الطريق إلى التوبة
6.05K subscribers
10.2K photos
388 videos
243 files
5.34K links
قد تركتُ الكُلَّ ربّي ماعداك
ليس لي في غربةِ العمر سِواك...
حيثُ ما أنتَ فـ أفكاري هُناك..
قلبي الخفاقُ أضحۍ مضجعك..
في حنايا صدري أُخفي موضعك..

اي استفسار او ملاحظة ارسلها حصرا على هذا البوت

@altaubaa_bot

فهرس القناة
https://t.me/fhras_altauba
Download Telegram
#مشكاة_عشق /١٧...

_مهدي ماذا فعلت بماريا ؟
خاطب بروفسور البرت مهدي وشبحُ ابتسامة يلوح على وجهه .
اطرق مهدي برأسه عندما تذكر ذلك اليوم الذي التقى فيه بماريا وكم قضى ساعات طوال يفكر بما سيحدث لو التقاها مجددا :
_ ماذا تقصد يا استاذ؟
_لا شيء ، و الان اخبرني ما رأيك بما رأيته و سمعته منها ؟
_اعجبني جدا التنظيم و الدقة في ادارة الملفات .
_ جيد ، يتوجب عليك الان ان تطلع اسبوعيا على ملفات جديدة و ستكون الاخت ماريا مسؤولة عن شرح اي متعلقات تخص القضايا المطروحة امامك .
همس مهدي :
_ كم سيستمر هذا الامر ؟
_ ربما شهرين او ثلاث .
فكر باضطراب ، يارباه هل عليَّ ان التقيها اسبوعيا لمدة شهرين :
_ اعنّي على نفسي يارباه ماعساي افعل دون عونك يارب لا تصيرني للفتن غرضا.
_ مهدي ماذا بك ؟ اخبرني عزيزي ما بال لونك قد تغير، هل تشكو من امر ما؟
خاطب بروفسور البرت مهدي بحنو ، لقد احبه جدا حتى بدء يشعر بأنه ابنه وقد كان متفاجئا من هذا، فهو انسان عملي ولا مكان للعواطف في تعامله مع طلبته و لكن مهدي فرض نفسه بقوة و لم يجد بُدا من تحاشي التعلق به .
ابتسم بضعف و هو يحاول ان يبدو على ما يرام امام نظرات استاذه الثاقبة :
_ لاشيء استاذ فقط التعب و الارهاق بسبب البعد عن الاهل و الوطن ، ناهيك عن الانهماك في الدراسة .
عاد الى السكن الداخلي وما ان دخل الى حجرته حتى رمى جسده المتعب على السرير و انغمس بين احضان وسادته مطلقا العنان لدموع كبتها لمدة طويلة ، شعر بوحدة رهيبة وكأنه الوحيد الذي يحيا على وجه الأرض .

شهقات طفولية متناوبة جعلت انفاسه مضطربة و لم يقوى على التنفس ، توجه الى الحمام بخطوات متثاقلة وما ان لامست برودة الماء وجهه الغض اعادته الى وعيه .
وقف امام مرآته و نظر الى عينيه التي احمرت جفونها واثار البكاء احاطتها بهالة حزن والم :
_ مهدي ما عساك فاعلا ؟ ستكون معركة عنيفة .
وكعادته لاذ بالتوسل والدعاء :
_ الهي اعني على نفسي وهواها الهي عدوي امامي و اعلم بوجوده و لكني لا اراه كان و لازال و سيظل في صراع دائم معي فلا تذرني وحيدا في مواجهته و كن درعي و حصني .. قوني بقوتك يا قوي يا عزيز .


#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق /١٨ ...

بدا الجو غائما فقد اختفت الشمس خلف السحب الرمادية التي تناثرت في السماء منذرة بيوم ماطر ، تناول مهدي مظلته و حمل حقيبته و خرج مسرعا ، فاليوم موعده مع الاخت ماريا .
عند دخوله الى مقر الرعاية الاجتماعية جال بنظره في ارجاء القاعة و لكنه لم يجدها فجلس على احد الكراسي بأنتظارها مرت نصف ساعة و لم تحضر ، ففكر :
_ ياترى هل غضبت مني بسبب لقائنا الاول و لن تحضر اليوم .
لا يدري لِمَ اصابه الغم لهذا الخاطر فقطب جبينه لا اراديا ، و لكن سرعان ما انفرجت اساريره عندما رأها تدخل من الباب متجهة نحوه .
حاول ان يسيطر على انفعاله فقد بدا عليه السرور لرؤيتها .
تكلمت ماريا بهدوء :
_ اسعدت صباحا يا سيدي ، اعتذر لتأخري و لكن الطريق كان مزدحما .
_ لابأس لم تتأخري كثيرا هل نجلس على تلك الطاولة ؟ و اشار اليها بالجلوس .
اخذ نفسا عميقا و خاطبها بروية :
_انسة ماريا ، اود الاعتذار عن تصرفي معك في المرة السابقة و ارجو ان تقبلي اعتذاري .
ابتسمت و فكرت انها فرصة سانحة لتطلب منه مرة اخرى ان يكون دليلها في رحلة بحثها :
_ سأقبل اعتذارك و لكن بشرط .
_ و ما هو ؟
_ ان تكون دليلي في رحلة بحثي عن حقائق دينكم .
هذه المرة لم يرفض طلبها، فاتمام دراسته مقترن بهذه اللقاءات فَلِم لا يستغلها في ارشاد هذه الراهبة الى حيث النور الساطع لدين الحق و العدل و الاخلاق .
_ و هو كذلك .
لم تصدق ما سمعته و اتسعت ابتسامتها حتى طالت عيناها :
_ شكرا لك شكرا جزيلا ، لا تعلم مدى سعادتي في هذه اللحظة انتظرتُ طويلا لِأجد من يرشدني الى معرفة خفايا هذا الدين و لطالما كانت اللغة عائقا في الحصول على اجابات شافية لما يدور في ذهني من تساؤلات و شبهات ، وعندما اصغيت لكلامك في اللقاء السابق علمت انك ضالتي لانك تتقن الانكليزية وانا افهمك تماما عندما تتحدث معي .
تراقص شبح ابتسامة على زاوية فمه و ردَّ بهدوء :
_ سأعمل على وضع جدول اسبوعي من اجل الرد على هذه التساؤلات بأذن الله ، والان هل نبدء بمناقشة القضايا ؟
_ أجل بالتأكيد .
بعد ان ناقشا عدة ملفات خرجا من المبنى و تبادلا التحية على امل اللقاء في اقرب وقت ممكن .

#يتبع
#لارواحكم_النور
#مشكاة_عشق /١٩...

في تلك الليلة لم يغمض لماريا جفنا ، كان يحدوها الامل لأنها ستتمكن اخيرا من طرح الشبهات التي تدور في خلدها وتقضي مضجعها فقد التبس عليها الامر كثيرا لما لمسته من تناقض واضح بين ماعايشته من خُلق اصدقائها الرفيع من المسلمين وبين ماتشاهده في الاعلام من مشاهد مرعبة لما يجري حول العالم من قتل وقطع للرؤوس واعتداءات متكررة على الانسانية و ابطال هذه المشاهد هم ذوي الملابس السوداء واللحى الطويلة والوجوه التي تثير القشعريرة وتملأ النفس بالاشمئزاز ، هل يُعقل ان يكون هؤلاء من المسلمين ؟!
لقد ظلتْ ولوقت طويل تبحث عمن يشرح لها ما يجري حقا كانت تعلم بأن هنالك خللا ما وانه يستحيل ان يكون هؤلاء القتلة المجرمين هم من يمثل الاسلام الحق .
فكرت بمهدي و همست لنفسها :
_ اشكرك ايها الرب فأنا اعلم ان صلواتي أُستجيبت و انك ارسلت مهدي اليَّ لانك تريد ان ترشدني للنور و الحق ، و هو من سيأخذ بيدي في مسيرتي هذه .
قطع افكارها رنين الهاتف :
_ أُسعدتِ مساء يا انسة .
تسمرت عندما اصغت لصوت مهدي عبر الهاتف و اجابت بهدوء :
_ أُسعدتَ مساء سيدي .
_ ارجو المعذرة اعلم بأن الوقت متأخر ، حصلت على رقم هاتفك من استاذ البرت ، بما انه غداً يصادف عطلة نهاية الاسبوع فكرت ان تأتي الى الجامعة فما رأيك ؟
كادت ان تطيرَ فرحا و اتجهت بنظرها الى الاعلى وشكرت الرب بصمت :
_ اجل يسرني ذلك كثيرا .
ابتسم و هو يصغي لكلماتها ونبرة صوتها التي عكست فرحها وحماستها، فعلم مدى اهتمامها و جديتها في البحث عن الحق و دعا الله ان يوفقه الى ارشادها .
_ حسنا اذا سأكون بأنتظارك ، صمت قليلا ثم اردف بلغته العربية المحببة :
_ في امان الله .
خفق قلبها لكلماته ودمعت عيناها فحاولت ان تكرر ماسمعته لتوها وبصعوبة بالغة اجابته :
_ في امان الله .

#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق / ٢٠ ...


كانت ماريا في قمة حماسها ونشاطها وهي تنزل الدرج متوجهة الى بوابة الدير الرئيسة وما ان وضعت يدها على مقبض الباب حتى سمعت صوت الاب جوزيف :
_ الى اين يا ماريا انه صباح السبت ولايزال الوقت مبكرا ؟
التفتت الى حيث يقف الاب فاحمرت وجنتاها حياء عندما شاهدت ابتسامته الحانية :
_ اسعدت صباحا يا ابتِ ، سأذهب الى الجامعة .
نظر اليها باستغراب :
_ ولكن ماذا ستفعلين هناك في هذا الوقت انها عطلة نهاية الاسبوع ؟!
احتارت في اخبار الاب عن مهدي او الاحتفاظ بالامر سرا ، تأملته قليلا ثم قررت انه يتوجب عليها اخباره بكل شيء فهو الوصي عليها منذ صغرها وبالتأكيد سيفهم ماستخبره به :
_ انا على موعد مع المحامي الشاب مهدي .
استرسلت في حديثها واخبرته بكل شيء كان يصغي وعلامات الاضطراب ترتسم على وجهه المجعد ويده تقبض بقوة على صليب مسبحته الخشبية الطويلة ، لم تكن ملتفتة لانفعالات الاب حتى قاطعها :
_ هذا يكفي ياماريا .
_ ولكن ما بك ياابتِ لم تبدو مضطربا هكذا ؟!
شحب وجهه :
_ لستُ على مايرام يا صغيرتي خذيني الى مكتبي بسرعة .
_ حسناً يا ابت سامحني ارجوك انااسفة لم اتصور ان حديثي سيزعجك هكذا .
امسكت بيده واصطحبته الى اخر الممر حيث مكتبه ، كانت خطواته متثاقلة وخشيتْ ان يصاب بالاذى ، فتحت الباب وتوجهت به ناحية الاريكة وساعدته ليستلقي عليها وغطته بمأزره الصوفي :
_ ابتِ سأنادي الاب يوحنا واعود على الفور .
امسك بيدها وطلب منها ان تجلس على الكرسي بجانب الاريكة :
_ اجلسي لست بحاجة ليوحنا الان انا احتاج ان اتحدث معك يا صغيرتي ، سأسألك سؤالا واضحا ولا اريدك ان تتسرعي بالاجابة .
اومأت برأسها :
_ ماريا لماذا تبحثين عن حقيقة الاسلام ؟ لنفترض جدلا انك اهتديتِ لحقيقته على يد هذا المحامي ، ثم ماذا ؟

#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق /٢١....

ارتبكت مشاعرها فجاءة واخذت تتأمل وجه الاب وكأنه فتح لها بابا كانت تخشى ان تقترب منه ، ثم ماذا بعد الحقيقة ؟
_ ماريا ، هل انت بخير ياعزيزتي ؟
_ لا ادري يا ابتِ انا حقا لا اعلم ماذا اريد بعد الحقيقة .
مد يده لها فامسكت بها وغرق كفها الغض الناصع البياض في كفه التي خطت عليها السنون تجاعيدا دقيقة بدت كأنها دروب لا بداية لها ولا نهاية :
_ في مرحلة ما من عمري وبالتحديد بعد ان خضت في اللاهوتية واعماقها التي لايمكن سبر غورها اخذتْ الحقائق تتشابك عندي وشعرت بأني اتوه في اروقتها شيئا فشيئا ، كنت مثلك ابحث عن الحقيقة .
ازداد ضغط يده على كفها دون ان يشعر فعلمت ان الذكريات التي داهمته مؤلمة فحاولت ان تخفف عنه :
_ ابتِ اهدئ ارجوك لا بأس عليك اعتذر لاني اثرت ذكرى موجعة .
لم يكن مصغيا لما تقوله فقد كان شريط الماضي يستعرض احداثه امام ناظريه :
_ عندما اكتشف كبير الاساقفة اني ابحث عن حقيقة الاسلام في كتبنا الاثرية نهرني بقوة وطلب مني ان اتوقف عن نبش النسخ القديمة للكتاب المقدس وهددني بأني سأتعرض للحرق اذا ما تماديت في بحثي ، كنت يافعا وخشيت من تهديده فتوقفت عن البحث وظل قلبي معلقا بذلك الاسم الذي لم يفارق مخيلتي يوما مذ قرأته في انجيل يوحنا .
هربت دمعة ثائرة من جانب عينه فترقرق الدمع في عينيها تأثرا بما يعانيه الاب جوزيف :
_ ابتِ هل يمكنك ان تخبرني عن الاسم ؟
همس بضعف :
_ ايليا .

#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق /٢٢...

لاتدري ماريا لِمَ خفق قلبها عندما نطق الاب بأسم ايليا ، ارادت ان تسأله اكثر ولكنها لم تجرؤ على متابعة الحديث لانه بدا مرهقا جدا :
_ ابتِ سأذهب لاحضار كأسا من الحليب الدافئ ، سأعود على الفور .
ربتت على يده بلطف وغادرت الحجرة .
في المطبخ كانت الاخت ناتالي تحوم كالنحلة وهي تعد طعام الافطار ، انفرجت اساريرها لرؤية ماريا تقف عند الباب :
_ ايتها الحبيبة ماابهاك ، ما الذي اتى بك اليَّ مااسعدني برؤيتك .
احمرت ماريا خجلا واقتربت من الاخت ناتالي :
_ شكرا يا ناتالي كلماتك تشعرني بالخجل ، اريد كأسا من الحليب الدافئ فالاب جوزيف متوعك قليلا .
ما ان اتمت كلماتها حتى دخل الفتى انطوان حاملا دلو الحليب الطازج فهتف عند رؤية ماريا :
_ الاخت ماريا في المطبخ اسعدت صباحا انستي .
_ اسعدت صباحا يا انطوان كيف حالك ؟
نفض القش عن شعره الكث وابتسم :
_ انا بخير ، اعذريني فمظهري غير لائق بتاتا لقد رفستني البقرة حينما اردت حلبها فهي تريد ان تستمر بالاكل .
ضحكت ناتالي لمنظره فقد كان القش يملئ شعره فبدا وكأنه عشا :
_ تبدو مضحكا ايها الصغير .
امتعض انطوان منها :
_ لستُ صغيرا.
قاطعتهما ماريا بابتسامة :
_ ارجوكما لاتبدئا بالجدال ، ناتالي ارجو ان تغلي القليل من الحليب بسرعة .
جلست على الطاولة الكبيرة التي تتوسط المطبخ الحجري كان المكان ينبض بالدفئ والحنان نظرت للنافذة المطلة على الحقول الخضراء الممتدة امام الدير وسرح فكرها في ماقاله الاب جوزيف واخذت تحدث نفسها :
_ ياترى من يكون ايليا ولم نبض قلبي لذكره .
اعادها صوت الاخت ناتالي المرح من شرودها :
_ ياشاردة الذهن اين ذهبتِ ؟
_ انا هنا ايتها العزيزة اشكرك كثيرا .
حملت الصينية وتوجهت الى المكتب فتحت الباب بهدوء فرأت الاب مغمض العينين فظنت انه استغرق في النوم ولم تشأ ان توقظه فوضعت الصينية على الطاولة الصغيرة بجانب الاريكة وهمت بالخروج :
_ الى اين ياصغيرتي ؟ هل لازلتِ راغبة في الذهاب ؟
اطرقت برأسها الى الارض :
_ اجل يا ابتاه ارغب بذلك كثيرا ، قلبي النابض لاسم ايليا يريد ان ينهي مابدأته انت قبل اعوام .
_ حسنا يا ماريا اذهبي ولكن كوني واثقة اذا علموا بأمرك لن يدعوك وشأنك ابدا .
_ لاتخش عليَّ يا ابتِ سأكون بخير .
_ فليباركك الرب ايتها الطاهرة .
بعد ان ودعته انطلقت الى حيث مهدي وخفقات قلبها تنبض بأسم ايليا .


#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق/ ٢٣ ...

_ ايليا ، من يكون ؟
كان هذا اول سؤال وجهته ماريا لمهدي عندما استقر بهما المقام في احدى حدائق الجامعة .
ترقرق الدمع في عينيه وذاب في موجة حنين لضريح امام المتقين فقد فاجئته بسؤالها :
_ من اين تعرفين ايليا ؟
قصت عليه حديثها مع الاب جوزيف ، كان يصغي لها والدمع يتناثر على لحيته لم يستطع التحمل وهو يراها تتحدث بشغف عن ايليا :
_ لاادري ماالذي اصابني حينما ذكر الاب جوزيف هذا الاسم ، احسست انه استقر في قلبي وغلفه بالطمأنينة والحب .
صمتت واخذت تحدق في السماء التي تناثرت فيها غيمات بيضاء :
_ من يكون ؟ لم شعرت بحبي له دون ان اعرفه ؟
حولت بصرها لمهدي الذي كان غارقاً بدموعه لمعشوقه :
_ لانه امام الانسانية جمعاء ، لانه الحق والصدق والعدالة والتسامح لانه ببساطة امام الحب وامام العاشقين .
كانت تصغي بكل جوارحها لكلماته النابضة بالعشق ، همست :
_ ارجوك اخبرني المزيد عنه اريد ان اعرفه اكثر .
لم يتوقع مهدي ان تمضي ساعتين وهو يتحدث عن المعشوق ايليا علم خلالها ان ماريا مطلعة على بعض الحقائق ولم يواجه صعوبة في اقناعها فقد كانت باحثة عن الحقيقة :
_ سعى الظالمون الذين اعتبروا الاسلام المحمدي مصدر تهديد لهم الى تشويه الحقائق على مدى التاريخ ، منذ صدر الاسلام والمؤمرات والدسائس كانت رفيقة هذا الدين الذي ختم الله به الاديان السماوية ، دينٌ لبى طموح جميع الانبياء والاوصياء ووجدوا فيه ضالتهم فذابوا في حب محمد وال محمد لانهم جسدوا المفاهيم الحقة لهذا الدين السماوي .
كانت ماريا تصغي لمهدي وتشعر بأنها تسافر عبر الزمن فتنظر بعين القلب لاحداثٍ مضت عليها الالاف السنين ولكنها تركت اثارها شاخصة الى الوقت الحاضر :
_ هل لك ان تخبرني عما يجري في الشرق الاوسط ؟ ومن يكون هؤلاء الملثمون الذين يمارسون قطع الرؤوس بأسم الاسلام ؟ لا استطيع التصديق بأن من يعرض الاعلام الغربي صورهم ويروج لها عبر شاشات التلفاز وعبر مواقع التواصل الاجتماعي هم فعلاً من يمثلون هذا الدين الاصيل !
تنفس بعمق :
_ ايتها الاخت ماريا كما اخبرتك ان هذا الدين تعرض للكثير من الدسائس من اجل تشويه صورته الناصعة المشرقة بنور الحق والعدل ومن اوجه التشويه هؤلاء الذين تتحدثين عنهم ، قوى الاستكبار في العالم تعمل بين الفينة والاخرى على تكوين تنظيمات تلبسها حلة دينية من اجل تحقيق مصالح دولية عالمية ويتم انفاق الاموال بشكل مذهل من اجل دعم مثل هذه التنظيمات ولكن خلال السنوات الماضية اثبتت التجربة ان اعتى التنظيمات لن تستطع هدم هذا الدين .
سادت لحظات صمت وغرق كل منهما في بحر افكاره الهائج ثم همست ماريا :
_ مسيرة عاشوراء التي تجوب شوارع كندا كل عام ماذا عنها ؟
_ عاشوراء انتصار الدم على السيف ، عاشوراء ثورة على الفساد والطغيان .
نظر مهدي الى ساعته ثم اردف قائلاً :
_ سأحكي لك عن واقعة الطف في اللقاء القادم ان شاء الله .

#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق / ٢٤ ...

مرت الاسابيع وماريا غارقة في بحثها عن امام العشق ايليا وفي احدى الايام و بعد ان انتصف الليل شعرت بالبرد بعد ان خمدت نار المدفئة فقامت من امام الحاسوب على مضض وخرجت من غرفتها لجلب قطع الخشب للمدفئة ، فعلى الرغم من كل محاولات الاساقفة في الدير لاقناع الاب جوزيف بتحديث المبنى وتزويده بالتدفئة المركزية الا انه اصرَّ على بقاء المبنى كما هو ولم يرد ان تنال يد الحضارة من اصالته واعتبر ان اي اضافة عصرية للدير ستنال من روحية المكان وتُفقدَه عبق الماضي السحيق .
كان الهدوء يعمُّ المكان فحاولت ان لاتثير ضجة وهي تحمل القطع الخشبية ، اغلقت باب الفناء الخلفي وكانت تهمُّ بالصعود الى غرفتها حينما لفت انتباهها الضوء المتسرب من اسفل باب المكتبة ، كانت دقات الساعة المعلقة على الجدار تعلن تمام الثانية فأستغربت من عساه يكون في المكتبة في مثل هذا الوقت .
وضعت الخشب ارضا واتجهت ناحية المكتبة وقرعت الباب فلم يجبها احد ففتحت الباب ودخلت ، كان الاب جوزيف غارقا في مطالعة احد الكتب المنتشرة على الطاولة الكبيرة التي تتوسط الغرفة وكان يبدو عليه انه يحلق في عالم اخر :
_ابتِ ؟
اجفل حينما اعاده صوتها الى ارض الواقع فرفع رأسه ونظر اليها بعينين دامعتين ، لم تتمالك ماريا نفسها فدمعت عيناها حينما نظرت لوجهه :
_ أبتِ ، مابك لما كل هذا الحزن والبكاء ؟
اجابها بصوتٍ خاشع :
_ انه امام العشق ياماريا .
نبض قلبها عندما سمعت كلماته المشابهة لكلمات مهدي ورددت :
_ ايليا ؟
_أجل يا ابنتي ايليا ، ابن عم خاتم الانبياء الذي بشر به السيد المسيح ذلك المسمى احمد .
تأملتْ الكتاب الذي يقرأ فيه الاب كان قديما وحوافه محترقة كأنه تعرض للحرق ولم يتبقَ منه سوى اوراقه الصفراء المهترئة وغلافه الجلدي السميك :
_ ماهذا الكتاب يا ابت ِو لِمَ حوافه محترقة هكذا ؟
_ كما اخبرتك سابقا عندما علم كبير الاساقفة بأمري قام بتهديدي ولاحقا قام باحضار الكتاب ورماه في مدفئة الدير لم يعلم حينها بوجودي في غرفة المكتبة لاني اختبئت خلف الستارة حينما دخل اليها وبعد خروجه سارعت الى المدفئة واخرجت منها الكتاب واطفئته بسرعة ورميت بدلا عنه كتابا اخر .
جلست ماريا عند قدمي الاب جوزيف و شعرت بأنها تسافر عبر الزمن وهي تصغي الى حديثه ، وطلبت منه ان يقرأ لها من الكتاب النصوص الانجيلية المبشرة بقدوم النبي الخاتم الذي سيحكم هو واخيه شبيه هارون بن عمران الارض وكيف سيرثون الارض بعد ظهور اخر الاوصياء من ذرية رسول السماء احمد .

#يتبع ..
#خذني_هاربا_مني_تائباً ..
#مشكاة_عشق /٢٧ ...

كان جالسا خلف مكتبه ينظر اليها وهي واقفة امامه وقد بدت عليها علائم الارادة والصلابة و على الرغم من كل هذا الا انها جسدت الرقة والنقاء بردائها الابيض الطويل .
قام الاب من خلف المكتب بصعوبة وتوجه الى حيث تقف وامسك بها من كتفيها بحنان ونظر في عينيها مباشرة وبدون مقدمات سألها بحذر :
_ ماريا اخبريني هل تريدين ان تصبحي مسلمة ؟
ارتعش بدنها النحيل وشعر الاب بأضطرابها فأشار عليها بالجلوس :
_ اجلسي ياصغيرتي ودعينا ننهي هذا الامر .
همست بخوف :
_ ابتِ انا اعشق ايليا واما ابنه الحسين فقد استقر في قلبي و كلما تذكرت ماقصه عليَّ مهدي من فاجعة كربلاء ومقتل الحسين وتضحية العاشقين الذين كانوا برفقته يصيبني الالم والغم وتُغرقُني موجات بكائي وانا اذكر تضحيات هؤلاء الناس من اجل دينهم ، فكم هو عظيم هذا الدين حتى يضحي الحسين بنفسه وبأهل بيته وبأصحابه من اجله .
كانت تتحدث بصوت خاشع جعل قلب الاب يرتعش حبا لهذا الامام العظيم :
_ حسنا يا ماريا وهل تكفي تضحية الحسين بنفسه لتجعلك تتركين ملة ابائك واجدادك .
تأملت ماريا اناملها وهمست :
_ وهل يوجد اقدس من ان يضحي الانسان بروحه لاجل الله ؟
_ لا يا ماريا لايوجد .
نظرت الى وجه الاب بنظرات مفعمة بالامتنان والحب :
_ أبتِ انا احبك كثيرا ولا اريدك ان تقلق بشأني احتاج الى المزيد من الوقت لاطلعك على قراري فأنا مقبلةٌ على امر عظيم و لابد ان اكون مستعدة تماما قبل ان اخطو هذه الخطوة .
ربت الاب على يديها بحنان :
_ انت محقة يا ماريا انه لامرٌ عظيم ، حسنا يمكنك الانصراف الان يا عزيزتي .
سارعت ماريا في الخروج من الحجرة فقد كان ثقل الامر عليها يشعرها بالاختناق ، خرجت دون ان تدري ماتخبئ لها هذه الليلة من امر الغيب الغامض .

#يتبع ..
#خذني_اليك_حررني_طهرني ..
#مشكاة_عشق/٢٨ ...

في تلك الليلة لم يغمض لماريا جفن فقد ظلت كلمات الاب جوزيف تتردد في رأسها حتى اصابتها بالصداع , هل هي مستعدة لمثل هذا الامر ؟ هل تستطيع التخلي عن كل ما تعتقده وتبحر في سفن الاسلام لتستكشف معالمه الكبيرة وتتبنى مفاهيمه العميقة ؟
كانت الاسئلة تتلاطم في رأسها كأمواج بحرٍ هائج لذا سارعت الى الخزانة الخشبية واخرجت صندوق الشموع الصغير ثم توجهت الى النافذة و ازاحت الستائر المخملية الثقيلة و قامت بصف الشموع على حافتها المطلة على الحديقة الخلفية للدير ثم اطفأت الانوار وجلست ارضاً وعقدت يديها امام وجهها ونظرت الى السماء وقد زينتها النجوم اللامعة ،انعكس ضوء القمر على صفحة النافذة الكبيرة فتراقصت ظلاله على وجهها الذي غطته الدموع الهاربة من عينيها الثائرتين ، كانت تناجى الرب بلوعة واضطراب كانت تريد ان يساعدها في ان تحسم امرها وتستقر روحها ويسكن قلبها لتنعم بالطمأنينة، وبعد مناجاة طويلة لم تشعر خلالها بأن الشموع ذابت وانطفأت واختفى القمر خلف سحابة سماوية فغرقت الغرفة بالظلام الدامس وحينما همتّْ بالنهوض رنَّ في اذنها فجاءة اسم ايليا فعادت الى الجلوس وهمست بصوت مرتجف :
_ ايها الرب العظيم يارب ايليا اقسم عليك بايليا العظيم ان تمنح روحي الطمأنينة.
كان جسدها يرتعش وقلبها ينبض بقوة ولم تدرك مايحدث معها فقامت واتجهت الى سريرها علَّها تحظى بأغفاءة تمحو اضطرابها .
كانت تغط بنومٍ عميق حينما شعرت بيد تهزها بلطف وتهمس في أُذنها :
_ صغيرتي ماريا استيقظي .
كانت الكلمات تنساب الى اذنيها بحنان بالغ من صوت ملائكي لم تسمع مثل نبراته في حياتها ، فتحت عيناها الناعستين فأبهرها الضوء الذي ملأ اركان غرفتها المعتمة و رأت سيدتين جليلتين تقفان بجانب سريرها فبادرت التي تقف على يمين السرير بالقول :
_ ايتها العزيزة ماريا لقد حان موعد هجرتك الى حيث مواطن الحق .
كانت ماريا تنظر اليهما بخشوع تام فرأت السيدة الاخرى تبتسم لها :
_ ماريا صغيرتي نحن بأنتظارك هلمي الينا .
فجاءة تلاشى الضوء ففزعت ماريا من الظلام الذي خيمَّ على المكان وعلمت انها كانت تحلم .

#خذني_اليك_حررني_طهرني ..
#يتبع ..
#مشكاة_عشق/ ٢٩ ..

مضى على وجود مهدي في منزله اسبوعا كاملا قضاه في التنقل بين منازل الاهل والاصدقاء فالجميع كان مشتاقا لرؤيته بعد غياب دام طويلا .
وفي عصر احد الايام وبينما هو يتناول الشاي مع والديه فاجئه والده :
_ مهدي الا تظن انه حان الوقت لتؤسس عائلة ؟
لايدري مهدي لم غزا طيف ماريا افكاره بمجرد سماع كلمات ابيه الجادة فأجاب بصوت اقرب الى الهمس :
_ لا ادري ان كنت مستعدا لهذا الامر في الوقت الحاضر .
ابتسم والده وخاطبه برقة :
_ مارأيك بأبنة عمك رنا ؟
فغر مهدي فاهه واتسعت حدقتاه :
_ ابي هل انت جاد فيما تقول ؟
فأجابه مستغربا :
_ اجل انا جاد ، مابك يامهدي تبدو مرعوبا ؟!
_ الا يحق لي ان اصاب بالرعب وانت تريدني ان اتخذ من رنا زوجة !
_ ومما تشكو رنا ، انها ابنة عمك وجميلة ويافعة وفتاة ماهرة في الكثير من الاعمال فضلاً عن ذوقها الفني الرفيع في التصميم والازياء .
هبَّ مهدي واقفا وقد امتعض كثيرا من حديث ابيه :
_ ابي يبدو لي انك حتى الان لم تعرفني جيدا ، قل لي كيف يمكنني ان ارتبط بفتاة لاتفقه من الدنيا شيئا سوى ارتداء الملابس الفاخرة والتسوق ؟!
ابي انا لا اعترض على نمط حياتها ولكنها ليست زوجة المستقبل التي انتظرها .
خافت والدته ان يتطور الامر ويتحول الى مواجهة بين الاب والابن فنظرت الى زوجها بنظرة متوسلة ان لا يستمر في النقاش و خاطبت مهدي بحنان :
_ مهدي هدئ من روعك ياعزيزي انه مجرد اقتراح من والدك لا اكثر .
لم يكن مهدي مصغيا لقول والدته فقد استحوذ عليه صوت اشعار الرسالة من هاتفه المحمول الذي كان على الطاولة بجانب فنجان الشاي وحينما وقعت عيناه على المرسل تهاوى جسده على الكرسي ودمعت عيناه ولم يتمكن من اخفاء تأثره الواضح عن والديه .
[ اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وان عليا ولي الله .. احببت ان تكون اول من يعرف بدخولي الى عالم الاسلام الرائع .. ( المخلصة ماريا ). ]
تراقصت الكلمات امام ناظريه وفرت دمعة حارة من عينه المحدقة بتلك الكلمات ، كان غارقا في احاسيس جياشة اصابت قلبه بالاضطراب في لحظات بدت وكأنها دهرا فلم يسمع صوت والدته القلق :
_ مهدي ، مهدي ما الذي اصابك ؟ ارجوك اجبني ياعزيزي .
نظر الى والديه بنظرة مبهمة لم يستطيعا ان يفهما منها مايشعر به ودون سابق انذار اعلن بصوت غريب :
_ انا لا استطيع الارتباط برنا لاني مرتبط بفتاة كندية وقد وعدتها بالزواج حال رجوعي الى كندا واتمام دارستي .

#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق/٣٠ ..

ظلت ماريا تحدق بالرسالة التي ارسلتها الى مهدي ، فبعد رؤياها في تلك الليلة لم تنتظر الكثير من الوقت لتحسم امرها في اعتناق الاسلام ولاتدري لِمَ سارعت في ارسال هذه الرسالة له ، شيء ما في داخلها حثَّها على ان تخبره بهذا الامر العظيم همست لنفسها لعله شعوري بالامتنان لانه ساعدني في معرفة الكثير من الحقائق عن هذه الشريعة السماوية الرائعة ، طرقات لطيفة على باب غرفتها قطعت حبل افكارها :
_ ماريا عزيزتي افتحي الباب .
كان صوت الاخت ناتالي المرح من خلف الباب الخشبي يبعث على السرور فسارعت الى النهوض من السرير وفتح الباب :
_اسعدتِ صباحا انستي الجميلة .
_اسعدتِ صباحا ياناتالي .
كانت تحمل صينية الفطور وبدا الحليب الطازج والبيض المقلي شهيا جدا :
_احضرت لك طعام الافطار فقد تأخرتِ في النزول للمطبخ اليوم .
_ شكرا لك ناتالي .
رددت ناتالي بمرح وهي تغادر الغرفة :
_ تبدين مختلفة هذا الصباح ياماريا وكأنك طائر الحب ، و وجهك يشع نورا .
كان منظر الحديقة يبدو رائعا وضحكات الاولاد تملأ الارجاء وتجعلها نابضة بالحياة ، تناولت ماريا كوب الحليب وهي تراقبهم من النافذة والابتسامة لاتفارق وجهها ولكن شيء ما في داخلها كان لايزال معتما .
القت نظرة على هاتفها واعادت قراءة رسالتها لمهدي ، كانت تنظر بأمعان لتلك الحروف التي خطتها بصعوبة وبينما هي تتأمل الكلمات استلمت رسالة من مهدي :
[ هنيئاً لك هذه البصيرة ، ومبارك لك هذا التوفيق ، اغبطك على هذا اللطف الالهي الذي شملك به الرب ، شكرا لك على الرسالة .. لروحك السلام ( المخلص مهدي )]
لم تتمالك ماريا نفسها جلست ارضا واحتضنت هاتفها وغرقت في موجة بكاء لاتعرف كُنْهُها .
اما مهدي فكان عليه مواجهة سيل الاسئلة التي انهالت عليه من والديه بعد اعلانه المفاجئ عن الفتاة الكندية ، دون ان يدري ماتخفيه الاقدار لماريا .

#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..