الطريق إلى التوبة
5.98K subscribers
10.2K photos
388 videos
243 files
5.34K links
قد تركتُ الكُلَّ ربّي ماعداك
ليس لي في غربةِ العمر سِواك...
حيثُ ما أنتَ فـ أفكاري هُناك..
قلبي الخفاقُ أضحۍ مضجعك..
في حنايا صدري أُخفي موضعك..

اي استفسار او ملاحظة ارسلها حصرا على هذا البوت

@altaubaa_bot

فهرس القناة
https://t.me/fhras_altauba
Download Telegram
#دمعة_2

ما هي إلا دقائق وحضرت سيارة الإسعاف، ثم قام أحدهم بفحص نبضي وقال:
《 ما زالَ به نبض ! أسرعوا ! أسرعوا !》
فعلمتُ حينها أنني لا زلتُ على قيد الحياة..

ثم حملوا جسدي ووضعوه في السيارة، كنتُ أراقبُ كامل المشهد من فوق، كطيرٍ يحلق فوق سيارة الإسعاف ! كانَتْ روحي تسيرُ فوق السيارة حتى وصلوا إلى المستشفى !

هرَعَ المُمَرضون والأطباء لإنقاذي، أدخلوني غرفة الإنعاش ووضعوا جهاز التنفس على فمي وأنفي، بينما كان أحدهم يسحبُ من يدي الدم لإجراء الفحوصات الطبِّية، والآخر يُجرِي تخطيطاً لقلبي !

وبينما أنا واقف فوق السرير في زاويةِ الغرفة أراقبُ ما يجري، مِلْتُ ببصري ناحية بابِ المستشفى، فرأيتُ أمي المسكينة تركضُ وتبحثُ عنِّي !
كنتُ أستطيع أن أرى كلَّ شيء من وراء الجدران حتى خارج المستشفى ! لقد كان منظراً غريبا.. رغم كلَّ خوفي واضطرابي كنت أشعر أنني محرر من ثقل جسدي الذي كان يحِّد من حُريَّتي !

ناديتُ أمي المسكينة التي جلست تبكي بحرقةٍ عليَّ، قلتُ لها :
《 أمي ! أمي ! أنا هنا، أنا بخير، أرجوكِ لا تبكي》
أردت أن أقترب منها وأحضنها ! أردت أن أقول لها :
《 أرجوكِ سامحيني ! كم كنتُ سيء الخلق معكِ !》
  لكنها لم تشعر بوجودي ولم تسمعني !

دَنَوْتُ من جسدي فسمعت أحد الأطباء يقول :
《حالته خطِرة ! لقد خسر الكثير من الدماء ! وتعرض لإصابةٍ بالغةٍ في رأسه! لقد فقد الوعي》

كان وَقْعُ هذه الكلمات ثقيلاً عليَّ ! كنتُ فعلاً أخشى أن أموت وأنا على هذه الحال ! لقد ارتكبتُ الكثير من الذنوب وأسرفت على نفسي ! لقد ضيَّعتُ الكثير من الصلوات..

 《 فَمَن يكون أَسوءُ حالاً منّي إنْ أنا نُقلتُ على مثل حالي إلى قبرٍ لم أمهّده لرقدتي، ولم أفرشه بالعمل الصالح لضجعتي؟! وما لي لا أبكي؟! ولا أدري إلى ما يكون مصيري؟! وأرى نفسي تُخادِعُني، وأيّامي تُخاتِلُني، وقد خفقَتْ عند رأسي أجنحة الموت..

 فما لي لا أبكي أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكرٍ ونكيرٍ إيّاي، أبكي لخروجي من قبري عرياناً ذليلاً، حاملاً ثقلي على ظهري، أنظرُ مرّةً عن يميني، وأخرى عن شمالي، إِذْ الخلائق في شأْنٍ غير شأني..》

#دمعة
#يتبع
#دمعة_3

وقفتُ حزيناً أتحسرُ على أيام عمري التي أفنيتُها في اللهو والغفلة، والشهوات واللذات التي آثرتها على طاعة ربي، فيا حسرتي ! هذه شهواتي قد ذهبَتْ لذَّاتها ولم يبقَ لي إلّا تبعاتها !

وقفتُ أنظر الى جسدي المُلقَى على السرير، وقد إجتمع الأطباء من حولي لإجراء عمليةٍ جراحيةٍ معقدةٍ، كنتُ أنظر إليهم بحرقةٍ وأسف، توجهتُ في تلك اللحظات الأليمة والعصيبة إلى الله الواحد الأحد الرحمن الرحيم ودعوته بقلبٍ يعتصرُ ألماً وندماً:

《 يَا رَبِّي.. هَذَا مَقَامُ مَنْ تَدَاوَلَتْهُ أَيْدِي الذُّنُوبِ، وَ قَادَتْهُ أَزِمَّةُ الْخَطَايَا، وَ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، فَقَصَّرَ عَمَّا أَمَرْتَ بِهِ تَفْرِيطاً، وَ تَعَاطَى مَا نَهَيْتَ عَنْهُ تَغْرِيراً، كَالْجَاهِلِ بِقُدْرَتِكَ عَلَيْهِ، أَوْ كَالْمُنْكِرِ فَضْلَ إِحْسَانِكَ إِلَيْهِ حَتَّى إِذَا انْفَتَحَ لَهُ بَصَرُ الْهُدَى، وَ تَقَشَّعَتْ عَنْهُ سَحَائِبُ الْعَمَى، أَحْصَى مَا ظَلَمَ بِهِ نَفْسَهُ، وَ فَكَّرَ فِيمَا خَالَفَ بِهِ رَبَّهُ، فَرَأَى كَبِيرَ عِصْيَانِهِ كَبِيراً وَ جَلِيلَ مُخَالَفَتِهِ جَلِيلًا...

 فَمَثَلَ بَيْنَ يَدَيْكَ مُتَضَرِّعاً، وَ غَمَّضَ بَصَرَهُ إِلَى الْأَرْضِ مُتَخَشِّعاً، وَ طَأْطَأَ رَأْسَهُ لِعِزَّتِكَ مُتَذَلِّلًا، وَ أَبَثَّكَ مِنْ سِرِّهِ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ خُضُوعاً، وَ عَدَّدَ مِنْ ذُنُوبِهِ مَا أَنْتَ أَحْصَى لَهَا خُشُوعاً، وَ اسْتَغَاثَ بِكَ مِنْ عَظِيمِ مَا وَقَعَ بِهِ فِي عِلْمِكَ وَ قَبِيحِ مَا فَضَحَهُ فِي حُكْمِكَ مِنْ ذُنُوبٍ أَدْبَرَتْ لَذَّاتُهَا فَذَهَبَتْ، وَ أَقَامَتْ تَبِعَاتُهَا فَلَزِمَتْ》

وفجأةً وأنا على تلك الحال نُقِلْتُ بروحي إلى مكانٍ كأنَّه بيتنا، نظرتُ وإذا بي أرى نفسي عندما كنت طفلاً صغيراً ألهو في باحة الدار، ثم مرَتْ أمام عينيَّ كلَّ مراحل حياتي وكلّ المشاهد والمواقف التي عشتها أيام حياتي الماضية كأنها صُوِرَتْ من قبل واسْتُنسِخَت بدقةٍ بالغةٍ !

 كنتُ أرى أشياءً عجيبةً ! فهذه التسجيلات لم تكن لأفعالي وتصرفاتي وأقوالي الظاهرة فحسب ! بل اسْتَنسَخَت بشكلٍ عجيبٍ حتى ما يدورُ من أفكارٍ في عقلي وحديثِ نفسي لحظةً بلحظة ! فتذكرتُ عندها قولَ الله سبحانه وتعالى:
{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}
{هَٰذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} !!

وبقيَتْ تمرُ أمام عينيَّ مشاهد حياتي أيام شبابي، وفجأةً ظهر أمام عيني مشهداً كان وَقعُهُ كالصاعقة عليَّ!!

#دمعة
#يتبع
#دمعة

في الحلقة السابقة:

وبقيَتْ تمرُ أمام عينيَّ مشاهد حياتي أيام شبابي، وفجأةً ظهر أمام عيني مشهداً كان وَقعُهُ كالصاعقة عليَّ!!

◀️ #دمعة_4

لقد رأيتُ نفسي في أوائلِ مرحلةِ بُلوغي، وقد دخلتُ غرفتي، وأقفلتُ البابَ على نفسي ! وأخدتُ أتصفحُ صوراً لفتياتٍ سافراتٍ كان قد أغواني بها أحدُ رفاقِ السوء ! وما إن أمعنتُ النَظَرَ في صُورِ تلك السافراتِ حتى رأيتُ أنَّ صُورتِي المَلكُوتيةَ قد تَحوَّلت إلى هَيئةِ خِنزير !! وأصْبَحَت تَفُوحُ مِنِّي رائحةٌ نتنةٌ لم أشُمها في حياتي !! ثم أظْلمَت عليَّ الدُنيا، حتى أصْبَحْتُ في ظلامٍ دامسٍ ! وإذا بإبليس اللعين قد أقبلَ يُحرك ذَيلهُ ويزهو فَرَحاً مِمَا أصَابَنِي ! ثم أَخْرجَ حَبْلاً ولَفهُ حَولَ عُنُقِي وأخَذَ يَجُرُنِي ويَصِيحُ !!

ثم رأيتُ مَشْهداً آخر أذهَلَنِي ! رأيتُ نَفسِي وقد جَلَستُ أُشَاهدُ التِلفازَ وقد حَانَ مَوعِدُ صَلاةِ المَغربِ وأذَّنَ المُؤَذّن، فرأيتُ كأنَّ السَّماءَ قَد انْشَقَّت، وَقَد هَبَطَ الى السَّماءِ الدُّنيا مَلائِكةٌ يَشِعُّ نورُهُم بَيْنَ الأرضِ والسَّماءِ، وقَد تَغمَّدُوا المُصَلينَ بعظيمِ الخيراتِ والبركاتِ مِن رحمةِ الله تبارك وتعالى، ثم رأيتُ أُناساً نُورُهُم يَغْشَى الأبصارَ وقد سَطَعَ نُورُهُم حتى غَطّى أَنوارَ الملائكةِ المُقرّبين ! ثم رأيتُهُم يَعرُجُونَ الى السماءِ ! مِنهُم ساجدٌ ومِنهُم راكعٌ ٌومِنهُم رافعٌ يَدَيهِ تِلقَاءَ وَجهِهِ في حَال القُنُوتِ ! وقد انحَنَى كُلّ المَلائِكة تَعظيماً وإجلالاً لهم حتى عبرُوا السماءَ الدُنيا وعَرَجُوا الى عِلّيين !

ثم نظرتُ الى نفسي وإذا بي ما زلتُ أشاهدُ التِلفازَ غيرَ مُبالٍ لوقتِ الصلاةِ التي ضيّعت فضيلتها ! وكُلمَا مرَّ الوقتُ كنتُ أرى وجهي يزدادُ سَواداً وظُلمةً ! حتى ذهبَ وقتُ الصلاةِ فرأيتُ نفسي قد أصبحتُ بِهيئةِ كلبٍ أسودٍ والدّود يدخلُ ويخرجُ من لَحمِي وجِلدِي ! ورائِحتِي أنتنُ من رائحةِ الجِيفةِ ! فتحسّرت وتألمتُ على تِلكَ الفُرصِ العظيمةِ التي ضَيّعتها والنّعم الإلهية الجسيمةِ التي حُرِمتُ منها ! والظّلم العظيمِ الذي أَلحقتهُ بِنَفسي فتألمتُ وبكيتُ !

ثم رأيتُ مشهداً ملأَ قَلبِي سُرُوراً وأُنساً ! لقد رأيتُ نَفسِي في إِحدَى ليالي الجُمُعة وقَد جلستُ على سَجادَتِي وشرعتُ بقراءةِ القرآنِ، فإذا بإبليسِ اللعينِ قد وَضَعَ أصَابِعَهُ في أُذُنَيهِ وَوَلّى هَارباً مَذعوراً، فكُلّ آيةٍ كنتُ اقرأُهَا كانَت تَتبَعُهُ بلهيبٍ حارقٍ ! ثم رأيتُ نفسي وقد شرعتُ بقراءةِ دُعاءِ كُمَيل والنُور قد غَشِيَنِي، وقد جَلَسَ المَلائكةُ عن يَمينِي وعن شِمالِي يستغفِرُونَ لي ويؤَمّنون على دُعائِي، ثم رأيتُ نفسي وقد سَالَت دُمُوعِي مِن خَشيةِ الله، وقد جَلَسَ ملكٌ كريمٌ بين يَديّ يلتقطُ دُمُوعِي ويغسِلُ بها عظيمَ ذُنوبِي وإِسرَافِي على نَفسِي !

فتَمنَيتُ لو أَني أفْنَيتُ عُمرِي وأنا على تلك الحَال من الذِكر والتَضَرّع والإِستغفارِ، لِما رأيتُ من لذة حُبّ الله، وسِعةِ رَحمَتِهِ، وجَزِيلِ كَرَمِهِ، وعَظيمِ نِعَمِهِ وإِحسَانهِ !

#دمعة
#يتبع
#دمعة_5

بينما كنتُ أقفُ في تلك الحالِ أنظرُ الى أعمالي، أتحسرُ وأتألمُ على كلّ سوءٍ عملتُهُ، وأفرحُ وأستبشرُ بكلّ خيرٍ عملتُهُ، ظَهَرَ أمامي فجأةً شخصٌ نورانيٌ، يشعّ نورُهُ بينَ يديهِ، وأخذَ يقتربُ منّي شيئا فشيئا، كان نُورهُ يجذِبُ القُلوبَ ويسحرُ الأبصارَ، لشدّة جمالهِ وجاذبيتهِ التي لا يمكن للعينِ البشريةِ إدراكُها، ويَعجَزُ الكلامُ عن وصفها !

ثم نظرَ إليّ نظرةً، وتلى عليّ قولَ الله عز وجل {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} !!
قلتُ له بخوفٍ واضطرابٍ شديدٍ:《يا ويلتي ! هل أنا متُ؟》
فأجابني: {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} ! 《إن أجلكَ لم يحِن بعد !》
فقلتُ له: 《أين أنا إذاً ؟ ولماذا فارقَت روحي جسدي ؟》
فأجابني: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} 《إن جسدكَ ما زال حياً، هذا أشبهُ بخروجِ روحِكَ عند نومِكَ، إنّ مشيئةَ الله قَضَت أن تعرُجَ روحكَ إلى هذا العالم بعد تعرُضِكَ للحادثِ ! ولا تسألني عن السبب فعلمُهُ عند ربّي !》

قلتُ له بغصّة ولوعةٍ 《أرجوكَ أيّها الكريم! أعِدني إلى الدنيا ولو ساعةً واحدةً ! أريدُ أن أتوبَ الى الله من ذنوبي وأُكَفِرَ عن سيئاتي ! أخشى أن أموتَ وأنا على هذه الحال، ثم يُؤمَر بي الى الجَحيم ! أسألُكَ بِحقّ محمد وآل محمد (ع) أن تَشفعَ لي !》

عند ذِكرِ محمد وآل محمد (ع) تغيرَ حالهُ ! وارتعَدَت فرائِسُهُ ! وانفَجَرَ بالبكاءِ ثم اختفى من أمامي ! وبينما أنا أقفُ مذهولاً من تصرُفِهِ، اخترقَ نياطَ قلبي صوتُ بكاءِ امرأةٍ ! نظرتُ ناحيةَ الصوتِ فرأيتُ أمي قد جلست على الأرض ودموعُهَا على خدّيها وهي تنادي 《يا فاطمة ! بحق ولدك الحُسين أعيدي إليّ ولدي !》

وبينما أنا أنظرُ اليها وقلبي يعتصرُ ألماً، رأيتُ ملَكاً كريماً قد هبطَ في صفّ من الملائكةِ وجلسَ بينَ يديها، وكان يحملُ كتاباً وقلماً من نور، ثم أخذَ يلتقطُ كلّ حرفٍ تدعو به أمي ويكتبُهُ في ذلك الكتاب ! وما إن أنهت أمي توسُلها ودعاءها وهدأ روعُها حتى قام من بين يديها وحملَ الكتابَ وعرجَ الى السماءِ !

#دمعة
#يتبع
#دمعة_6

كنّا في أيامِ شهرِ محرّم الحرام، أيامِ الحُزنِ والعزاءِ على مُصابِ سيّد الشُهداءِ (ع). كنتُ أعِي أنّنا فِي أيّام عاشوراء، رُغمَ أنّني كنتُ قابِعاً في الغيبوبة ! لكنّ روحي كانت تُبصِرُ مشاهدَ الحُزنِ والسواد الذي يُخيّم على المدينة بأكملها !
كانت عادتي في مثل هذه الذكرى الأليمةِ من كلّ عام أن أشاركَ في مواكبِ العزاءِ على مُصابِ سيّد الشُهداءِ (ع) وفي إعدادِ الولائمِ الحُسينيّة، لكنني حُرِمتُ هذه السنةَ من هذه الفُرصةِ العظيمةِ !

وبينما كُنتُ أقفُ في زاويةِ الغرفةِ فوقَ جسدي أتحسرُ، أشعَلَت أُمي التلفازَ، وكانت القناةُ تبثُ مجلسَ عزاءٍ حسينيٍ، وما إن سمعتُ صوتَ القارئِ ينعَى الحُسَينَ (ع)، حتى انقلَبَت أحوالي ! كأني كنتُ أسمعُ كلّ ذرةٍ حَولي تبكي وتنوحُ على الحُسَينِ (ع) !
فاستَشعَرتُ في روحي الحُزنَ واللوعةَ لمُصَابهِ، لوعةً لا تشبهُ إحساساً من أحاسيسِ الدُنيا ! كأنّ تجرُدِي من عالمِ المادةِ جعلني أتوجهُ إلى الحُسَينِ بكاملِ وجودي ! كنت أصرخُ من أعماقِي 《يا حُسَين !》 حينها لا أعلمُ كيف تغيّر كلُ شيءٍ من حَولِي، لم أرى نَفسِي إلّا وقد أصبحتُ في كربلاء في يوم عاشوراء !

نظرتُ فرأيتُ سيّد الشُهداء (ع) ونُورهُ يشعُ بين الأرضِ والسماءِ وقد اجتمعَ أصحابهُ حولهُ وكان يقولُ : 《إنّ الله قد أذِنَ في قتلكُم اليومَ وقتلي، وعليكُم بالصَبرِ !》 ثُم سلّم رايتَهُ أخِيه أبي الفضلِ العباس (ع) وبينما أنا أنظرُ إليهم إذ أقبَلَت عساكرُ ابن سعد (لعنهم الله) وأخذوا يجولون حولَ مُعسكرِ الحُسَينِ (ع) كانوا بهيئةٍ أبشعَ من هيئةِ القردة والخنازير ! وقد التفت الشياطينُ حولَهم ومنهم من ركبَ الشيطانُ عنقهُ ! ومنهم من وضعَ الشيطانُ أصابعهُ في أُذنَيهِ وغطى بردائهِ عينيهِ حتى جعلهم {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُون}َ !

#دمعة
#يتبع
#دمعة_7

وبينَما أنا مدهوشُ من هول ما أرى، هبَّت رياحٌ رمليةٌ حارةٌ في وَجهي، حاولتُ النَّظَرَ بتَمعُّنٍ فرأيتُ خيولَ عُمَر بن سعد تَجولُ حولَ خيام أهل بيت الحسين (عليهم السلام)..
ثمَّ أطرقَ مَسامعي صوتٌ لمْ أسمعْ أرقّ منهُ في حياتي ! كان يدعو الله تعالى، بكلماتٍ تخترقُ روحي وتنبتُ الأملَ والرجاءَ في فؤادي ومن دون أن أشعر رحتُ أتمتمُ معه بالدعاء : 《 اللّهُمَّ اَنْتَ ثِقَتي في كُلِّ كَرْبٍ وَرَجائِي في كُلِّ شِدَّة، وَاَنْتَ لي في كُلِّ اَمْرٍ نَزَلَ بي ثِقَةٌ وَعُدَّة، كَمْ مِن هَمٍ يَضْعُفُ مِنهُ الفُؤاد وَيَقِلُّ فِيهِ الحِيَل وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّديق وَيَشمَتُ فِيهِ العَدوُّ اَنْزَلتُهُ بِك وَشَكَوتُهُ اِلَيْك رَغبَةً مِنّي اِلَيْك عَمَّنْ سِواكَ فَفَرَّجْتَهُ وَكَشَفتَهُ فَاَنْتَ وَليُّ كُلِّ نِعْمَةٍ وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ وَمُنْتَهىٍّ كُلِّ رَغبَة》

وبينما أنا على هذه الحال من الخشوعِ لله وتفويضِ أمري إليه، انجلتِ الرياح فرأيتُ الإمام الحسين (عليه السلام) رافعاً يديه إلى السماء ويدعو الله تعالى بهذه الكلمات.

فجأةً قطعَ ذهولي بجمالِ الإمام وهيبته صوتٌ قبيحٌ ومزعجٌ من ناحيةِ جيش عمر بن سعد، لقد كان شمر بن ذي الجوشن لعنه الله وهو يجول حول خيام أهل بيت رسول الله ويتطاول في كلامه على إمام زمانه،
ثم سمعتُ مُسلم بن عوسجة (رض) يستأذنُ الحسين (عليه السلام) قائلاً: 《يا بن رسولِ الله، جعلتُ فِداك! ألا أرميه بسهمٍ؟ فإنه قد أمكنني وليس يسقط مني سهم، فالفاسق من أعظم الجبارين..!》

هدأَ غيظُ قلبي عندها! وردّدتُ في نفسي : نعم يا مولاي! إئذن له! إنها الفرصةُ المناسبة! سيدي هذا الذي يُفجعُ يتاماك.. سيدي هذا الذي يحزُّ رأسكَ الشريف! سيدي هذا الذي يضربُ ويسبي أختَكَ الحوراءُ زينب (عليها السلام).. وأنا والله أعلمُ أنك تعلمُ ذلك سيدي..

لكن جواب الحسين (ع) أذهلني عندما أجابَ مُسلم بن عوسجة : 《لا تَرمِه، فإني أكرهُ أن أبدأهُم بقتال》

أطرقتُ بوجهي إلى الأرض خجلاً وقلتُ في نفسي : لا عجب! فهذه أخلاقكم أهل بيت النبوة ! رَكبَ الحسين (عليه السلام) راحلته وتوجّه إلى القوم وخطبَ فيهم، فحمدَ الله وأثنى عليه وذكرَهُ بما هو أهلُه، وصلّى على محمد وآل محمد وعلى ملائكة الله وأنبيائه بمنطقٍ لم أسمعْ أبلغَ منه في حياتي، ثم قال (عليه السلام) :
《.. أَمَّا بَعْدُ، فَانْسُبُونِي فَانْظُرُوا مَنْ أَنَا، ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ وَ عَاتِبُوهَا فَانْظُرُوا هَلْ يَصْلُحُ لَكُمْ قَتْلِي وَ انْتِهَاكُ حُرْمَتِي؟ أَلَسْتُ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ وَ ابْنَ وَصِيِّهِ؟! .. أَوَلَمْ يَبْلُغْكُمْ‏ قَوْلٌ مُسْتَفيضٌ فيكُم أنَّ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) قَالَ لِي وَ لِأَخِي: "هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ"؟! 》

كانَ الألمُ في تلكَ اللحظاتِ يَعتصرُ قلبي لأنني شعرتُ أنّ الحسين (عليه السلام) يوجّه كلامَهُ لي وليس فقط لجيش ابن زياد! فلماذا أرى أنا هذا الموقف وأسمعُ هذه الكلمات ؟؟! كأني قد آذيته بشيءٍ وأرادَ منّي أن أراجعَ نفسي ؟؟!

#دمعة
#يتبع
#دمعة_8

تساءلتُ في نَفسِي تُرَى ماذا تُريدُ مِنّي يا مَولايَ يا حُسَين ؟ لماذا أتيتَ بِرُوحِي إلى كربلاء يومَ عاشوراء ؟ هل لتَرَى هل أكونُ من أنصاركَ أم مِن أعدائكَ ؟ أنا الذي كنتُ ألطمُ الصدرَ والجبينَ وأذرفُ الدموعَ لمُصَابكَ ! وأُرَددُ 《يا ليتنا كنا معكم سيدي فنفوز فوزًا عظيما !》 تُرى هل أردتَ أن تختبرَ صِدقِي ؟

أردتُ أن أُقبِلَ إِليهِ ! أجثو بين يديهِ ! وأذرفُ دموعي على قَدميهِ وأنادي 《رُوحِي فداك يا إمامي يا حُسين !》 لكنني وجدتُ نفسي مقيداً بالسلاسلِ والأغلالِ ! عاجزاً عن الحركةِ والكلامِ ! لقد كنتُ محجوباً عن الحُسَينِ (عليه السلام) !

ثم تَرآءى أمامَ عينَيّ أربعة رجالٍ عليهم أغلالٌ كأغلالي ومقيدينَ بسلاسلَ من حديدٍ كالتي قيّدتي ! ورأيتُ مولايَ الحُسَينَ (عليه السلام) قد تقدمَ ناحيةَ هؤلاءِ الأربعةِ الأشقياءِ ثُم ناداهُم بأسمائِهم !

يا شبث بن ربعي! يا حجار بن أبجر!
يا قيس بن الأشعث! يا يزيد بن الحارث!

《ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعتِ الثمارُ وأخضرَ الجنابُ وإنما تقدمُ على جندٍ لك مجندٍ فأَقبِل؟》

وقفتُ أنظرُ إليهم لأرى ماذا سيُجيبون ؟! فإذا بهم يُجيبونَ مِن بين سلاسلِ حُبّ الدُنيا وأغلالِ الشياطينِ والذنوبِ 《لم نفعل !!》

وقفتُ حينها مذهولاً ! وقلبي يرتجفُ خوفاً ! أنظرُ تارةً إلى قُيودِهم وسوءَ موقفهم ! وتارةً أنظرُ إلى قُيودِي ! كيف أوصلتُم أنفسَكُم أن كذّبتم إِمَامَكُم وخالفتُم بَيعتكُم وهذه رسائلُكم حِبرُهَا لم يجفّ بعدُ !! عندها أدمى قلبي جوابُ الإمام الحُسَينِ (عليه السّلام) لهم 《بلى والله قد فعلتُم !》

نظرتُ إلى نَفسِي وقلبي يعتصرُ ندماً ! فأينَ أوصلتُ نفسي ؟ أنا الذي أدّعي حُبّ إمامَ زماني (عج) وأنتظرُ ظُهورَهُ سَتحجُبُنِي عنه ذُنوبِي وسأتَخَلَفُ عن نصرتهِ ! كأنك أردتَ أن تقول لي يا إمامي {لو كنت مكانهم لخذلتني وكذّبتني ! } فهم قد راسلوكَ أن أقبل يا بن رسول الله ثم خذلوكَ !!

عندها وأنا على تلك الحالِ سمعتُ كلمةً من الحُسَينِ (عليه السلام) أدمت قلبي ! وهزّت كياني ! لقد سمعتُهُ يقولُ: 《وكُلّكم عاصٍ لأمري !! غير مستمعٍ قولي!!》فشعرتُ كأنّه بتلك الكلمةِ قصدني فأردتُ أن أصرُخَ من أعماقِ قلبي 《أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليهِ !》 لكنني لم أستطع !
في تلك اللحظةِ ظهرَ نورُ شابٍ يشبهُ نورَ أولياءِ الله قد شعّ نورهُ من بين جنودِ عمر بن سعد (لعنه الله)! تقدمَ قليلاً ثم وقفَ ! رمقني بنظرةٍ ! لقد رآني ! كأنهُ أرادَ أن يقولَ لي شيئاً ! لكنهُ لم يقل ! بل طأطأ رأسهُ وسار نحو مُعسكرِ الحُسَينِ (عليه السلام) !!

#دمعة
#يتبع
#دمعة_9

بقيتُ أحدّقُ بهذا الشابّ النّوراني الذي أقبلَ من ناحيةِ الأعداءِ متسائلاً: من هو يا تُرى؟ ماذا سيفعل؟
صاحَ أحدهم منادياً إيّاه :《ماذا تُريد أن تصنعَ يا حُرّ ؟ أتريد أن تحمل؟ 》
فلم يُجبهُ بل وضعَ يَدَهُ على رأسهِ مُطأطئاً بوجههِ إلى الأرض، ومشى نحو الحسين (عليه السلام) بحياءٍ وخجلٍ وقد قَلَبَ ترسَهُ، فعلمتُ حينها أنه الحُرّ بن يزيد الرّياحي (رض).

وما إن نطقَ الحُرّ (رض) بهذه الكلمات :
《للّهمّ إليك أنَبْتُ! فتُبْ عَلَيّ! فقد أرْعَبْتُ قلوب أوليائك وأولاد بنتِ نبيّك》
حتّى رأيتُ نوراً شعَّ بين الأرضِ والسماءِ، ففهمتُ أنَّ هذا النور العظيم هو بابُ التوبةِ الذي فتحَهُ الله برحمته لعبادهِ العاصين.

رحتُ أراقبُ حركاتِهِ وأفعالِهِ لَعلّي أحظى بسبيلٍ إلى التوبةِ كما مَنَّ الله تعالى عليه.
دَنَا من الحسين (عليه السلام) وسَلَّمَ عليه، ثُمَّ خَرّ إلى الأرضِ باكياً نادماً مُتذلّلاً بين يدي أبي عبد الله (عليه السلام) وهو يقرّ بذنبِهِ ويقولُ بحرقةٍ :
《جُعلتُ فداك يابن رسول الله! أنا صاحبك الذي حَبستك عن الرّجوع وسايَرْتُك في الطّريق وجَعْجَعْتُ بك في هذا المكان.. وإنّي تائبٌ إلى الله ممّا صنعت! فتَرى لي توبة؟!》

إختنقتُ بعَبرتي، لقد علمتُ الآن لماذا أتيتُ إلى هنا ! فذنبي لا يَختلف عن ذنبِ كلّ هؤلاء القوم الذينَ قَطَعوا الطريق على الإمام الحسين (عليه السلام)!
نعم ! فأنا في كلِّ يوم أقطعُ الطريقَ عليكَ يا صاحبَ العصرِ والزمانِ (عليك السلام) وأمنعُكَ مِنَ الظّهور! بسببِ ذنوبي وغَفلتي وتَعلُّقي بشهواتي أحبِسُ الفرجَ عنك يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)!!
قلبي مَعَكَ وأناديكَ بين الحين والآخر : 《العجلَ العجلَ يا مولاي يا صاحبَ الزمان!》
ثُمّ ما ألبَثُ حتّى أُشهِر سيفَ المعاصي بوجهِكَ ! واحسرتاه! كيف وضعتُ نفسي مَوضعَ أهلِ الكوفة !! أما تَرى لي من توبةٍ يا بقيةَ الله قبلَ فواتِ الأوانِ؟!

فسَمعتُ حينها ردّ الحسين (عليه السلام) للحُرّ مُبشّراً إيّاه بصدرٍ رحبٍ:《نَعَمْ يتوبُ اللهُ عليكَ ويغفرُ لك!》
زادَ بقولِهِ رجائي وعزمتٌ على التوبةِ الصادقةِ لكنّي ما زلتُ مقيداً بقيودٍ كثيرة !

كان واضحاً لي أنّها قيودُ الدنيا ! ليتَني كنتُ بصيراً وواعياً ولم أغفلْ عن حقيقتها! ليتَني ما ضيّعتُ عمري في اللهو واللغو وعلى مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، ليتَني لم أستسلم لشهواتي، ليتَني كنتُ بارّاً بوالديَّ، ليتَني ما ضيَّعتُ صلاتي.. ليتَني.. ليتَني.. وبدأَ الألمُ يعتصرُ قلبي والسلاسلُ تضغطُ على جَسَدي فَلَم أعرف سبيلاً للخلاص ممّا أنا فيه..

عندها رأيتُ الحُرّ (رض) رَفَعَ بَصرَهُ إلى السَّماء وتَمتَمَ ببعضِ الكلماتِ ثُمَّ تَقدم يُقاتلُ بينَ يَديّ أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ! قِتالَ العاشق الذي تَخلَّى عن كلِّ شيء محبةً لله وأوليائه ! حتَّى فاضَت روحُهُ الشّريفة بين يدي الحسين (عليه السلام) !

لقد هَزَّ هذا المشهدُ كياني فتوجّهتُ حينها من صميمِ قلبي إلى مولايَ صاحبَ العصرِ والزمانِ روحي له الفداء، وصَرختُ بأعلى صوتي بألمٍ وحسرةٍ يلفُّها رجاءُ التوبةِ والغفرانِ منادياً :
《 يا صاحبَ الزمان !! بحقِّ جدِّكَ الحسين المقتول عطشاناً في أرضِ كربلاء !! هل تَرَى لي من توبةٍ بين يديك يا مولاي ؟؟》

#دمعة
#ترقبوا_غدا_الحلقة_الأخيرة
#عظم_الله_أجوركم
#دمعة_10

مَا إِن عَلَتْ صَرختِي بالتوبةِ متوسِلاً بالحُسَينِ (عليه السلام)، حتى تََكسَّرت كلُّ السلاسِل التي كانَت تُقيِّدني واخْتَفَتْ، وتغيَّر كُلُّ شيءٍ مِن حَولي، فكانَتْ السَّماء مُحْمَرَةً تَشوبُها غيومٌ سَوْداء، والهُدوءُ الصَّامتُ يَعُّمُ المكان، ثُمَّ أَبْصَرَتْ عيْنايَ منظراً مَهُولاً لا يحتملُه قلبُ إِنسان، أجسادٌ مَطروحةٌ على الرِمال والدِماءُ في كلِّ مكان، رماحٌ تخترقُ أجسامَ شهداءٍ وُجوهُهم كالبُدورِ السَّاطعة، كان مشهداً أليماً، أدركتُ حينَها أنَّ ما وصلنَا من كربلاء وهَوْلِ الفاجِعة لم يكن إلَّا القليل!

وإِذا بي أسمعُ صوتَ أنينٍ خافتٍ حزينٍ، مِلْتُ بِطَرفي ناحيةَ الصوت، فَرأيْتُ الحُسَيْن (عليه السلام) يقومُ من مصرعِ شهيدٍ يسطعُ من وجهِهِ النورُ لكنَّه مقطوعُ الكَفَّيْن! والسهمُ نابتٌ في العين! وقُربةُ ماءٍ مُمَزقةٍ بجانبِهِ قد غَرِقَتْ بدمائِه.. أفجعَ المشهدُ قلبي! ثُمَّ مَشَى الحُسَيْنُ (عليه السلام) وحيداً فريداً يُكَفْكِفُ دموعَ عيْنَيْه بكُمِّه! ثُمَّ نادى بصوتٍ وصلَ صَداهُ إلى السَّماء :
《 أمَا مِن ناصرٍ ينصرُني ؟!》

تقطَّع قلبي في هذه اللحظةِ الأليمةِ، وإنهمَلَتْ مِن عَيْنِي دمعةٌ ساخنةٌ سَالَتْ على خدِّي، ونظرتُ الى الحُسَيْنِ (عليه السلام) وبقلبٍ مُنكسِرٍ حزينٍ ناديتُهُ : 《 لَبَيْكَ يا حُسَيْن !!》

وفجأةً في تلكَ اللحظةِ انكشَفَتْ كلُّ الحُجُب عنِّي فَرأيْتُ بجانبِي صفوفاً من الأرواحِ من الأولينَ والآخرينَ يَقِفُونَ كمَوقِفِي ويُلَّبُون الحُسَيْن (عليه السلام) بِصَوتٍ واحدٍ 《لَبَيْكَ يا حُسَيْن!》

وبينَمَا أنا مُنْدَهِشٌ مِمَّا رأيتُه، سطعَ نورٌ قويٌّ في عَيْنَيّ، وسمعتُ إمرأةً تُنادي باكيةً :
《 لقد إِستيقظ! لقد إِستيقظ ببركةِ سيِّد الشُهداء (عليه السلام) !! 》
فتحتُ عينايَ وإِذَا بي أرَى نفسي مُحاطاً بالأطباءِ، وأُمِي واقفةٌ فوقَ رَأسِي والدُموعُ تنهمرُ من عيْنَيْهَا، وصَوتُ التلفازِ في الغرفةِ يَعلُو بمَجلسِ العَزاءِ على مُصَابِ سَيِّد الشُهداء (عليه السلام)، وشعرتُ في تلكَ اللحظةِ بسخونَةِ الدَّمعةِ على خَدِّي !!

كانَ لِسانُ حالِي في تلك اللحظاتِ : 《لِماذا أَرْجَعتُمُونِي من ذلك المكان ؟! لِماذا لَمْ تَترُكُوني في كربلاء؟! لِماذا حَرَمْتُمُونِي من الشهادةِ بين يَدَيّ الحُسَيْن (عليه السلام) ؟! 》

بعدَ هذِهِ الحادثةِ، بَقيتُ فترةً طويلةً في الفراشِ مغموماً مهموماً مُتألماً من مُصابِ أبِي عبدالله الحُسَيْن (عليه السلام)، ومنذُ ذلكَ الحين إِنقلَبَتْ أحوالِي، وإلتزمْتُ بعهدِي مع ربِّي وأهلِ البَيْتِ (عليه السلام) بهجرانِ جميعِ المعاصي والذُنوب، ولَمْ أترُكْ يوماً زيارةَ عاشوراء، فقد كانت نجاتي ببركةِ هذهِ الدمعةِ على سيّدِ الشُهداءِ (عليه السلام) !

وعملتُ جاهداً في إصلاحِ نَفسِي ومُراقبَتِهَا وسعيتُ لتقويةِ علاقتي مع إمامِ زماني (عج) حتى مَنَّ الله عليَّ برضاه (عج) عنِّي !

نعم ! إنّ الحُسَيْنَ (عليه السلام) لمَّا نادى يومَ عاشوراء 《أَمَا مِن نَاصِرٍ يَنْصُرُنِي》 كان يعلمُ حينها أنّه لم يكُنْ هناك من ناصرٍ حاضرٍ بِجَسَدِهِ لِيَنصُرَهُ، لكنهُ أرادَ أن يُوَجِهَ هذا النِدَاءَ إلى الأجيالِ القادمةِ، إلَيْكُم ! إلى كلّ شيعي، إلى كلّ شابٍ وفتاةٍ !!
وأنتُم من يُقررُ إِمّا تلبيةُ نداءِ الحُسَيْنِ (عليه السلام) ونُصرَتِهِ أو خِذلانِهِ بذنُوبِكُم كَمِا فعلَ مُعظَمُ أهلِ هذه الدُنيا !!

#دمعة
#الحلقة_الأخيرة
#أعظم_الله_أجوركم