الطريق إلى التوبة
5.83K subscribers
10.2K photos
391 videos
243 files
5.34K links
قد تركتُ الكُلَّ ربّي ماعداك
ليس لي في غربةِ العمر سِواك...
حيثُ ما أنتَ فـ أفكاري هُناك..
قلبي الخفاقُ أضحۍ مضجعك..
في حنايا صدري أُخفي موضعك..

اي استفسار او ملاحظة ارسلها حصرا على هذا البوت

@altaubaa_bot

فهرس القناة
https://t.me/fhras_altauba
Download Telegram
#مشكاة_عشق /١٩...

في تلك الليلة لم يغمض لماريا جفنا ، كان يحدوها الامل لأنها ستتمكن اخيرا من طرح الشبهات التي تدور في خلدها وتقضي مضجعها فقد التبس عليها الامر كثيرا لما لمسته من تناقض واضح بين ماعايشته من خُلق اصدقائها الرفيع من المسلمين وبين ماتشاهده في الاعلام من مشاهد مرعبة لما يجري حول العالم من قتل وقطع للرؤوس واعتداءات متكررة على الانسانية و ابطال هذه المشاهد هم ذوي الملابس السوداء واللحى الطويلة والوجوه التي تثير القشعريرة وتملأ النفس بالاشمئزاز ، هل يُعقل ان يكون هؤلاء من المسلمين ؟!
لقد ظلتْ ولوقت طويل تبحث عمن يشرح لها ما يجري حقا كانت تعلم بأن هنالك خللا ما وانه يستحيل ان يكون هؤلاء القتلة المجرمين هم من يمثل الاسلام الحق .
فكرت بمهدي و همست لنفسها :
_ اشكرك ايها الرب فأنا اعلم ان صلواتي أُستجيبت و انك ارسلت مهدي اليَّ لانك تريد ان ترشدني للنور و الحق ، و هو من سيأخذ بيدي في مسيرتي هذه .
قطع افكارها رنين الهاتف :
_ أُسعدتِ مساء يا انسة .
تسمرت عندما اصغت لصوت مهدي عبر الهاتف و اجابت بهدوء :
_ أُسعدتَ مساء سيدي .
_ ارجو المعذرة اعلم بأن الوقت متأخر ، حصلت على رقم هاتفك من استاذ البرت ، بما انه غداً يصادف عطلة نهاية الاسبوع فكرت ان تأتي الى الجامعة فما رأيك ؟
كادت ان تطيرَ فرحا و اتجهت بنظرها الى الاعلى وشكرت الرب بصمت :
_ اجل يسرني ذلك كثيرا .
ابتسم و هو يصغي لكلماتها ونبرة صوتها التي عكست فرحها وحماستها، فعلم مدى اهتمامها و جديتها في البحث عن الحق و دعا الله ان يوفقه الى ارشادها .
_ حسنا اذا سأكون بأنتظارك ، صمت قليلا ثم اردف بلغته العربية المحببة :
_ في امان الله .
خفق قلبها لكلماته ودمعت عيناها فحاولت ان تكرر ماسمعته لتوها وبصعوبة بالغة اجابته :
_ في امان الله .

#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق / ٢٠ ...


كانت ماريا في قمة حماسها ونشاطها وهي تنزل الدرج متوجهة الى بوابة الدير الرئيسة وما ان وضعت يدها على مقبض الباب حتى سمعت صوت الاب جوزيف :
_ الى اين يا ماريا انه صباح السبت ولايزال الوقت مبكرا ؟
التفتت الى حيث يقف الاب فاحمرت وجنتاها حياء عندما شاهدت ابتسامته الحانية :
_ اسعدت صباحا يا ابتِ ، سأذهب الى الجامعة .
نظر اليها باستغراب :
_ ولكن ماذا ستفعلين هناك في هذا الوقت انها عطلة نهاية الاسبوع ؟!
احتارت في اخبار الاب عن مهدي او الاحتفاظ بالامر سرا ، تأملته قليلا ثم قررت انه يتوجب عليها اخباره بكل شيء فهو الوصي عليها منذ صغرها وبالتأكيد سيفهم ماستخبره به :
_ انا على موعد مع المحامي الشاب مهدي .
استرسلت في حديثها واخبرته بكل شيء كان يصغي وعلامات الاضطراب ترتسم على وجهه المجعد ويده تقبض بقوة على صليب مسبحته الخشبية الطويلة ، لم تكن ملتفتة لانفعالات الاب حتى قاطعها :
_ هذا يكفي ياماريا .
_ ولكن ما بك ياابتِ لم تبدو مضطربا هكذا ؟!
شحب وجهه :
_ لستُ على مايرام يا صغيرتي خذيني الى مكتبي بسرعة .
_ حسناً يا ابت سامحني ارجوك انااسفة لم اتصور ان حديثي سيزعجك هكذا .
امسكت بيده واصطحبته الى اخر الممر حيث مكتبه ، كانت خطواته متثاقلة وخشيتْ ان يصاب بالاذى ، فتحت الباب وتوجهت به ناحية الاريكة وساعدته ليستلقي عليها وغطته بمأزره الصوفي :
_ ابتِ سأنادي الاب يوحنا واعود على الفور .
امسك بيدها وطلب منها ان تجلس على الكرسي بجانب الاريكة :
_ اجلسي لست بحاجة ليوحنا الان انا احتاج ان اتحدث معك يا صغيرتي ، سأسألك سؤالا واضحا ولا اريدك ان تتسرعي بالاجابة .
اومأت برأسها :
_ ماريا لماذا تبحثين عن حقيقة الاسلام ؟ لنفترض جدلا انك اهتديتِ لحقيقته على يد هذا المحامي ، ثم ماذا ؟

#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق /٢١....

ارتبكت مشاعرها فجاءة واخذت تتأمل وجه الاب وكأنه فتح لها بابا كانت تخشى ان تقترب منه ، ثم ماذا بعد الحقيقة ؟
_ ماريا ، هل انت بخير ياعزيزتي ؟
_ لا ادري يا ابتِ انا حقا لا اعلم ماذا اريد بعد الحقيقة .
مد يده لها فامسكت بها وغرق كفها الغض الناصع البياض في كفه التي خطت عليها السنون تجاعيدا دقيقة بدت كأنها دروب لا بداية لها ولا نهاية :
_ في مرحلة ما من عمري وبالتحديد بعد ان خضت في اللاهوتية واعماقها التي لايمكن سبر غورها اخذتْ الحقائق تتشابك عندي وشعرت بأني اتوه في اروقتها شيئا فشيئا ، كنت مثلك ابحث عن الحقيقة .
ازداد ضغط يده على كفها دون ان يشعر فعلمت ان الذكريات التي داهمته مؤلمة فحاولت ان تخفف عنه :
_ ابتِ اهدئ ارجوك لا بأس عليك اعتذر لاني اثرت ذكرى موجعة .
لم يكن مصغيا لما تقوله فقد كان شريط الماضي يستعرض احداثه امام ناظريه :
_ عندما اكتشف كبير الاساقفة اني ابحث عن حقيقة الاسلام في كتبنا الاثرية نهرني بقوة وطلب مني ان اتوقف عن نبش النسخ القديمة للكتاب المقدس وهددني بأني سأتعرض للحرق اذا ما تماديت في بحثي ، كنت يافعا وخشيت من تهديده فتوقفت عن البحث وظل قلبي معلقا بذلك الاسم الذي لم يفارق مخيلتي يوما مذ قرأته في انجيل يوحنا .
هربت دمعة ثائرة من جانب عينه فترقرق الدمع في عينيها تأثرا بما يعانيه الاب جوزيف :
_ ابتِ هل يمكنك ان تخبرني عن الاسم ؟
همس بضعف :
_ ايليا .

#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق /٢٢...

لاتدري ماريا لِمَ خفق قلبها عندما نطق الاب بأسم ايليا ، ارادت ان تسأله اكثر ولكنها لم تجرؤ على متابعة الحديث لانه بدا مرهقا جدا :
_ ابتِ سأذهب لاحضار كأسا من الحليب الدافئ ، سأعود على الفور .
ربتت على يده بلطف وغادرت الحجرة .
في المطبخ كانت الاخت ناتالي تحوم كالنحلة وهي تعد طعام الافطار ، انفرجت اساريرها لرؤية ماريا تقف عند الباب :
_ ايتها الحبيبة ماابهاك ، ما الذي اتى بك اليَّ مااسعدني برؤيتك .
احمرت ماريا خجلا واقتربت من الاخت ناتالي :
_ شكرا يا ناتالي كلماتك تشعرني بالخجل ، اريد كأسا من الحليب الدافئ فالاب جوزيف متوعك قليلا .
ما ان اتمت كلماتها حتى دخل الفتى انطوان حاملا دلو الحليب الطازج فهتف عند رؤية ماريا :
_ الاخت ماريا في المطبخ اسعدت صباحا انستي .
_ اسعدت صباحا يا انطوان كيف حالك ؟
نفض القش عن شعره الكث وابتسم :
_ انا بخير ، اعذريني فمظهري غير لائق بتاتا لقد رفستني البقرة حينما اردت حلبها فهي تريد ان تستمر بالاكل .
ضحكت ناتالي لمنظره فقد كان القش يملئ شعره فبدا وكأنه عشا :
_ تبدو مضحكا ايها الصغير .
امتعض انطوان منها :
_ لستُ صغيرا.
قاطعتهما ماريا بابتسامة :
_ ارجوكما لاتبدئا بالجدال ، ناتالي ارجو ان تغلي القليل من الحليب بسرعة .
جلست على الطاولة الكبيرة التي تتوسط المطبخ الحجري كان المكان ينبض بالدفئ والحنان نظرت للنافذة المطلة على الحقول الخضراء الممتدة امام الدير وسرح فكرها في ماقاله الاب جوزيف واخذت تحدث نفسها :
_ ياترى من يكون ايليا ولم نبض قلبي لذكره .
اعادها صوت الاخت ناتالي المرح من شرودها :
_ ياشاردة الذهن اين ذهبتِ ؟
_ انا هنا ايتها العزيزة اشكرك كثيرا .
حملت الصينية وتوجهت الى المكتب فتحت الباب بهدوء فرأت الاب مغمض العينين فظنت انه استغرق في النوم ولم تشأ ان توقظه فوضعت الصينية على الطاولة الصغيرة بجانب الاريكة وهمت بالخروج :
_ الى اين ياصغيرتي ؟ هل لازلتِ راغبة في الذهاب ؟
اطرقت برأسها الى الارض :
_ اجل يا ابتاه ارغب بذلك كثيرا ، قلبي النابض لاسم ايليا يريد ان ينهي مابدأته انت قبل اعوام .
_ حسنا يا ماريا اذهبي ولكن كوني واثقة اذا علموا بأمرك لن يدعوك وشأنك ابدا .
_ لاتخش عليَّ يا ابتِ سأكون بخير .
_ فليباركك الرب ايتها الطاهرة .
بعد ان ودعته انطلقت الى حيث مهدي وخفقات قلبها تنبض بأسم ايليا .


#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق/ ٢٣ ...

_ ايليا ، من يكون ؟
كان هذا اول سؤال وجهته ماريا لمهدي عندما استقر بهما المقام في احدى حدائق الجامعة .
ترقرق الدمع في عينيه وذاب في موجة حنين لضريح امام المتقين فقد فاجئته بسؤالها :
_ من اين تعرفين ايليا ؟
قصت عليه حديثها مع الاب جوزيف ، كان يصغي لها والدمع يتناثر على لحيته لم يستطع التحمل وهو يراها تتحدث بشغف عن ايليا :
_ لاادري ماالذي اصابني حينما ذكر الاب جوزيف هذا الاسم ، احسست انه استقر في قلبي وغلفه بالطمأنينة والحب .
صمتت واخذت تحدق في السماء التي تناثرت فيها غيمات بيضاء :
_ من يكون ؟ لم شعرت بحبي له دون ان اعرفه ؟
حولت بصرها لمهدي الذي كان غارقاً بدموعه لمعشوقه :
_ لانه امام الانسانية جمعاء ، لانه الحق والصدق والعدالة والتسامح لانه ببساطة امام الحب وامام العاشقين .
كانت تصغي بكل جوارحها لكلماته النابضة بالعشق ، همست :
_ ارجوك اخبرني المزيد عنه اريد ان اعرفه اكثر .
لم يتوقع مهدي ان تمضي ساعتين وهو يتحدث عن المعشوق ايليا علم خلالها ان ماريا مطلعة على بعض الحقائق ولم يواجه صعوبة في اقناعها فقد كانت باحثة عن الحقيقة :
_ سعى الظالمون الذين اعتبروا الاسلام المحمدي مصدر تهديد لهم الى تشويه الحقائق على مدى التاريخ ، منذ صدر الاسلام والمؤمرات والدسائس كانت رفيقة هذا الدين الذي ختم الله به الاديان السماوية ، دينٌ لبى طموح جميع الانبياء والاوصياء ووجدوا فيه ضالتهم فذابوا في حب محمد وال محمد لانهم جسدوا المفاهيم الحقة لهذا الدين السماوي .
كانت ماريا تصغي لمهدي وتشعر بأنها تسافر عبر الزمن فتنظر بعين القلب لاحداثٍ مضت عليها الالاف السنين ولكنها تركت اثارها شاخصة الى الوقت الحاضر :
_ هل لك ان تخبرني عما يجري في الشرق الاوسط ؟ ومن يكون هؤلاء الملثمون الذين يمارسون قطع الرؤوس بأسم الاسلام ؟ لا استطيع التصديق بأن من يعرض الاعلام الغربي صورهم ويروج لها عبر شاشات التلفاز وعبر مواقع التواصل الاجتماعي هم فعلاً من يمثلون هذا الدين الاصيل !
تنفس بعمق :
_ ايتها الاخت ماريا كما اخبرتك ان هذا الدين تعرض للكثير من الدسائس من اجل تشويه صورته الناصعة المشرقة بنور الحق والعدل ومن اوجه التشويه هؤلاء الذين تتحدثين عنهم ، قوى الاستكبار في العالم تعمل بين الفينة والاخرى على تكوين تنظيمات تلبسها حلة دينية من اجل تحقيق مصالح دولية عالمية ويتم انفاق الاموال بشكل مذهل من اجل دعم مثل هذه التنظيمات ولكن خلال السنوات الماضية اثبتت التجربة ان اعتى التنظيمات لن تستطع هدم هذا الدين .
سادت لحظات صمت وغرق كل منهما في بحر افكاره الهائج ثم همست ماريا :
_ مسيرة عاشوراء التي تجوب شوارع كندا كل عام ماذا عنها ؟
_ عاشوراء انتصار الدم على السيف ، عاشوراء ثورة على الفساد والطغيان .
نظر مهدي الى ساعته ثم اردف قائلاً :
_ سأحكي لك عن واقعة الطف في اللقاء القادم ان شاء الله .

#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق / ٢٤ ...

مرت الاسابيع وماريا غارقة في بحثها عن امام العشق ايليا وفي احدى الايام و بعد ان انتصف الليل شعرت بالبرد بعد ان خمدت نار المدفئة فقامت من امام الحاسوب على مضض وخرجت من غرفتها لجلب قطع الخشب للمدفئة ، فعلى الرغم من كل محاولات الاساقفة في الدير لاقناع الاب جوزيف بتحديث المبنى وتزويده بالتدفئة المركزية الا انه اصرَّ على بقاء المبنى كما هو ولم يرد ان تنال يد الحضارة من اصالته واعتبر ان اي اضافة عصرية للدير ستنال من روحية المكان وتُفقدَه عبق الماضي السحيق .
كان الهدوء يعمُّ المكان فحاولت ان لاتثير ضجة وهي تحمل القطع الخشبية ، اغلقت باب الفناء الخلفي وكانت تهمُّ بالصعود الى غرفتها حينما لفت انتباهها الضوء المتسرب من اسفل باب المكتبة ، كانت دقات الساعة المعلقة على الجدار تعلن تمام الثانية فأستغربت من عساه يكون في المكتبة في مثل هذا الوقت .
وضعت الخشب ارضا واتجهت ناحية المكتبة وقرعت الباب فلم يجبها احد ففتحت الباب ودخلت ، كان الاب جوزيف غارقا في مطالعة احد الكتب المنتشرة على الطاولة الكبيرة التي تتوسط الغرفة وكان يبدو عليه انه يحلق في عالم اخر :
_ابتِ ؟
اجفل حينما اعاده صوتها الى ارض الواقع فرفع رأسه ونظر اليها بعينين دامعتين ، لم تتمالك ماريا نفسها فدمعت عيناها حينما نظرت لوجهه :
_ أبتِ ، مابك لما كل هذا الحزن والبكاء ؟
اجابها بصوتٍ خاشع :
_ انه امام العشق ياماريا .
نبض قلبها عندما سمعت كلماته المشابهة لكلمات مهدي ورددت :
_ ايليا ؟
_أجل يا ابنتي ايليا ، ابن عم خاتم الانبياء الذي بشر به السيد المسيح ذلك المسمى احمد .
تأملتْ الكتاب الذي يقرأ فيه الاب كان قديما وحوافه محترقة كأنه تعرض للحرق ولم يتبقَ منه سوى اوراقه الصفراء المهترئة وغلافه الجلدي السميك :
_ ماهذا الكتاب يا ابت ِو لِمَ حوافه محترقة هكذا ؟
_ كما اخبرتك سابقا عندما علم كبير الاساقفة بأمري قام بتهديدي ولاحقا قام باحضار الكتاب ورماه في مدفئة الدير لم يعلم حينها بوجودي في غرفة المكتبة لاني اختبئت خلف الستارة حينما دخل اليها وبعد خروجه سارعت الى المدفئة واخرجت منها الكتاب واطفئته بسرعة ورميت بدلا عنه كتابا اخر .
جلست ماريا عند قدمي الاب جوزيف و شعرت بأنها تسافر عبر الزمن وهي تصغي الى حديثه ، وطلبت منه ان يقرأ لها من الكتاب النصوص الانجيلية المبشرة بقدوم النبي الخاتم الذي سيحكم هو واخيه شبيه هارون بن عمران الارض وكيف سيرثون الارض بعد ظهور اخر الاوصياء من ذرية رسول السماء احمد .

#يتبع ..
#خذني_هاربا_مني_تائباً ..
#مشكاة_عشق /٢٧ ...

كان جالسا خلف مكتبه ينظر اليها وهي واقفة امامه وقد بدت عليها علائم الارادة والصلابة و على الرغم من كل هذا الا انها جسدت الرقة والنقاء بردائها الابيض الطويل .
قام الاب من خلف المكتب بصعوبة وتوجه الى حيث تقف وامسك بها من كتفيها بحنان ونظر في عينيها مباشرة وبدون مقدمات سألها بحذر :
_ ماريا اخبريني هل تريدين ان تصبحي مسلمة ؟
ارتعش بدنها النحيل وشعر الاب بأضطرابها فأشار عليها بالجلوس :
_ اجلسي ياصغيرتي ودعينا ننهي هذا الامر .
همست بخوف :
_ ابتِ انا اعشق ايليا واما ابنه الحسين فقد استقر في قلبي و كلما تذكرت ماقصه عليَّ مهدي من فاجعة كربلاء ومقتل الحسين وتضحية العاشقين الذين كانوا برفقته يصيبني الالم والغم وتُغرقُني موجات بكائي وانا اذكر تضحيات هؤلاء الناس من اجل دينهم ، فكم هو عظيم هذا الدين حتى يضحي الحسين بنفسه وبأهل بيته وبأصحابه من اجله .
كانت تتحدث بصوت خاشع جعل قلب الاب يرتعش حبا لهذا الامام العظيم :
_ حسنا يا ماريا وهل تكفي تضحية الحسين بنفسه لتجعلك تتركين ملة ابائك واجدادك .
تأملت ماريا اناملها وهمست :
_ وهل يوجد اقدس من ان يضحي الانسان بروحه لاجل الله ؟
_ لا يا ماريا لايوجد .
نظرت الى وجه الاب بنظرات مفعمة بالامتنان والحب :
_ أبتِ انا احبك كثيرا ولا اريدك ان تقلق بشأني احتاج الى المزيد من الوقت لاطلعك على قراري فأنا مقبلةٌ على امر عظيم و لابد ان اكون مستعدة تماما قبل ان اخطو هذه الخطوة .
ربت الاب على يديها بحنان :
_ انت محقة يا ماريا انه لامرٌ عظيم ، حسنا يمكنك الانصراف الان يا عزيزتي .
سارعت ماريا في الخروج من الحجرة فقد كان ثقل الامر عليها يشعرها بالاختناق ، خرجت دون ان تدري ماتخبئ لها هذه الليلة من امر الغيب الغامض .

#يتبع ..
#خذني_اليك_حررني_طهرني ..
#مشكاة_عشق/٢٨ ...

في تلك الليلة لم يغمض لماريا جفن فقد ظلت كلمات الاب جوزيف تتردد في رأسها حتى اصابتها بالصداع , هل هي مستعدة لمثل هذا الامر ؟ هل تستطيع التخلي عن كل ما تعتقده وتبحر في سفن الاسلام لتستكشف معالمه الكبيرة وتتبنى مفاهيمه العميقة ؟
كانت الاسئلة تتلاطم في رأسها كأمواج بحرٍ هائج لذا سارعت الى الخزانة الخشبية واخرجت صندوق الشموع الصغير ثم توجهت الى النافذة و ازاحت الستائر المخملية الثقيلة و قامت بصف الشموع على حافتها المطلة على الحديقة الخلفية للدير ثم اطفأت الانوار وجلست ارضاً وعقدت يديها امام وجهها ونظرت الى السماء وقد زينتها النجوم اللامعة ،انعكس ضوء القمر على صفحة النافذة الكبيرة فتراقصت ظلاله على وجهها الذي غطته الدموع الهاربة من عينيها الثائرتين ، كانت تناجى الرب بلوعة واضطراب كانت تريد ان يساعدها في ان تحسم امرها وتستقر روحها ويسكن قلبها لتنعم بالطمأنينة، وبعد مناجاة طويلة لم تشعر خلالها بأن الشموع ذابت وانطفأت واختفى القمر خلف سحابة سماوية فغرقت الغرفة بالظلام الدامس وحينما همتّْ بالنهوض رنَّ في اذنها فجاءة اسم ايليا فعادت الى الجلوس وهمست بصوت مرتجف :
_ ايها الرب العظيم يارب ايليا اقسم عليك بايليا العظيم ان تمنح روحي الطمأنينة.
كان جسدها يرتعش وقلبها ينبض بقوة ولم تدرك مايحدث معها فقامت واتجهت الى سريرها علَّها تحظى بأغفاءة تمحو اضطرابها .
كانت تغط بنومٍ عميق حينما شعرت بيد تهزها بلطف وتهمس في أُذنها :
_ صغيرتي ماريا استيقظي .
كانت الكلمات تنساب الى اذنيها بحنان بالغ من صوت ملائكي لم تسمع مثل نبراته في حياتها ، فتحت عيناها الناعستين فأبهرها الضوء الذي ملأ اركان غرفتها المعتمة و رأت سيدتين جليلتين تقفان بجانب سريرها فبادرت التي تقف على يمين السرير بالقول :
_ ايتها العزيزة ماريا لقد حان موعد هجرتك الى حيث مواطن الحق .
كانت ماريا تنظر اليهما بخشوع تام فرأت السيدة الاخرى تبتسم لها :
_ ماريا صغيرتي نحن بأنتظارك هلمي الينا .
فجاءة تلاشى الضوء ففزعت ماريا من الظلام الذي خيمَّ على المكان وعلمت انها كانت تحلم .

#خذني_اليك_حررني_طهرني ..
#يتبع ..
#مشكاة_عشق/ ٢٩ ..

مضى على وجود مهدي في منزله اسبوعا كاملا قضاه في التنقل بين منازل الاهل والاصدقاء فالجميع كان مشتاقا لرؤيته بعد غياب دام طويلا .
وفي عصر احد الايام وبينما هو يتناول الشاي مع والديه فاجئه والده :
_ مهدي الا تظن انه حان الوقت لتؤسس عائلة ؟
لايدري مهدي لم غزا طيف ماريا افكاره بمجرد سماع كلمات ابيه الجادة فأجاب بصوت اقرب الى الهمس :
_ لا ادري ان كنت مستعدا لهذا الامر في الوقت الحاضر .
ابتسم والده وخاطبه برقة :
_ مارأيك بأبنة عمك رنا ؟
فغر مهدي فاهه واتسعت حدقتاه :
_ ابي هل انت جاد فيما تقول ؟
فأجابه مستغربا :
_ اجل انا جاد ، مابك يامهدي تبدو مرعوبا ؟!
_ الا يحق لي ان اصاب بالرعب وانت تريدني ان اتخذ من رنا زوجة !
_ ومما تشكو رنا ، انها ابنة عمك وجميلة ويافعة وفتاة ماهرة في الكثير من الاعمال فضلاً عن ذوقها الفني الرفيع في التصميم والازياء .
هبَّ مهدي واقفا وقد امتعض كثيرا من حديث ابيه :
_ ابي يبدو لي انك حتى الان لم تعرفني جيدا ، قل لي كيف يمكنني ان ارتبط بفتاة لاتفقه من الدنيا شيئا سوى ارتداء الملابس الفاخرة والتسوق ؟!
ابي انا لا اعترض على نمط حياتها ولكنها ليست زوجة المستقبل التي انتظرها .
خافت والدته ان يتطور الامر ويتحول الى مواجهة بين الاب والابن فنظرت الى زوجها بنظرة متوسلة ان لا يستمر في النقاش و خاطبت مهدي بحنان :
_ مهدي هدئ من روعك ياعزيزي انه مجرد اقتراح من والدك لا اكثر .
لم يكن مهدي مصغيا لقول والدته فقد استحوذ عليه صوت اشعار الرسالة من هاتفه المحمول الذي كان على الطاولة بجانب فنجان الشاي وحينما وقعت عيناه على المرسل تهاوى جسده على الكرسي ودمعت عيناه ولم يتمكن من اخفاء تأثره الواضح عن والديه .
[ اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وان عليا ولي الله .. احببت ان تكون اول من يعرف بدخولي الى عالم الاسلام الرائع .. ( المخلصة ماريا ). ]
تراقصت الكلمات امام ناظريه وفرت دمعة حارة من عينه المحدقة بتلك الكلمات ، كان غارقا في احاسيس جياشة اصابت قلبه بالاضطراب في لحظات بدت وكأنها دهرا فلم يسمع صوت والدته القلق :
_ مهدي ، مهدي ما الذي اصابك ؟ ارجوك اجبني ياعزيزي .
نظر الى والديه بنظرة مبهمة لم يستطيعا ان يفهما منها مايشعر به ودون سابق انذار اعلن بصوت غريب :
_ انا لا استطيع الارتباط برنا لاني مرتبط بفتاة كندية وقد وعدتها بالزواج حال رجوعي الى كندا واتمام دارستي .

#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق/٣٠ ..

ظلت ماريا تحدق بالرسالة التي ارسلتها الى مهدي ، فبعد رؤياها في تلك الليلة لم تنتظر الكثير من الوقت لتحسم امرها في اعتناق الاسلام ولاتدري لِمَ سارعت في ارسال هذه الرسالة له ، شيء ما في داخلها حثَّها على ان تخبره بهذا الامر العظيم همست لنفسها لعله شعوري بالامتنان لانه ساعدني في معرفة الكثير من الحقائق عن هذه الشريعة السماوية الرائعة ، طرقات لطيفة على باب غرفتها قطعت حبل افكارها :
_ ماريا عزيزتي افتحي الباب .
كان صوت الاخت ناتالي المرح من خلف الباب الخشبي يبعث على السرور فسارعت الى النهوض من السرير وفتح الباب :
_اسعدتِ صباحا انستي الجميلة .
_اسعدتِ صباحا ياناتالي .
كانت تحمل صينية الفطور وبدا الحليب الطازج والبيض المقلي شهيا جدا :
_احضرت لك طعام الافطار فقد تأخرتِ في النزول للمطبخ اليوم .
_ شكرا لك ناتالي .
رددت ناتالي بمرح وهي تغادر الغرفة :
_ تبدين مختلفة هذا الصباح ياماريا وكأنك طائر الحب ، و وجهك يشع نورا .
كان منظر الحديقة يبدو رائعا وضحكات الاولاد تملأ الارجاء وتجعلها نابضة بالحياة ، تناولت ماريا كوب الحليب وهي تراقبهم من النافذة والابتسامة لاتفارق وجهها ولكن شيء ما في داخلها كان لايزال معتما .
القت نظرة على هاتفها واعادت قراءة رسالتها لمهدي ، كانت تنظر بأمعان لتلك الحروف التي خطتها بصعوبة وبينما هي تتأمل الكلمات استلمت رسالة من مهدي :
[ هنيئاً لك هذه البصيرة ، ومبارك لك هذا التوفيق ، اغبطك على هذا اللطف الالهي الذي شملك به الرب ، شكرا لك على الرسالة .. لروحك السلام ( المخلص مهدي )]
لم تتمالك ماريا نفسها جلست ارضا واحتضنت هاتفها وغرقت في موجة بكاء لاتعرف كُنْهُها .
اما مهدي فكان عليه مواجهة سيل الاسئلة التي انهالت عليه من والديه بعد اعلانه المفاجئ عن الفتاة الكندية ، دون ان يدري ماتخفيه الاقدار لماريا .

#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق / ٣١..

كفكفت ماريا دموعها واستجمعت قواها لتبدو بخير فاليوم عطلة نهاية الاسبوع ويتوجب عليها تناول طعام الغداء برفقة الاب جوزيف والاولاد في القاعة الكبرى للدير .
كانت تفكر بعمق وهي تنزل درجات السلم على مهل عليها ان تبدأ بالتخطيط لما ستقوم به خلال الفترة المقبلة فهي بحاجة الى ان تعتاد على تطبيق تعاليم السماء وفقاً للشريعة الاسلامية .
بعد اتمام اعمالها في مكتبة الدير توجهت الى مكتب الاب جوزيف فقد كانت عازمة على اخباره بكل ماجرى معها في الليلة الماضية ، طرقت الباب بخفة :
_ ادخلي يا نقية .
ابتسمت وهي تدخل فالاب يعرف طرقتها واعتاد ان يناديها بالنقية :
_ كيف حالك يا ابتِ ؟
اشار اليها لتجلس :
_ انا بخير كيف حالك اليوم ؟
تمعن في ملامحها للحظات ثم دمعت عيناه و همس قائلاً :
_ لقد فعلتِها أ ليس كذلك ؟
هربت دمعة حارة من عينها المشعة ببريق غريب :
_اجل يا ابتِ لقد فعلتها .
حكت له ما حصل معها وعن رسالتها لمهدي ،كانت دموع الاب تنهمر رغما عنه :
_ اغبطك يا ماريا انت فتاة شجاعة تمكنتِ من تحقيق هدفك .
كان الاب يتحدث بنبرة حزينة جدا وعلمت ماريا انه يتألم لانه لم يستطع يوما ان يحقق ذات الحلم :
_ لاتحزن يا ابتِ ارجوك فأنا على يقين انك ستحشر مع الصادقين ، اخبرني مهدي انه ورد عن نبيهم محمد بأنه من احب عمل قوم حُشر معهم وانت تحب الشريعة الاسلامية منذ كنت شابا يافعا وها انا اليوم اشاهد بأم عيني مقدار عشقك لهذا الدين .
_مااروع كلامك يا ابنتي وكأنه دثار لروحي المنهكة .
صمت قليلا ثم اردف قائلا :
_ مساء اليوم ستحضر والدة كرستن و سنحتفل بعودته الى منزله فقد قررَّ القساوسة انه اصبح مؤهلا لمغادرة الدير .
اريدك ان تهيئي لهذا الاحتفال البسيط ياعزيزتي .
_ حسنا يا ابتِ سأذهب لاخبار ناتالي وبعد الغداء سنقوم بما يلزم لامسية الليلة .
كان كرستن فتى في الرابعة عشرة من عمره
توفي والده في حادث سير وقد ترك هذا الامر اثرا سلبيا عليه واصبح عدوانيا مع زملائه في المدرسة وفي احد الايام قام بضرب زميله حتى افقده وعيه فأُدخل على اثر هذه الحادثة الى سجن الاحداث وبعد مدة تم ترحيله الى الدير من اجل اعادة تأهيله .

#يتبع ..
#شذا_الرحمة ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق /٣٧ ..
بقلب سريع الخفقات وبعيون تحدق برعب وبأنفاس مضطربة تلقى مهدي خبر اختفاء ماريا منذ اسابيع وهو يصغي لحديث استاذه مع الاب جوزيف .
طرقات يائسة على باب منزل صديقه احمد ليجد امه تقف عند عتبة الباب و ما ان نظرت الى وجهه حتى تغيرت ملامح وجهها الذي كان يشع فرحا لاقتراب موعد اللقاء بماريا :
_ مابك ياحبيبي تبدو شاحبا جدا يا مهدي ما الذي حدث ؟ اخبرني ارجوك .
اغلقت الباب واقتادته الى الاريكة في حجرة الجلوس :
_ اين ذهب الجميع يا امي ؟
_ ذهبت ام احمد برفقة زوجها الى السوق واحمد لا ادري اين هو .
نظرت الى عينيه المرهقتين وقد احاطت بهما هالات سوداء زادتهما حزنا :
_ مهدي ارجوك اخبرني ماذا حدث ؟
همس بصوت مخنوق :
_ اليوم اتصل استاذي في الجامعة بالاب جوزيف ليقوم بترتيب لقائنا بماريا ،
لم يستطع ان يكمل فقد احس بألم فظيع في قلبه .
سارعت والدته الى المطبخ وجلبت له كأسا من الماء :
_ خذ يا عزيزي تناول بعضا من الماء لعلك تهدأ قليلا .
تناول الكأس بيد مرتجفة ورشف بعض منها .
كانت امه تربت على يديه بحنان ودموعها تنهمر وهي حائرة من حال ولدها ، نظر الى والدته :
_امي لقد اختفت ماريا .
اتسعت عيناها وصرخت برعب :
_ ماذا ؟ اختفت ؟ ولكن ماذا تعني يا مهدي .
حكى لها التفاصيل بصوت مرتجف :
_ خلال الاسابيع الماضية كانت عملية البحث عنها متواصلة ، ففي عصر احد الايام خرجت من الدير دون علم احد ثم اكتشفوا انها ذهبت الى منزل احد الاحداث الذين تعمل على تأهليهم وان افرادا من المتطرفين عملوا على نصب كمين لها في منزل هذا الفتى حيث قاموا بتعذيبها وبعدها اقتادوها لمكان مجهول ولم يتم العثور عليها حتى الان .
كانت امه تصغي وهي تكاد لاتصدق ما تسمعه :
_ يا الهي ولكن الى اين ذهبوا بها .
_ امي يريد الاب جوزيف ان يقوم بعمل قداس لروحها و سيعلن عن موتها وسيقوم الدير بمراسيم الدفن الرمزية الاسبوع القادم .
لم يحتمل اكثر وضع رأسه في حجر امه وبدأ ينتحب بقوة :
_ لماذ يحدث هذا معي كنت سعيدا جدا بوجود فتاة مثلها لم يجذبني وجهها الجميل بقدر ما جذبني فكرها وروحها الثائرة الباحثة عن الحقيقة .
رفع رأسه ونظر لوجه والدته :
_ امي لقد رحلت الفتاة الوحيدة التي تشبه روحي ولن اجد مثلها في حياتي مجددا .

#يتبع ..
#لارواحكم_الحياة 🌿
#مشكاة_عشق / ٣٨...

توقفت سيارة الاجرة امام الدير الذي يفوح منه عبق الماضي نزل مهدي من السيارة وظل واقفا عدة لحظات يتأمل المكان الذي ترعرعت فيه ماريا اصابه الغم وهو ينظر للاطفال الذين ارتدوا جلابيب بيضاء طويلة واصطفوا كأنهم ملائكة ، اما الاساقفة فقد اكسبتهم ثيابهم السوداء منظرا مهيبا جعل قلب مهدي ينقبض سار في الممر المؤدي الى فناء الدير و اقترب منهم بحذر فهم لايعرفونه كانت عيناه تبحث عن رجل عجوز كبير هو موضع سر ماريا العزيزة همس لنفسه : اين انت ايها الاب الحنون .
كان الصندوق الخشبي الرمزي المحاط باكاليل الورد البيضاء يتوسط الارض المحاذية للمبنى وكان يقف امامه رجل عجوز لحيته البيضاء الطويلة اكسبته مسحة روحية جعلت قلب مهدي يسكن قليلا فاقترب منه و خاطبه بهدوء وحذر :
_ اسعدت صباحا سيدي هل انت الاب جوزيف ؟
جذب صوته انتباه الاب جوزيف فامتلئت عيناه بالدموع التي حاول السيطرة عليها واخفائها عن هذا الغريب والتفت اليه :
_ اجل .
ابتسامة باهتة ارتسمت على وجه مهدي :
_ انا المحامي مهدي كنت اعمل مع الاخت ماريا على قضايا سجن الاحداث .
ظل الاب يتأمل مهدي للحظات واخذ يحدث نفسه : اذا هذا مهدي الذي ارشدك الى الحق الساطع يا صغيرتي ماريا ، تمالك الاب نفسه ورحبَّ بمهدي وبدأ بمراسم الدفن الرمزي .
بعد انتهاء القداس طلب الأب من مهدي مرافقته الى مكتبه :
_ ادخل يا عزيزي واغلق الباب رجاء .
جلس مهدي امام المكتب واخذ يتأمل الغرفة بهدوء شعر بأنه يسافر عبر الزمن ليعود الى العصور الوسطى .
اعاده صوت الاب الحزين للواقع :
_ مهدي ، مهدي ، مهدي
اخذ الاب يردد اسمه ثم نظر اليه بحنان :
_ اسمك يا ولدي يعني المخلص الموعود .
_ اجل .
اردف الاب بصوت حزين :
_ لقد عشقت ماريا الاسلام واعتنقته ولكنها لم تتمكن من ممارسة طقوسه الرائعة .
غرق مهدي والاب في صمت كئيب :
_ عزيزي مهدي لا احد غيري يعلم بشأن ماريا ، يظن الجميع انها منحازة للاسلام فقط لذا اطلب منك ان لاتبوح لاي احد بما تعرفه عنها ، انا اخشى عليك ياصغيري لقد حذرت ماريا مرارا وتكرارا ولكنها كانت صغيرة ومندفعة وثائرة ولم تكن تصغي اليَّ .
لم يستطع مهدي التحمل اكثر فأنهمرت دموعه وهو يصغي لكلام الاب وهو يتحدث عن ماريا بصيغة الماضي وكأنه كان لايريد تصديق انها رحلت فعلا ، فتفاجأ الاب جوزيف بحالته هذه و سأله بأستغراب :
_ ولكن ما الذي دهاك يا عزيزي ؟
كفكف مهدي دموعه وهمس :
_ لقد كنتُ عازما على الارتباط بماريا واحضرت امي معي لتتعرف عليها وتطلبها منك رسميا للزواج بي ولكنها عادت الى الديار بالامس بعد ان علمنا باختفاء ماريا .
هتف الاب بألم ورفع يداه نحو السماء :
_ يا ايها الرب العظيم ، آه يا ماريا يا صغيرتي المسكينة .
نهض الاب من خلف مكتبه فقام مهدي بدوره ، اقترب منه الاب واحتضنه بقوة وهمس في اذنه :
_ لاتدري ياصغيري لعل القدر يجمعكما يوما .
بعد مغادرة مهدي ظل الاب جوزيف يفكر في ماقاله هذا الشاب المسلم واخذ يحدق بالهاتف ثم قرر انه لابد من اجراء هذه المكالمة .

#يتبع ..
#لارواحكم_الحياة ..
#مشكاة_عشق /٣٩ ...

_ ابتِ اشتقت اليك .
كان صوت ماريا يفيض حنينا جعل عينا الاب تدمع :
_ وانا ايضا اشتقت اليك ياصغيرتي ولكن الاقدار ابت الا ان تبعدك عنا .
_ لابأس عليك يا ابتِ فأنا بخير ، صمتت قليلا ثم اردفت بهدوء :
_ ابتاه هل اتممت ما اتفقنا عليه ؟
_ اجل ياصغيرتي اليوم قمت بأعلان خبر وفاتك وقمنا بعمل قداس رسمي .
_ماريا .
_نعم يا ابتِ .
تردد الاب مجددا ولكنه قرر ان يخبرها :
_ لقد حضر مهدي قداس اليوم .
لاتدري ماريا ما الذي اصاب قلبها احست به يكاد يتوقف ولم تستطع السيطرة على نبضاته المتسارعة ، حاولت ان تتنفس بعمق فقد شعرت بأنها تختنق :
_ ماريا لقد احضر مهدي والدته الى كندا لتطلب اليك الزواج بولدها .
انهمرت دموع ماريا خلف الضمادات التي تغطي كل رأسها وشعرت بملوحتها تحرق الجروح التي تملأ وجهها :
_ صغيرتي لاتبكي ارجوك انا شعرت بالمسؤولية لهذا قررت ان اخبرك بالامر لان مهدي كان جادا في الارتباط بك وفكرت انه لربما اذا علمتِ بالامر ستغيرين ،
قاطعته بحدة :
_ لا يا ابتِ ارجوك لن ادع اي شيء يقف حائلا امام قراري هذا ، لقد قررت ان ابدأ من جديد بعيدا عن حياتي السابقة .
صمتت قليلا ثم اردفت :
_ لقد اخبرني الطبيب بالامس ان هذه الجراحة ستكون الاخيرة وسيقوم بعد اسبوع برفع الضمادات وان ملامح وجهي ستتغير ، لن يستطع احد التعرف عليَّ بعد الان .
ساد الصمت بينهما وتاه كل واحد منهما في افكاره :
_ ابتاه لقد اتخذت قراري ولن اتراجع عنه .
_ حسنا ياصغيرتي اسأل الرب العظيم ان يمنحك الطمأنينة والسلام .
_ شكرا لك ايها الاب الحنون .
انهت ماريا المكالمة وقامت من سريرها ازاحت الستائر واخذت تتأمل السماء ، مرت احداث الاسابيع الماضية امام ناظريها كشريط سينمائي وعادت بها الى اليوم الذي تم فيه نقلها الى المشفى .
خضعت للعديد من العمليات الجراحية وطوال فترة بقائها أوهمت الجميع بأنها لاتتذكر اي شيء فساد الاعتقاد بين الاطباء بأنها فقدت ذاكرتها بسبب الضربات الكثيرة التي اصابت رأسها .
وبعد التفكير مليا في ما حدث لها وكيف انها كادت تقضي نحبها بسبب التطرف اتخذت قرارها بأن تبتعد عن حياتها السابقة .
قطع حبل افكارها صوت الممرضة :
_ مساء الخير ، كيف حال انستي الجميلة ؟
_ مساء الخير يا فاطمة ، اشعر ببعض التحسن .
عادت الى سريرها وتأملت وجه فاطمة الاسمر الجميل كانت مهاجرة من افريقيا وتقيم في كندا مع والديها واختها الاصغر منها سنا وتعمل كممرضة في المشفى منذ عدة سنوات :
_ اخبرت الطبيب اليوم انه لابد ان نمنحك اسما يا انسة ، عليك ان تختاري اسما ياعزيزتي .
فكرت ماريا بأنها فرصة سانحة لتحصل على اسم فتاة مسلمة :
_ يعجبني اسمك يا فاطمة اريد ان تنادوني بأسم فاطمة .

#يتبع
#لارواحكم_الحياة
#مشكاة_عشق / ٤١ ..

انتهى دكتور برنارد من ازالة الضماد بالكامل و اخذ يتفحص وجه ماريا بعناية وهو مقطب الجبين ولكن سرعان ما ارتسمت على وجهه ابتسامة رضى :
_ لقد اتقن فريق الجراحين عمله يافاطمة ، اعدك بعد شهر من الان سيتهافت الشباب حولك كالفراشات .
ضحك الجميع بصوت واحد ولكن ماريا قطبت جبينها و لم تبالي بقوله و همست بأضطراب :
_ اريد المرآة .
ناولتها فاطمة المرآة فأخذت تتفحص وجهها ، كان متورما والكدمات تحيط بعينيها الزرقاوين و بوجنتيها وفمها ، بدت مشوهة جدا فاغرورقت عيناها بالدموع ولكنها كتمت بكائها وحاولت ان تبدو متماسكة وقوية :
_ اشكركم جميعا على مساعدتي و انقاذي من الموت المحتم .
_ لاشكر على واجب يا فاطمة هذا واجبنا يا عزيزتي ، والان ارتاحي قليلا واسترخي وستخبرك الممرضة بما يتوجب عليك فعله خلال الايام القادمة لتتماثلين للشفاء بسرعة .
ما ان غادر الجميع الغرفة حتى اطلقت العنان لدموعها .
بعد لحظات عادت الممرضة فاطمة لغرفة ماريا فوجدتها تبكي بمرارة :
_ عزيزتي لماذا تبكين هذا سيأخر شفائك لايجب ان تتشنج عضلات الوجه في هذه المرحلة يتوجب عليك الاسترخاء الان .
كفكفت ماريا دموعها واجابت بحزن :
_ انا فقط تألمت حينما رأيت وجهي مشوها هكذا .
_ لابأس عليك يافاطمة صدقيني اذا اتبعت التعليمات التي سأخبرك بها الان فأنك ستتماثلين للشفاء سريعا وستعودين جميلة كالسابق .
في تلك الليلة واثناء تناولها للعشاء برفقة عائلتها سمعت الممرضة فاطمة صوت صراخ السيدة اقدس وصوت سيارة الاسعاف فسارعوا الى استطلاع الامر ، كانت اختها مرضية قد فارقت الحياة اثر اصابتها بجلطة دماغية حادة .
كانت السيدة اقدس افغانية الاصل هربت هي واختها من بطش العصابات الارهابية في افغانستان وهاجرت الى كندا بعد ان قتل تنظيم طالبان جميع افراد عائلتها .
في صباح اليوم التالي بدت الممرضة فاطمة شاحبة وهي تساعد ماريا في تنظيف وجهها وقد لاحظت ماريا علامات الحزن المرتسمة على وجهها :
_ فاطمة تبدين حزينة ومتعبة ، هل انت بخير ؟
ترقرقت عينا فاطمة بالدموع :
_ انا حزينة على جارتنا السيدة اقدس .
رقَّ قلب ماريا :
_ مابال جارتكم ؟
_ لقد فقدت اختها الوحيدة بعد ان اصابتها جلطة دماغية ، لقد اصبحت وحيدة تماما .
صمتت فاطمة وغرقت ماريا في بحر افكارها العميق فهي الان وحيدة ايضا وليس لديها منزل تعود اليه او اهل يحتضنون اوجاعها ويخففون عنها الآلام الجراحات التي اصابت روحها وبدنها .


#يتبع
#لارواحكم_النور
#مشكاة_عشق / ٤٣ ..

كان رئيس الجراحين الدكتور هانسن والذي يترأس اجتماع مجلس ادارة مستشفى سانت مايكل يبدو مستاءا جدا وهو يتحدث مع رئيس قسم الاعصاب :
_ ولكن ماذا كنتم تفعلون خلال الفترة الماضية ؟ لقد مرَّ على وجود المريضة في المشفى اكثر من شهرين ولم تستعد ذاكرتها حتى الان !
_ ماذا عسانا نفعل يا سيدي انها لا تتذكر اي شيء على الاطلاق لقد حاول العديد من الاطباء المقيمين ان يعرضوها لصدمات متكررة ولكن من دون جدوى .
تدخل دكتور برنارد قائلا :
_ لا اظن ان محاولاتكم ستجدي نفعا فقد كانت الضربات التي تلقتها على رأسها عميقة وقوية ولكن ربما يوما ما ستتمكن من استعادة ذاكرتها واظن ان اجواء المشفى لا تساعد كثيرا على التعافي من الصدمة التي تعرضت لها المريضة .
نظر دكتور هانسن الى الاوراق الموضوعة امامه على الطاولة :
_ ماذا لو لم تستعد ذاكرتها ؟ لايمكنها البقاء هنا الى الابد فالقوانين تمنع مكوثها في المشفى بعد تماثلها للشفاء وفي الوقت نفسه لايمكنها المغادرة وهي لاتعلم شيئا عن حياتها السابقة من دون ان يتكفلها احد ما فهي لاتمتلك هوية او اي اوراق رسمية .
لا تدري الممرضة فاطمة من اين جاءتها الجرأة لتنهض من الكرسي في الخلف حيث تجلس مع الفريق الخاص بالدكتور برنارد وتعلن بصوت مرتجف :
_ أنا سأتكفلها .
استدار جميع الجراحين والاطباء واخذوا يتأملون الممرضة بأستغراب ودهشة فشعرت بأنها على وشك السقوط ارضا نزع دكتور هانسن نظارته وخاطبها :
_ ايتها الممرضة هل انت جادة فيما تقولين ؟
تمكنت من السيطرة على نفسها وتحدثت بجدية :
_ أجل يا سيدي فأنا استطيع ان اوفر لها سكنا وعملا في الحي الذي اسكن فيه .
_ حسنا اذا يا دكتور برنارد يبدو ان احد افراد فريقك الطبي قد انقذنا من هذا المأزق ارجو ان تقوم بالتنسيق مع الممرضة حول هذا الامر ، كما ارجو ان تنال الممرضة مكافأة وكتاب شكر ايضاً .
نظر الى الممرضة وخاطبها بأمتنان :
_ شكراً لك انستي .
ردت فاطمة بإيماءة خجولة برأسها وهي تشعر بالسرور لانها تمكنت من ضرب عصفورين بحجر واحد .

#يتبع
#لارواحكم_النور
#مشكاة_عشق / ٤٤

كانت السيدة ساميا تعد طعام العشاء حينما دفعت فاطمة باب المطبخ و دخلت وهي تشعر بالفرح :
_ عمتِ مساء يا امي.
_ عمتِ مساء ياصغيرتي .
_ رائحة البلتونغ رائعة يا امي و تملأ الارجاء .
وقفت بجانب امها قرب الموقد و فتحت القدر واستنشقت رائحة الطعام الافريقي المميز :
_ يبدو شهيا جدا .
ثم اعلنت بسرور :
_امي لدي خبر سار سيفرحك حتما ، لقد وجدت شابة يمكنها ان تقيم مع السيدة اقدس .
ارتسمت ملامح الامل على وجه امها حينما سمعت ذلك ، فسكان الحي سعوا جاهدين للتخفيف عن السيدة اقدس بعد وفاة اختها :
_ من تكون ؟
_سأخبرك لاحقا يا امي ، سأذهب اليها الان لاخبرها بالامر .
_ ولكن الى اين ؟ تناولي عشائك اولا ؟
وضعت اغراضها على الطاولة وخرجت مسرعة :
_ لست جائعة الان ، لن اتأخر .
طرقت باب المنزل المجاور لمنزلهم :
_ سيدة اقدس هذه انا فاطمة .
فتحت السيدة الباب وكان يبدو على وجهها الارهاق والحزن :
_ مرحبا بك يا عزيزتي تفضلي بالدخول .
كان منزل السيدة اقدس يُشعر المرء بالهدوء والسكون فحجرة المعيشة التي تتوسطها المدفئة الحجرية و يتصاعد منها دخان الخشب المحترق و بقربها الكرسي الهزاز الملقى عليه دثار السيدة الصوفي تبعث على الدفئ و الطمأنينة :
_ اسفة لاني ازعجتك في هذا الوقت .
ابتسمت السيدة اقدس :
_ انا ارحب بأي ضيف في اي وقت يافاطمة فكما ترين اجلس وحيدة مع ذكرياتي .
واشارت بيدها الى الجدار قرب المدفئة والذي امتلأ بصور اهلها بزيهم التقليدي الجميل :
_ لابأس عليك يا سيدتي ، لقد عثرت على فتاة تستطيع ان تقيم معك على الدوام .
التمعت عينا السيدة اقدس بالامل وتغيرت ملامحها فبدت اصغر سنا :
_ حقا يافاطمة ؟ أحقا ما تقولين ؟
ابتسمت فاطمة بفرح :
_ أجل أجل يا سيدة اقدس ، ستسرين بمعرفتها انا متأكدة من ذلك فأنتما لديكما مشتركات كثيرة و ستكون اقامتها معك شيء رائع .
صمتت قليلا ثم اردفت :
_ انها شابة مريضة ترقد في المستشفى الذي اعمل فيه وقد تعرضت لحادث افقدها الذاكرة ولاتستطيع تذكر عائلتها او من تكون ويجب ان تغادر المشفى لانها تماثلت للشفاء وقوانين المستشفى لا تسمح ببقائها فترة اطول ، لذا فكرت انها الشخص الانسب للاقامة معك .
شعرت السيدة اقدس بالحزن :
_ ايتها الصغيرة المسكينة ، وكيف حالها الان ؟
_ لقد خضعت لعدة عمليات جراحية وكذلك عمليات تجميلية لوجهها الذي تشوه بشكل كبير بسبب الحادث ، ولكنها تتعافى الان .
لاتدري فاطمة هل يجب ان تخبر السيدة اقدس بسر ماريا ام لا ولكنها تراجعت حينما تذكرت قَسمها :
_ سيدتي ما رأيك هل تودين مني احضارها الى هنا ؟
_ أجل يا عزيزتي بالتأكيد اود ذلك ، ولكن اخبريني ما اسمها ؟
ابتسمت فاطمة بلطف :
_ هي لاتستطيع تذكر اسمها الان لذا اختارت ان يكون اسمها فاطمة .
_ و نعم الاسم ، حسنا ياصغيرتي اشكرك كثيرا ولا اعرف كيف عساني ارد لك هذا الجميل فانا حقا اشعر بالوحدة القاتلة بعد رحيل مرضية .
فرت دمعة من عينيها فسارعت فاطمة الى احتضانها والتخفيف عنها :
_ لاتحزني يا سيدتي ارجوك ، يحتاج الامر بضعة ايام فقط وستكون فاطمة برفقتك لتخفف عنك هذه الوحدة .

#يتبع
#لارواحكم_النور
#مشكاة_عشق / ٤٦

بعد جلسة لم تتجاوز الساعة تعرفت ماريا خلالها على عائلة فاطمة ذهبت الفتاتان الى بيت السيدة اقدس التي كانت تنتظر بلهفة لتلتقي بالفتاة الشابة وما ان طرقت فاطمة الباب حتى سارعت السيدة بفتحه والابتسامة تعلو وجهها :
_ السلام عليكم سيدة اقدس ، اقدم لك فاطمة ، فاطمة اقدم لك السيدة اقدس .
مدت ماريا يدها لتصافح السيدة :
_ سررت بلقائك سيدتي .
تفرست السيدة بوجه ماريا بأستغراب :
_ وعليكم السلام .
صمتت قليلا ثم اردفت :
_ كنتُ اظنك عربية يافاطمة ولكن يبدو انك كندية الاصل !
انتبهت السيدة الى ان الفتاتين تبادلتا نظرات مبهمة فعلمت ان في الامر سر ما فتداركت الموقف وسارعت بدعوتهما الى الدخول :
_ اهلا وسهلا بكما تفضلا .
تأملت ماريا منزل السيدة اقدس فشعرت بالطمأنينة تدثر روحها بالسكون والهدوء فقد بدا كل شيء مرتبا ومنسقا واضفت الورود البيضاء الموضوعة على الطاولة التي تتوسط حجرة المعيشة جوا من السلام والحب ، اما النباتات المنتشرة في اركان المنزل اكسبته روح الحياة .
بعد ان اطمئنت فاطمة ان الامور سارت على مايرام استأذنت في المغادرة :
_ اود البقاء اكثر ولكن احتاج الى الراحة فأنا لم انم منذ الامس .
عانقتها ماريا بقوة واغرورقت عيناها بالدموع وهمست في اذنها :
_ لا اعرف كيف ومتى سأرد لك هذا الفضل الجميل يافاطمة .
_ ليس فضلا انت اختي في الدين والانسانية ياعزيزتي .
رافقت السيدة فاطمة الى الباب ثم عادت الى حجرة المعيشة :
_ عزيزتي دعيني أُريك غرفتك .
حملت ماريا اكياس الثياب وصعدت برفقة السيدة الى الطابق العلوي الذي كان مؤلفا من ثلاث غرف فتحت السيدة اقدس باب احداها واشارت لماريا بالدخول :
_ تفضلي هذه ستكون غرفتك .
كانت الغرفة صغيرة تطل على الحديقة الامامية للمنزل والذي يطل على الشارع العام للحي ، وشعرت بالراحة تملأ قلبها وهي تتأمل هذه الغرفة البيضاء كأنها حمامة سلام فأثاثها الابيض وجدرانها المعرقة باللونين الابيض والزهري اضفت لمسة انثوية جعلتها تبتسم :
_ انها رائعة ياسيدتي .
_ حسنا اذا ، سأتركك الان لأقوم بإعداد المائدة ريثما تنتهين من توضيب ثيابك.
توجهت ناحية الباب فنادتها ماريا :
_ سيدتي .
التفتت السيدة اليها فشاهدت ملامح الامتنان مرتسمة على وجهها الغض :
_ اشكرك من اعماق قلبي على استضافتك لي في منزلك .
ترقرق الدمع في عيني السيدة اقدس فقد شعرت بصدق شعور ماريا :
_ انا من يجب ان يشكرك على ملأ وحدتي القاتلة بوجودك .
اومأت السيدة برأسها و اغلقت الباب خلفها وقلبها ينبض بشعور غريب لم تألفه من قبل .

#يتبع ..
#لارواحكم_النور ..
#مشكاة_عشق /٤٧

كانت وجبة الغداء التي اعدتها السيدة اقدس افغانية بأمتياز فإلى جانب الطبق الرئيسي المكون من الارز المخلوط مع قطع الدجاج وانواع مختلفة من الخضار كانت رقائق من العجين المحشوة بالخضار تبدو رائعة :
_ انه لذيذ جدا يا سيدتي .
ابتسمت السيدة اقدس وشعرت بالفخر لان الطعام اعجب ماريا ثم بدأت تخبرها عن الاصناف التي اعدتها :
_هذه الرقائق هي خبز ( البولاني ) نحشوه بالخضار مع الفلفل الحار اما الارز فيدعى ( برياني ) وهذه الوصفة من المطبخ الآسيوي و كل بلد يقوم بطهوه بشكل مختلف .
طلبت ماريا من السيدة اقدس ان تقوم بجلي الصحون واعداد القهوة :
_ حسنا ياصغيرتي سانتظرك في حجرة المعيشة .
حملت ماريا صينية القهوة الى السيدة اقدس فوجدتها تجلس على كرسيها الهزاز قرب المدفئة مغمضة العينين فظنت انها نائمة :
_ اقتربي ياعزيزتي فاطمة .
_ تفضلي فنجانك ياسيدتي .
ارتشفت السيدة قهوتها فأبتسمت لماريا التي اختارت ان تجلس على الارض قرب المدفئة :
_ قهوتك رائعة مثلك .
ابتسمت ماريا ولاذت بالصمت فأخذت السيدة اقدس تتأمل هذه الفتاة الغريبة عنها تماما كانت تبدو جميلة جدا وهي تجلس امام المدفئة والسنة اللهب تنعكس على وجهها الناصع البياض وتلتمع في عينيها الخضراوين ولكن اكثر ما لفت انتباه السيدة ذلك الحزن العميق الذي يسكن عينيها على الرغم من ابتسامتها التي لاتفارق وجهها .
كسر صوت السيدة حاجز الصمت الذي احاط بماريا :
_ يوما ما كانت اختي مرضية جميلة مثلك ولكن اختطفها الموت مبكرا .
التفتت ماريا للسيدة التي اردفت بصوت حزين :
_ كانت يافعة جدا حينما اقدمت الجماعات الارهابية على قتل امي وابي واخوتي ، كنت اكبرها بعشر سنوات حينذاك .
اقتربت ماريا منها وامسكت بيدها فقد كانت تعاني من هذه الذكريات الاليمة فنظرت الى عينيها واردفت بألم :
_ حينما علم ابي ان عصابة طالبان اجتاحت القرى القريبة من قريتنا قام بنقب جدار خلف خزانة الملابس في حجرة النوم وعمل ثغرة تكفي لاختبائنا انا ومرضية واعاد بناء الجدار وابقى على فتحة صغيرة جدا لنتمكن من التنفس ، لقد كانوا قساة ليس في قلوبهم ذرة رحمة وكأنهم جبلوا على القتل والاجرام قاموا بوضع ابي واخوتي الثلاث وجميع رجال القرية في خزانات المياه الكبيرة ودحرجوها في الوادي اما امي والنسوة فاحرقوهن بماء النار بعد ان عذبوهن وشوهوا وجهوهن بالسكاكين والسيوف لقد تفننوا في تعذيبنا .
شهقت السيدة اقدس من هول الذكرى اما ماريا الغارقة بدموعها استرجعت ما مرَّ عليها في تلك الغابة الموحشة .

#يتبع
#لارواحكم_النور
#مشكاة_عشق /٤٨ ..

اسفة يا صغيرتي .
اعتذرت السيدة اقدس من ماريا حينما رأتها غارقة بدموعها :
_ لا عليك يا سيدتي انا فقط شعرت بالاسى على مااصابكم .
كفكفت دموعها وتسائلت :
_ ولكن كيف تمكنتما من الهرب لاحقا ؟
_ لقد كانت ساعات عصيبة تلك التي مررنا بها ونحن نكتم انفاسنا خلف تلك الخزانة الخشبية الكبيرة ونسمع صراخ النساء وبكائهن ، كان صراخ الارهابيين والفاظهم النابية يصيب القلوب بالرعب فقضيت ساعات طوال وانا احاول ان اهدئ من روع مرضية المسكينة التي كانت ترتعد من شدة الخوف كلما تناهت الى مسامعها اصواتهم البغيضة ، وحينما حلَّ الصمت الارجاء علمتُ انهم غادروا المكان ولكني خشيتُ ان اخرج من الثغرة فأنتظرتُ حتى تأكدت من خلو المكان منهم وقمت باستعمال معول صغير اعطاني اياه ابي لافتح به الثغرة ثم حاولت جاهدة ان ادفع الخزانة شيئا فشيئا حتى انزاح قليلا وتمكنت من الخروج بصعوبة ثم قمت بدفعه اكثر لاخرج مرضية التي كانت على وشك الانهيار .
كانت ماريا تصغي بكل جوارحها لهذه المأساة التي اصابت هاتين الفتاتين :
_ كانت مرضية مصابة بالمرض الشديد ولم اعرف سبيلا لعلاجها سوى قراءة القران على ضوء الشموع طيلة تلك الليالي التي مرت علينا خلف تلك الخزانة كان قد مضى على اختبائنا في المنزل اسبوعا كاملا حينما وصلت احدى المنظمات الانسانية لتوثيق ماجرى على قريتنا وفوجئوا بخروجنا من خلف الخزانة التي كنا نسارع للاختباء خلفها كلما سمعنا صوتا ما ، وهكذا عملت منظمات الاغاثة الانسانية التابعة للامم المتحدة في كابول على تسهيل اجراءات سفرنا الى كندا واعتبارنا من ضحايا الارهاب .
ربتت ماريا على يد السيدة اقدس بلطف :
_ انت امرأة شجاعة يا سيدتي اهنئك على هذه القوة والانتصار على الارهاب .
_ لم اكن قوية كفاية في حينها يا عزيزتي لقد كنت يافعة ايضا وخفت كثيرا ولكني تظاهرت بالقوة حتى لا افقد اختي الوحيدة ، كان عزائي الوحيد هو وجودي بمعية الله كنت اعلم ان مشيئته قضت ان احيا انا واختي لننقل للعالم بشاعة ما حدث معنا .
اصاب كلام السيدة اقدس وترا حساسا في قلب ماريا فسرحت بأفكارها ياترى هل يتوجب عليها ان تكون شاهدة على بشاعة التطرف الديني وتنقل للعالم ماحدث معها هزت رأسها بقوة لتنفض عنه هذه الافكار فهي ليست قادرة على المواجهة الان .
صوت دقات الساعة الخشبية الضخمة اعلن عن حلول المساء :
_ يا الهي لقد مضى الوقت بسرعة وسيحين وقت صلاة المغرب بعد قليل ، اسفة يا عزيزتي لقد اثقلت كاهلك بهذه الذكريات المحزنة .
نهضت السيدة اقدس من الكرسي وفاجئت ماريا بسؤال جعل الصفرة تعلو وجهها .

#يتبع
#لارواحكم_النور