يُعبد.. ولِم لا ؟ وهو المنُعم والواهب والخالق والرازق ....
وهذا بالنسبة لعلاقة الناس بربهم، أما بالنسبة لأمر الله لهم بعبادته فهوفي قوله تعالى : (( وما خلقتُ الجن والأنس إلاّ ليعبدون ))
وفي الحديث القدسي يقول تعالى : (( كنتُ كنزاً مخفياً فوددت أن أعرف فخلقتُ الخلق لكي أُعرَف )) .
إذاً مرة يشير الله إلى السبب من الخلق وهو (( ليعبدوه )) ومرة أخرى يشيرإلى نفس الأمر وهو (( ليعرفوه )) فما وجه الترابط بين معرفته سبحانه وبين عبادته ؟
قالت ملاذ وقد بدت متحمسة للإجابة :
ـ أظن إنهُ لا يمكن للإنسان أن يعرف الله إلاّ
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل السادس
.
كانت ملاذ بين فترة وأخرى تشعر بالألم الناتج عن مرض وضعف كليتيها ، كان والدها ووالد منتظر وكذلك منتظر يحاولون تهدئتها ويؤكدون لها بأن كل هذه الآلام ستنتهي بعد أجراء العملية ..
أما اليوم فقد بدت متألمة أكثر من ذي قبل .. ألم لا يضاهيه ألم .. أنهُ
ليس وجع المرض بل إنه وجع الندم وألم الحسرة ، إنهُ يضاهي ويفوق كل الآلام .. فأوجاع الروح ليست كأوجاع الجسد أبداً .. !
في تلك الليلة التي تفصلها عن يوم العملية ساعات محدودة فقط كانت فتاتنا مستلقية على سريرها تكلّم نفسها دون أن يسمعها أحد ...
ـ آه يا ملاذ .. غداً ستكونين على سرير العمليات حيث ستكون روحك بين الأرض والسماء ! بين الموت والحياة !
وعندما تخيلت الصورة تلك أجهشت بالبكاء وبدون أن تشعر صارت تطلق صيحات متكررة وتضرب برأسها على مقدمة السرير ..
ـ ويلٌ لي ماذا سأقول لربي غداً إن انتقلت إلى جواره ؟ آه يا نفسي كم خدعتني !
شعرت ملاذ إن الموت صار يطوّق رقبتها بذراعيه ، بدأت بالصراخ والعويل وهي تقول :
ـ ارحمني يا رب .. أعفُ عني .. سامحني ! آه يا ويلي !!
دخل والدها مسرعاً إلى الغرفة بعد إن سمع صراخها ، أما منتظر ووالدهُ فكانا يقفان خارج الغرفة ينتظران معرفة سبب هذا الصراخ !
ركض والدها نحوها محاولاً تهدئتها :
ـ ملاذ .. ما بك ؟ أجيبيني بالله عليك !
رفع الغطاء عن وجهها فإذا بالدموع قد غسلت وجهها الذي لطمته حتى صار أحمر اللون !
تعجب الأب من هذا المنظر ، لم يعرف ماذا يقول !
أما هي فلقد صمتت بعد أن انتبهت إلى نفسها ، ضمّت وجهها بين طيات الوسادة محاولةً إخفاء حالتها ودموعها عن أبيها الذي حاول جاهداً معرفة الأمر لكن بدون أي نتيجة !
خرج إلى الاثنين اللذين كانا ينتظران في الخارج وقد أخجلهُ الموقف فهوعاجز عن معرفة ما يعتري ابنته .
سأله صاحبه عن الأمر فأجاب :
ـ أظن أن خوف ملاذ من نتائج العملية وخاصةً إنها اقتربت جداً منها ولا يفصلنا عنها سوى هذه الليلة هو الذي جعلها تمر بحالة من الهستريا !
تعجبَّ منتظر من هذه الطريقة التي يتكلّم بها الوالد عن ابنته ! قال بشيء من العصبية :
ـ هستريا ! ماذا تقول يا عم ! إنها حالة تصيب المؤمنين حينما يدنو منهم الموت أو عندما يخافون من دنّوه .. حالة من تأنيب الضمير والندم ..
كان منتظر يحاول في هذه الكلمات أن يُفهم أبا ملاذ بأنهُ مقصّر تجاه
ابنته ، لكن الأخير قد تجاهل الأمر ولم يُبدِ أي اهتمام لحديث منتظر !
كان الوقت يسير ببطء .. نظرت ملاذ إلى الساعة كانت تشير إلى الثالثة بعد منتصف الليل ، شعرت أنها بحاجة إلى أن تتكلم مع منتظر .. فالنوم قد طار من عينيها تماماً ، تساءلت :
ـ هل هو مستيقظ الآن ؟! قد يكون النوم طار من عينيه هو الآخر للتفكير بعملية يوم غد فهي لا تشكل خطراً عليَّ فقط فهو يُمثّل الطرف الآخر من العملية .
وفي الحقيقة كان منتظر قد أصابه الأرق هو الآخر ولا يشعر بأي نعاس ! كان يفكرّ بما أصاب ملاذ في أول الليل ..
سمع صوت وقع أقدام في الشقة ، خرج مسرعاً نظر إلى داخل غرفة الجلوس فلم يجد أحداً ، اتجه نحو المطبخ وجد ملاذ قد أسندت رأسها على مائدة الطعام الموضوعة في وسط المطبخ :
ـ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. هل أنت مستيقظ يا منتظر ؟
ـ نعم يا ملاذ .. لقد أصابني الأرق وطار النوم من عيني !
ـ وأنا كذلك .. برأيكَ لماذا ؟
ـ لقد أقلقني صراخكِ غير الطبيعي .. هذا سبب أرقي ! وأنتِ ؟
ـ أنا .. أنا ( تلكأت ملاذ بالإجابة عندما تذكرت موقفها ذاك )
ـ ما بكِ يا ملاذ .. تكلمّي ! هل يقلقك أمر العملية ؟
ـ جداً !
ـ (( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا )) .
ـ أنا أعرف ذلك يا منتظر .. لكن ...
ـ لكن ماذا ؟
ـ إن نتيجة العملية أما النجاح فأعيش عمراً آخر ، أو الفشل فأموت !
ـ لا تقولي هذا .. كوني متفائلة .
ـ إنني أتعذب يا منتظر ، ضميري يؤنبني ، ماذا سأقول لخالقي لو سألني عن العشرين سنة التي مضت من عمري !
فيوم أمس فقط بدأت بالصلاة ، وقبلها بأيام قليلة بدأت بالتزام الحجاب بالشكل الصحيح و ..
قاطعها منتظر قائلاً :
ـ ألم تعترفي بنفسكِ قبل أيام بأن الله أرحم الراحمين ؟ أو لم تستشعري تلك الرحمة وذلك العطف ؟ لماذا أنت خائفة إذاً يا ملاذ ؟ ثم إنك لم تقترفي تلك الذنوب طوال هذه السنوات عن قصد .. بل إنكِ كنتِ جاهلةً بعواقبها .. لأنهُ لا يوجد من يوّضح لكِ الأمور ، والآن بعد أن عرفت بها لم تقصّري في تأديتها سواء كانت هذه التوبة بالأمس القريب أو البعيد ...
المهم إنكِ لم تكابري ولم تُعاندي بل استغفرتِ الله واستقبلتِ هدايته ،
فأنت الآن من التائبين إن شاء الله ، فالتوبة تصح من العبد عندما يندم على فعلته ويستغفر الله منها ويعده على عدم معاودتها مرةً أخرى ، وأنتِ قمت بهذه الأمور الثلاثة ( الندم والاستغفار ومعاهدة الله ) وفوق هذا صارت دموعك لا تفارقك .. فالبكاء يا ملاذ يطهّر القلب و
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل السابع
.
دخل منتظر غرفة العمليات بقلبٍ ثابت وإرادة قوية .. بدأ الطبيب بإعطائه المخدّر ( البنج العام ) ثم دخل الأطباء الآخرون تلك الغرفة لأجراء عملية استئصال إحدى الكلى من جسده .
كانت ملاذ تشهد هذه الحالة حيث إنها مع والدها ووالد منتظر ينتظرون انتهاء عملية الاستئصال لتبدأ عملية الزرع ..
حيث سيتم زرع كلية منتظر المستأصلة في جسم ملاذ بدل كليتها شبه المعطلة .
قبل انتهاء العملية بفترة قليلة أُدخلت ملاذ إلى الغرفة المجاورة ليبدأ
التخدير التام لها هي الأخرى .
تم استئصال الكلية من جسم منتظر وانتهت العملية بسلام والآن جاء دور ملاذ .
امتلأت الغرفة بالأطباء وقبل أن تفقد ملاذ وعيها تحت تأثير ( البنج ) كانت تردد ما علمّها إيّاه منتظر :
(( إلهي إن لم أكن أهلاً لبلوغ رحمتك .. فإن رحمتك أهلٌ لبلوغي .. لأنها وسعت كل شيء )) .
الوالدان في الخارج كل منهما ينتظر نتيجة فلّذة كبده !
نادى الطبيب :
ـ أين والد منتظر ؟
جاء الوالد مسرعاً :
ـ نعم يا دكتور .. ها أنذا ... كيف حال ابني ؟
ـ الحمدُ لله .. لقد استعاد وعيه تستطيع رؤيته الآن .
دخل الوالد وعيناه مغرورقتان بالدموع وهو يحاكي ولده وكأنهُ يُحاكي طفلاً ذا خمس سنوات !
ـ كيف حالك أيها البطل الشجاع ؟
كان منتظر يشعر بألم شديد لم يكن يتوقعه ! ما الذي يجري له ؟ ما هذه الضربات المؤلمة التي تدق في جسمه ؟ إنه يشعر بارتجاف ورعشة بين فترةٍ وأخرى ، وغشاوةٍ كالسحابة السوداء تحيط ببصرهِ فتمنعه من مواصلة فتح عينيه !
تكلّم مع نفسه :
ـ قد يكون هذا جرّاء المخدر .. لكن ؟!
صمت منتظر وهو يشعر إن الألم يزداد شيئاً فشيئاً ، تساءل مع نفسه مرة أخرى :
ـ هل أُخبر الطبيب بالأمر .. لا .. أكيد إن الأمر طبيعي وهو يحصل لكل مريض يخرج من صالة العمليات .
تركه والده واتجه الى حيث يقف ابي ملاذ منتظراً نتيجة ابنته..
بعد اكثر من ساعة سمع منتظر وقع أقدام أدار ببصره لينظر من القادم ..
الغشاوة مازالت في عينيه ، نعم إنه يرى الآن بشكل أوضح بعض الشيء .. لقد ميز القادم ، إنه أبوه ..
ـ ولدي منتظر .. الحمدُ لله ، نجحت العملية وملاذ بخير الآن ، آه ..
الحمدُ لله على سلامتها وسلامتك أيها الغالي .
مضى يوم على العملية ، ملاذ تزداد تحسناً أما منتظر فأمرهُ غريب ! الألم لا يفارقه .. بل يزداد في كل لحظة ، إنه لا يستطيع أن يقول شيئاً لأنه هو نفسه لا يعرف ما الذي يصيبهُ !
قد تكون آثار العملية ... لكن أهكذا ؟!
لاحظ والده هذا الأمر المقلق ، قرر أن يتكلم مع الدكتور بشأن ولده وحالته تلك .
ـ دكتور .. هل أصاب أبني مكروه ؟
ـ لماذا تقول هذا يا رجل ؟
ـ دكتور إن حالته لا تتحسن ، بل هي تزداد سوءاً !
كان الطبيب المشرف على حالة منتظر ما زال شاباً وجديد العهد بالمهنة ، ارتبك بعض الشيء وقال :
ـ سأخبر الطبيب الذي أجرى له العملية ، إنه الدكتور سعد .. سأخبره بالأمر حالاً .
جاء الدكتور سعد وما أن وقعت عيناه على منتظر حتى تغيرت ملامح وجهه !
تقرّب منه وهمس في أذنه :
ـ ولدي منتظر ..هل تسمعني ؟ أنا الدكتور سعد ..
أجابه والد منتظر :
ـ إنه في حالة إغماء يا دكتور .. أرجوك ساعد ولدي !
طلب الطبيب من والد منتظر الخروج من الغرفة ونادى على الممرض الذي يقف على مقربةٍ منه وتكلم معه بعض الكلمات ، أسرع الممرض بالخروج ثم رجع ومعه خمسة أطباء .. دخلوا الغرفة وأغلقوا الباب خلفهم .
عرف والد منتظر إن ولده قد حدثت لهُ مضاعفات خطيرة جراء العملية ، لكنه لم يتفوّه ببنت شفة غير ترديده لبعض الكلمات .. إلهي أحفظ ولدي .. يا رب
.
ها هو اليوم الثالث من انتهاء العملية ، الطبيب يأذن لملاذ بالقيام
والمشي بعد أن تحسّنَت حالتها كثيراً .. كانت دائمة السؤال عن حال منتظر ولم يكن والدها يجيبها غير انه بخير !
وبعد أن أذن لها الطبيب بالمشي قليلاً طلبت من والدها أن يرافقها إلى الغرفة التي ينام فيها منتظر ..
لم يعرف الأب ماذا يقول لها .. هل يخبرها بالحقيقة ؟ هل يخبرها بأن منتظر في حالة خطرة جداً !
لا .. قرر أن يُخفي الأمر عنها لكن إصرارها على الذهاب إليه جعلهُ يمتثل لأمرها ويرافقها إلى تلك الغرفة ..
دخلت ملاذ وما أن أبصرت منتظر مُلقى على ذلك السرير بحالته تلك حتى دُهشت وركضت نحوه ، سحبت الكرسي وجعلته بقرب سريره ، جلست وبدون وعي صارت تبكي..
ـ آه ماذا جرى لك يا منتظر ؟
كان وجهه أصفر اللون وكأنه لا يحتوي على قطرة دم ! كان والده يقف بقربه ولا يتكلم بغير لغة الدموع .. بكى والدها هو الآخر لأن الحقيقة هي أكبر مما تراهُ ملاذ ..
الحقيقة إن منتظر قد يفقد الحياة بعد ساعات !!
كان الأطباء قد تركوا الغرفة بعد أن يأسوا من حالته .
قامت ملاذ من مكانها وهرعت نحو والد منتظر وهي تصرخ :
ـ أخبرني يا عم .. أستحلفك بالله ، ما به منتظر ؟ لماذا حالته هكذا ..
ولماذا تبكي أنت وأبي ؟ ما الذي تخفوه عني .. أخبروني !
أخبرها والدها بما حصل لمنتظر ،
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل الثامن
.
عاد الأربعة إلى بلدتهم الصغيرة بعد أن تدخلت العناية الإلهية في حفظ منتظر من أن يخطفهُ الموت بعدما حدَث له من مضاعفات شديدة جرّاء العملية.
أخذ والد منتظر يسرد لزوجته ما جرى لولدهما وكيف إن الأطباء عجزوا عن علاجه ولولا إرادة الله ورحمته وفطنة وإيمان تلك الفتاة (( ملاذ )) التي لم تيأس كما فعل الأطباء بل سهرت إلى جانب منتظر تعالجه بالدواء الرّباني ـ كلمات القرآن الكريم ـ التي تشفي كل الأوجاع وتسكّنها لما إستطاع منتظر من اجتياز تلك المرحلة بسلامة .
كانت أم منتظر تصغي لزوجها وهي تمسك بيد منتظر وتبكي ، قالت بعد أن أكمل زوجها الحديث :
ـ كيف بي لو كنت قد فقدتك يا فلذّة كبدي ؟ وهل فعلاً جرى ما جرى لك دون أن أكون معك يا بُني ؟!
أجابها منتظر مقبّلاً يدها :
ـ آه يا أماه ... لقد كنت بين فترةٍ وأخرى أسمع حديث الأطباء مع والدي بأنني سأموت لا محالة ! لا أستطيع أن أصف شعوري لكِ في تلك الأثناء ، تصوّري شخص يقولون له ستموت بعد لحظات وسيضمّك القبر بعد ساعات ! أنهُ شعور رهيب يا أمّاه ..
ضمّت الوالدة أبنها إلى صدرها وصارا يبكيان .. كانت تردد : ساعد الله قلبك يا بُني ، أفديك بروحي يا منتظر .
رفع منتظر رأسه محاولاً مسح دموعه وهو يقول :
ـ أتعلمين يا أمي .. رغم كل الإيمان الذي يملأ قلبي ورغم علمي بعدل الله ورحمته ورغم إنني ـ والحمدُ لله ـ أفضل من كثير غيري من الشباب بفضل حسن تربيتكما لي .. إلا إنني كنت أرى نفسي ـ في تلك اللحظات ـ مقصّراً أشد التقصير ودعوتُ الله أن يُمدَّ في عمري لأعمل صالحاً وأطيعهُ وأُكثر من عبادته ، فلقد أحسستُ بأن الزاد الذي معي قليل جداً بالنسبة للرحلة الطويلة التي تواجهني ! فإذا كنت أنا ـ الذي عرفت طريق الهدى منذ صغري وسلكته محاولاً اجتناب كل معصية وعمل كل ما يرضي الرب ـ واجهتُ الموت بهذه الصورة خائفاً مرعوباً فكيف بأولئك الذين قضوا سنوات عمرهم بالغي والضلال والابتعاد عن الطريق المستقيم ؟
كيف سيرون الموت وكيف سيواجهونه وأي شعور سيُخالج قلوبهم في تلك اللحظة التي لا يمكن الفرار منها ؟!
قال أبو منتظر وقد شدَّهُ حديث ولده :
ـ إن الخوف والرهبة في اللحظات الأخيرة من حياة الإنسان هما أمران يمر بهما الصالح والطالح معاً يا بني ... في تلك اللحظات ـ لحظات خروج الروح ـ يشعر الإنسان بألم نفسي وألم جسدي ، فالألم النفسي لأنه يُدرك في هذه اللحظات الأخيرة أهمية عمل الخير ويُدرك تماماً أنّه مقصّر في كل شيء ويشعر بأنهُ التفت إلى الدُنيا أكثر من الآخرة في أيام حياته وهو الآن بحاجة ماسّة إلى العمل الصالح الذي لم يعمله ، وكذلك تألمه وهو يرى إنهُ مفارق الأهل والأحبة حيث لا عودة !
أما الألم الجسدي الذي ينتج من خروج الروح من الجسد فأنه يعتبر أكبر ألم يشعر به الإنسان ، حيث إن ألم الجرح مع إنه يصيب عصب واحد من الجسم إلاّ إنهُ يسبب آلاماً كبيرة ، فكيف حين تُنتزع الروح من كل عرق وعصب مرةً واحدة ؟!
وهنا يأتي الفرق واضحاً بين الصالح والطالح فإن كان الشخص الذي تُنتزع منهُ روحه مؤمناً صالحاً مطيعاً لله موالياً لأوليائه ومتبرئاً من اعدائه فإن روحه ستخرج كخروج الشعرة من العجين ! هذا ما أوضحهُ لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله ) أما الإنسان العاصي والجاحد فان خروج روحه لن تكون سهلةً أبداً بل سيعاني بالإضافة إلى ألمهُ النفسي ، ذلك الألم الجسدي الذي وصفته لك ـ ألم انتزاع الروح من كل عرق وعصب ـ وهو ألم لا يُضاهيه ألم .
.
#يتبع
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل التاسع
.
بدأ والد ملاذ يلاحظ التغيير الكبير الذي طرأ على سلوك ابنته بعد تلك السفرة ، لقد هجرت التلفاز نهائياً وصارت تأوي إلى الفراش مبكرةً جداً وهي ملتزمة بكافة واجباتها الدينية التي علمها إياها منتظر ..
وفي إحدى الأمسيات قالت ملاذ لوالدها :
ـ أوليس من الواجب يا أبي أن نقوم بزيارة عائلة العم أبو منتظر ونرّد إليهم الجميل ؟ إن الذي فعلوه معنا لا يمكن أن يُعدُّ فضله ورغم ذلك فأنا لا أراك تتصل بالعم أبي منتظر أو تحاول أن تسأل عنه وعن أخباره ، أما هو فدائم الاتصال والسؤال عن أحوالنا !
نظرَ إليها والدها بعد أن أكملت حديثها قائلاً :
ـ ألا ترين إنك لا تتحدثين إلاّ عنهم يا ملاذ ؟ حتى إنكِ نسيتِ أن لكِ
أباً يجب أن تبادليه حنانكِ ومشاعركِ فمنذ يوم العملية إلى اليوم لم أسمع منكِ غير الحديث عن أفضال عائلة أبي منتظر وإحسانهم إلينا !
كان والد ملاذ يتحدث بعصبية واستياء جعل ملاذ تستغرب الأمر ، فلقد رأت والدها قد ضخّم الموضوع كثيراً وأعطاه أكبر من حجمه ! والحقيقة إن حامد صار يشعر إن ابنته لم تعد ابنته بل إنها صارت تنتمي لعائلة أبي منتظر !
هذا ما كان يراود الوالد بخصوص تصرفات ومشاعر ابنته التي تغيّرت كثيراً وفي كل تصرف كانت تقوم به كان يشعر بأنها تريد أن تقول له (( إنك لم تحسن تربيتي .. ومنتظر هو الذي ربّاني )) !!
في الحقيقة إن ملاذ لم تكن تقصد أي شيء مما كان يفكر بهِ والدها لكن الأخير قد ملأت وساوس الشيطان رأسه فصار يشعر بالغيرة والاستياء من تلك العائلة التي سرقت مشاعر ابنته !
لاذت ملاذ بالصمت ولم تتحدث بشيء بعد أن رفض والدها اقتراحها ذلك .
بعد أيام قلائل عزمت عائلة أبي منتظر على زيارة بيت أبي ملاذ وخاصةً إن أم منتظر كانت شديدة الشوق لرؤية ملاذ بعد أن سمعت من زوجها وولدها عن ما فعلته تلك الفتاة لإنقاذ حياة منتظر .
أتصل والد منتظر بصاحبه واتفق معه على موعد الزيارة .. وفي الوقت المحدد وصلت العائلة إلى منزل أبي ملاذ حيث استقبلهم الأخير استقبالاً لا بأس به.
كان منتظر يتوقع أن تقوم ملاذ بفتح الباب لهم كما حدث في أول مرة زار فيها منزلهم لكن لم يكن لملاذ أي اثر هذه المرة !
مرّت عشر دقائق تقريباً على حضور الضيوف ..
سألت أم منتظر :
ـ أين فتاتنا ملاذ ؟ أنا متشوقة لرؤيتها ..
أجاب أبو ملاذ :
ـ نعم .. حالاً سأناديها ، ملاذ .. ملاذ ..
دخلت الفتاة وألقت السلام ، وقد بدت مرتبكة بعض الشيء !
رد الجميع التحية وكانت أم منتظر في حالة دهشة .. فكم هو الفرق بين حجاب ملاذ في أول مرة رأتها فيها وبين حجابها وسترها الآن !
إنها ترتدي الحجاب الكامل ولم يظهر منها إلاّ قرص الوجه والكفين .. تبدو كملاكٍ بحيائها وسترها وأدبها .
أما منتظر فصار يقارن ـ والفرحة تغمره ـ بين طريقة كلامها وضحكتها في تلك الزيارة وبين ما تبدو عليه اليوم من رزانة وهدوء ووقار .
جلست ملاذ بقرب والدة منتظر وصارتا تتحدثان عن أمور الحياة ، حاول منتظر المشاركة في الحديث بعد أن إنتهز فرصة انشغال الرجلين بالحديث عن آخر الأخبار السياسية وأمور أخرى ، فوجّه كلامه إلى ملاذ قائلاً :
ـ وكيف حالكِ الآن مع الوضع الجديد ؟ وهل تعانين من مشكلةٍ ؟
ـ لا .. أبداً يا منتظر ، الحمدُ لله فكل شيء على مايرام ، والسعادة التي حدثتني عنها سابقاً صرتُ استشعر طعمهاً الآن .. لكن ..
ـ لكن ماذا ؟ تكلمي يا ملاذ ..
ـ مازلتُ أشعر إن هناك وقت فراغ يجب أن استغله ، فالحقيقة إنني ما تركتُ الصلاة منذ أن حدّثتني عنها ... وصرتُ أقضي ما فاتني منها في السنوات الماضية ، أما القرآن فيومياً أقرأ جزأين منهُ تقريباً ، والتلفاز هجرتهُ تماماً ...
لكني لا أستطيع أن أقضي كل وقتي بالصلاة وقراءة القرآن فهذا صعبٌ عليَّ !
ـ ليس عليك فقط ، بل إنهُ صعبٌ على الجميع يا ملاذ ... وحتى رسول الله (صلى الله عليه واله) عندما صار يُرهق نفسه بقيام الليل والنهار معاً في الصلاة وعبادة الله حتى تورمت قدماه عاتبه الله بالقول : ((طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى! )) ، فإن قضاء الوقت كله بالصلاة والتعبّد هو أمرٌ صعب يرهق الجسد والقلب معاً لذا قال الإمام علي (عليه السلام) : ( إن القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فتخيروا لها طرائف الحكمة )
ـ وماذا قصد (عليه السلام) بـ ( طرائف الحكمة ) ؟
ـ الطريف هو الجديد ، ذلك إن لكل جديد لذّة ونكهة خاصة ويُعتبر الأسلوب الجديد محركاً على إدامة العمل بنشاط أكبر ، أما الأسلوب الرتيب والقديم ربما يجر إلى النفس السُأم والملل والنفور .
فعندما أرشدنا علي (عليه السلام) في أن نختار لقلوبنا طرائف الحكمة فقصد بذلك أن نختار لها كل جديد حتى لا تمل ولا تتعب .
ـ لقد حاولت يا منتظر أن أضع جدولاً يقسّم وقتي بين أعمال المنزل وبين العبادة .
ـ بل يجب أن يكون هناك وقت خاص للترويح عن النفس حتى لا تملّي العمل ولا العبادة ..
أي إن وقت الترويح هذا سيضيف إليك طاقة أكبر للقيام بعملك وعبادتك ،
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل العاشر
.
مضت ثلاثة أشهر تقريباً على زيارة الحاج كريم وعائلته لبيت حامد ..
ولقد بدا خلال هذه الفترة أمر غريب على منتظر !
صارَ فتانا شارد الذهن ، فكرهُ كثير الهروب ، وكلما حاول أن يبحث عنه وجدهُ عند ملاذ !
ما الأمر ؟ صار منتظر يسأل نفسه كثيراً .. هل من المعقول بأنني قد وقعتُ في حبائل الشيطان ؟!
فرغم هذه الشهور التي مرت على تلك الزيارة إلاّ إن منتظر ما يزال يتذكر ملامحها وكلماتها وتصرفاتها ... بل والأكثر من هذا إن صورتها متعلقة في ذهنه ولا يستطيع أن يمحوها مهما حاول !
ولكن أي صورة هي التي تعلقت في ذهنه ؟ أهي صورة تلك الفتاة التي رآها لأول مرة واستهجن واستحقر حالتها وما كانت عليه حينها ؟ أم هي صورة الفتاة التي رآها بعد عودتهم من السفر وزيارته مع عائلته لها في منزلها وهي بذلك الأدب وبتلك العفّة والحياء ؟
طبعاً إنها الصورة الأخيرة بعد ذلك التغيير الكبير .. تلك الصورة التي لا تريد أن تفارقه أبداً !
أغلق الكتاب بعد أن رأى أنهُ لا يفهم منه كلمة واحدة ! فجميع الكلمات تظهر أمامهُ وكأنها كلمة واحدة لا غيرها ... ملاذ !!!
قام واقفاً .. أدار ببصره في أرجاء الغرفة ، وضع الكتاب على الطاولة واتجه نحو سريره ، رمى بنفسه على فراشه ، بدأ يخاطب نفسه بصوتٍ خفي :
ـ ما بك يا فتى ؟ ألم تكن دائماً تردد بأن الشيطان سوف لن ينال منك أبداً ولن يحدثك عن أي فتاة في هذا الكون ؟!
ثم صار يجيب نفسه كمن أصابه الجنون !
ـ لا أعرف ما بي يا منتظر ! الأمر ليس بيدي ، لستُ أنا من أفكر بها .. بل هناك قوة خارج إرادتي هي التي تجر تفكيري نحوها .
ـ وبرأيك أي قوةٍ هذه ؟
ـ صدّقني لا أعرف .. أظنها قوّة إيمانها هي التي جعلتني أُعجب بها إلى هذه الدرجة ، تلك القوة التي جعلتها تتبع الهدى بهذه السرعة ! نعم فأنا ما جذبتني إلاّ حين تبدّلت بالكامل .
ولو كان تفكيري بها نتيجة شهوة أو نزوة لاستهواني أمرها حين رأيتها أول مرة بذلك المنظر بدون حجاب وبتبرج كامل .. لقد انتقدتها حينها بل احتقرتها في داخلي ، ولم تحدثني نفسي بالنظر إليها ولو لمرة واحدة طوال الفترة التي قضيناها معاً .
أما الآن ( صمت قليلاً وأخذ نفساً عميقاً ثم أكمل ) كم أنا مشتاقٌ
لرؤيتها والتحدث إليها ومعرفة أخبارها ...
أطلق حسرةً أخرى ثم صار يردد مع نفسهِ بألم ...
ـ آه ... ليتني لم أقبل بذلك المشروع ... مشروع التبرع ... ليتني لم أرها ، ليتني لم أحدثها ، ليتني لم أزرها مرة ثانية في منزلهم ... ليتني متُّ في تلك العملية !
كان من شدة التأثر لا يفقه ما يقول ، وفجأة قفزت إليه فكرة ! الهاتف نعم سأتصل بها لكن .. ماذا سأقول لها ؟ وإن ردّ عليَّ والدها !
عاد إلى وعيه وصار يتكلم مع نفسهِ بغضب وعصبية :
ـ آه منك أيتها النفس .. صرتِ تسوّلين لي بأمورٍ محرمة ، ويلٌ لكِ أيتها الأمّارة بالسوء !
جاءهُ صوتٌ أخر لم يُميز مصدره بادئ الأمر كان يقول له :
ـ أتصل بها يا منتظر .. إنهُ ليس أمراً محرماً ، فإنك ستسأل عن أخبارها ليس إلاّ ! ما بك يا فتى ، إنها من الأمور المستحبة أن تسأل عن أحوال الآخرين !
استجاب منتظر لهذا الصوت ، اتجه نحو الهاتف ، رفع السماعة وصار يُدير القرص على رقم منزلها ومع كل حركة يشعر بأن دقات قلبه تركض نحو المجهول ... استمر الهاتف بالرنين وأخيراً سمع صوت يحدّثه .. إنه ليس صوت ملاذ ،
بل وليس صوت والدها ! من يكون يا ترى ؟
إنهُ صوت ( الضمير ) : منتظر ... ما الذي تفعلهُ ؟ هل فعلاً استجبت لنداء الشيطان ؟ كيف تصدّق بأن ما تفعله الآن ليس بحرام ! أنت تعرف جيداً إنك لا تريد من هذه المكالمة إلا سماع صوتها لتشعر بالراحة ولِتُطفئ نار الشوق التي اشتعلت في قلبك ! إنك تتبع نداء قلبك يا منتظر وما نداء القلب إلا ( الهوى ) فأرجع إلى وعيك وتذكر قوله تعالى : (( وأما من خاف مقام ربهِ ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى )) .
أعاد منتظر سماعة الهاتف بيدين مرتجفتين ، رجع مسرعاً إلى غرفته ، أغلق الباب خلفه وجلس على الأرض ، أسند ظهره على الباب خوفاً من أن يفتحها أحد!
وضع رأسهُ على ركبتيه وصار يبكي وهو يلعن نفسه مرة ويخاطب الله مرةٌ أخرى :
ـ يا ويلي ... كيف تجرأت عليك يا ربي ؟ كيف خالفت أمرك واتبعتُ هوى نفسي .. كيف كيف ؟؟
كان هذا الموقف من أصعب وأحرج المواقف التي مرت به طوال حياته بل حتى أصعب من ذلك الموقف الذي جمعه بملاذ في تلك السيارة !
لأول مرة ينصاع بسرعة لأمر النفس والشيطان ، لقد إتحدا ضدّه ولولا وجود ضميره الذي أنقذهُ في آخر لحظة لكان قد وقع في شباك الشيطان ...
فكيف يكلمّها سراً بدون علم أحد ! وماذا سيقول لها ونفسهُ هائجةٌ بذلك الشوق الملتهب !
ستكون كل كلمة منه مصدرها العاطفة والهوى ، تذكر قوله تعالى
(( ولا تواعدوهنّ سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً )) فأي قولٍ معروف يمكن أن يقوله لها وهو في هذه الحالة من الاضطراب والتوتر العاطفي !
مسح دموعه ، قام وقد استعاد عقله ، توضأ
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل الحادي عشر
.
استيقظ منتظر في إحدى الصباحات على صوت المُنشد وقد علا صوت الموشحات آلة التسجيل وهي تصدح في أرجاء البيت !
خرج من غرفته فإذا بالزينة والبالونات تملأ أركان المنزل ! ما الذي يحدث ؟ اتجه نحو غرفة الجلوس حيث تجتمع العائلة ألقى السلام ووجّه كلامه إلى والدته :
ـ خيراً إن شاء الله يا أم منتظر !
قامت أمهُ وقبّلتهُ وهي تقول :
- كل عام وأنت بخير يا حبيبي .
ـ وأنتِ بألف خير يا أماه .. لكن هل اليوم عيد وأنا لا أعرف !
قام أصغر أخوته من مكانه وهو يقول :
-اليوم عيد ميلادك يا منتظر !
ـ عيد ميلادي ! آه نعم .. لكن هل مازلتِ تتذكرين يا أمي ؟ لقد كبرت على هذه الأشياء !
ـ أنتَ في نظرنا ، أنا ووالدك ، مازلت ذلك الولد المدلل .
ـ أشكرك أيتها الغالية .
اقتربت والدته منه أكثر ووضعت شيئاً في يديه وقبّلته ثانيةً ، كما قام
جميع أخوته بعمل نفس الشيء ، باركوا لأخيهم الأكبر وقدّموا لهُ الهدايا .
إنهُ مع اليوم يُكمل ثلاثة وعشرين عاماً وسيدخل يوم غد في السنة الرابعة والعشرين من عمره .

  
دخل منتظر غرفته وبدأ بفتح الهدايا ، كانت كلّها جميلة ولكن هناك هدية مميزة جداً جعلت قلبهُ يدقُّ سريعاً !
إنها هدية الأم .. كانت كتاباً عن الزواج المبكر في نظر الإسلام .. في الحقيقة كانت أم منتظر تشعر بأحاسيس ورغبات ابنها ، حالها حال أي أم على وجه هذه الأرض .
كانت تتمنى أن يتكلم معها ويصارحها برغبته في الزواج من ملاذ والتي هي رغبتها أيضاً بأن يرتبط ولدها الأكبر بهذه الفتاة المتميزة .
ولأنهُ إنسان مؤمن كان يغلب عليه الحياء كلما أراد أن يُصارح والدتهُ ! إذ كان دائماً يحاول إخفاء مشاعره.. بادرت هي بفتح هذا الموضوع من خلال هذا الكتاب الذي يشجع الشاب المؤمن على الزواج مبكراً كي لا يبقى رهين الوساوس والأحلام السيئة !
كان منتظر إلى هذه اللحظة لم يفكر بأمر خطبة ملاذ أو أي شيء من هذا القبيل ... كان كل همهُ أن يحارب الشيطان والهوى ! أما الآن فلقد علّمتهُ أمه درساً لن ينساه طوال حياته وهو إن الإسلام دين سماحة ورحمة ولا يرضى للشاب المسلم أن يكبت رغباته المشروعة ، بل فتح لهُ طريقاً مهماً وجميلاً ألا وهو طريق ( الزواج ) من خلالهُ يُغلق كل الأبواب أمام إبليس اللعين وزمرتهُ الخبيثة !
ورغم كل هذا تراجع منتظر عن هذه الفكرة ـ على الأقل حالياً ـ قال في نفسه :
ـ الظاهر من هذه الهدية إن أمي تريدني أن أتزوج رغم إنني تخرجتُ توّاً من الجامعة ولا يوجد لديّ عمل محدّد وثابت أستطيع من خلاله أن أكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال ! لا .. لا يمكن أن أتزوج الآن أو حتى أن أخطب ، فكل خطوة تحتاج آلاف الدنانير !
وفي المساء بدأ أخوته يسألونه عن رأيه بـهداياهم ..
وكان منتظر يجيبهم بفرحٍ وسرور وعندما وصل الدور إلى الأم قالت :
ـ وأنا يا قرة عيني .. هل أعجبتك هديتي ؟
شعر منتظر بالحياء واحمرّت على إثر هذا السؤال وجنتاه ولم يعرف بماذا يُجيب والدته من شدّة الحياء والخجل!
لم تشأ الأم أن تُحرِج ولدها أمام إخوته الذين لا يعرفون طبيعة تلك
الهدية ، لذلك لم تلح أكثر في طلب الإجابة .
بعد إتمام العشاء قام منتظر قبل الجميع ودخل غرفته ، أشار أبو منتظر إلى زوجته بأن تقوم خلف منتظر وتكلمه على انفراد حول موضوع الهدية حيث إن الأب كان يعرف كل شيء عن الأمر .
استجابت الأم لطلب زوجها فاتجهت نحو غرفة ولدها وطرقت الباب ، أجاب منتظر :
ـ ادخل .. الباب مفتوح .
دخلت فوجدتهُ مستلقياً على فراشه ، فزع عندما رآها وبدا عليه التوتر ! ابتسمت والدته ثم قالت بعد أن جلست بقربهِ على السرير :
ـ ما بك يا فتى ؟ هل تستحِ من أمك ؟!
ـ لا .. لا طبعاً يا أماه ، لكن ..
ـ لكن ماذا يا ولدي ؟ هل تظن بأن أمك ستتركك هكذا في حيرتك ! لقد كبرت يا بُني وصرتَ رجلاً يُعتمد عليه وأبوك وأمك يتمنان أن يرياك عريساً قبل وفاتهما !
ـ لا تقولي هذا يا أمي أرجوكِ .. فمازلتما في شبابكما .
ـ اسمع يا بُني ( بدون لف ودوران ) أنت يجب أن تتزوج !
ـ ماذا ؟ يجب !
وقبل أن يكمل قاطعته قائلة :
ـ لا تحبّذ الشريعة أن يبقى الشاب بعمرك بلا زواج .. ومن أفضل المستحبات أن يتزوج الشاب مبكراً ، حتى لا يقع في المحرمات لا سمح الله .
ـ لكن يا أماه .. أنا ولله الحمد لا تهمني هذه الأمور !
ـ يا منتظر .. الزواج أمر مهم ومهم جداً لذلك وصفهُ الرسول (صلى الله عليه وآله) بأنه ( نصف الدين ) وخاصةً للمؤمنين فهو يقيهم من زلاّت وعثرات كثيرة ، ألم تسمع بتلك الرواية عن حال إبليس كيف أنه يضج ويقول حين يتزوج الفتى : ( يا ويله ، عصم مني دينه ) يعني إنك بزواجك سوف تعصم دينك من شر ذلك المخلوق عليه اللعنة ، والزواج ليس عيباً يا ولدي حتى تستحِ منه ، إنهُ سُنّة الحياة بل سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي قال : (( النكاح سُنتي فمن رغب عن سُنّتي فليس مني )) .
ـ نعم يا أمي أنا
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل الثاني عشر
.
فرحت أم منتظر أشد الفرح عندما أخبرها زوجها بموافقة ولدهما على الزواج وفرحت أكثر عندما عرفت أن ولدها قد اختار من اختارتها هي أيضاً ، أسرعت نحو الهاتف وأدارت رقم منزل ملاذ .. أخذت منها موعداً لزيارتها بعد أن سألتها عن أخبارها وأخبار الوالد .
وفي الساعة السادسة عصراً كانت أم منتظر قد وصلت منزل ملاذ ، استقبلتها فتاتنا استقبالاً حاراً فلقد مضت عدّة شهور على اللقاء الأخير .
قالت ملاذ بصوت متأثر :
ـ ما كنتُ أظنكِ تنسيني هكذا يا خالتي فبعد لقاءنا الأخير في منزلنا لم تتصلي بي إلاّ مرة واحدة بالهاتف !
ـ لكِ كل الحق يا ملاذ لكني كنتُ أنتظر أن تتصلي أنتِ بخالتك فإن وقتكِ أوسع من وقتي بكثير .
ـ آه يا خالة .. كم أتمنى أن أزوركم أو أتصل بكم لكن ...
ثم أطلقت ملاذ حسرة طويلة تذكرت من خلالها موقف والدها تجاه هذه العائلة ! فهل تخبر أم منتظر عن ذلك الموقف ؟ طبعاً لا ! فضّلت السكوت ..
ـ لا أعرف فعلاً يا ملاذ كيف تتحملين هذه الوحدة !؟
ـ هل تصدّقين يا خالتي لو قلتُ لكِ أن ربّي صار بالنسبة لي هو السلوة الوحيدة في حياتي ..
ـ ونِعمَ بالله .
ـ صحيح إنني ما أن فتحتُ عيني في هذه الحياة حتى فقدتُ أقرب إنسانة لي وهي ( أمي ) فلم أعرف حينها سوى أبي الذي أبعدني عن كل انسان سواه .. بل حتى أهلهُ وأهل أمي لم يحاول أن يعرفني عليهم ! لكن رغم كل هذا أشعر الآن أن ( الله ) هو أهلي وكل قرابتي !
دمعت عينا المرأة وهي تسمع هذه الفتاة تتكلم بهذا الكلام الكبير والمؤثر، قالت أم منتظر وهي تحاول الدخول في الموضوع :
ـ لقد جئت اليوم لأمرٍ خاص يا عزيزتي ..
ـ خاص !
ـ جئتُ لأرى رأيك في ابني منتظر !
ـ منتظر ؟!!
كانت ملاذ رغم كل ما تمر بهِ من قسوة الأيام تحاول جاهدةً أن تتناسى ذلك الإسم ! نعم فمنذ أن رأت إن أباها لا يطيق سماع هذا الإسم وهي تحاول بما تملك من قوة أن لا تذكرهُ أمامه .
قالت أم منتظر مبتسمة :
ـ ما بكِ يا ملاذ ! لماذا شرد ذهنكِ هكذا .. ؟ ما رأيكِ بأبني كزوج ... ؟
ـ زوج !
ـ لقد جئت اليوم خاطبةً إياكِ لولدي .. فماذا تقولين ؟
ـ لكن يا خالتي .. لماذا أنا بالذات ؟ أخشى أن يكون هذا قراركِ أنتِ ...
ـ صدّقيني يا عزيزتي ، إنهُ هو من أرسلني ..
كانت الدهشة والارتباك باديتان على فتاتنا ! نعم كانت تتمنى أن ترتبط بهذا الشاب منذ أول مرة رأتهُ فيها ، لكن بعد مرور الأيام صارت تشعر إنها لا تستحق هذا الإنسان .. لما يملكهُ من صفاء الروح وطهارة السريرة ..
قطع تفكيرها مرة أخرى صوت أم منتظر وهي تقول :
ـ أعرف بماذا تفكرين الآن ، لكن يا ملاذ لقد تغيرت الأمور كثيراً وصرت أنتِ اختيار منتظر الوحيد .
شعرت ملاذ بالسعادة والنشوة لسماعها تلك الكلمات لكنها تذكرت شيئاً ما ! قالت بألم :
ـ آه يا خالتي لو كان الأمر بيدي!
ـ لا عليك يا ملاذ .. إن أمر أبيكِ سهل إن شاء الله .
صمتت ملاذ وهي تتخيل ملامح والدها عند سماع الخبر !
قامت أم منتظر وهي تدعو الله أن يتمم الأمر على خير وان يجمع شمل ابنها بهذه الفتاة ، أما ملاذ فما كان منها إلاّ أن دعت الله أن يفعل ما فيه رضاهُ سبحانه وما فيه صلاح أمرها وأمر ذلك الشاب .
.
#يتبع
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل الثالث عشر
.
وفي اليوم التالي من رؤية أم منتظر لملاذ قام زوجها بزيارة صاحبهِ في منزله وهناك دار بينهما هذا الحديث :
ـ أنت تعرف يا صاحبي قدرك في قلبي ..
ـ أشكرك يا كريم .
ـ الشكر لله يا أبا ملاذ ، وكُلّي أمل اليوم أن أأخذ موافقتك على أمرٍ ما .
ـ خير إن شاء الله ؟
ـ أتشرف أنا وابني وكل عائلتي أن يحصل القرب بيننا أكثر من خلال طلب يد ابنتك ملاذ لأبني منتظر .
صمت حامد وقد أحمرّت عيناه من الغيظ ، لم يتحمل هذا الكلام قام واقفاً على قدميه محاولاً إنهاء الحديث .. مدَّ يدهُ إلى صاحبه قائلاً :
ـ سأفكر بالموضوع !
تفاجأ أبو منتظر من هذا التصرف الغريب فقام ومدَّ يدهُ هو الآخر قائلاً بألم :
ـ المدّة مفتوحة أمامك ، إن كنت تريد السؤال عنّا وعن أخلاقنا وسُمعتنا يمكنك ذلك إلى أن تحصل الموافقة إن شاء الله أنا أنتظر الرد ، في أمان الله .
شعر أبو ملاذ بالخجل من سوء تصرفه .. لكن لماذا هو يفعل ذلك ؟ لماذا يُجازي هذه العائلة بهذا الجزاء السيء !؟ ألم يقفوا معهُ في تلك الأيام الصعبة ؟ ألم ينقذوا حياة ابنته الوحيدة ؟ إذاً لماذا يُسيء التصرف معهم هكذا في حين إنهم يريدون التقرب منه ليس إلاّ !
أسئلة كثيرة كان صوت الضمير يطرحها على حامد ولكن يأتي صوت الشيطان ليقول له : إنهم يريدون اختطاف ابنتك الوحيدة .. إنهم أداروا دماغها وغسلوه وجعلوها تُشعرك بعدم تربيتها تربيةً صحيحة وبأنك مقصر معها ! إنهم ...إنهم ... إنهم
صاح وقد وضع يدهُ على رأسه :
ـ لن أسمح لهم بذلك أبداً ! ليس لدي غيرها ، ليتهم لم يساعدوني ، ليتهم جعلوها تموت قبل أن أراها تبيعني هكذا ... ! كيف سأفارقها ؟ كيف سيكون البيت من دونها ... كيف ..كيف ؟؟
كان والدها يشعر بأنها ملكهُ وحدهُ ولا يمكن أن تكون لرجلٍ آخر .. لقد ربّاها وكان سعيه كلّه لأجلها .. اشترى لها أجمل الملابس وأجلسها أمام أحدث الأجهزة وأرقاها ، فلم تضجر يوماً أو تلومه أو تعتب عليه ، أما الآن فلقد تركت كل شيء .. تركت الملابس الفاخرة والأجهزة المتنوعة ، تركت تلك الحياة وصارت تعيش حياةً أخرى .. بسببهم هم ! وسيجعلونها تتركهُ هو الآخر! يا للفاجعة .. يا للهول ! ظل الشيطان يوسوس له طوال تلك الليلة ، كان أبو ملاذ ناسياً أن الروح تحتاج إلى غذاء كما أن الجسد يحتاج إلى غذاء ..
لقد نسى أن يُغذّي روح فتاته ويُربّي نفسها .. كان يظن أنهُ بتغذيتها
أحسن الغذاء وبترفيهها بتلك الأدوات الحديثة وبلبسها أفضل وأرقى الملابس فأنهُ ربّاها ! لم يعرف إن التربية هي تربية النفس والروح لا تربية الأعضاء والجسد.

  


وفي الصباح كان حامد قد قرر أن لا يذهب إلى العمل لهذا اليوم لأنه يشعر بالتعب والإرهاق .. سألته ملاذ عن السبب فلم يُكلمها وأدار بوجههِ عنها .
إتجه نحو التلفاز وشغّل ذلك الجهاز وجلس يستمع لـ ( أغاني الصباح ) !
تعجبت ملاذ من تصرفهِ هذا فهو لا يعرف من ذلك الجهاز غير ( نشرة الأخبار ) !!
تركتهُ وذهبت إلى غرفتها ، لكن صوت الغناء بدأ يرتفع شيئاً فشيئاً ، شعرت بشعور غريب ! إنها قشعريرة تسري في جميع بدنها ! لقد تركت سماع الأغاني منذ شهور منذ أبلغها منتظر بأنها ( حرام ) وهي اليوم ولأول مرة بعد تلك الفترة تطرق مسامعها تلك الكلمات الشيطانية .. أحست بأنها تريد التقيء !
تساءلت مع نفسها : هل من المعقول إنني صرتُ أكره سماع الأغاني إلى هذه الدرجة ؟ أنا التي لم يكن شيء يُلهيني عنها ، أغدو اليوم كارهةً لها !!
صارت تحمدُ الله على هذه النعمة ، وهي تتذكر ما كان يقوله منتظر لها بهذا الخصوص : إنك ستكرهين الغناء يا ملاذ عندما تمنعين نفسك عن الاستماع إليها لفترةٍ ما ، لأن النفس كالطفل الصغير عندما تعودّينها على شيء ستعتاد عليه وستنقاد لكِ ولو بعد جهادٍ طويل ! وكما يقول الشاعر :
النفس كالطفل ِ إن تتركه شبّ على حبِّ الرضاع وان تفطمه ينفطمُ !
وها هي نفسها اليوم تنقاد لإرادتها القوية وقد صارت تكره سماع تلك الكلمات .. إنها نعمة عظيمة .
لم تتحمل ملاذ سماع صوت ذلك المطرب رغم إنهُ كان المفضّل لديها ! فتحت باب غرفتها واتجهت حيث يجلس والدها ، حاولت التكلم معه لكن ما من فائدة .. اتجهت نحو التلفاز فخفضت صوته ثم قالت له :
ـ استميحك عذراً يا أبتي .. لكني أريد أن أكلمك وهذهِ الأغاني تجعلك لا تسمع صوتي ..
ـ ما الذي تريدينه أيتها الفتاة الوقِحة ؟!
ـ أبي أرجوك فقط أسمعني لحظات .. إن هناك فرق كبير بين الدار التي تسكنها الملائكة والدار التي ترتادها الشياطين!
فلقد جاء عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) : ((إن الدار التي يُسمع فيها الغناء لا يُستجاب فيها الدعاء ولا تدخلُها الملائكة )) .
بعد هذه الكلمات التي كانت تخرج من قلبها الصادق قام والدها من مكانه بحركةٍ سريعة مدَّ يدهُ ليضربها .. كانت صفعة قوية جعلتها تسقط أرضاً ثم قام بركلها بقدمه ، وهو يصرخ
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل الرابع عشر
.
ها هي الأيام والأشهر تمضي ، كانت أم منتظر تطل على ابنها صباح كل يوم ... تحدّثهُ وتشد من عزيمته فوضعه كان متوتراً بعض الشيء ... إلى الآن هو بدون عمل ! وهي مازالت تلح في مسألة زواجه لكن الرياح كانت لا تأتي بما تشتهي السفن !
وفي أحد الأيام دخل والد منتظر وهو في غاية الفرح وما أن جلس قليلاً ليستريح حتى زفَّ لعائلته خبر حصول منتظر على عمل في أحد أكبر المصانع في بلادهم ..
ولم يمضِ شهر واحد على عملهِ في ذلك المصنع حتى تقاضى منتظر راتباً مع مكافأة مجزية من مدير المصنع لما رأى على منتظر من سيماء التقوى والصلاح والإخلاص في العمل .
جاء منتظر إلى أمه في ذلك اليوم وقد لاحت ملامح السرور على وجههِ ..
استقبلته كالعادة بوجهها الباسم ...
ـ ساعدك الله يا بُني ..
ـ وساعدكِ يا أماه ، هل أتى أبي من العمل ؟
ـ لماذا تسأل عنه ، أنت تعرف إنهُ يأتي بعد مجيئك بساعة تقريباً ! هل هناك أمر ما يا عزيزي ؟
ـ نعم هناك !
ـ خير إن شاء الله ؟
ـ أريدهُ أن يذهب يوم غد ليقابل أبا ملاذ ، ويخبره إنني حصلت على عمل بل واستلمت المرتب الشهري وهو أعلى مرتب بالنسبة لباقي الموظفين .
أذعن أبو منتظر لطلب ولده وعاود زيارة صاحبه ولم تكن إجابته هذه المرة تختلف عن المرة السابقة !!
خرج أبو منتظر من منزل صاحبه وقد قرر أن لا يعاود طلب يد تلك الفتاة لابنهِ بعد هذه المرة أبداً .
.
#يتبع
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل الخامس عشر
.
جلس منتظر يُقلّب صفحات ذلك الكتاب الذي أهدتهُ إياه أمه في عيد ميلاده وقد مضى على تلك الحادثة سنة ونصف تقريباً ، فكّر مع نفسه قائلاً : لا أعرف إن كانت أمي مازالت تريدني أن أتزوج أم إنها غيّرت رأيها بعد كل هذه الفترة ؟!
قطع كلامه مع نفسهِ صوتٌ نتج عن طرق باب غرفته ، إنتبه كمن ينهض من النوم مرعوباً !
صاح : من ؟ من الطارق ؟
أجابه صوت والدهُ : أنا يا منتظر ، عندي خبر سعيد !
قال منتظر بلهفة بعد أن فتح الباب : خير إن شاء الله ؟
ـ كل الخير يا ولدي .. لقد قرر عمك فارس العودة إلى أرض الوطن بعد كل هذه السنين !
تهللت أسارير منتظر وهو يسمع هذا الخبر ، صاح وهو لا يصدق ما يسمع :
ـ ماذا عمي فارس ! هل تمزح يا أبي ...
ـ لا صدّقني يا بُني إنها الحقيقة ، لقد انتهيت من مهاتفته توّاً وقد
أكّد لي هذا الخبر .
كان فارس من أعز الأصدقاء لكريم وحامد .. إذ كانوا يشكلون ( الثلاثي الوفي ) بعلاقتهم الحميمة تلك .
أتصل أبو منتظر بصاحبه ليخبره بمجيء ثالثهم والذي فصلته الغربة عنهما ، رفع الهاتف ابو ملاذ وتبادل السلام مع أبي منتظر محاولين تناسي أحداث الخطبة وما تبعها من كسر قلوب وجرح مشاعر ... قال أبو منتظر بصوته الشجي الحنين :
ـ هل تعرف يا أبا ملاذ إن فارس سيرجع عن قريب ؟
ـ من ؟ فارس ! يا الله ! يا الله ! إنه لخبرٌ سعيد .
ـ نعم يا حامد سيرجع فارس وسيرجع لمّ الشمل كما كنا من قبل إن شاء الله .
وهنا حاول أبو ملاذ أن يُنهي المكالمة بأي طريقة كانت بعد أن تخيل ان العلاقة سترجع بينه وبين عائلة أبو منتظر !!
أقفل الهاتف وحاول أن لا يفكر إلاّ برؤية ذلك الصديق الحبيب فارس .
لقد كان فارس محبوباً لدى الجميع كباراً وصغاراً ، حيث كان يتمتع بشخصية قوية ولطيفة في الوقت ذاته ، سافر إلى الخارج ليكمل دراسة الماجستير والدكتوراه في العلوم الإسلامية وكان يمتلك قدرة كبيرة على الخطابة ونظم الشعر وكتابة المقالات الأدبية ، لذلك ما إن أكمل دراسته وأخذ شهادة الدكتوراه حتى صار أستاذاً للعلوم الإسلامية في إحدى الجامعات العربية في بلاد الغرب ورئيس تحرير لمجلة تعنى بالشباب ومشاكلهم .
جاء ذلك اليوم الذي أخبرهم فارس بموعده وهو يوم عودته لأرض الوطن مرةً أخرى .. لكنه لم يقل لهم أين يمكن أن يستقبلوه ! وفي أي وقت بالضبط !
لذلك كان كل من أبي منتظر وأبي ملاذ قد هيّأا منزليهما لاستقبال ذلك الضيف العزيز وهما في حالة من الإنتظار والترقب .
وفي تمام الساعة العاشرة صباحاً كان فارس يقف على أرض الوطن بعد فراق دام أكثر من ثمان سنوات وما ان لمست قدماه تلك الأرض حتى سجد لله شاكراً وأخذ يشمّ ويُقبّل ترابها وهو يردّد والدموع قد غسلت وجهه :
ـ ما أجمل العودة إليك يا وطني ! وما أطيب نسيم هوائك ...
اتجه إلى منزل أحد أقاربه في تلك البلدة ومن هناك أتصل بأبي منتظر ...
ودار بينهما هذا الحديث :
ـ السلامُ عليك يا أبا منتظر ..
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
ـ ألم تعرفني !؟
ـ عذراً .. لم أسمع صوتك من قبل !
ـ هل يمكن ذلك ؟ لكني اتصلت بك قبل ثلاثة أيام ... هل نسيت صوتي يا كريم !
ـ هل من المعقول إنك ... إنك ... فارس !
ـ ولِم لا يا كريم ؟
ـ ولكن صوتك تغيرّ عن كل مرة تكلمني فيها !
ـ السبب بسيط .. فكل مرة أُحدّثك والمسافات بيننا آلاف الكيلومترات
فيصلك صوتي ضعيفاً ومتقطعاً ، أما اليوم فأنا أُحدثك من داخل الوطن الحبيب !
ـ ماذا ؟ هل وصلت ! ولكن متى ؟ لماذا لم تأتِ إلى المنزل مباشرةً يا رجل !
ـ بصراحة لقد خفت أن أتجه إلى منزلك فيزعل أبو ملاذ أو أتجه إلى منزله فتزعل أنت ! وحلاً لهذه المشكلة فأنا الآن في بيت خالتي أم سالم .. وأطلب منكما أن تأتيا حالاً لأني بأشد الشوق لرؤيتكما .
ـ ثوانٍ ونكون عندك أيها الحبيب ، سأتصل بحامد حالاً ..
ـ لا ... لا يا صديقي ، سأتصل أنا به وأخبرهُ بما أخبرتك ، فلا تتأخر عليّ يا صاحبي ولا تنسى أن تجلب معك جميع أفراد عائلتك فإني بأشد الشوق إليهم .
وبعد ربع ساعة تقريباً كان أبو منتظر مع ولدهِ منتظر عند باب منزل أم سالم ...
طرق ابو منتظر الباب بيدين ترتجفان ، فتح الباب شاب في مقتبل العمر ، سلمّ عليه الاثنان وأدخلهما إلى داخل المنزل ، وفي غرفة الجلوس كان فارس قد جلس وإلتف حوله كل من خالته وأبناؤها ، وما أن دخل أبو منتظر حتى وقف فارس وقد تغيرت ملامحه .. فتح ذراعيه لاستقبال صاحبه وقد خنقتهُ العبرة .. رمى أبو منتظر بنفسهِ على صاحبه وهو يبكي كالأم الثكلى !
كان كل منهما قد وضع رأسه على كتف صاحبهِ وأخذا ينحبان دون أن يتكلما بكلمةٍ واحدة !
كانت لغة الدموع أقوى من لغة الكلمات .. بكى جميع من في الغرفة لحرارة الموقف ثم إلتفتَ فارس إلى الشاب القادم مع صاحبه ..
قال وهو يمسح دموعه ويمد يده نحو ذلك الشاب :
-هل أنت منتظر ؟!
رمى منتظر هو الآخر بنفسهِ نحو فارس وهو يردد بصوتٍ شجي حزين :
ـ نعم يا عماه .. أنا هو !
ـ لقد كبرت
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل السادس عشر
.
قضى فارس أسبوعه الأول في بيت خالته كما أخبر صاحبيه وبعدها اتجه نحو منزل صاحبه حامد ليقضي الأسبوع الثاني هناك كما وعده.
عندما وصل فارس إلى المنزل كان حامد وابنته في كامل الاستعداد لاستقبال ضيفهم العزيز ، بعد وصول الضيف بدقائق كانت ملاذ قد أعدّت العصير والكعك ودخلت تحملهما وهي بكامل حجابها وقد أخذتها اللهفة لرؤية عمها الغالي فارس..
قام فارس واقفاً وقد بهرهُ منظر تلك الفتاة..
كانت علامات التعجب بادية عليه وهو ينظر إليها وقد كبرت وأصبحت فتاة ناضجة وكما هو الظاهر إنها فتاة مثقفة وملتزمة في نفس الوقت.
قالت وهي تقدّم له العصير:
-الحمدُ لله على سلامتك يا عم..
ـ أهلاً بكِ يا ملاذ .. ما شاء الله !! لقد تغيرتِ كثيراً أيتها الغالية !
بدا الحياء واضحاً على محيّاها وهي تهمُّ بالخروج من الغرفة .
قال أبو ملاذ :
ـ لقد مرّت سنين طوال على سفرك يا رجل .. فلماذا تريد أن
يكون كل شيء باقياً على الحال الذي تركتهُ عليه !
ضحك الرجلان وقضيا تلك الليلة بالأحاديث الدافئة والجميلة وبإعادة صور الماضي وذكريات الشباب والعزوبية .
مرّت ثلاثة أيام على تواجد فارس في منزل صاحبه وفي إحدى الصباحات وبينما كانت ملاذ تحضرّ طعام الأفطار دخل فارس المطبخ واستغل الفرصة ليسألها عن أمور كثيرة تدور في باله ويبحث لها عن إجابة ... بادرها قائلاً :
ـ هل لي أن أسأل عن أشياء مازالت غامضة بالنسبة لي يا ملاذ ؟
ـ تفضّل يا عم .. أنا بالخدمة .
ـ إنني أراك اليوم وقد التزمت بتعاليم الدين الحنيف بالرغم من إنني
تركتكِ وكنتِ مازلتِ في سن الثانية عشر أو الثالثة عشر أي كنتِ حينها ( مُكلفة ) شرعاً ورغم هذا لم تكوني قد جربتِ لبس الحجاب أو الصلاة والصيام .. صح ؟!
ـ نعم بالضبط .
ـ وأعرف إن السبب في ذلك هو والدكِ ، حتى إنني كنتُ دائماً أنصحهُ بأن يعلمك تعاليم الإسلام .. إلاّ إنهُ كان يرفض ويتعذر بأنكِ مازلتِ صغيرة !
والحقيقة إنني قبل أن أعود إلى أرض الوطن كنتُ أتخيّل بأنني سأجد عند عودتي تلك الفتاة نفسها دون أن يحاول والدها توعيتها أو إرشادها ولكني وجدتك على غير ذلك ! والأعجب من هذا إنهُ مايزال على حاله ! فمن هو الذي إلتزم بهدايتك وإرشادكِ وأنتِ لا تملكين غيره ؟!
ابتسمت ملاذ وقالت :
ـ هل أقول لك الحقيقة وتعدني أن تبقى سراً بيننا ؟
ـ وماذا تعرفين عن عمكِ فارس !
ـ كل خير ...
ـ إذاً وضّحي لي الأمر ..
بدأت ملاذ تسرد قصتها لفارس منذ تركها صبية صغيرة إلى المرحلة التي وصلت إليها وما يراهُ عليها من تغيرات كثيرة ..
بدت على فارس علامات الرضا والارتياح بعد أن عرف ما كان يصبو إلى معرفته !
قال لها مبتسماً :
ـ فإذاً منتظر كان السبب في هدايتك ..
قالت وقد بدت مرتبكة بعض الشيء :
ـ أرجوك يا عم ، إحذر أن يسمع أبي هذه الجملة منك فتثور ثائرته !
ـ لماذا ؟
ـ لا أعرف .. فعلاً لا أعرف !
قال فارس مندهشاً :
ـ عجيب ! ما بهِ هذا الرجل ؟ ألا يفرح أن تتجه ابنته نحو الطريق الصحيح وتسير في طريق الحق والهداية ؟! ثم إنني يا ملاذ أريد أن أحدثك بموضوع آخر وهذه فرصتي مادام أبوكِ ما يزال نائماً !
ـ تفضل يا عم ..
ـ ألم تحاولي أن تتكلمي مع أبيك حول موضوع الصلاة ؟
ـ لم أفهم قصدك !
-إنّ أباك ـ كما هو واضح ـ إلى الآن لم يُجرِّب أن يقف أمام الخالق عز وجل ليؤدي فريضة الصلاة ولو لمرة واحدة في حياته !
لقد تركته على هذا الحال من اللامبالاة ، والآن وبعد كل هذه السنين أعود لأجدهُ مازال مُصراً على معصية الخالق عز وجل .. فاليوم هو الرابع من وجودي معكم ولم أره يصلي أبداً !! لماذا لا تكلميه يا ابنتي وأنت فتاة واعية ومدركة جيداً لما ينتج من ترك الإنسان لصلاته ؟
ـ آه يا عم .. لقد حاولت مرة واحدة أن أُحدثهُ بخصوص حُرمة الغناء ، فلا تتصور عندها ماذا فعل بي ! لقد ضربني وشجَّ رأسي وتركني أنزف ثم خرج !
ـ هل وصل حامد إلى هذه الدرجة من الظلم ؟ يظلم نفسه ويظلم من معه !
ـ صدّقني يا عم .. لقد أردتُ أن أُحدثك بنفس الموضوع فأنت صاحبه وقد يستقبل منك أكثر من أي شخص آخر ، انصحهُ وأرشدهُ إلى طريق الحق فما عاد لي قدرة على تحمّل وضعه مع الذنوب والعصيان .
ـ أنت تعرفين يا ملاذ إن أباك يكبرني بكثير وأنا لهذا السبب أحترمه اشد الاحترام فهو بمثابة أخي الأكبر وهذا ما جعلني لا أتجرأ في الماضي على مفاتحته بهذا الأمر ، لكن اليوم يُحتّم عليَّ الواجب الشرعي أن أنقذه من مخالب الشيطان وأقدم له ما أملك من أدلة وبراهين تُثبت فضاعة ما هو عليه من الابتعاد عن الله جلّ وعلا .
ـ سأدعو لك يا عم أن توّفق في إقناعه وجعله في ركب التوابين والمُتطهرين .
وفي نفس تلك الليلة قرر فارس مفاتحة صاحبه بالموضوع لكن قبل ذلك ذهب إلى السوق واشترى قلم حبر زاهي اللون وغالي الثمن موضوع في علبة ذهبية ثم قام بتغليفها بشكل جميل وجذّاب ورجع إلى المنزل ليرى صاحبه بانتظاره ، وبعد إلقاء التحية سأله أبو ملاذ :
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل السابع عشر
.
قضى فارس ذلك الأسبوع في منزل صاحبه أبي ملاذ ثم أتجه بعد ذلك ليقضي الأسبوع القادم في منزل أبي منتظر ...
كان متلهفاً لهذهِ الزيارة حيث إنهُ يشعر بأن كريم أقرب إلى نفسه من حامد ! لما يملكه الأخير من أفكار تختلف تماماً عن أفكاره وميوله ، أما فارس وكريم فلقد كانا يتشابهان في أمورٍ كثيرة .
استقبلت العائلة ضيفها بترحاب كبير ، كان يشعر وهو معهم كأنهُ مع عائلته الحقيقية .. فكم من مرة شعر بالحنين إلى عائلةٍ كبيرة تضمه وتُشعره بالحب والحنان.. هو الوحيد لأبويه الذين فارقا الحياة وهو في بداية شبابه مما حدا به للسفر وإكمال الدراسة خارج البلاد بعد الوحدة التي كان يشعر بها في داخل بلده ، وهناك في بلاد الغربة تزوج لكن شاءت إرادة الله أن تكون زوجته عاقراً لا يمكنها الإنجاب !
ولأنه كان مؤمناً بإرادة الخالق ومخلصاً ومعتزّاً بزوجته جداً فأنهُ لم
يشأ استبدالها أو الزواج بغيرها رغم شعورهِ الدائم بالحنين إلى الأطفال..
كان أولاد كريم سعداء جداً بوجود فارس معهم وخاصةً منتظر حيث إنه قد تعلق بهِ منذ صغره .
وفي إحدى الأمسيات وبينما كان الأثنان يجلسان لوحدهما في غرفة الجلوس تحدث فارس مع منتظر قائلاً :
ـ هل لي أن اسألك .. مع أنهُ قد يكون سؤالاً محرجاً ؟!
ـ تفضل يا عم !
ـ لماذا لم تتزوج بعد ؟!
ارتبك منتظر بعض الشيء ثم تساءل مع نفسه : هل يمكن أن يكون قد أخبرهُ أحدهم عن أمر خطبتي لملاذ ؟ لا أظن ذلك !
حاول أن يجعل الأمر طبيعاً جداً فأجاب :
ـ مازال الوقت مبكراً على التفكير بهذا الأمر يا عمي ...
ـ أنت تعرف يا منتظر بأنني متخصص في أمور الشباب ومشاكلهم وإيجاد الحلول لهم من المنظار الإسلامي ولقد رأيت من خلال دراساتي بأن تأخر الزواج إلى هذا العمر أمر سيء للغاية !
تذكر منتظر في هذه الأثناء ذلك الكتاب الذي أهدته لهُ والدته والذي علمّه الكثير .. فهو الآن يدرك جيداً ما معنى كلام فارس بل ويعرف بأنه صحيح مئة بالمئة لكنه كان يحاول التهرب من تذكر الماضي بأي طريقة ، فقال لفارس بعد صمت قصير :
ـ لكني لستُ كبير إلى هذه الدرجة يا عم !
ـ ماذا ؟ أولست في الخامسة والعشرين الآن ... ها ؟ العتب على أبويك ..كان يجب أن يبحثا لك عن بنت الحلال قبل هذا العمر ..
ـ لكن يا عمي .. من يسمعك لا يصدّق إنك قد أكملت دراستك في دول الغرب !
ـ لكني درست هناك العلوم الإسلامية يا منتظر ولم أدرس العلوم الغربية !
صمت منتظر ولم يرد فلقد كان يتمنى ان يسرد لفارس ما حدث لهُ عندما قرر الزواج من ملاذ .. لكنه قرر عدم الخوض في ذلك الحديث أبداً لأنه يسبب له الألم الشديد .. وأخيراً قال :
ـ تريد الصراحة يا عم ؟! لقد ذهبت أمي لرؤية فتيات كثيرات وتقدّمت فعلياً لخطبتهن ... لكن لم يحصل النصيب آنذاك ، كان الأهل يرفضون أحياناً وأحياناً أخرى هُنّ يرفضن لأسباب شخصية ، المهم إنني شعرت حينها إن الله لم يأذن بزواجي بعد !
ـ وأنت .. لم تعجبك أي فتاة طوال هذه السنين !
ـ في الجامعة لم تكن هناك أي فتاة تعجبني ، بل أنني لم أكن أفكر بالزواج أصلاً .. كان لا يهمني إلاّ دراستي وحصولي على الشهادة ثم العمل ، وبعد حصولي على هذه الفرص صارت أمي تصرّ عليّ كثيراً في موضوع الزواج وذهبت بنفسها للخطبة كما أخبرتك لكن بدون جدوى !
كان منتظر صادقاً في كلامه فلقد ذهبت والدته إلى خطبة أكثر من فتاة لكن هذا كلّه حصل بعد خطبته لملاذ التي لم يأتِ على ذكر اسمها مطلقاً طوال حديثه مع فارس !
كان الأخير يتمنى أن يعرف مشاعر منتظر تجاه ملاذ بعد ما عرفهُ منها عن الجهد الذي بذلهُ منتظر لأجل هدايتها إلى طريق الله ..لكنها لم تخبره حينها عن محاولات الحاج كريم المتكررة في خطبتها لإبنه منتظر.. قال فارس لمنتظر في محاولة لمعرفة ما يريد الوصول إليه :
ـ هل تدري يا منتظر ، لقد دُهشت عندما رأيت ملاذ أول مرة بعد رجوعي من سفري !
ارتبك منتظر أشدّ الارتباك عندما سمع هذا الاسم لكنهُ حاول جاهداً أن لا يُبدي حقيقة مشاعره فقال :
ـ ولماذا دُهشت يا عم ؟
ـ لقد كبرت هذه الفتاة وصارت جميلة جداً .. لكن ليس هذا ما أدهشني بل هو شيء آخر ، فلم أكن أتصور بأنني سأرجع لأجد ( ابنة حامد ) صاحبي الذي لا يعرف من الدين شيئاً قد التزمت بتعاليم الدين بهذا الشكل ! إن حجابها رائع فهو يضيف لجمالها جمالاً آخر ..
لم يتحمل منتظر أن يسمع هذا الوصف من فارس تجاه ملاذ ، فقال وقد استشاط غضباً :
ـ كفاك وصفاً للفتاة يا عم .. ولا تقل بأنك معجب بها !
ابتسم فارس ثم قال :
ـ أولاً إنها المولودة التي اخترتُ أنا اسمها حين ولادتها كما اخترتُ لك اسمك .. فهي ليست إلاّ الطفلة التي أحببتها وهي صغيرة واحترمتها أشد الإحترام وهي كبيرة ، ثم مالك غضبت هكذا عند تحدّثي عنها ؟ ها !!
شعر فارس بأنهُ سيصل إلى الحقيقة التي يسعى إليها لولا إن منتظر صار أذكى منه هذه المرة فقام وقد أغلق الموضوع بالقول :
ـ لقد تأخر الوقت كثيراً وصرتُ أشعر بالنعاس !
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل الثامن عشر
.
في الصباح كان فارس قد قرر إخبار العائلة بأمر هام ! ففي أثناء اجتماعهم على مائدة الإفطار قال فارس موجهاً كلامه لصاحبه :
ـ ما رأيك يا أبا منتظر أن نقوم بنزهة عائلية إلى شمال البلاد ؟
قال صاحبه وقد أعجبته الفكرة :
ـ اقتراح ممتاز فنحنُ بحاجة فعلاً إلى تغيير الجو .. ما رأيك يا أم منتظر ؟
أبدت الزوجة ارتياحاً لاقتراح الضيف وكذلك الأولاد ..
أكمل فارس :
ـ سأقوم بإخبار حامد حتى يُهيئ نفسه هو وملاذ للذهاب معنا ..
تغيرت الملامح عند تكملة فارس لاقتراحهُ هذا ، قال منتظر وهو أكثر من تغيرت ملامحه !
ـ أظن بأنني لا أستطيع الذهاب .. أعذروني !
صاح فارس :
ـ ماذا ؟! .. أنت بالذات يجب أن تذهب !
قال منتظر وقد استغرب كلام فارس :
ـ ولماذا أنا بالذات ؟!
تلكّأ فارس في البداية ـ فخطتهُ على وشك الفشل ـ ثم قال :
ـ لأنك تبدو كئيباً جداً يا منتظر ، فعملك في ذلك المصنع مُتعِب للغاية وإنك بحاجة إلى إجازة لمدة أسبوع على الأقل .
كان والداه يعرفان سبب اعتذاره عن الذهاب ، فهو لا يريد رؤية ملاذ ولا والدها .
قالت والدته :
ـ دعوا أمر منتظر لي .. أنا سأقنعه !
وفعلاً فما أن دخل منتظر غرفته حتى لحقته وفتحت الموضوع معه :
ـ أنا أعرف يا منتظر لماذا لا تريد الذهاب !
ـ أمي أرجوكِ .. لنغلق الموضوع .
ـ لماذا ؟ لماذا لا تكون هذه فرصة أرسلها الله لإعادة العلاقة بيننا .
ـ لكني لا أريد إعادة تلك العلاقة يا أماه .. أرجوكِ إفهميني !
ـ أنا أعرف إنك خائف من مواجهتك لملاذ بعد كل هذه الفترة .. لكن يا بُني لقد صبرتَ كثيراً وأظن أن الوقت حان لتنال ثمار صبرك .
ـ وأي ثمار هذه يا أماه..؟!
ـ قد يكون والدها أبدل رأيه خلال هذه الفترة أو قد يبدله إذا رآك فيما
أنت عليه الآن من منصب وظيفي ممتاز ومكانة اجتماعية جيدة .. أرجوك يا منتظر دَعْ الأمور تجري كما يريد الله وليس كما تريد أنت !
خرجت الأم من الغرفة وقد أقنعت ولدها بالذهاب وكان الجميع ينتظر النتيجة ، قالت وقد وجهت كلامها لفارس :
ـ سيذهب منتظر وستكون سفرة جميلة إن شاء الله .
طار فارس من الفرح واتجه نحو الهاتف وأدار رقم منزل حامد :
ـ ألو .. السلام عليكم ...
ـ وعليكم السلام ورحمة الله .. مَن فارس ؟
ـ نعم .. نعم يا صاحبي ، اسمع أنت مدعو مع ابنتك للذهاب في سفرة إلى شمال البلاد .
ـ لكن مع من ؟
ـ أنا وكريم وعائلته وأنتما طبعاً .
ـ لكن يا فارس ... قاطعهُ فارس بالقول :
ـ لا تتعذر يا رجل ، لن تستطيع رفض دعوتي ولن تجعلني أرحل من الوطن وأنا زعلان منك !
ـ حسناً .. حسناً ، متى سننطلق ؟
ـ بعد غد إن شاء الله في الساعة الثامنة صباحاً .


* * *

في تلك الساعة من ذلك اليوم كان الجميع قد تهيأ للسفر ، قاد منتظر سيارته العائلية إلى منزل أبي ملاذ بعد أن إتصل بهم الأخير وأخبرهم بأنه وأبنته جاهزين .
وفي تمام الساعة الثامنة كانت سيارة منتظر تقف أمام منزل حامد ، خرج الإثنان بعد أن نزل فارس لاستدعائهما ، صعد الأب إلى السيارة وصعدت ملاذ خلفه ، ألقيا التحية وانطلق الجميع في سفرتهم تلك .
طوال ساعات الطريق كان منتظر صامتاً ولم ينبس بكلمة والحديث كان كلّه للأصدقاء الثلاثة ...
فلقد كانوا في غاية السعادة بعد أن جمع الله شملهم من جديد .
حاول أبو ملاذ أن يتناسى ما فعلهُ بكريم وولده قال موجهاً كلامهُ لمنتظر :
ـ مالك لا تتحدث يا منتظر ، شاركنا في الحديث يا رجل !
ـ اعذرني يا عم ، لا أستطيع التكلم وأنا أسوق السيارة ! فهذا يُربكني جداً ..
ـ لماذا .. هل أنت حديث العهد بالسياقة ؟
ـ نعم بالضبط .
ـ متى اشتريت هذه السيارة ؟
ـ قبل شهرين تقريباً .
بعد ساعات طويلة وشاقة وصل الجميع إلى المدينة المقصودة ، كان الوقت قريباً من الغروب ، وسر الجميع كثيراً برؤية الجبال وشلالات المياه وفي اثناء ذلك ذهب منتظر وفارس للبحث
عن منزل كبير يضمهم جميعاً وبعد بحث ليس بالطويل وجدا ضالتهما ، وصاروا يُنزلون الأغراض إلى داخل ذلك المنزل الجميل الذي يطل على بحيرة كبيرة ..
وبعد أن أخذوا قسطاً قليلاً من الراحة توضأ الجميع ليتجهوا نحو الصلاة فوقت المغرب قد حان ، قال فارس بصوتٍ عالٍ :
ـ ما رأيكم يا شباب أن أُصلّي بكم صلاة جماعة ؟
فرحوا بهذا الاقتراح ما عدا حامد الذي احمرّت عيناه غضباً من فارس ، قال في نفسه : هل يريد إجباري على الصلاة !
وفي حقيقة الأمر لم يرد فارس أن يسبب لصاحبه هذا الإحراج بل إنهُ قد نسى تماماً أن أبا ملاذ لم يصلِّ مرةً في حياته !
بعد دقائق من هذا الاقتراح أدرك فارس ما سبّب لصاحبه من إحراج عندما رآه قد أخرج سيكارة من جيبهِ وأشعلها ثم خرج في الحديقة ليتمشى !
وقف الجميع كباراً وصغاراً خلف فارس في جو إيماني رائع أنساهم تعب السفر وبُعد الطريق .
كانت ملاذ تتمنى أن يقف أبوها معهم بين يدي الخالق ليؤدي تلك الفريضة ، أخذت حسرة طويلة ثم اتخذت
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الفصل التاسع عشر
.
بعد تلك السفرة السياحية التي استمرت عشرة أيام كاملة كان أجملها وأحلاها اليوم الأخير ..
تهيّأ الجميع للعودة إلى مدينتهم ، وقد ساد طريق العودة جو من المرح والسعادة ، كان أخوة منتظر الصغار يرددون بعض الموشحات الدينية والأناشيد التي تتغنى بحب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) وكان منتظر ووالدته وكذلك ملاذ يرددون تلك الأناشيد مع الصغار واكتفى الثلاثة ( فارس وكريم وحامد ) بالتصفيق والمزاح ...
قال أبو ملاذ لمنتظر بعد انتهائهم من ترديد إحدى الموشحات :
ـ ألم تقل إنك لا تستطيع الكلام أثناء السياقة ؟
قال منتظر بصوت مازح : ..
- لقد صرتُ حائراً معك يا عم أصمت فتقول لي : لماذا
تبدو حزيناً ! فأُشارك أخوتي في الإنشاد تعترض عليّ وتستهجن فعلي .. قل لي بربك ما الذي يُرضيك حتى أفعله !
انطلقت الضحكات عالية .. وهكذا فلقد كان طريق العودة يختلف تماماً عن طريق الذهاب لما قد أصاب النفوس من ارتياح شديد بدا واضحاً على الجميع .
رجع كلٌ إلى منزله وعاد فارس إلى منزل أبي منتظر وكانت ملاذ قد اعترضت عليه بالقول :
ـ سيكون مكوثك لديهم أكثر من مكوثك لدينا .. فأين قسمتك العادلة ؟!
قال مبتسماً وهو يودعهما :
-تطلبونني يوماً يا ملاذ .. سأمكثه لديكم قبل سفري بأذن الله .
وفي اليوم التالي لم يتمكن منتظر من الذهاب إلى عمله لشدّة الإرهاق الذي أصابه من طول الطريق وتعب السياقة ، فما أن صلّى فريضة الفجر وأدّى تعقيباتها حتى عاد للنوم ثانية .
وبينما كان ما يزال مستلقياً على فراشه حتى شعر بشيء قد وقع على رأسه قام لينظر فوجد فارس واقفاً بجانب السرير وبيده وسادة ثانية يحاول ضربهُ بها ! قال رافعاً صوته :
ـ ألم يحن الوقت للاستيقاظ يا فتى ؟ ها ...!
ـ آه يا عم .. لو تشعر بالتعب الذي أشعر به !
ـ هيا استيقظ لتتناول فطورك ، فعندي كلام كثير معك .
عرف منتظر ما يريد فارس التحدث به !
وبعد تناوله للفطور ، دخل غرفته فوجد إن فارساً ما يزال فيها .. كان يُقلّب صفحات الكتب الموجودة في مكتبة منتظر فلما انتبه إلى مجيء الأخيرقال لهُ :
ـ أغلق الباب خلفك !
إنصاع منتظر لأمر فارس فأغلق باب الغرفة ثم جلس على السرير ، التفت إليه فارس قائلاً :
ـ هل لي أن أعرف ما الذي حصل لك في اليوم الأخير من السفرة ؟
ـ هل هذا كل ما تريد معرفته يا عم !
ـ تكلّم يا فتى .. هيا !
ـ الحقيقة يا عمي .. إنني تلك الليلة سهرتُ في التفكير بما سببتهُ لملاذ من ألم وحزن أثناء حديثي معها عند البحر حيث رأيتني هناك .. ثم فكرت بأنها جاءت إلى هنا لتروّح عن نفسها ولتخرج من وحدتها القاتلة في ذلك المنزل الذي يخلو إلا منها ومن أبيها .. فكرتُ كثيراً فيما كان يتصرفهُ والدها معها وكيف إنها مُحتاجة الآن ولو لشيء بسيط من السرور ، وكذلك فكرتُ في إنني طوال أيام السفرة كنتُ متوتراً وكئيباً .. حتى إن والديَّ وأخوتي لم يشعروا بلذّة السفرة بسببي .. ولذلك ولأجلكم جميعاً قررت أن أجعل اليوم الأخير هو أحلى أيام السفرة ، وأتمنى أن أكون قد نجحت في ذلك
!
ـ تريد الصراحة يا منتظر ، كان فعلاً أحلى أيام السفرة ، فلقد كان مزاجك رائقاً جداً ولقد شعرتُ بأن ملاذ لم تفرح إلاّ في ذلك اليوم !
ـ هل فعلاً هذا ما أحسستهُ يا عم ؟ أعني هل كانت تبدو سعيدة !
ـ ألم تقرأ هذا الشعور في عينيها يا فتى !
ـ ماذا ... عينيها ! وهل لي الجرأة أن أنظر إلى الجهة التي تجلس فيها هي حتى أتجرأ بعد ذلك وأنظر إلى عينيها !
ـ صحيح يا منتظر ... لماذا كل هذا التحَسس من تلك الفتاة ؟ أرى إنك في بعض الأحيان تحاول تجاهلها ولا أصدّق بأنك ترغب بالزواج منها كما قلت لي!
ـ أما بالنسبة لرغبتي في الزواج منها ... فهذه هي رغبتي منذ سنتين مضت ومازالت تلك الرغبة يا عم ولم تتغير أبداً .. أما مسألة التحسس منها أو من الحديث معها أو حتى النظر إليها فهذهِ مسألة معقدة لا أظنك قادراً على فهمي إن فسرتها لك !
ـ ماذا .. ماذا ؟ غير قادر على فهمك ! ما بك يا فتى ؟ أنا فارس .. أتفهم ما معنى فارس ... فارس الذي لا تخفى عليه حركات الشباب أبداً .. هل فهمت!
ضحك منتظر من طريقة كلام فارس ثم قال :
ـ لم أقصد أن أنتقص منك يا عمي صدّقني .. لكن المسألة تحتاج إلى شرح طويل !
ـ قد أستطيع مساعدتك يا فتى .. هيا تكلم ، كُليّ آذانٌ صاغية !
بدأ منتظر يسرد لفارس قصته تلك وقد بدأها منذ اللحظة التي أخبرهُ أباه بمرض ملاذ وكان لم يتعرف عليها بعد .. ثم صار يتحدث لهُ عن مشاعرهِ عندما رآها أول مرة وكيف إنها لم تعجبهُ أبداً ..!!
حدّثه بعد ذلك عن الحوارات التي دارت بينه وبينها حول الدين والإيمان والحب الصادق العفيف وكيف يجب أن تكون علاقتنا بالله..
إلى أن وصل إلى ما بعد العملية حينما زارها مع عائلته في منزلها وكيف إن مشاعره مُنذ تلك اللحظة قد تغيرت تجاهها تغيراً جذرياً !
قال حينها :
ـ آه يا عم ... منذ أن دخلت علينا الغرفة في ذلك ا
غدا ان شاء الله تعالى ستكون الحلقة الاخيرة من رواية #الإيمان_والحب

منو متحمس للحلقة الاخيرة ؟
الطريق إلى التوبة
Photo
#الإيمان_والحب
.
رويدة الدعمي
.
الحلقة الأخيرة
.
منذ الصباح كان فارس يستعد للاتجاه نحو منزل أبي ملاذ فهو لم ينسَ أنه وعد ملاذ بالمكوث عندهم يوماً إضافياً قبل سفرهِ .
خرج من غرفته التي خصصها كريم لهُ متجهاً نحو غرفة الجلوس حيث الجميع هناك لتوديعه ، وقبل أن يدخل غرفة الجلوس سمع صوت أم منتظر تناديه وهي تقف عند باب المطبخ :
-أخي فارس ..إلتفت فرآها واقفة وتُشير إليه قائلة :
-أرجوك .. قبل أن تدخل إلى الغرفة ، عندي كلام معك !
إتجه فارس نحوها وقد لاحظ علامات الحزن عليها .. قالت بصوتٍ شجي :
-أيها الأخ العزيز .. صدّقني يصعب علينا فراقك فلقد كنت واحداً منّا ولا تزال ، ولقد احبك الأولاد كثيراً وسيحزن الجميع لرحيلك .
أطرق فارس خجلاً من هذا الثناء وهو يردد كلمات الشكر والإمتنان ، ثم أكملت أم منتظر قائلة :
ـ وقبل أن ترحل .. هل لك أن تُسدي لأختك أم منتظر خدمة سوف لن تنساها طول حياتها !
ـ آه .. تفضلي يا أختاه ، أنا خادمكم يا أم منتظر .
ـ أستغفر الله يا أخي .. كلنا خدم وعبيد لله .
ـ ماذا هناك يا أم منتظر ؟ هل يوجد شيء لا سمح الله ؟
ـ إنهُ بخصوص منتظر ، لقد تركته وكان في عمر السادسة عشر تقريباً وعدتَ من السفر وهو في عمر الخامسة والعشرين وهو إلى الآن لم يتزوج كما ترى ..
ابتسم فارس وقال :
-عرفتُ ما يدور في خُلدك يا أُخيّة ! تُريديني أن أتحدث مع حامد بخصوص ابنتهُ ملاذ ومسألة خطوبتها لمنتظر.. صح !
ـ لكن ... كيف عرفت ؟ !
ضحك فارس قائلاً :
-أما عن كيفية معرفتي بالأمر فهو سر لا أستطيع البوح به ! وأما عن حديثي مع حامد بخصوص موضوع منتظر فصدّقيني أنا ذاهب اليوم إليهم من أجل هذا الموضوع !
قالت أم منتظر وقد لمح فارس الدموع في عينيها :
ـ لقد قرأت في كتاب وسائل الشيعة حديثاً عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) عن الذي يسعى في تزويج أخيه المسلم يقول فيه : (( ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظلّ إلاّ ظله ، رجل زوّج أخاه المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم لهُ سراً )) فعسى أن تكون أحد هؤلاء الثلاثة يا أخي فارس ، ستكون أنت أملنا من بعد الله سبحانه وتعالى .. وأظن أن أبا ملاذ وبحكم الصداقة التي تجمعكما معاً وبحكم قُدرتك الكبيرة على الإقناع فأنهُ سيتفهم الأمر ويوافق .
ـ إنها أمنيتي يا أم منتظر ، أن أرى ملاذ ومنتظر وقد جمعهما منزلٌ واحد .
ـ يسمع الله منك يا أخي ! لقد صبر منتظر كثيراً وعسى الله أن يجعل في تدخلك خيراً ونهايةً مباركة لهذا الصبر !
ـ وأنا أظن ذلك إن شاء الله ، لذلك أنا متفائل جداً وسأتوكل على الله في محاولة إقناعه .
ـ إن اقتنع أبو ملاذ فعلاً وحصلت الخطبة ثم الزواج فستكون يا أخي من الذين قال عنهم الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته ( عليهم السلام ) : (( من عمل في تزويج حلال حتى يجمع الله بينهما زوّجهُ الله من حور العين وكان له بكل خطوة خطاها وكلمة تكلمّ بها عبادة سنة )) .
ابتسم فارس ثم قال :
ـ أدعو من الله أن يوفقني لأكون عند حسن ظنكم بي .
بعدما وعد فارس أم منتظر بالتدخّل السريع لايجاد حل لقضية ولدها دخل غرفة الجلوس وصار يُسلّم عليهم مبتدئاً بالصغار الذين كانوا مستاءين جدّاً لفراقهِ وقد ودّعوه بالدموع والقُبلات الحارة حتى وصل إلى منتظر الذي قال محاولاً إخفاء دموعه :
ـ أنا لن أودّعك الآن يا عم لأنني سأرافقك بعد غد إلى المطار كما اتفقنا !
ثم قال أبو منتظر :
ـ وأنا كذلك ! سنلتقي هناك يا فارس بعد أن تتصل بنا يوم غد لتُخبرنا بموعد إقلاع الطائرة ...
ـ ولكن هذا يعني إنكما يجب أن ترافقاني إلى العاصمة .. حيث المطار !
أجاب منتظر بسرعة :
ـ وماذا يعني ذلك ؟! السيارة موجودة .
ثم ضرب على صدره وقال : والسائق موجود !
ابتسم الجميع وقد اختلطت ابتسامتهم تلك بدموع الفراق .. بعد ذلك رافقوا فارس إلى الباب وقد قام منتظر بإيصاله بسيارته إلى بيت حامد حيث سيقضي آخر يوم قبل سفره هناك .

* * *

قضى فارس تلك الليلة مع صاحبه أبي ملاذ بالتحدث في أمور مختلفة لكنهُ لم يتطرق إلى الأمر الذي جاء من أجله !
وفي اليوم التالي حيث لم يذهب فيه أبو ملاذ إلى عمله لأجل قضاء ذلك اليوم مع ضيفه ، كان فارس عازماً على إقناع صاحبه بما يروم التحدث فيه .
قال لهُ وهما يتناولان الشاي :
ـ سأستغل تواجد ملاذ في غرفتها لأسألك يا حامد عن أمرٍ يشغلني كثيراً ..
ـ وما هو يا صاحبي ؟
ـ ما سبب رفضك لمنتظر عندما تقدّم لخطبة ملاذ ؟
ـ أوه ... هل غسلوا دماغك أنت أيضاً ؟
ـ ماذا ؟ غسلوا دماغي ! ثم من هو الذي ( غسلوا دماغه ) قبلي !؟
ـ ملاذ .. ابنتي !
ـ إتّقِ الله يا رجل ، هل لأنهم أنقذوها من الضلالة وجعلوها تُبصر النور .. فيكونون كما وصفتهم !
ـ ماذا تقصد يا فارس .. هل إنني جعلت ابنتي تعيش في ضلالة كل تلك السنوات ؟
ـ للأسف يا حامد ... نعم ! ولا داعي أن أوّضح أكثر فأنت تفهم ما أعني جيداً !
أطرق حامد برأسه إلى الأرض دون رد ، وأكمل ف
◼️من لم يأتي قبر الحسين(ع)◼️

عن الإمام الصادق (عليه السلام):

«من لم يأت قبر الحسين (عليه السلام) حتى #يموت كان منتقص #الدين، منتقص #الإيمان وإن ادخل الجنة كان #دون المؤمنين في الجنة»

📓 بحار الانوار

#كلامكم_نور

⚫️ قناة الطريق إلى التوبة ⚫️
تلغرام: t.me/altauba
فهرس القناة: @fahras_altauba